| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي عرمش شوكت

 

 

 

 

الثلاثاء 19 / 6 / 2007

 



الظهير

الحلقة الحادية عشر


علي عرمش شوكت

 اصيب حميد بالقلق الشديد على اثر فشل موعده مع مسؤوله الحزبي في الوقت المحدد له ، والذي يتكرر شهريا، كما وسبق ان ذهب الى مكان البريد الحزبي المعتاد فوجد بريده الذي ارسله لم يستلم فضلا عن عدم مجيئ اي بريد جديد له ، وفي مثل هذه الحالة اذا ما حصلت في سياق العمل السري ينبغي تخفيف اوايقاف التحرك الى حين ، وعليه أتخذ قراره بالبقاء في مكانه لحين مجيئ موعد لقائه مع مسؤوله الحزبي ، كما رتب مواعيده مع رفاقه الاخرين بما يتوافق مع وقت تحركه المناسب ، استغل بقاءه في البيت للقراءة حيث وجد امامه مجموعة من الكتب التي لم يقرأ مثل مضامينها سابقا اي( الافكار الوجودية ) ، وكانت تلك الكتب هي ( ابتسامة ما ) لفراسو سايغان ، كاتبة فرنسية ، و ( سقوط الحضارة وما بعد سقوط الحضارة وضياع في سوهو ) لكولن ولسن ، كاتب بريطاني ، ولم يجد من الكتب العربية سوى مسرحية ( الفتى مهران وفتاة الحي سلمى ) للكاتب المصري عبد الرحمن الشرقاوي .
لم تغب عن تفكيره محاولة البحث في سبيل الوصول الى الحزب عن طريق اخر، حيث كان يتم ذلك عند الانقطاع في العمل السري ولكن باحتراز شديد ، فصار لزاما عليه ان يجد السبل المناسبة للوصول الى اؤلئك الرفاق الذين لايغادرون عادة الساحة في مثل هذه الظروف السرية الصعبة ، فحضرت في ذهنه اسماء عدد من الرفاق ولكنه وجد بعضهم قد وضع حول نفسه شرنقة من ضوابط العمل السري حسب توجيهات الحزب طبعا ، والبعض الاخر غابت اخباره في زنزانات اجهزة الامن القمعية ، ولكنه بحث عن الرفيق ( جاسم الحلوائي ) ولم يتمكن من الوصول اليه فترك له رسالة شفهية ، ولم يبق امامه سوى البحث عن رفيقه ( كامل كرم ) ابو علاء ، لم يجده فترك له رسالة شفهية ايضا .
بعد تلك المحاولات وبخاصة عندما كرر موعده الحزبي ولم يحضر مسؤوله الى المكان وفي الزمان المحددين حصلت لديه فكرة الذهاب الى كردستان ولكن سرعان ما تراجع عنها ، وذلك بسبب ماحصل له في آب من عام 1973 عندما عاد الى الوطن من الاتحاد السوفيتي مع بعض رفاقه عن طريق الحدود السورية العراقية ، فعند عبورهم تعاملوا مع احد المهربين لكي ينقلهم بسيارته الى مدينة (زاخو) ، ولكن المهرب قد اشترط عليهم ان يذهب بهم الى مقر احد الاحزاب الكردية في تلك المدينة اولا ، لأن دون ذلك سيتعرض للاذى ، اعترض حميد على ذلك لكن سرعان ما حل الخلاف بالذهاب اولا الى مقصدهم وهو بيت احد الرفاق ، وبالفعل تم ذلك ومن ثم ذهبوا الى مقر الحزب الكردي،وهناك قوبلوا بتصرف سيئ من قبل المسؤول الحزبي الكردي حيث حاول حجزهم فرفضوا، وحينما كانوا واقفين في باحة المقر محتجين على ذلك التصرف جاء مسؤول كردي اخر وعند مشاهدته لحميد تعرف عليه بسهولة ، فعبر عن ترحابه اولا وكذلك عن استغرابه من وجود حميد في مقرهم ثانيا ، وكانت تلك صدفة جيدة لتوضيح ملابسات موقف المسؤول وكذلك اسباب مجيئهم عن هذه الطريق ، حيث كان ذلك الشخص هو المهندس ( حسام سعد الله ) والذي كان معتقلا مع حميد في معتقل ( خلف السدة ) عام 1965 ، وقد اشتاط حسام غضبا من تصرف ذلك المسؤول ، فذهب مسرعا الى داخل المقر، وحصلت مشادة قوية كما يبدو ، بعد ذلك عاد الى حميد واعتذر عن ذلك التصرف وطلب منه ان لا يذكر هذه الاشكالات الى رفاقه في الحزب الشيوعي !!.
