| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي عرمش شوكت

 

 

 

 

الأحد 20 / 5 / 2007

 


الظهير

الحلقة السادسة


علي عرمش شوكت

لم تتغير المهمات بل استلم( حميد) توجيهات من الحزب تؤكد على لملمة الرفاق المقطوعين ، وفحص سلامة اوضاعهم ودرجة الصيانة التي يتمتعون بها ، غير ان الجهد الاكبر ينبغي ان ينصب على ترصين خطوط (الظهير) من الرفاق والاصدقاء غير المكشوفين تحديدا .
ومع ذلك كان حميد قلقا لامر قد اثار انتباهه، وهو ان بعض الرفاق المقطوعين يقومون بنشاطات تبدو مختلفة عما يتلقاه من التوجيهات الحزبية ، فعندما التقى صدفة مع احد هؤلاء الرفاق اخبره بانهم ارتبطوا بصلات جديدة ، مما اثار خشيته من ان تكون هنالك اختراقات من قبل اجهزة العدو ، حينها لم يكن امامه سوى ان يستعين بالحزب لمعرفة حقيقة ذلك الامر ، وبما ان لقاءه مع مسؤوله الحزبي بعيد نسبيا فقد راح يبحث عن اقرب الرفاق القياديين الذين لايغادرون الساحة عادة في الظروف الصعبة ، والذين يمكن الاستعانة بهم ،فحاول اللقاء بالرفيق المخضرم في العمل السري (كامل كرم ) فلم يتمكن ، وبعد وقت قصير ولكنه طويل على حميد واعتمادا على صلته الاعتيادية ، جاءه الخبر اليقين من خلال البريد الحزبي ومفاده ان ذلك النشاط يتم بعلم الحزب ولا قلق منه ، كما استلم توجيهات بعدم التوسع والتشابك بالصلات و ضرورة تركيز الجهد على ترصين الصلات ، وعلى ذلك النحو جرت الامور .
ذات مساء توجه حميد الى مدينة الشعلة في الكاظمية للقاء احد اصدقائه العمال الذي لديه حلقة من الاصدقاء ، وان العامل هذا هو من عمال مصفى الدورة ، وكما يبدو قد ورث مهنة ابيه في حقول النفط ، حيث كان ابيه من عمال محطة (k3) في مدينة حديثة ، وسبق له ان شارك في ( مسيرة العمال ) التاريخية من مدينة حديثة الى بغداد احتجاجا على الاحوال المعيشية والاحكام العرفية في اوسط الاربعينات ، حينها كان صبيا يساعد المسيرة بجمع بعض الطعام والماء من القرى، وقد تأثر بالشهيد شنور عودة ( مهدي عودة ) الذي كان على رأس تلك المسيرة آنذاك .
وبعد لقاء حميمي بين حميد وصديقه( حمزة الفزع ) كانت مقتضيات اللقاء تتطلب فسحة هادئة ، وعلى سطح دار حمزة الذي يطل على فضاء شاسع من الحقول، التي تبعث بعطرها لتزيد من لطافة ذلك المناخ الصيفي البديع الممزوج مع انفاس الارض الطيبة ، التي تحملها نفحات النسيم القادم عبر البساتين الممتدة على ضفاف دجلة الخير،والتي ليست ببعيدة عن مدينة الشعلة ، تبادلا انخاب ( الزحلاوي) مع اكل السمك المشوي الذي عمل خصيصا للضيف حميد ، من قبل اسرة حمزة الفزع .
دبت الخمرة في الرؤوس وصار الحديث طليقا من اية قيود اواشكاليات ، اي انه من القلب الى القلب .
دعنا يا ابا رحاب نتحدث عن وضعك ، فكيف ستدبر امرك وقد اصبحت مكشوفا تماما بفضل العمل العلني ؟
- لايهمك سوف اعالج اموري ، وعلى اية حال مهما تعددت الاسباب فالموت واحد .. دعني احكي لك هذه الحكاية .
كنا في عام 1966 في المعتقل وكان قسم منا معتقلا من زمن المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم ،وفي يوم من تلك الايام جلبوا الى المعتقل احد قادة حزبنا الذي كان صامدا وخرج بطلا من تحت التعذيب في زنزانات اجهزة الامن ، فتحلقنا حوله نحن مجموعة من الرفاق الشباب ، واخذنا نمطره بالاسئلة عن حاله بعد ان تعرض لتعذيب قاس جدا وحول ظروف اعتقاله ، فقال :(انني اوجه اللوم اولا الى نفسي لكوني قد قصرت في صيانة تحركي فوقعت بين ايادي جلاوزة الامن ، اوصيكم اذاما اطلق سراحكم الا تعطوا العدو اية فرصة تمكنه من ان يمسك بكم مرة اخرى ، حاولوا ان تكونوا حذرين شديدي التحوط).
