| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

                                                                                 الأربعاء 1/2/ 2012

 

اليسار الشيوعي .. ورأسمالية الدولة والاشتراكية
(3)

علي ألأسدي

بصرف النظر عن القاعدة الاقتصادية لرأسمالية الدولة في الاقتصاد الوطني لأي دولة فهي ليست نظاما سياسيا / اقتصاديا كما هو الحال مع نظام الاشتراكية أو الرأسمالية ، بل هي اجراءات اقتصادية تتخذ ضمن النظام الرأسمالي لأهداف محددة في زمن ما ، دون أن تحدث تغييرا في بنية النظام أو سياساته أو قيادته السياسية ، اضافة لذلك ، أن الحيز الاقتصادي الذي تحتله رأسمالية الدولة ليس ثابتا ، بل يتعرض للتغيير اتساعا أو انكماشا تبعا للحالة الاقتصادية ، وفيما اذا كان بقاءه أو عدمه يخدم النظام الرأسمالي السائد أو لا. لهذا خاضت الطبقة العاملة في الرأسمالية كفاحها لا لتبادل الرأسمالية برأسمالية اخرى ، بل من اجل ازاحة سلطة الرأسمال واقامة سلطتها هي ، ولم يحدث في التاريخ أن ناضلت الطبقة العاملة وضحت من أجل راسمالية الدولة ، بل من أجل حقوقها التي خاضت معاركها السلمية والعنفية ضد أرباب العمل رأسماليين أفراد كانوا أو قطاع دولة. فاذا كان قطاع الدولة في صالحها أيدته ، واذا استخدم نفس السياسة الاستغلالية للقطاع الرأسمالي الخاص فانها تقاومه بنفس وسائلها التي تستخدمها ضد رأس المال الخاص. الظروف الاقتصادية والسياسية ومستوى تطور قوى الانتاج في البلد الرأسمالي ، وتطور العلاقات الطبقية وموقع البروليتاريا الطليعي فيها هو الكفيل بتغيير بنية النظام السياسي والاقتصادي من الرأسمالية إلى الاشتراكية. دور القوى الثورية في حركة البروليتاريا في بلدان أوربا الصناعية بداية القرن العشرين ، لم يرتق إلى المستوى الذي يؤهلها لاستلام السلطة من البرجوازية واقامة سلطتها بدلاعنها. فهي لم تكن موحدة في وقت كانت البرجوازية من القوة بحيث كان بامكانها الدفاع عن سلطتها ضد تهديد البروليتاريا. أما في روسيا فقد كان الوضع مختلفا عشية ثورة أكتوبرحيث كانت القيادة الثورية للبروليتاريا قوية وموحدة في وقت كانت البرجوازية والصناعة ضعيفتان. ويعود الفضل في النهاية إلى قيادة فلاديمير لينين الذي اعتمد على تحالف البروليتاريا مع الجنود والفلاحين الفقراء من أجل الاطاحة بالسلطة البرجوازية الروسية ، بينما أخفقت البروليتاريا في ألمانيا وايطاليا وفرنسا أن تفعل الفعل نفسه.
واجهت الرأسمالية خلال القرون الخمسة من تاريخها وبخاصة القرن الماضي وفي السنين الماضية من القرن الحالي حركات عمالية وجماهيرية واسعة مناهضة لتفرد وهيمنة القطاع الرأسمالي الخاص على حياة المجتمع ، وقد ضمت تلك الحركات أحزابا سياسية ومنظمات جماهيرية وجمعيات المجتمع المدني. شكل ذلك التحرك كفاحا جماهيريا مستمرا بهدف كبح جماح المؤسسات المالية والشركات المتعددة الجنسية وغيرها من الشركات التي تهيمن بشكل شبه مطلق على الحياة الاقتصادية من خلال التلاعب بمستويات الأسعار وعبر احتكار النشاطات الانتاجية والتجارية. وفي الواقع الراهن قامت الحكومات الرأسمالية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية ببعض الاجراءات بضمنها تأميم بعض المصارف ، و تقديم قروض سخية لأخرى لمساعدتها على تجاوز أزماتها ، لكن مثل هذه الخطوات لم تنتفع منها الجماهير الشعبية بل الشركات الكبرى ، فتدخل الدولة هنا لم يكن لصالح المواطنين العاديين ، اضافة إلى أن الاجراءات الحكومية المتخذة اقتصرت على الأدوات المالية والنقدية ، وهذه لم تغير من واقع البطالة الشاملة أو تحسن المستوى المعيشي للغالبية من الجماهيرالشعبية. الاستثمارات المباشرة في الاقتصاد الوطني هي الكفيلة بايجاد الفرص للعاطلين عن العمل ، وهذه لم تحدث لا من جانب الدولة ، ولا من الرأسمال الخاص ، بل بالعكس ، فرؤوس الأموال الخاصة تهاجر إلى خارج البلاد بحثا عن العمالة الرخيصة الضمانة الأفضل لتحقيق أعلى الأرباح. بينما تعجز الحكومة عن القيام بأي دور لوقف هروب رؤوس الأموال إلى دول كالصين والهند ودول أخرى.
