| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

                                                                                 الجمعة 20/5/ 2011

 

اليسار في الحركة الشيوعية العالمية ....
الجزء الخامس ..

علي ألأسدي - البصرة  

أصيب الجناح اليساري في الأحزاب الاشتراكية والاشتراكية الديمقراطية في أوربا بالصدمة عندما أعلنت الأممية الثالثة عام 1919 أن الثورة البولشفية تشكل نموذجا يجب محاكاته من قبل الشيوعيين ولثورة البروليتاريا في العالم. وعلى إثر هذا الاعلان سارع ممثلو اليسار الشيوعي الى سحب تأييدهم للأممية الثالثة ،وصعدوا من حدة نقدهم للحكومة البولشفية. واعلنوا على لسان قادتهم " أن حفنة من ممثلي البرجوازية البولشفيك في روسيا ، قد قاموا بالثورة ليضعوا أنفسهم كمعوقين لثورة البروليتاريا العالمية ". واعتبر أوتو رول ، " أن أكثر أو أقل عددا من تمثيل البروليتاريا في الثورة الروسية لم يغير من واقع الطبيعة البرجوازية في بلد هدفه الأول الخروج من الاقطاعية إلى الرأسمالية الصناعية الحديثة " ، وأعلن ، " أن النظام في روسيا قد عرف نفسه كنظام برجوازي ، وأن التاميم الذي شمل الممتلكات الرأسمالية وجعلها ملكية دولة ، لاعلاقة له بالاشتراكية ".(9) بينما أدعى رفيقه أنتون بانيكوك " أن هيمنة الحزب البولشفي على السلطة في روسيا جاء نتيجة قلة الكادر، وان الدولة الجديدة حلت محل طبقة البروليتاريا. وأن رأسمالية الدولة موازية إلى اشتراكية الدولة في روسيا منذ قيام الحكومة الجديدة فيها ، ومن البديهي أن ، تقوم بالتأميمات وانشاء مزارع الدولة. لهذا وبصرف النظر عن سماتها البرجوازية أو بسببها فان الثورة الروسية تمثل خطوة مهمة للأمام ، وبها تكون الجماهير قد تقدمت من البربرية إلى التمتع بالكرامة. لكن ثمن هذا التقدم كان باهظا ، لأن ما يعانيه العمال من قمع وعبودية في ظل الديكتاتورية هو اشد من تلك التي تواجهها الطبقة العاملة في الرأسمالية الغربية.(10)

فلاديميرلينين في رده على منتقدي دورالحزب وديكتاتورية البروليتاريا في ثورة أكتوبر ، والاجراءات الاقتصادية التي اتخذتها بعد ذلك ، وقارنها بألمانيا فيما لو قررت الاطاحة بالرأسمالية وأقامت الاشتراكية ، لمعرفته الدقيقة بمستوى تطور قوى الانتاج في كل من ألمانيا وروسيا حينها ، فيقول: " أن نفي الحزبية من وجهة نظر الشيوعية يعني القفز من عشية سقوط الرأسمالية (ألمانيا مثالا) لا إلى المرحلة الدنيا أو المتوسطة من الشيوعية ، بل إلى مرحلتها العليا وهي الاشتراكية ". و بصدد روسيا يقول : " نحن في روسيا ( في السنة الثالثة بعد اسقاط البرجوازية) نخطو الخطوات الأولى في طريق الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية ، أي إلى الطور الأدنى للشيوعية ". و حول دور الطبقات في روسيا وغيرها من البلدان الرأسمالية يذكر: " لقد بقيت الطبقات وستبقى في كل مكان طوال سنوات بعد ظفر البروليتاريا بالسلطة ، ربما تكون هذه المدة أقرب في انجلترا ، حيث لا يوجد فلاحون ( ولكن على كل حال يوجد صغار الملاكين). أن القضاء على الطبقات لا يعني كذلك القضاء على منتجي البضائع الصغار ، وهؤلاء لا يمكن طردهم ، ولايمكن قمعهم ، انما يلزم أن نتعايش معهم ، فمن الممكن والواجب اصلاحهم وتربيتهم على نمط جديد، وذلك فقط بواسطة عمل تنظيمي مديد يحقق ببطء واحتراس ، فهؤلاء يحيطون بالبروليتاريا من جميع الجهات بروح البرجوازية الصغيرة ، وهذه الروح تتسرب في البروليتاريا وتفسدها ، وتسبب على الدوام في أوساط البروليتاريا انتعاش ما يلازم البرجوازية الصغيرة من ميوعة وتشتت وفردية وتأرجح بين الحماس والخمود ، فلابد أن تسود داخل حزب البروليتريا السياسات المركزية والانضباط الشديدان للغاية لمكافحة ذلك"(11).