وهنا بادر الشهيد رافع الكبيسي قائلا : (سوف احمل السلاح واذا ما هوجمت حينها اقاتلهم فأما ان انجو او استشهد) ، وهكذا استشهد فعلا في اهوار الغموكة في محافظة الناصرية ، اما الشهيد هاشم الآلوسي فقد اختار طريقا اخرى اذ قال : اذا ما وقعت مرة اخرى بايدي العدو فسوف اظل اشتمهم حتى ان يعجزوا عن تعذيبي او استشهد ، وهكذا استشهد فعلا في قصر النهاية في عام 1969 ، كان يتحدى جلاديه ويشتمهم ، حسب شهود عيان ، اما الشهيد جواد عطية قال : سوف اظل اضحك واسخر منهم حتى ينهاروا هم او استشهد ، وقد استشهد وهو يضحك عندما قبض عليه في مدينة الكوت في اوائل السعينيات، فماذا تعتقد اية طريق قد اخترت انا ؟ .
*اعتقد انك اخترت الطريقة الاولى التي اختارها الشهيد رافع الكبيسي ولذلك اراك تحمل السلاح دائما .
- نعم ان هذا هو الاسلوب المناسب لمواجهتهم ولا يفهموا غيره .
• ومع كل ذلك تورطتم معهم في تحالف غير مضمون .. كانوا يملكون السلاح والمال والسلطة ، ومن خلال التجربة التاريخية لايؤتمنون،بالمقابل كان الحزب الشيوعي مجردا من كل ذلك .
• طيب يا ابا رحاب، دعنا نذهب الى مزرعة البطيخ المقابلة للبيت ، فقد تعودت الذهاب الى ناطورها وهو صديقي ويمنحني البطيخ والركي مجانا ، وفي تلك الاثناء وهما يقتربان من المزرعة ، سمعا صوت الناطور ينادي ، اجابه( حمزة ) صديج ، اي صديق ، فتعرف الناطور على حمزة رغم عتمة الليل ونزل من سطح غرفته الطينية الصغيرة التي تنتصب وسط المزرعة وقام باستقبالهما بحرارة ولكنه سألهما عما يجري خلفهما ، استغربا وصوبا بناظريهما نحو البيوت التي لاتبعد كثيرا فشاهدا مجموعة من ما يسمى بالجيش الشعبي ، تطوق تلك البيوت التي يقع ضمنها بيت ( حمزة الفزع ) الذي كانا فيه قبل قليل ، وهنا بادر الناطور وطلب من حمزة وحميد ان يختفيا داخل المزرعة ، وبسرعة خاطفة ناول حمزة بندقية صيد قديمة وطلب منه اخذها معه الى داخل المزرعة ، لأن بقائها معه سيخلق له مشكلة فهي غير مرخصة ، واوصاهما بألا يتحركا وانه سيصعد على سطح الغرفة ويراقب الوضع ، وحين يتم انسحاب هذه الزمرة سوف يخبرهما ، سأل حميد صديقه العامل حمزة عن حماسة صديقه الناطور بالحرص على اخفائهما ، اجاب حمزة انه احد اعضاء حلقة اصدقاء جديدة شكلها مؤخرا وبعد مايقارب من نصف ساعة توجه اثنان من تلك الزمرة الى المزرعة وكانا يحملان مصابيح يدوية وتواجها مع الناطور مباشرة وسألاه عما اذا مر احد من هنا ، فنفى الناطور رؤية اي شخص ، ولكنهما لم يكتفيا بذلك فأخذا ما كان موجودا من بطيخ وركي قرب الغرفة وعادا من حيث جاءا .
كان حميد وصديقه حمزة في تلك الدقائق الحرجة على استعداد لخوض المعركة بالسلاح الناري، وكانت نبتات (السيسبان) العالية نسبيا الموجودة في المزرعة هي التي ساعدت على اختفائهما عن الانظار، وبعد دقائق جاءهما الناطورليخبرهما بأن افراد ( الجيش الشعبي) قد ذهبوا ، ولكن حمزة اقترح على حميد ان يبقى في المزرعة لحين ان يذهب ويستطلع الوضع في بيته ، قام بذلك ثم عاد بعد نصف ساعة تقريبا ليخبر حميد بأن افراد (الجيش الشعبي ) كانوا يبحثون عن اشخاص قاموا بتوزيع منشورات معادية للنظام وقد ذهبوا الان .
وهكذا نجا حميد مرة اخرى بعد ان خرج مع صديقه العامل( حمزة الفزع) ليستمتع بشئ من الحرية .

يتبع

¤ الحلقة الخامسة

¤ الحلقة الرابعة

¤ الحلقة الثالثة

¤ الحلقة الثانية

¤ الحلقة الأولى