|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  17 / 11 / 2013                                د. عدنان الظاهر                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

مهرجان وطني في برلين

د. عدنان الظاهر

[ مهرجان وطني مُشترك في برلين في يوم السبت التاسع من تشرين الثاني بعنوان : لا للطائفية في العراق

دعت لهذا المهرجان وشاركت فيه أربع منظمّات عراقية مُستقلة ناشطة في العاصمة الألمانية برلين هي :
1ـ منتدى بغداد للثقافة والفنون
2ـ لجنة برلين للتيار الديمقراطي العراقي في ألمانيا الإتحادية
3ـ نادي الرافدين الثقافي العراقي في برلين
4ـ منتدى بابل للتربية والثقافة

القسم الأول :
في الثانية عشرة منتصف نهار السبت الموافق التاسع من تشرين الثاني 2013 بدأت الفعاليات العراقية حسب البرنامج الذي وصلني على عنوان بريدي الألكتروني بوقفة تظاهرة واعتصام أمام بوّابة Brandenburger Tor
براندنبورك القريبة من مقر المستشارية الألمانية [ مكتب مركل ] والبرلمان الألماني [ الرايخستاغ ]  Reichstag
والمحاطة بسفارات كلٍّ من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان والولايات المتحدة الأمريكية.

كانت في هذه البقعة تجمعات أخرى غير قليلة وقف فيها متكلمون خطباء بالإسبانية والإنكليزية وكانت خلف البوّابة خيمة كبيرة كان الكلام فيها بمكبر الصوت باللغة الفارسية. دنوتُ من مكان التجمع إذْ رأيتُ علم العراق تلوّحُ به في الفضاء فتاة عراقية وسمعت أغانيَ عراقية وطنية شجيّة مُسجلة. إقتربت أكثر فقدّم لي رجلٌ من بين جمع العراقيين ورقة في أحد وجهيها كلام بالعربية وكلام بالألمانية على الوجه الآخر. عرّفني على نفسه : عصام الياسري ! هذا الإسم ليس غريباً عليَّ إذْ تراسلنا لفترة ثم إنه شقيق الفنان فيصل الياسري. قلتُ له من أنا ثم لاطفته بقولي : أخوك فيصل أحلى منك فهل أنتما من أم واحدة ؟ لم يُعلّق ! يبدو أن ملاطفتي هذه لم تعجبه. عَرضَ أنْ نجتمع مع صديق قديم مشترك آخر لنتكلمَ عن الفنان عزيز علي. إعتذرتُ أني لست خبيراً بفن منولوجات الرجل إنما كنتُ أسمعها في العهد الملكي كحال باقي العراقيين. ثم إني لا أعرف الرجل معرفة شخصية فما ساقولُ عنه ؟
قال إنَّ ابنة المرحوم عزيز علي مقيمة في برلين فتمنيتُ أنْ أراها لأسألها عن مصير أحد أقاربها من قدامى أصدقائي.
كتب لي رقمَي تلفونه وأعطيته كارد الهوتيل الذي أقمتُ فيه في برلين. لم يتصلْ بي ولم أتصلْ من جهتي به.

حضر بعد قليل الصديق الأستاذ صبيح سلمان الحمداني وقرينته السيدة كفاح الطريحي فاستبشرتُ وارتفعت معنوياتي ثم ارتفعت المعنويات أكثر حين جاءت السيدة وفاء الربيعي لتُحيّيني بحرارة. وفاء هي رئيسة الهيئة الإدارية لنادي الرافدين الثقافي العراقي وهي شاعرة وأصلها من مدينة الحلة. أخذ الربع يزدادُ مع مرّ الوقت عدداً وتكونت حلقات تختلط حيناً ببعضها وتفترق أحيانا حتى وجدتُ نفسي وجهاً لوجه مع الدكتورة لميس العماري ولي بها معرفة قديمة. كما سُررتُ بتعرّفي على الأستاذ ضياء الشكرجي وجرت بيننا أحاديث لا تخلو من طرافة.

يرتفع علم العراق الكبير بين يدي الفتاة العراقية كلما ارتفع صوت الموسيقى والأغاني العراقية الشجية وقد تألّقت هذه الفتاة حقاً لا بعَلَمِها العراقي الوحيد الذي ارتفعَ عالياً إنما بخفتها وقدرتها على بعث الطرب في النفوس. عبّرت إحدى السيدات عن خيبتها لقلّة الحاضرين خاصة والمناسبة وشعار الفعاليات جميعاً يخص كافة شرائح وفئات الشعب العراق [ لا للطائفية في العراق ]. قد ... قد يكون الجو هو السبب فلقد تقلّب مِراراً بين الصحو والغيم ونث خفيف وكانت الريح هي الأخرى عالية مع قليل من البرد. يخاف الناس من تبدّلات الطقس الفجائية أو لا يُطيقونها لا سيّما المطر. أُلتقطتْ صورٌ كثيرة ووقفنا جميعاً متزاحمين أمام العلم واللافتة الكبيرة التي حملت شعار هذا المهرجان بالعربية والكردية.

إقترحتُ على الأستاذ صبيح الحمداني وزوجه كفاح أنْ نتناولَ طعام الغداء معاً في أحد مطاعم برلين فاعتذر أنَّ إحدى بناته جاءتهم ضيفاً من مدينة أخرى. هذا الحمداني أصرَّ أنْ يلتقط لي صورة مع عربة كانت بجوارنا يجرّها حصانان فامتثلت لرغبته لأنها ذكّرتنا بأيام عربات / ربلات الحلة وخيولها العجفاء المسكينة وما ينالها من ضرب بالسوط القاسي لتجري أسرع وأسرع.

إرفضَّ الجمع في الثانية بعد الظهر تقريباً لنعود فنلتقي في الساعة السادسة مساء في قاعة كبيرة على الطابق الأول من بناية ضخمة كانت فيها إدارة جريدة " ألمانيا الجديدة / نويسدوتشلاند ".

القسم الثاني من فعاليات المهرجان / الساعة السادسة مساءً :
إنقسم هذا الجزء بدوره إلى ثلاث فعاليات تضمنت الفعالية الأولى ندوة توزّعت على ثلاثة محاور هي :
1ـ الطائفية والقانون ... مع الخبير القانوني الدكتور سعيد بير مُراد
2ـ الطائفية والثقافة ... مع الكاتب والناشط السياسي الأستاذ ضياء الشكرجي
3ـ الطائفية والمجتمع ... مع الناشطة النسوية السيدة سوسن أحمد البرّاك.
أدار الحوارات الدكتور ( إبن قصبة الجُمجمة قرب آثار بابل ) الدكتور ناجح العُبيدي.

جرت مناقشات طريفة بين السادة المحاضرين والسادة الحضور وأجاب المحاضرون والمحاضرات على أسئلة الحضور وأغنوا ما سبق وأنْ قالوا في محاضراتهم. أردتُ التعليق لكني أحجمتُ لأني ضيف قادم من مدينة ميونيخ البعيدة عن برلين فعلى الضيف أنْ يكونَ مؤدّباً ( يا غريب كنْ أديباً ) وفضلّت مناقشة بعض المحاضرين بعد الندوة وهذا ما حصل كما سأبين لاحقاً.

حانت فترة العشاء فتناولنا الأكلات العراقية الشهيّة على رأسها كبّة البرغل وكبّة حلب ودارت مع الطعام ـ كما هي العادة ـ أحاديث شتّى منوّعة بين الحضور وفي هذا الجو فاجأني الصديق العزيز الأستاذ طارق عيسى طه ! ما كان معنا في تظاهرة بوّابة براندنبورك تحت المطر والبرد والريح القوية ولعله كان حاضراً الندوة الفكرية حول الطائفية لكنه برز قويَّ الحضور مع كبّة البرغل والفلافل والطحينية والجو الكثير الدفء الذي يرافق الأكلات العراقية.

كنتُ في غاية السرور خلال فترة الطعام هذه لأني وجدتُ نفسي مُنخرطاً في نقاشات غاية في الطرافة مع الأستاذ ضياء الشكرجي (أبو آمنة) حيث أحاطته مجموعة من أصدقائه ومعارفه فأمطرناه بعدد من الأسئلة وكان قادراً مُجلّياً في أجوبته وبأسلوبه الناعم ومنطقه القوي الكثير الإقناع. كما فوجئت بوجه الإعلامي الأستاذ أردلان حسن صاحب موقع ألكتروني كنتُ أنشر فيه مقالاتي وأبحاثي لكنْ عرضَ عارضٌ لا دخلَ له فيهِ فتوقفت عن النشر. وعدته أنْ أستأنف النشر في فُرصة قريبة. هزّتني أريحية وكرم هذا الشاب حين عرض عليَّ الإقامة معه وعائلته فاعتذرتُ أني كنتُ قد حجزتُ مكان إقامتي ودفعتُ في أحد هوتيلات برلين قبل وصولي إلى هذه المدينة.