ولكن حين وصولهم الى مدينة ( دهوك ) اخبر حميد الرفاق هناك بما حصل لهم في – زاخو - وكذلك بعد ان حلوا في مدينة ( القوش ) ضيوفا على الرفيق ( توما توماس ) اخبروه بما جرى لهم ، كما اخبروا رفاقهم في بغداد ايضا ، لما لذلك من خطورة على رفاقهم الذين سيأتون بعدهم عن تلك الطريق .
وعلى ذلك الغى من تفكيره نيته الذهاب الى كردستان ، وقرر التوجه الى سوريا اذا لم يتمكن من الوصول الى الحزب ، وفي نطاق بحثه عن وسيلة آمنة للذهاب الى سوريا تذكر ان له قريب لديه سيارة لنقل الركاب بين بغداد والبصرة ، فكلف احد افراد عائلته باللقاء بصاحب السيارة وهوشخص امين ويتعاطف مع الحزب وطرح الموضوع عليه اي ايصال حميد الى سوريا بأية وسيلة ، فجاءت النتيجة بموافقة صاحب السيارة ، ولكن بشرط ان يدفع له اجورعدد ركاب السيارة وهم اربعون راكبا ، ولكل راكب عشر دنانير اي ما مجموعه اربعمائة دينارا، وافق حميد على ذلك والتقيا مباشرة ورسما معا خطة للخروج من الحدود العراقية السورية .
ومن مكان عزيز على حميد قرب جسر الصرافية في العطفية استقل الحافلة التي كان فيها ركاب اخرون حيث جمع السائق بعض العوائل من اقاربهما واحدى شقيقات حميد ، وكانت دعوته هي زيارة ( السيدة زينب ) والاجرة مجانا لايفاء نذرا عليه حسب ادعائه ، انطلقت السيارة بعد الظهر ووصلت الى مدينة الرمادي عصرا ، توقفت في نقطة تفتيش خارج المدينة باتجاه الحدود السورية ، وعندما فتح السائق ابوابها قفز ثلاثة اشخاص الى داخلها ممن كانوا ينتظرون اية وسيلة نقل توصلهم الى مدينة الرطبة الحدودية ، ولكن الرجل المسؤول وهو ممثل نقابة السواق كما عرف نفسه طلب من صاحب الحافلة انزالهم لأن ذلك ليس من حقه ، وانما من حق اصحاب السيارات التي تنقل الركاب من الرمادي الى الرطبة ، وما كان من السائق وهو رجل قوي البنية ان يطلب منهم النزول ، فنزل اثنان غير ان الثالث رفض النزول بحجة انه مستعجل ، فترجاه السائق ولم ينفع الرجاء معه ، كانت لدى السائق قوة جسمانية مكنته من سحب الراكب المتمرد ورميه في الشارع ، ومن ثم تحرك باتجاه سوريا تاركا ذلك الراكب يتوعد ويهدد ، اخذت الحافلة تلتهم الطريق لهما وبسرعة عالية نبسيا ، فوصلت الى نقطة الحدود في الرطبة بعد منتصف الليل ، وما ان توقفت حتى طوقتها ثلة من رجال الامن وعلى رأسهم ذلك الراكب الذي اخرج عنوة من السيارة في الرمادي ، فقبضوا على السائق واخذوه الى داخل البناية ، غاب بحدود النصف ساعة كانت على حميد تعادل السنة ، واكثر ما زاد في ألمه هو خوف شقيقته عليه التي اجهشت بالبكاء وكادت تنهار، عاد السائق الشهم منتصرا لكونه نفذ قانون النقابة واستعان بممثلها هناك ، غير انه طلب من حميد النزول من السيارة وترك حقيبته لدى شقيقته ، والعودة الى بغداد لأن السائق بات مرصودا ولن يتمكن من تنفيذ الخطة ، فذهب السائق مع حميد الى سائق حافلة ركاب اخرى متوجهة الى بغداد وطلب منه ايصال حميد الى بغداد على اساس انه ابن عمه جاء ليودعه في الرطبة ويعود ، استقل الحافلة بجانب سائق تلك السيارة التي كانت تقل ركابا جلهم من الغجر الرحل الذين يسمونهم في العراق ( كاولية عجم ) ، قضى الليل قاطعا تلك الطريق الطويلة مع اغاني الغجريات الجميلات وتحرشاتهن به وبالسائق الذي كان يحثه على التجاوب معهن ، الا ان حميد كان سيئ المزاج لامجال في نفسه لاية فرصة للفرح لاسيما وانه تذكر رحلته الى الجنوب مع (غجر المياه) وتلك الغجرية الشابة ( غاية )التي هي غاية بالجمال فعلا ، وصل فجرا الى بغداد فتوجه الى مكان آمن .

يتبع

¤ الحلقة العاشرة

¤ الحلقة التاسعة

¤ الحلقة الثامنة

¤ الحلقة السابعة

¤ الحلقة السادسة

¤ الحلقة الخامسة

¤ الحلقة الرابعة

¤ الحلقة الثالثة

¤ الحلقة الثانية

¤ الحلقة الأولى