| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

الجمعة 9/4/ 2010

 

وفاء سلطان ...ومعركتها مع وعاظ السلاطين
(2)

علي ألأسدي - البصرة  

"
كل ما يحتاجه الشر لينتصر هو ان يقف أهل الخير لا يفعلون شيئا "  أدموند بيرك

لقد كان تحرير المجتمعات في الدول النامية من الأمية هو المفتاح لتخليها عن الخرافة والشعوذة المفروضة عليها من قبل سلطاتهم الدينية والسياسية كقدرلا فكاك منه ، وقد تبنى مهمة القضاء على الأمية الكثير من الحركات السياسية والمنظمات الانسانية التقدمية وهيئات تابعة للمنظمة الدولية على مستوى العالم. كانت الخطوات الأولى في هذا المنحى هو نشر التعليم الالزامي بدء من مكافحة الأمية وانتهاء بمراحل التعليم العليا ، بذلك وحده يمكن أن تعي الجماهير حقوقها وتتعرف على السبل لنيلها. لكن الحركات الدينية والسياسية الرجعية في بلداننا الاسلامية قد قامت من جانبها بتحريف مهمة مكافحة الأمية في المجتمعات الفقيرة ، فقامت بحصره بمدارس وكتاتيب لتعليم أصول الدين والثقافة الدينية التي تكرس الفكر المتزمت ، والتعصب الأعمى ، ليس فقط ضد أتباع الأديان الأخرى ، بل وحتى ضد المسلمين الذين لا يحملون الفكر الذي يلقن في مدارس التبشير تلك.

ومثال ذلك آلاف المدارس والمساجد التي زرعتها حركة الدعوة الاسلامية التي مقرها بلدان النفط في الشرق الأوسط وفي مقدمتها العربية السعودية ، حيث باشرت بتعليم القراءة والكتابة لملايين الأطفال والشباب في مختلف بلدان العالم ، لا ليتقنوا مهنا يزاولونها لتحسين ظروف حياتهم ، أو لتمهيد الطريق لهم للدراسة الجامعية ليسهموا في خدمة مجتمعهم في مجالات العلوم والاداب ، بل لتعليمهم قراءة القرآن وحفظه وتجويده ، وتلقينهم الهراء الديني المشعوذ بصيغ مقولات واحاديث نبوية مختلقة تضر بالاسلام أكثرمما تنفعه ، معتبرينها جزء من الشريعة الدينية الاسلامية ، ومتممة للرسالة المحمدية عند بدء انتشارها أربعة عشر قرنا مضت. وبنتيجة ذلك أنشأت أجيالا من الملقنين بثقافة أحادية الجانب ، عدوانية تجاه الديانات الأخرى وممارسيها في العالم ، وضد الاتجاهات الفكرية التحررية وبخاصة الفكرالاشتراكي والماركسي عندما كان سائدا حتى الثمانينيات من القرن الماضي ، ولم تستثنى من عدوانية تلك الثقافات الظلامية كل الاتجاهات التي تنادي بعزل الدين عن السياسة والحكم. والأسوأ من ذلك كله تأهيل المئات من أولئك الملقنين بالكراهية ليكونوا أئمة مساجد ومعلمي دين في الدول الأخرى التي تعاني من جهل مركب ، مثل الباكستان وبنغلادشت والهند وماليزيا وتايلاند وأندونيسيا ، ولم تكتفي بذلك بل شملت العديد من دول أفريقيا السوداء و دول في أوربا واسيا الوسطى بل وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وكندا ونيوزيلاندا.