ما تبقّى من أوجه نشاطات وفعاليات هذا المهرجان المتميّز ؟ بقيَ مِسكُ الختامِ !
بقيت الفعاليات الموسيقية والغنائية التي أنعشتنا وأطربتنا حيث عزفت وغنّت فرقة الجالغي البغدادي وألهبت الحماسَ العراقيَّ في النفوس فقامت فتاة عراقية وقابلها أحد الحضور وأديّا معاً نماذجَ من الرقص العراقي كأحسن ما يكون الرقص. كانت الفتاة التي رقصت وأجادت هي نفسها التي رفعت علم العراق عالياً في ساحة براندنبورك في منتصف نهار اليوم. لا أعرف اسمها ولا أعرف مَنْ هي لشديد الأسف. كذلك لا أعرف حضرات السادة أعضاء الجالغي عدا الأستاذ ابن الموصل مُحمّد الصوفي ضارب الدف في الفرقة فقد سبق وأنْ تعرّفتُ عليه في مدينة لايبزك كما التقينا في زيارة خاصة له في مدينة ميونيخ.

ختام : ناقشت في نهاية الندوة خفّة وزن الشعار المركزي [ لا للطائفية في العراق ] مع كلٍّ من الخبير القانوني الدكتور سعيد والدكتور ناجح العُبيدي الذي أدار الندوة. بيّنتُ لهما أنَّ شعاركم هذا يوازي وقوفي في ساحة التحرير في قلب بغداد وأرفعُ صوتي عالياً : لا كحّة ولا نشلة في العراق ! لماذا ؟ لأنه بدون وزن قانوني أو سياسي ولأنه عصيٌّ على التطبيق. الطائفية كظاهرة اجتماعية دخلت السياسة فيها بالطول والعرض فغدت طائفية سياسية أي أنَّ السياسة في عراق اليوم غدت سياسة طائفية. ومن جهة أخرى أكثر أهميّةً ، الطائفية ظاهرة محمولة يحملها بشرٌ عراقيون أي لها عناصر تحملها فهل في الإمكان القضاء على هذه العناصر الحاملة (البشر، سنّة وشيعة) لخاطر عيون شعار هوائي لا وزن ولا قيمة له سوى كونه أُمنية تراود قلوب وعقول الخيرين من العراقيين. قلت لرجل القانون الدكتور سعيد إنَّ القانون قوّة ليست فيه وهو بدون أسنان ولا يحمل سيفاً إنما يستمدُّ قوته بغيره من العناصر كالشرطة والقضاء والمحاكم وحتى الجيش. فما معنى وما أهمية شعار [ لا للطائفية في العراق ] من غير قانون يجري تكييفه حسب وضعية الحالة ؟ كان الأصح ـ من وجهة نظري ـ أنْ يكون شعار هذه الفعالية [ لا للمحاصصة في العراق ]. المحاصصة ظاهرة سياسية طارئه وشاذّة ما عرفناها قبل اليوم لكنَّ للطائفية جذوراً قديمة غائرة في أعماق نسيج الشعب العراقي ربما يبلغ عمرها 14 قرناً وجرت بسببها حروب ومنازعات وسالت دماء وخُرِّبت وأُحرقت بيوت وجّزت رؤوس وسُبيت نساء. فهل يصح بعد هذا القولُ ورفع شعار [ لا للطائفية في العراق ] ؟
سأصرخُ إذاً في ساحة التحرير في بغداد : لا كحّة بعد اليوم ولا نشلة في العراق !

أخيراً ... كانت الفعاليات والمهرجان الوطني جميعاً ناجحة أدّت أغراضها واستمتع العراقيون في برلين بنهار بهيج وأمسية متنوّعة الفعاليات مفعمة بالنشاط دافئة من كافة الوجوه لا سيّما فعالية الموسيقى والغناء ورقص السيّدة العراقية فضلاً عن الكبّة وملحقاتها.
أجزل الشكر للسيدات والسادة الذين وجهوا الدعوة للمشاركة في هذا المهرجان وأشرفوا على تنفيذ فقراته بدقة متناهية ... كما أسجّل كبير شكري للسادة الذين ساهموا في محاضراتهم ونقاشاتهم فثقفونا وأفدنا من علمهم وثقافتهم. وما عسايَ أنْ أقول في فرقة الجالغي البغدادي وما قدّمت من الأغاني العراقية التي ما زالت تحمل نكهة الطرب القديم وخاصةً الأستاذ عازف الكمان ( السوليست ) حيث تجاوب معها الحضور طرباً وغناءً فمدّت من الفسحة الزمنية المخصصة لها حسب البرنامج.

15.11.2013
 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter