| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

                                                                                 الجمعة 27/1/ 2012

 

اليسار الشيوعي .. ورأسمالية الدولة والاشتراكية
(1)

علي ألأسدي

تعصف رياح التغيير بعالمنا العربي بعيدا جدا عن أي يسار ديمقراطي أو شيوعي ، ورغم مضي حوالي العام على تلك التحركات الجماهيرية الغاضبة ، لم تعبر عن نفسها ولو واحدة من فرق اليسار الكثيرة التي تنتشر مواقعها الكثيرة على شبكة الانترنيت. لقد حاول البعض من ممثلي تلك الفرق ركوب أمواج السونامي فرفع صورة جيغارا هنا ، وشعار اسقاط النظام هناك ، لكن قوة الدفع الكامنة في تلك الأمواج قد ألقت بهم جانبا حتى قبل أن يعلم المشاركون لمن تعود صورة ذلك الشاب الملتحي. انه درس غني بالعبر يتيح لكل من التبست عليه الأمور أن يعلم أن رفع صورة دي جيفارا في حشد لا يهتف بالحياة للديمقراطية والاشتراكية وبسقوط الديكتاتوريات والرأسمالية والاستغلال ، بل بشعار ألله أكبر، و " الاسلام هو الحل " هو سوء فهم لما آلات اليه مستويات الوعي السياسي في منطقتنا ، وعدم ادراك الخطر الذي تشكله الرجعية العربية الممثلة بالنظام السعودي وامارات الخليج أداة رأس المال العالمي ، المعارض المستميت لأي تقدم سياسي وديمقراطي حقيقي في منطقتنا. ان ركوب أمواج السونامي لا يعني التحكم بها ، بل العكس هو الصحيح. اليسار الشيوعي علق آمالا على ما حدث خلال العام الماضي ، متناسيا أن العنصر الغائب في تلك الارهاصات هو القيادة الثورية وبرنامجها المعبر والمستند إلى قوى الطبقة العاملة والشغيلة التقدمية ، قيادة كهذه لم تكن حاضرة منذ البداية ، ولا حتى بعد أشهر من بدء الانتفاضات ، ولم نستغرب أبدا بعد ذلك أن يأخذ موقع قيادة الجماهير شباب الفيس بوك. فلماذا حدث ذلك؟

الاجابة ببساطة ، هي ، أن اليسار الشيوعي يعيش ويفكر ويكتب من أبراجه العاجية ، لم يواجه الجماهير ويتحاور معها ، لم يتبنى مطالبها وشكاواها ، لم يشاركها أرغفة الخبز المتيبسة ، أو يمر في أزقتها الموحلة ليشعرها أنه هنا معها يتنفس دخان تنانيرها ، ويشاركها أحزانها الكثيرة وأفراحها النادرة. ، بعبارة أخرى انه يؤلف وينشر بلغة غير لغة سكنة بيوت الصفيح وخرائب المدن. والأكثر من ذلك والأشد حزنا ، أنه منشغل في معارك طواحين الهواء مع رفاقه السابقين ممن لم يشتموا ستالين ولينين وماوتسي تونغ ، أو ممن لم يلعنوا الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي السابق ورأسمالية الدولة التي أشادها لينين. ليس بهذا النضال نصل إلى الشيوعية. لم يحدد اليسار لا أعداءه ولا حلفاءه الطبقيين ولا الاتجاه الذي يحاول أن يقودنا عبره ، ولا نعرف المحطات التي سنمر عبرها إلى الشيوعية ، ولا نعرف حقيقة الشيوعية التي يعدنا بها اليسار الشيوعي بعد أن رفض شيوعية لينين ، أهي الشيوعية التحررية ، أم شيوعية الكومونة ، أم الشيوعية العالمية التي يحشد لها التروتسكيون منذ عقود ..؟

المنتصر لحد اليوم في منطقتنا من الدار البيضاء في المغرب العربي حتى بغداد في المشرق هو الرجعية الدينية التي أتينا بها بدل الرجعية العربية ، أما المنتصر في العالم أجمع فهو الشركات متعددة الجنسية ، فماذا ننتظر أكثر من هذا الخراب لنعيد النظر بخطة الطريق إلى الشيوعية ؟

صحافة اليسار الأوربي علقت نشاطاتها ضد العدو الطبقي داخل بلدانها منذ زمن ، وتوجه جل جهودها النضالية ضد الاشتراكية التي أقيمت في روسيا بعد ثورة أكتوبرعام 1917 التي لا ترى فيها غير رأسمالية دولة احتكارية ، ومع أنها ليست معنا منذ أكثر من عقدين ، لكنها لم تكن رأسمالية دولة ، ولو كانت بالفعل كذلك لكانت باقية لحد الآن. أما رأسمالية الدولة التي توصم بها الاشتراكية السابقة فليست بالأمر الخطير الذي تحشد ضده قوى اليسار كل جهدها الضائع ، فهي ليست ضارة وتقوم بوظائف مفيدة وايجابية في الكثير من الدول الرأسمالية النامية خصوصا ، ومن يعتبرها غير ذلك لا المام له لا بدورها الاقتصادي والاجتماعي ولا بتاريخها.لقد كان لرأسمالية الدولة وما يزال ( مع استثناءات تاريخية ) دورا ايجابيا في الحياة الاقتصادية ، وخاصة أثناء فترات الركود الاقتصادي التي تنتاب النظام الرأسمالي بشكل دوري ودائم. " فما هي رأسمالية الدولة وما هو دورها؟ "