توعية الناس بمخاطر الوهم الديني المشعوذ ، وأخطارالثقافة الدينية البالية المعتمدة عليه ، وآثارها المعرقلة لمسيرة التقدم الثقافي والاقتصادي في المجتمعات المنتمية للعالم الاسلامي ، كان الهدف الرئيس الذي وضعته السيدة وفاء سلطان كأحد أولويات نشاطها التنويري. وكان متوقعا أن تشن عليها مراجع التخلف والرجعية الفكرية المتمثلة في مجاميع المشايخ الدينيين وأتباعهم حملة من التشهير الرخيص والترهيب والتخويف لتثنيها عن مهمتها ونشاطها التنويري. كان أخرها ما أشارت له أخيرا في بيان نشر على موقع الحوار المتمدن في 1 / 4 / 2010 جاء فيه : أعزائي القرّاء:
لا شك أنكم على علم بالتهديدات التي تصلني بشكل يومي، ولكن منذ حوالي اسبوع وصلني تهديد قبيح جدا ومفصل للغاية، الأمر الذي أجبرني على الخضوع لإجراءات أمنية مشددة أثرت كثيرا على حياتي اليومية، وأثار اهتمام السلطات المسؤولة في أمريكا.التحقيقات الأولية أشارت على أنه صدر من مكتب شركة مقاولات سعودية معروفة عالميا ولها فروع في أمريكا، صدر من مكتبها في الرياض.وبعد التواصل مع مكتب الشركة الموجود في أمريكا، أكدّ القائمون عليه على أنهم يقومون الآن بحملة تحقيقات ضمن الشركة.

فحملة بوزن التوعية التي تخوضها السيدة قد أصابت تلك المراجع السياسية والدينية المتفسخة بصدمة لم تكن متوقعة ، وما يجري من استياء داخل المجتمعات الاسلامية الخاضعة لسطوة المشايخ المتخلفين ضد تلك السلطات ، يشبه إلى حد بعيد الجمرالمتوقد تحت الرماد. لم يستطع الاعلام الموجه لخدمة الرجعية الدينية ووعاظها المتخلفين أن يتهم السيدة سلطان بالشيوعية والعمالة للمعسكرالاشتراكي كما كانت تفعل من قبل في كل مناسبة ترتفع فيها أصوات الاحتجاج على التسلط الدكتاتوري الرجعي المتخلف ، فقد توارى ذلك النظام وانتهى مفعول وضرورة تلك التهمة ، ولم يعد في جعبتهم الكثير من التهم الجاهزة لمواجهة حركة المطالبة بالديمقراطية والانفتاح المتصاعدة. فالسيدة سلطان لم تعتنق الشيوعية ولم تكن ماركسية أو محسوبة على الماركسيين في حياتها ، حتى يستخدموا تهمتهم الجاهزة تبريرا لحملة مشايخ الجهل ضدها باعتبارها واحدة من الماركسيين. لكن ليس صعبا على تلك الجهات المتخلفة المتحجرة العقول والضمائر أن يبتكروا تهما أخرى من مثل التبشير بالمسيحية والالحاد والكفر والصهيونية ، دون أن يعوا أنهم هم من كفر ويكفر كل يوم بحق شعوبهم ،وأنهم هم من يخدم الصهيونية ليل نهار بتكريس الجهل والفقر والفاقة وقمع رغبة الناس في التحرر ومسايرة التقدم الحضاري ، وإذا كان بين مواطنيهم من يرغب باعتناق المسيحية أو أن يكون ملحدا فإن اسلام المشايخ المتخلفين هو السبب في عزوف الناس عنهم وعن دينهم.

وهنا تكمن واحدة من التحديات التي تجعل من مهمة السيدة سلطان بالغة الصعوبة ، كونها لا تحارب ثقافة متخلفة بثقافة متنورة وانسانية يزدهر الانسان في ظلها ويتقدم فحسب ، بل وتوجه جل جهدها لفضح الفكر الديني الاسلامي المكرس كلية لخدمة مصالح الطبقات الحاكمة ، واستمرار هيمنتها السياسية والدينية على مواطنيها. لقد أثار هذا المنحى الصريح وغير المساوم من جانب السيدة سلطان ، أثار الغرائز البهيمية لدى مشايخ الدين ممن يتمتعون بنفوذ وسطوة في البلدان الاسلامية لشن حملة ضدها. وليس سرا أن تقف وراء أولئك المتزمتون القيادات الحكومية المتغطرسة في البلدان الاسلامية الغنية بالنفط التي تدعي حماية دين اصطنعت له جنانا وحوريات حسانا وعقوبات وأصولا ومذاهبا لا تحسن أخلاق فرد ، ولا ترفع من مكانة شعب ، ولا تطور اقتصادا متخلفا ، ولا تعيد لأمة كرامة مجروحة أو وطنا مسلوبا.