أما بول ماتيك ، أحد قادة الشيوعية المجالسية ، فيرى ، " أن السلطة البولشفية لا تبني الاشتراكية ، فالسيطرة على وسائل الانتاج وتحويل الملكية الخاصة إلى ملكية الدولة ، والتوجيه المركزي للانتاج والتوزيع ، تبقي علاقة رأس المال بالعمل على ما كانت عليه ، علاقة المستغلين بالمستغلين ( بفتح حرف غ) ، كعلاقة السادة بالعبيد. مثل هذا التطور يقود إلى مرحة رأسمالية أكثر تقدما ، حيث يصبح رأس المال بصورة مباشرة الملكية الخاصة الجماعية للطبقة السائدة المهيمنة سياسيا. " بول ماتيك يناقض نفسه ، ففي أي ثورة اشتراكية في ألمانيا يقودها جناحه اليسار الشيوعي ( في الحزب الاشتراكي الديمقراطي ) ستستبدل الطبقة البرجوازية السائدة بالطبقة العاملة ، وستؤول حينها وسائل الانتاج للطبقة العاملة السائدة ، وأن الانتاج كل الانتاج سيوزع باشرافها ولمصلحة الشعب كله.

وهذا بالفعل ما قامت به السلطة البلشفية في ظرف شهورعدة ، وأن ذلك سيتطلب اجراءات ادارية ، وقانونية ، ومالية واقتصادية كثيرة ومعقدة ، لا تظهر نتائجها ومنافعها بين يوم وليلة ، بل ستحتاج إلى وقت والى تضحيات كبرى. انما الخطوة الأهم ، أن النظام الرأسمالي قد تمت الاطاحة به وأزيحت البرجوازية عن السلطة ، وعلى الحزب والطبقة العاملة وكل حلفائها مواصلة العمل لانجاز المهام الأخرى التي ستتلو ذلك الفعل ( الاطاحة بالنظام الرأسمالي في روسيا) والشروع ببناء الاشتراكية. يقول فريديك أنجلس عن الاجراءات التي ينبغي القيام بها لاقامة الاشتراكية ، " لا يمكن تطبيق كل الإجراءات دفعة واحدة ، و لكن كل إجراء يجر حتما إلى تطبيق الإجراء الموالي. إذ يكفي أن يقع المساس بصفة جذرية بالملكية الخاصة حتى تجد الطبقة العاملة نفسها مدفوعة إلى المضي قدما و إلى تعزيز مركزة الرساميل والصناعة والفلاحة والنقل والمبادلات بين أيدي الدولة.ذلك هو الهدف الذي تصبو إليه كل هذه الإجراءات. و بقدر ما تتعاظم و تنمو قوى الإنتاج بقدر ما تصبح هذه الإجراءات قابلة للتطبيق ، وتؤدي دورها الممركز وبفضل عمل و مجهود العمال. وأخيرا عندما يتحقق تمركز رأس المال والإنتاج والمبادلات بيد الدولة تسقط الملكية الخاصة من تلقاء نفسها ،وتصبح النقود بلا أي قيمة و يتضاعف الإنتاج و يتغير الناس على نحو يصبح معه من الممكن إزالة ما تبقى من علاقات المجتمع القديم.(12)

