|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الآثنين  29  / 5 / 2017                                 عامل الخوري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

أبي الذي أخذت منه الكثير
(5)

عامل ألبير الخوري
(موقع الناس)

عندما استرجع حكايات ابي ، وبعدها مواقف عشتها معه وحدثت له ، ارتأيت ان لا تضيع تلك اللمحات وانا بهذا العمر وربما غدا يضيع كل شئ مع اللحد ..

قررت سرد ما أتذكره من لقطات اعتبرها مهمة جدا في حياته ، وفِي حياتنا كعائلته وحياتي شخصيا ، اثر ترك بصماته الواضحة على الكثير من تصرفاتي ومواقفي في مسيرة حياتي كلها ، اكتب ما أتذكره كواجب أقدمه للناس كجزء من تاريخ مواطن عراقي أراد ان يعطي شيئا للعراق فشكل بذلك جزءا من تاريخ الوطن ، ومهما كان الجزء صغيرا فمن تلك الأجزاء يتشكل التاريخ بصورته الكاملة ، كما اكتب هذه الصفحات لاتركها لأولادي عسى ان يتعرفوا على جدهم الذي لم يلتقوا به يوما ، عدا ولدي البكر ، نصير (مشمش) ، الذي التقى به لآخر مرة عندما كان عمره أربعة أشهر فقط.

صفحات أسميتها .... أبي الذي أخذت منه الكثير ......

الصفحة الخامسة

وصل ابي الى ناوپردان قادما من الرضائية - ايران بعد رحلة علاجية دامت أربعة أشهر تقريبا بعد إصابته بأربعة رصاصات ، اثنتين في صدره ، واثنتين في فخذه اثر محاولة اغتيال فاشلة من ضابط مندس في قلعة دزة .

اثر عودته طلب المُلا مصطفى البارزاني لقاءه ، وكان اللقاء في گلالة بحضور ولدي البارزاني الشابين آنذاك ، ادريس ومسعود ، وبدأ ابي بماناداته بأبي لقمان كما كان معروفا عن المُلا مصطفى ، الذي فاتحه بأن يكون مذيع القسم العربي في إذاعة صوت كوردستان العراق ، الإذاعة الرسمية لحدك آنذاك ، لصوت ابي الجهوري ، وافق ابي على هذا العرض وبدأ عمله فورا ، ولا زلت اتذكر صوته الواضح ، هنا صوت كوردستان العراق ، صوت ....الخ واستمر لاكثر من سنتين في عمله وكان بالاضافة الى ذلك ، فانه صاحب قوات الپيشمه رگة في عملياتهم العسكرية ليسجل وقائع المعارك على اشرطة تسجيل بصوته ويعيد بثها من ميكرفون الإذاعة .

لم تكن علاقة الشيوعيين بأبي جيدة لوجوده ضمن صفوف حدك ، ولكن كانت تربطه بعلاقات فردية جيدة مع العديد من الشيوعيين الذين لا اذكر أسمائهم جميعا ، ولكن مثالا على ذلك ، سعيد مطر و ابو محمود (جلال الدباغ) وغيرهما وكان الجميع ينادونه بلقبه (باپير) .

عام ١٩٦٧، دعي ابي لمقابلة المُلا مصطفى البارزاني ، الذي عرف عن والدي بانه ملم بقانون العقوبات البغدادي بشكل كامل ، وكانت الثورة الكردية بحاجة لإدارة قانونية إضافةً للوضع العسكري والاداري والاقتصادي ، حيث هناك مشاكل بين العشائر وبين الفلاحين ، والخصومات الكثيرة وبعض جرائم القتل التي تحدث هنا وهناك .

ابلغ المُلا مصطفى والدي بأنه اختاره ليكون حاكما لمنطقة گلالة ، وافق ابي على أخذ هذه المهمة على عاتقه وبدأ ممارسة مهمته القضائية ، رغم احتجاج شديد من زعماء العشائر الكوردية ، لكون ابي عربي اولا ، ولأنه مسيحي ثانيا ، لكن البارزاني الأب اصر على قراره . ومن الظريف ان اذكر ان ابينا كان يصطحبنا معه خلال زيارتنا له ، اثناء إجراءه تحقيقا ما في الاختلاف على ملكية ارض او اي جنحة او جريمة اخرى لنكون كتاب محضر .

بعد توسع مناطق كوردستان المحررة ، ولتمتد يد القضاء (اؤكد ان ابي كان يطبق قانون العقوبات البغدادي في جميع القضايا المحالة اليه) ، تم تكليف ابي بمهمة اكبر ليكون حاكما لمنطقة دشت أربيل ، التي تعني كثرة تنقلاته لسعة المنطقة ، وبقي ابي حاكما لمنطقة ده شت أربيل حتى اتفاقية آذار عام ١٩٧٠.

بعد اتفاقية آذار ، طلب والدي من المُلا مصطفى البارزاني إعفاءه من مهمته والموافقة على عودته الى بيته في بغداد ، وافق البارزاني على طلبه ، وزوده بكتاب عدم تعرض بتوقيعه الشخصي مع رخصة حمل السلاح حتى اثناء تواجده في بغداد ، والصورة ما زالت امامي حية ، حيث ذهبنا انا واخي حبيب (لروحه السلام) الى گلالة حيث استصحبناه سوية الى بغداد وهو بملابسه الكوردية البيضاء والغطرة الحمراء وهو يتمنطق مسدسه ، وبقى ابي يتجول في بغداد لأكثر من أسبوعين بملابسه الكوردية .

في بغداد صدر قرار من البارزاني بتعيين ابي في جريدة التآخي ، جريدة حدك الرسمية وبَقى يعمل فيها حتى وفاته عام ١٩٨٩، اي حتى بعد ان صادر البعث الجريدة .


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter