| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

الأثنين 12/4/ 2010

 

وفاء سلطان ...ومعركتها مع وعاظ السلاطين
(3) الأخير

علي ألأسدي - البصرة  

"
هذه الأمة لا تستطيع البقاء على قيد الحياة ، طالما نصفها عبد والنصف الآخر حر " ابراهام لنكولن

ما عناه الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية بقوله أعلاه هو الأمة الأمريكية وليست أمتنا ، فهذه الأخيرة لم تكن حرة أبدا ، وأمل بقاءها على قيد الحياة مرهون بمدى وعيها بواقعها العبودي ورغبتها في الانعتاق منه.

في كلمة للسيدة وفاء سلطان في مؤتمر حقوق الأقليات في زوريخ ، نشرت في الحوار المتمدن في 30 / 3 / 2007 قالت فيها : " يجب أن نطالب بتبني ثقافة جديدة ترفض احتكار الحقيقة وتسمح لكل إنسان في الوطن الواحد أن يكون حرا في معقتده وأفكاره وطريقة حياته طالما لا تسيء عقائده وأفكاره وطريقة حياته إلى حرية غيره. يجب أن نطالب بتنظيف مناهجنا الدراسية والثقافية من التعاليم التي تحض على كره الآخر وعلى إرهاب الآخر.الوطن يجب أن يكون للجميع، والدين يجب أن يبقى رهينة العلاقة الغيبية التي تربط من يتبناه مع إله ذلك الدين ".

عبرت الدعوة التي وردت في الكلمة المشار إليها عن رغبة في إحداث التغيير في الثقافات ، مسبوقة بحملة لتنظيف المناهج التعليمية ،لكن المهمة الأكثر أهمية في رأينا والتي لا يمكن بدونها تغيير المناهج التعليمية والثقافات السائدة في المجتمع ، هي تغيير الأنظمة السياسية الحاكمة في دولنا. وإلى هذه المهمة ينبغي أن تتوجه الجهود من قبل الكتاب المتنورين من مختلف مواقعهم صوب إعادة هيكلة تلك الأنظمة أو تغييرها كلية وإحلال أخرى بديلا لها. من المهم أيضا أن لا يكتفي السادة المهتمون بكتابات السيدة سلطان بالتأييد والإشادة ، فهاتان القوتان على اهميتهما غير كافيتين لوحدهما لمساعدة المجتمعات الاسلامية على التحرر من الثقافات الدينية السائدة التي تكرس العبودية والاستكانة لها، في وقت تحتم المهمة السير بها الى نهايتها حيث تغيير حياة المجتمعات وليس فقط توعيتها.

وما نحض عليه هنا هو الدعوة لتغييرات دستورية في هيكل السلطات الحاكمة ، تتبنى اطلاق الحريات الديمقراطية ، واصدار القوانين التي تحتم عقد انتخابات دورية عامة في كل بلد ، يتم خلالها التداول السلمي للسلطة التي تخضع بالضرورة لرقابة برلمان منتخب بحرية وليس معينا لموالاة الحاكم الفرد ( مجالس الشورى مثالا ) . وأن تلتزم السلطة المنبثقة عن تلك الانتخابات باصدار التشريعات الضرورية لتأسيس وتعزيز النظام الديمقراطي ، يستعيد الشعب فيه كل حقوقه المغيبة أثناء الحكم العائلي المطلق الذي ظل ساريا منذ عهود طويلة من الزمن في أكثر الدول الاسلامية ، وأن يتاح للشعب التمتع بثرواته الاقتصادية بشكل عادل ومنصف. أحد أهم التشريعات التي ينبغي استصدارها هي الاعتراف الكامل بمبادئ حقوق الانسان وبحقوق المرأة ومساواتها بالرجل بكافة شئون الحياة ، وتشريعات تعترف بحرية تشكيل النقابات والاتحادات والاحزاب السياسية ، وحق الاضراب عن العمل والتجمع والمعتقد وحرية الصحافة ، والغاء المحاكم الشرعية ، وتجريد مشايخ الدين من حرية اصدار الفتاوي أيا كانت ، والاحتكام بدلا عنها الى دستور مدني حضاري لا ديني أو مذهبي أو عنصري ، يتساوى فيه الناس جميعا نساء ورجالا في الحقوق والواجبات أحرارا كانوا أم " عبيدا ".