الحكومات الرأسمالية في الولايات المتحدة أو في غيرها من الدول بامكانها أن تقوم بفرض الرقابة أو منع خروج الصناعات الأمريكية للاستقرار في دول أخرى حماية لمصالح شعبها وبخاصة أولئك الذين سيفقدون وظائفهم بنتيجة هجرة الصناعات إلى خارج البلاد. بامكان الدولة ايضا استخدام مصادرها المالية الخاصة للاستثمار في نفس المراكز الانتاجية المغادرة لمحاولة الابقاء على العاملين فيها ، وبذلك تكون قد أقامت قطاعها العام الاقتصادي برأسمال الدولة. لكن الدولة التي تأخذ بمبدأ عدم التدخل في النشاط الاقتصادي المباشر، تنفيذا لمبادئ اقتصاد السوق وخدمة للرأسمال الخاص ، تمتنع عن خرق هذا القانون المقدس حتى لو مات الآلاف من المواطنين جوعا أو انتحارا. السيد مايك هينس كاتب وصحفي ينتمي للتيار اليساري الاشتراكي كتب حول الاجراءات المالية التي اتخذتها الدول الرأسمالية السابق ذكرها قائلا : (5)
" بعد عشرين عاما من الوعود بأن السوق يعمل أفضل من الحكومة ، تعود الحكومة لتعمل من جديد للعب دورها في الاقتصاد ، والسبب في ذلك ليس بالنظرية العظيمة. فالأزمة الاقتصادية تعلمنا بأن الدولة ليس فقط تصدر التشريعات والاجراءات لتجعل الرأسمالية تعمل ، بل وأيضا يكون لها دورا قياديا. بالنسبة للاشتراكيين يوجد هنا خيارا ، فاذا كان الخيار بين الافلاس أو تدخل الدولة ، فان الخيار هو تدخل الدولة ودعمها وتأميم المشروعات الاقتصادية. فلا لاضاعة أي فرصة عمل بسبب اختلال النظام ، ولا يجب أن نكون واهمين بان الدولة قوة أو سلطة اشتراكية ، فقد كانت الدولة دائما عاملا نشطا في نهاية القرن التاسع عشر".
عندما خيمت الأزمة الاقتصادية في الثلاثينيات في الولايات المتحدة وهي الأسوء في التاريخ الأمريكي ، تعرض عشرات الملايين من مواطنيها للبطالة والعوز ، حيث لم يكن للولايات المتحدة الأمريكية حينها ( برغم الغنى الباذخ للقلة من الرأسماليين ) نظاما للتكافل الاجتماعي يؤمن للملايين العاطلة عن العمل القوت لهم ولعائلاتهم نتيجة الركود الاقتصادي أو بسبب العجز وتقدم العمر. لكن الذي ضمن لملايين الأمريكيين الأمل بحياة أفضل ، ومد للجياع يد العون هو السياسة والتشريعات الدستورية التي نفذتها الحكومة الأمريكية إبان ولاية الرئيس الراحل فرانكلين روزفيلت. فقد قام الرئيس بتشريع سياسة سميت في حينها " نيو ديل " ، وبفضلها تحركت عجلة الاقتصاد و تم اخراج البلاد من حالة الركود الطويلة. وكما في الأزمة الاقتصادية الحالية فان أسباب أزمة الثلاثينيات كانت المضاربات غير القانونية في الأسهم والسندات والعقارات بين المؤسسات المالية المغامرة للتنافس على تحقيق أقصى الأرباح. لقد جسد مشروع " نيو ديل " نموذجا لرأسمالية الدولة ، ومنذ ذلك الحين أصبح للأمريكيين لأول مرة نظاما مجانيا للرعاية الصحية والمنافع الاجتماعية للعاطلين وكبار السن والمرضى والمعاقين والأيتام ، ومع أن الحكومات الأمريكية اللاحقة قد قلصت إلى حد بعيد الانفاق على برامج تلك المنافع إلا أن تشريعها بحد ذاته يؤشر للدور الايجابي للدولة.