هي ببساطة " القطاع العام " الذي لنا منه في بلداننا النامية الكثير من الأمثلة ، وتبرز الحاجة لدوره في الرأسمالية حيث يكون الربح هو الدافع للنشاط الاقتصادي للرأسمال الخاص عبر تملكه لوسائل الانتاج ، وحيث أجور العمل وأسعار السلع والخدمات والمواد الوسيطة (المواد الأولية ونصف المصنعة) تقررها السوق من خلال الطلب والعرض. الأفراد والشركات في الرأسمالية تقوم بالاستثمارات وادارة الانتاج وتوزيعه لصالحها الخاص. كما تقوم الدولة أحيانا باقامة قطاعها الاقتصادي المتعارف على تسميته بقطاع الدولة الذي يؤول رأسماله وادارته وانتاجه لها وتحت اشرافها ، فهو بعبارة أخرى رأسمال الدولة تخصصه من ميزانيتها ، وتنفذ من خلاله بعض الأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي سنأتي على ذكرها فيما بعد. وتقوم الدولة أحيانا بالدخول كشريك تجاري في شركات القطاع الخاص المحلي والأجنبي لكن الوضع اختلف في الاتحاد السوفييتي الذي تبنى الاشتراكية ، حيث ألغى أي نشاط رأسمالي خاص أو مختلط وحلت محلهما الملكية العامة التي تقوم هيئات الحكومة الاشتراكية بادارة نشاطاتها مباشرة ، باستثناء البلدان الاشتراكية الأخرى كالصين ودول أوربا الشرقية التي أبقت على نشاط رأسمالي محدود في المجال الحرفي الفردي والتعاوني.

لقد نشب بعد عام 1920 الخلاف الحاد داخل حركة الاشتراكية الديمقراطية الأوربية أدت الى انقسامها فيما بعد إلى أجنحة يسارية ويمينية ، انتهت بظهور ما عرف حينها باليسارالشيوعي الذي شكل معارضة للدولة الاشتراكية الوليدة بعد أن اتهام قيادتها بالثورة المضادة ، وباقامة رأسمالية دولة بقيادة البيروقراط وليس دولة اشتراكية بقيادة البروليتاريا. منذ ذلك التاريخ ولحد اليوم تندد صحافة اليسار الشيوعي بالتجربة الاشتراكية حتى بعد زوالها. اليسار الشيوعي الحالي يسير على خطى النهج الذي اتبعته فرق اليسار الشيوعي في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي دون محاولة جادة منه لتفهم التحدي الأعظم الذي شكلته الامبريالية العالمية على وجود الدولة الجديدة ، والخطر الذي شكلته قوى الثورة المضادة في الداخل التي كانت ما تزال تتآمر ضدها. لقد حوصرت الدولة الاشتراكية الأولى في التاريخ من قبل كامل النظام الرأسمالي الدولي لاجبارها على الاستسلام والخوف ، لكنها صمدت وانتصرت برغم قدراتها الاقتصادية المحدودة حينها ، بينما استسلم التحالف النازي الامبريالي برغم جبروته العسكري وقدراته الاقتصادية الخارقة. لم يحاول اليسار الشيوعي استيعاب الثمن الذي دفعته روسيا في السنوات الخمسة الأولى من عمر الاشتراكية ، ولم يدرك حجم التخلف الاقتصادي الذي ورثته السلطة الجديدة بعد اسقاط البرجوازية. عندما توجه الماركسي والشيوعي السابق هنري غورتر الى روسيا بعد ثورة أكتوبر اعتقد أن الروس قد انتقلوا إلى الشيوعية ، وصدم عندما كان يستقل القطار الذي يسافر به عبر المدن والأرياف حيث شاهد بأم عينيه كم هي متخلفة ، لكنه لم يحمل الحكم البرجوازي السابق المسئولية عن ذلك ، بل صب جام غضبه على السلطة الاشتراكية الجديدة. وعندما عاد إلى بلاده محبطا لم يستطع أن يفسر سبب ذلك غير أن يصف السوفييت بأنهم يبنون دولة رأسمالية لا اشتراكية. لم يدرك أبدا أن ما قامت به ثورة أكتوبر هو اطاحة النظام البرجوازي الذي قاد البلاد إلى التخلف الذي شاهده ، وان اسقاطه كان الخطوة الأولى لازالة سبب التخلف وليس التخلف ذاته ، فهذا احتل أولوية في خطط التنمية الاقتصادية الشاملة خلال السنين اللاحقة.