قد لا يرى القراء الأعزاء مناسبة لايراد مصطلح " عبيد " باعتبار ان ظاهرة العبودية كانت قد تلاشت بفعل حركة الحقوق المدنية وثورات التحرر الوطنية خلال القرن المنصرم. لكن نظرة منصفة لواقع حياة المرأة العاملة أو ربة البيت في مجتمعاتنا الاسلامية التي يتباهى مشايخها الدينيين بالمكانة التي أتاحها الاسلام للمرأة فيه ، لنجد الكم الهائل من القيود القانونية والثقافية عائلية وقبلية وطائفية ودينية التي تحكم وجودها ونشاطها.

وإذا ما دخلنا في تفاصيل الظروف التي تحكم حياة المرأة السعودية والخليجية بوجه خاص والاسلامية بوجه عام ، نكتشف الكثير من مراكز القوى التي تتحكم في دقائق حياتها منذ الولادة وحتى الموت.القيود الثقافية والأخلاقية والعادات السائدة تكرس عبوديتها للرجل ابا كان أو اخا أو زوجا أو من أبناء العمام والقبيلة. يصعب اكتشاف تلك الحقيقة المرة من قبل المرأة ذاتها التي كتب لها أن تولد وتكبر وتخدم بيت أبيها ومن ثم زوجها ، إذا لم تعي هي حقوقها وتكتشف ذاتها ودورها في العائلة والمجتمع ، وعي لا تستطيعه وهي مكبلة وأمية ومحجور عليها في البيت. ولكن سيكون لنا تقييم آخر لتلك المرأة التي سنحت لها الفرصة لتتطلع على مكاسب المرأة في دول العالم المتقدم ، سواء عن طريق احتكاكها بنساء من دول اخرى عن طريق السفر والصداقة ، أو عن طريق منظمات المجتمع المدني في الدول الأخرى ووسائل الاتصال الجديدة. معرفة هذه الحقائق ومن ثم التعريف بها والكفاح من أجل اشاعتها في مجتمعتنا هو مهمة جيل اليوم لتسديد دينهم تجاه المرأة الأم والأخت والزوجة ، لتحتل مكانتها الطبيعية في المجتمع ،وان التقاعس عن ذلك من قبلنا هو الجحود بأبشع صوره.

الصورة الأخرى للعبودية التي لا يشعر بها أكثرنا ، هي العمالة الاجنبية في بلدان الخليج النفطية والتي أصبحت بفعل موارد النفط جزء مكملا للعائلة وأرباب العمل. التمعن في هذه الظاهرة عن قرب بضمير حي غير منتهي الصلاحية ، يعطينا فكرة أوضح عن الحقيقية الصاعقة ، وفيما إذا كانت العبودية قد اصبحت بالفعل من الماضي ، أو أعيد انتاجها لتتناسب مع حاجة المنتفعين منها. المنتفعون منها طبقات و فئات اجتماعية ، وشركات وأفرادا يتاجرون بها ويحققون الأرباح علنا وليس تحت جنح الظلام. لا يختلف الوضع الذي يحيط بتجارة العمالة الأجنبية كثيرا عن الوضع الذي كان سائدا حتى ستينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة ، قبل أن تنجح حركة الحقوق المدنية بقيادة الدكتور مارتن لوثر كنغ ، لتنهي حقبة معتمة من تاريخ الأمة الأمريكية.

الطبقات الأرستقراطية التي أنجبت الاستعمار والاستغلال هي التي جعلت من العبيد في الزمن الغابر ضرورة تاريخية لوجودها وترسيخ سلطاتها ، وضمان أقصى المنافع بأبخس التكاليف من حيازتهم أوالمتاجرة بهم محليا وما وراء البحار. العبودية موجودة في المجتمع الاسلامي اليوم ، مجازة وعلنية ومصدر ثراء في بلدان الخليج للأسف الشديد. فالعمالة الأجنبية المستوردة للعمل في بلدان الخليج كافة هم عبيد القرن الواحد والعشرين ، يشكلون حوالي 30 % من تعداد السكان الأصليين في بعض منها ، فيما تصل في البعض الآخر من تلك البلدان إلى ما يوازي عدد سكانها الأصليين.