وتقوم الدولة أحيانا ( أي دولة ) بلعب دور أكثر مباشرة في الحياة الاقتصادية ، مستخدمة أموال دافعي الضرائب للقيام بأنشطة اقتصادية خدمية أو انتاجية سلعية تحت عنوان قطاع الدولة إلى جانب القطاع الخاص الرأسمالي الذي غالبا ما يهيمن على أكثر وأهم النشاطات الاقتصادية كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى. العراق لم يكن استثناء ، فدور رأسمالية الدولة أو القطاع العام في العراق ، كان وما يزال قريبا من حياة الكثير منا ممن أمضوا شطرا طويلا ، وربما كل حياتهم الوظيفية في مجالاته الكثيرة. فالصناعة النفطية العراقية كانت في يد الشركات النفطية الأجنبية ، وبنفس الوقت كانت جزء من القطاع الخاص البريطاني والهولندي والفرنسي والأمريكي ، لكن بعد تأميمها أصبحت جزء من القطاع العام العراقي. كذلك مناجم استخراج الكبريت في الشمال العراقي وصناعات الحديد والصلب ، والصناعات الكيماوية والبتروكيماوية ، وصناعات السجاد والملابس الجاهزة ، ومصانع كثيرة للمواد الغذائية ومواد البناء هي جزء من القطاع العام. تقوم ادارة تلك الصناعات المعينة من قبل الحكومة العراقية بتنفيذ خططها وتمويل عمليات الانتاج والتوزيع والتصدير أحيانا لقسم من منتجاتها إلى الأسواق الخارجية ، أما الموارد المتأتية من ذلك فتدخل ميزانية الدولة.
أما اذا عدنا إلى عام 1750 حيث المرحلة الأولى للثورة الصناعية ، ثم بعد ذلك إلى النصف الثاني من القرن الثامن عشر حيث المرحلة الثانية من الثورة الصناعية في بريطانيا بوجه خاص ، نلاحظ أن الدولة قد قامت بدور هام جدا في تطوير الاقتصاد الوطني. حيث قامت عبر استثماراتها المباشرة في دعم نشاطات اقتصادية كثيرة ، ما كان للقطاع الخاص القدرات المالية والتنظيمية لتنميتها اعتمادا على جهده الخاص بسبب ضخامة التكاليف الرأسمالية الضرورية لتلك المشروعات. والأمثلة على ذلك كثيرة في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وبقية دول أوربا لكن بدرجات أقل نسبيا. فلولا الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية التي قامت بها الدولة في تلك المرحلة في قطاعات مثل- الطرق بكافة أصنافها والموانئ البحرية ، وقنوات الري والسدود والبحوث الزراعية والطاقة ، لما بادر القطاع الخاص في الاستثمار في صناعات مثل - المناجم والحديد والصلب والنفط والغاز وغيرها. وفي القطاع المالي كان وما يزال للرأسمال المالي الحكومي دوره في توفير الأموال لتشجيع النظام المصرفي على اقراض ودعم المشاريع الخاصة لأجل مساعدتها على تخطي صعوباتها واستعادة قدراتها من جديد ، لتساهم في اتاحة فرص عمل جديدة للعاطلين عن العمل.
يسود اعتقاد راسخ في أكثر الدول الرأسمالية بأن كل تدخل حكومي هو " شر يجب الابتعاد عنه " يمثله اليمين المتطرف في الأحزاب السياسية من مثل أحزاب المحافظين في أوربا، والحزب الجمهوري في الولايات المتحدة. فما نشر أخيرا في الصحافة الأمريكية يصعب تصديقه. فمثلا هناك تيارات محافظة لا تتورع عن اعتبار أي اجراء حكومي لمنفعة المجتمع بانه اشتراكية وينبغي ادانته ، وقد اتهم الرئيس الأمريكي السابق بوش والمحسوب على يمين الحزب الجمهوري ، اتهم بكونه " اشتراكيا بولشفيا ". فاذا كان بوش بولشفيا في رأي بعض الأمريكيين فكم هي رجعية أفكار الذين اتهموه بالبولشفية ؟ أن هذا الاتهام لم يكن للسخرية ، بل كان نتيجة لقناعة حقيقية يؤمن بها بدون حرج السياسيون المتزمتون في الولايات المتحدة من أمثال : نورييل روبيني وهو سياسي واقتصادي بارز ، وهو الذي وصف بوش واثنين آخرين هما هنري بولسون وبين بيرناك بانهم " الثلاثي البولشفيكي " الذين حولوا الولايات المتحدة إلى " جمهورية اتحاد الولايات الاشتراكية المتحدة الأمريكية ". وبمقارنة بوش بالرئيس الحالي باراك أوباما الذي شمل بالتأمين الصحي عدة ملايين من أفقر مواطني الولايات المتحدة ، فلابد أن يكون لينينا آخر هبط من السماء لينشر البولشفية في " جمهورية الولايات الاشتراكية المتحدة الأمريكية ".(6)
 

 يتبع

 

اليسار الشيوعي .. ورأسمالية الدولة والاشتراكية (2)
اليسار الشيوعي .. ورأسمالية الدولة والاشتراكية (1)

 

free web counter