وفي هذا الصدد يكون من الضروري الاطلاع على بعض آراء اليسار الاشتراكي من موضوع الاشتراكية و" رأسمالية الدولة " في الاتحاد السوفييتي السابق. ففي مقال نشر في صحيفة Socialist Review لسان حال حزب العمال الاشتراكي البريطاني اليساري ، المعروف بعدائه " المعتدل " للنظام الاشتراكي السابق ، يورد لنا أحد محرريها هذه الواقعة التي جاء فيها (1) :
" عندما انتميت لهيئة تحرير الصحيفة عام 1961 كان هناك فريقا إلى يسارنا يصفنا بأننا” state cape “ وهي مختصر لمصطلح "state capitalists " أي رأسمالية دولة. لم يكن ذلك بسبب كوننا مع رأسمالية الدولة ، بل لأننا نرفض الفكرة التي تقول بأن ليس هناك شكلا من الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي والصين ودول أوربا الشرقية. ورغم وجود بعض الانتقادات للاتحاد السوفييتي والصين إلا أن النظام فيهما كان أكثر تقدمية من النظام الرأسمالي الغربي. وأن استخدامنا لمصطلح " رأسمالية الدولة " بالاشارة إلى النظام الاشتراكي السابق قد جعل منا أقلية ضمن أقلية. وأن أكثر من تبنوا فكرتنا بأن الاتحاد السوفييتي ليس بدولة اشتراكية ، خرجوا باستنتاج ، بأن هناك اختلافات جوهرية بين المجتمع الاشتراكي والمجتمع الرأسمالي. وهذا ما كان يعبر عنه التروتسكيون منذ الثلاثينيات ، حيث كان لتلك الآراء نتائج خطيرة في الواقع العملي. فقد تقودك إلى الاعتقاد بأن الاتحاد السوفييتي ليس فقط دولة سيئة كالغرب الرأسمالي ، بل أسوء منه كثيرا ، مما يدفع بك الى تأييد الغرب الرأسمالي ضد الاتحاد السوفييتي ، وكذلك ضد أولئك الذين في اليسار المصنفون كمتعاطفين معه. وهذا ما حدث بالفعل ، فقد قام المنظر التروتسكي جورج أوروول بتسليم قائمة بالشيوعيين المتعاطفين مع الاتحاد السوفييتي إلى السلطات الأمريكية. وبنفس الوقت قام التروتسكي الآخر ماكس شوختمان باعلان تأييده لمحاولة الولايات المتحدة لغزو كوبا في عام 1961.

الاطلاع على الخلفية التاريخية لمصطلح " رأسمالية الدولة " يلزم الرجوع الى مواقف قادة اليسار الشيوعي الذين اتضحت اتجاهاتهم الفكرية خلال وبعد تشكيلهم حزب العمال الشيوعي الألماني ، واعلان قطيعتهم تماما مع قيادة ثورة أكتوبرعام 1917. بعد تأسيس حزب العمال الشيوعي انتقد لينين الأفكار التي عبر عنها الحزب الجديد في كراسه المعروف " مرض الطفولة اليساري في الشيوعية ". وعلى إثر انتقادات لينين ارسل هيرمن غورتر الذي أوردنا ذكره قبل قليل ، هو أحد أهم قادة الحزب الجديد رسالة إلى لينين ضمنها انتقاداته للكراس المذكور ، جاء فيها: " الظروف التي تحيط بالثورة في أوربا الغربية وبصورة خاصة في انكلترا وألمانيا تختلف كليا ولا يمكن مقارنتها بالثورة الروسية ، فالطبقة العاملة الروسية توحدت مع الفلاحين للاطاحة بالطبقة الحاكمة الضعيفة ، بينما ليس للطبقة العاملة في أوربا الغربية حلفاء وتواجه بنفس الوقت سلطة حاكمة قوية. ولهذا فان تكتيك النضال الطبقي في أوربا الغربية ينبغي أن يستهدف زيادة تلاحم واستقلالية الطبقة العاملة ". وفي بيانه الذي ألقاه في الأممية الرابعة بعد انتخابه عضوا فيها ، قال ايضا : " التكتيك المستخدم من لينين والأممية الثالثة – كالمشاركة في البرلمانات والنقابات والتحالف مع أحزاب الاشتراكيين الديمقراطيين لا يقود إلى أي شيئ. فقد توقفت الحكومة السوفييتية عن خدمة مصالح الطبقة العاملة وتحولت إلى دولة رأسمالية ، ولأن الأممية الثالثة التي ربطت مصيرها بالسلطة الروسية فقد أصبحت هي أيضا مؤسسة رأسمالية ، لهذا تطرح الحاجة لتشكيل الأممية الرابعة ." وفي الوقت الذي عبر غورتر عن آرائه تلك ذهب شيوعيون يساريون إلى أبعد من ذلك. ففي عام 1921 أعلن أنتون بانيكوك وهو أبرز منتقدي لينين ، بأن الثورة الروسية هي ثورة بورجوازية شأنها شأن الثورة الفرنسية عام 1789 ". بينما عبر أوتو رول وهو منظر آخر في اليسار الشيوعي عن رأي مماثل جاء فيه " أن الثورة الروسية كانت ثورة رأسمالية حتى قبل أن يصفها بهذا الوصف كل من غورتر وبانيكوك ، فهي أعظم ثورة برجوازية في أوربا "
 

 يتبع

 

free web counter