أنتون بانيكوك أبرز منظري الشيوعية المجالسية ، كان قد أشاد بالسوفييتات التي أسسها العمال الروس خلال ثورة عام 1905 ، وثم في ثورتي شباط وأكتوبرعام 1917 ، واعتبرها " ظاهرة العصر وأسلوبا جديدا لنضال الطبقة العاملة داخل النظام الرأسمالي. فهي المعنية بأسلوب جديد للانتاج ، وبوحدات اقتصادية كبيرة ، وتدويل السوق وتطوير الاحتكار الذي يغير طريقة تفكير العمال ، وعندما تكون وسائل الانتاج بيد الطبقة العاملة ، عندها تكون سيدة نفسها". (13)

لكن أنتون بانيكوك انقلب على آرائه تلك في منتصف عام 1920 ، ووصف " الحكم السوفييتي بالبرجوازي ". وكان رفيقه في تيار المجالسية ، هيرمان غورتر قد اتخذ نفس الموقف الذي اتخذه بانيكوك. فهو الآخر أشاد بثورة أكتوبر قبل أن يقف ضدها ، فهو القائل : " إن الطبقة العاملة العالمية وجدت في مجالس العمال ( السوفييتات) التنظيم الذي يقود إلى الثورة و إلى المجتمع الاشتراكي." كما أشاد بلينين قائد ثورة أكتوبر، حيث اعتبره " القائد الطليعي والمحارب من أجل الطبقة العاملة العالمية ".(14) لكنه وبعد تراجعه عن موقفه،اعتبر ثورة أكتوبرالاشتراكية " الثورة البرجوازية الأخيرة ، ثورة كانت من صنع الطبقة العاملة ، أطاحت بالاقطاع وفتحت الأبواب للتصنيع مع كل تبعاته الاجتماعية ، فهي لذلك على خط الثورة الانكليزية عام 1647 ، والثورة الفرنسية في عام 1799 ، وعام 1830 ، وعام 1848 ، وعام 1871." (15) منذ ذلك التاريخ أعلنت المجالسية عن نفسها ، حركة ماركسية ثورية معارضة للحزب الشيوعي والأممية الثالثة التي أطلقوا عليها اسم " الشيوعية الرسمية " ، تمييزا لها عن شيوعيتهم اليسارية ، وأطلقوا على ثورة أكتوبر منذ ذلك الحين " بالثورة البرجوازية الروسية ". (16)

فالدولة الروسية بحسب منظري الشيوعية اليسارية تعاظمت داخليا وعالميا ، فبالنسبة للبروليتاريا أصبح الحكم شكلا آخر للرأسمالية ، وأن العمال الروس ما يزالون يعيشون من بيع قوة عملهم ، وما يزالون غير مسيطرين على وسائل الانتاج. وأكثر من هذا ، فان الجهاز الاداري للدولة البولشفية اتخذ صفة النظام الشمولي ، حيث القمع لكل شكل من أشكال المعارضة وكل ما يهدد سلطتهم ، ومثل هذه التصرفات بدأت في عهد لينين واستمرت في عهد ستالين. لقد اعتبر شيوعيو اليسار أن ما يقومون به هو جزء من نضالهم من أجل الاشتراكية. لقد أعلنوا في صحافتهم ومنتدياتهم الفكرية ،أن الكفاح ضد الفاشية قد بدأ في عام 1939، وقد بدؤوه هم ضد البولشفية أيضا. وقد طرح للنقاش حينها ، تصنيف روسيا كواحدة من الدول الشمولية. وكما ادعوا ، انهم عند دراستهم لسمات الدولة البولشفية الجديدة ، وقارنوها بسمات الدولة الشمولية أدركوا أن - العنصرية ، المركزية ، الديكتاتورية ، القوة السياسية ، الأرهاب ، الميكانيكة ، الدينامية ، غياب التضامن الاجتماعي ، هي من صفات الفاشية ، وهي أيضا كانت ومازالت موجودة في البولشفية. ولذلك فقد اعتبروا أن الفاشية هي نسخة من البلشفية ، ولهذه الأسباب فان النضال الذي يبدأ مع أحدها ، يجب أن يبدأ مع الثاني." (17)