العمالة الأجنبية تعمل في ظروف العبودية تماما ، ساعات عمل طويلة ، بأجور متدنية محددة اعتباطيا ، دون الالتزام بالحد الادنى للاجور ، تخالف بشكل واضح الضوابط التي أقرتها منظمة العمل الدولية ، بغياب كامل للنقابات العمالية التي يمكن أن ينتموا اليها لتدافع عن حقوقهم وتمثلهم اثناء النزاعات التي تحدث مع ارباب العمل. يجري هذا في ظل الحرمان من ضمانات تقاعدية أو تعويضات عن حوادث العمل التي تحدث خلال ساعات العمل،علما بأن التمتع بإجازات مدفوعة الأجر يعتبر ترفا لبعض أصناف العاملين الأجانب. يضاف ألى ذلك عدم حصول العمال الأجانب على تسهيلات تخفف عن كاهلهم تكاليف السفر لزيارة ذويهم في الوطن الأم. والأسوأ من كل ذلك المعاملة السيئة والمهينة من قبل أرباب العمل ومواطني الدولة الاصليون ، مما يجعلهم ضحايا للفصل الكيفي دون سبب ودون إشعار مسبق ، مع حرمان العمال من حق مزاولة الشعائر الدينية إذا كانوا من غير المسلمين. أما المرأة العاملة الأجنبية ، فإضافة لكل المظالم التي يتعرض لها أخيها الرجل ، فهي معرضة للاغتصاب والتجارة بالجنس ، مظالم تعبرعن خسة وانحطاط أخلاقي وثقافي وتخلف عقلي يصعب شفاءه.

المناقشات التي دارت حول كتابات السيدة وفاء سلطان كانت دائما ساخنة لكنها مهمة ودافقة بالحياة ، وقد أحدثت شرخا عميقا في عالم وعاظ السلاطين من مشايخ وأئمة مساجد وكتابا يدورون في فلكهم ويعتاشون على فضلاتهم ، ولكن من الجانب الثاني كان رد فعل الكثير من القراء على تلك الكتابات إيجابيا وواعدا. لقد دارت تلك المناقشات حول الديانة الاسلامية والمسلمين ومحمد والقرآن والسنة ، لكن لا شيئ عن أنظمة الحكم السياسية الاستبدادية ، وبدا وكأن تلك المناقشات تتحاشى إلقاء مسئولية التخلف الحضاري على تلك الأنظمة ، وأن لا يد لها في ما تروجه هيئاتها الدينية ومشايخها من خرافات اجهاضية لأي تطلعات تحررية تسعى إليها حركات وطنية وتقدمية للحاق بالتقدم الحضاري الجاري في العالم.في حين أن سلطات تلك الأنظمة هي من يعيق حركة التطور الطبيعي الاجتماعية نحو مستقبل أفضل، وهي من يتعمد عزل مجتمعاتها من الاندماج بمجتمعات الدول المتقدمة والانفتاح على ثقافاتها.

إن الدين خيار شخصي لانسان حر يسعى اليه برغبته دون إكراه أو ابتزاز أو غسيل للعقول ، وهذا ما استقرت عليه دساتير أغلب البلدان المتحضرة المتقدمة بالعلم والتقنية والفنون والثقافة. فالدين ( أي دين ) ليس بديلا للثقافة والتحصيل العلمي ، وليس بديلا لمهنة يتقنها الشخص لتدبير شئون حياته وحياة عائلته ، الدين ليس كل شيئ في الحياة كما يصوره المتاجرون به والمنتفعين من ورائه ، بل ويكون مخالفا لواقع الحياة والتقدم إن اعتبر كذلك ، لكنه يشكل حيزا هاما في عالم الثقافة الانسانية الرحب. قد يشكل المعتقد الديني ضرورة لبعض الناس ، هم أحرار في ممارسته في أي مرحلة من حياتهم ، لكنه لا يمكن أن يكون قانونا واجب الالتزام به ، ولايمكن بأي حال من الأحوال فرضه على أحد أو استئصال قناعة الناس به. وتفيد تجارب التاريخ أن قمع التدين لا يلغيه ولا يوقف الناس من التشبث به ، فالكثير يجد فيه سلامهم الروحي ، وطمأنة النفس في حالة الضعف والانكسار ابان محن الحياة وجحود الطبيعة. وفي هذا تتفق جميع الأديان ، وهو ما جعل ملايين الناس من شتى الأجناس والألوان تمضي في ممارسة طقوسها الدينية ، تماما كما اعتاد أجدادهم أن يزاولوه عبر الزمن الماضي.

العراق
11 / 4 / 2010


¤ وفاء سلطان ...ومعركتها مع وعاظ السلاطين (2)
¤ وفاء سلطان ...ومعركتها مع وعاظ السلاطين (1)

 

 

 

free web counter