التحدي الآخر الذي يعترض طريق السيدة سلطان في مهمتها هي كونها امرأة من طراز فريد ، قوية وذات معنوية عالية ، وهذا غير متعارف عليه في المجتمعات الذكورية حيث المرأة أنثى فحسب ، مسلوبة الارادة والشخصية والقرار والفكر والموقع الاجتماعي المؤثر. مجتمعات تأنف ان ترى امرأة في موقع الهجوم ، تضطلع بدور مؤثر خارج أسوار المطبخ والسرير الذي فرض عليها ، ماعدا ذلك هو حق ذكوري مطلق. إن ما يهز عروش المجتمعات الذكورية الغارقة في الجهل والخرافة هو أن يروا أن من يتحداهم علانية ودون وجل هو امرأة ، وليست أي امرأة ، امرأة تدعو نساء المجتمعات الاسلامية دون استثناء لرفض قوانين وصاية الرجل على مقدرات حياتها ، باسم دين متحيز ، صيغت مفرداته لصالح الذكورة والحط من قيمة المرأة ومكانتها. دين فسرت كلماته لتكريس عبوديتها للرجل ، و تدجينها كأداة للهو والتفريخ دون مساواة في الحقوق فيما حملت من الواجبات ما لايستطيعها الرجال.
كتبت السيدة وفاء سلطان في 29 / 9 / 2009 في الحوار المتمدن في مقال لها بعنوان " وفاء سلطان وكيف ولماذا تكتب " جاء فيه :
" الكاتب هو ضمير أمته، وعندما يفشل في التمييز بين المقبول والمرفوض أخلاقيا وإنسانيا لا يمكن أن يكون ضميرا حيّا ." لقد اختارت السيدة سلطان أن تكون ذلك الضمير الحي ، وكان خيارا منحازا للحق والانسان والأخلاق.
ولهذا تصدى لها جمهور حاشد من الرجال الجهال المتزمتون العدوانيون ، ممن يرفضون التنازل عن عروش احتلوها بالوراثة ، دون كفاءة أو حنكة أو أخلاق أو ثقافة أو تخويل من شعوبهم. ولسوء حظ الشعوب المسلمة في عالمنا ، فقد تربع على راس دولهم نمط من ملوك وقادة حكومات ورجال دين ممن تلوثت عقولهم بأبشع الهلوسات عن عقل وجسد ومشاعر المرأة ، فلم يتعاملوا معها إلا من خلال الغرائز الحيوانية والاستعلاء والمجافاة. حشد من دهاقنة المال وتجار الدين وسماسرة السياسة ، يساعدهم في اشاعة ونشر ثقافة الحط من مكانة المرأة وحقوقها السياسية والثقافية والمهنية ، مراكز تبشير وجامعات ومدارس ، ومؤتمرات لمنظمات متخمة بأموال النفط ومدعومة بقنوات اعلامية أخطبوطية ومواقع موسرة على شبكة الانترنيت.

تتحمل هذه الجهات جميعها حكومية أو شبه حكومية مسئولية إبقاء المجتمع الاسلامي كسيحا مسيرا بثقافة الفتاوي التي تلغي وظيفة العقل في التفكير والابداع والتطور والتلاقح مع ثقافات المجتمعات الأخرى ، آدابا كانت أم علوما أم فنونا جميلة. مستبدلة كل ذلك بتلقين المجتمع تعاويذ ولغو وشعوذة تتدخل بكل دقائق الحياة وعلاقات الفرد بمحيطه الاجتماعي. تلقين لا يسعى لخير البشرية ، بل لنشر الكراهية والتحريض على العنف ، وإشاعة وإجازة قتل الانسان المخالف دون خشية من عقاب ، بل وتعتبره واجبا مقدسا يقرب مرتكبه من الله ، فعل لا تجيزه أي من دساتير بلدان العالم المتحضر ودياناتها ، وهذا ما توحي به حملات تفجير البيوت والناس وتدميرالحياة في بلدان اسلامية مثل العراق.

 يتبع



¤ وفاء سلطان ...ومعركتها مع وعاظ السلاطين (1)
 

 

 

free web counter