أما أنتون بانيكوك ، فقد انطلق من نفس الموقف الأديولوجي أعلاه الذي اتخذه زملائه تجاه البولشفيك والبولشفية ، مع اختلاف في التفاصيل الهامشية. حيث قال :- " التماثل في الأساليب السياسية بين روسيا وألمانيا تصيب بالصدمة للوهلة الأولى . ففي البلدين ديكتاتورية القلة من القادة المدعومة بالقوة ، وعلى درجة عالية من التنظيم والانضباط الحزبي ، والسيطرة البيروقراطية وغياب الحقوق الشخصية ، وانعدام حرية التعبير ، والصرامة في فرض القانون ، والهيمنة عن طريق الارهاب ، مع عدم التساهل مع المعارضة والنقد. لكن القواعد الاقتصادية في البلدين مختلفة. ففي روسيا رأسمالية الدولة ، أما في ألمانيا فسيطرة رأس المال الخاص ".(18)

المطلع على هذه الآراء المغالية في العداء ، لايمكن أن ينسبها بأي حال من الأحوال الى متعلم حاذق ، فكيف اذا كان مدعيها استاذا جامعيا ، وعالما في الفلك والفيزياء ، وعرف عنه كماركسي ضليع ، ومبتكرا لنظرية المجالسية التي استقطبت في حينها جماهير واسعة ضمت عددا من المفكرين والسياسيين والشعراء. يكتب فريدريك أنجلس عن دور السلطة الاشتراكية في حماية التغييرات الاجتماعية المنشودة ، فيقول : " يتفق كل الاشتراكيون على أن الدولة السياسية ومعها السلطة السياسية ستختفيان نتيجة الثورة الاجتماعية القادمة. هذا يعني أن تفقد الوظائف العامة طابعها السياسي وتتحول إلى الوظائف الإدارية البسيطة المتمثلة في مراقبة المصالح الحقيقية للمجتمع. لكن اللاسلطويين يطالبون بإلغاء الدولة السياسية في ضربة خاطفة قبل حتى أن يتم تدمير الأوضاع الاجتماعية التي أوجدته. إنهم يطالبون بأن يكون إلغاء السلطة أول عمل للثورة الاجتماعية. هل يا ترى شهد هؤلاء السادة أي ثورة ؟ الثورة هي بالتأكيد أكثر الأمور سلطوية؛ إنها الفعل الذي يفرض من خلاله قسم من الشعب مشيئته على القسم الآخر بواسطة البنادق والعصي والمدافع أي بوسائل سلطوية. وإذا أراد الطرف المنتصر أن لا يذهب قتاله سدى فعليه أن يحافظ على حكمه بأساليب ترهيبية بأسلحة تردع الرجعيين. أكانت كمونة باريس لتبقى ليوم واحد لو لم يستعمل الشعب المسلح هذه السلطة ضد البرجوازية ؟ ألا يجب علينا على العكس أن نلومهم على عدم استعمالها بأكثر حرية ؟ إذن فهناك أمران لا ثالث لهما: إما أن اللاسلطويين يتحدثون عن أشياء يجهلونها. في هذه الحالة فهم لا يضيفون شيئا إلا البلبلة. أو أنهم يعرفون ، وفي هذه الحالة فهم يخونون حركة البروليتاريا. في كلتا الحالتين فهم يستحقون ردة الفعل المضادة ".(19)

يتبع


اليسار في الحركة الشيوعية العالمية .... الجزء الرابع ..
اليسار في الحركة الشيوعية العالمية .... الجزء الثالث ..
اليسار في الحركة الشيوعية العالمية .... الجزء الثاني ..
اليسار في الحركة الشيوعية العالمية .... الجزء الأول ..



 


 

free web counter