|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  22  /4 / 2017                                 عامل الخوري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

أوراق من ايام العمل السري في الداخل
(10)

عامل الخوري
(موقع الناس)

إلحاح الأولاد في تسجيل بعض ما خزنته الذاكرة الضعيفة ، احد الأسباب التي جعلتني اكتب هذه السطور .. ترددت قبلها ، اولا انا لست بكاتب و ينقصني الكثير مما يتطلبه سرد الحدث ، المسألة الاخرى ، مرور سنوات طويلة تجعلني افتقد دقائق الأحداث في بعض اللقطات ، لا اريد ان اكتب ما يمل منه ، لذلك سأكتب بعض اللقطات بين الحين والآخر غير مترابطة تماما بأحداثها ووقائعها ولا في توقيتاتها .

وسأبدأ من مقدمة لابد منها .
قمنا انا وأم علي (هي زوجتي ورفيقتي حتى هذه اللحظة) ، بالعودة الى بغداد قادمين من بلغاريا بعد ان أقمنا بها حوالي عشرة أشهر ، والاكثرية تعرف (هجرة الطيور الى الشمال!!) في نهاية ١٩٧٨ وبداية ١٩٧٩ .
في بغداد بدأنا محاولة ترتيب اتصال حزبي وتكوين بدايات جديدة لعمل تنظيمي ، يفتقد الجميع لخبرة العمل السري في ظل اعتى ارهاب بعثي نازي - فاشي .
لم يدم عملنا في بغداد طويلا ، ففي الشهر الاول من عام ١٩٨١ ، وجهت للتنظيم ضربة قاضية ، اعتقل واستشهد الكثير وفلت البعض بأعجوبة ومنهم انا وأم علي ، وفي اثناء العمل السري رزقنا بطفلنا الاول نصير (مشمش) .

لابد من الأشارة ايضا ، بأنني لن اذكر اسماء الرفاق والاصدقاء الأحياء اللذين رافقوا هذه المسيرة لعدم آخذي موافقتهم  .

اللقطة العاشرة

من ذكرياتي ،عندما أصبحت مصريا !!!

عام ١٩٨١ وبالتحديد في شهر شباط ، وبعد الضربة القاسية للعديد من الخطوط الحزبية في بغداد واعتقال عايدة ياسين وصفاء الحافظ ، خرجت من بغداد بمساعدة احد الرفاق الطيبين ، ولوحدي ، قبل ان تلتحق بي ام علي بعد حوالي تسعة أشهر لنؤسس البيت الحزبي ، أقول غادرت بغداد الى الموصل ، وهناك استقبلني الرفيق الشهيد مثنى محمد عبد اللطيف .

أخذني الرفيق الشهيد في اليوم التالي الى احد معارفه ، حيث هم ثلاثة اخوة يمتلكون معملا لإنتاج الاكياس البلاستيكية ، وقدمني لهم كصديق مصلاوي اسكن في بغداد ، ولكن بعد زواجي ، ثارت المشاكل مع اهلي واضطررت لترك البيت والانتقال الى الموصل !!! هنا ابحث عن عمل يمكنني من استأجر منزل وأجلب زوجتي وطفلي ، وكانت الفكرة أصلا ان اعمل في هذا المعمل كونه يشتغل ٢٤ ساعة دون توقف والعمل على شكل شفتات ، لذلك يوجد غرف لنوم العمال وهذا بالضبط بيت القصيد ، ان اعمل ولي سقف انام فيه ، وعلموا ايضا انني معفو من الخدمة العسكرية دون الاطلاع على هويتي (ولم أكن قد زورتها آنذاك) ولكن باسم آخر .

كان يشتغل في المعمل ١٨ عاملا مصريا ، وكنت العراقي الوحيد ، حيث كان معظم الشباب العراقيون قد سيقوا الى الخدمة العسكرية بسبب حرب صدام المجنونة ضد ايران .

منذ اللحظة الاولى ، كان هدفي تعزيز العلاقات مع العمال المصريين على اعلى مستوى ، بل مع الأيام كانت الوجهة كسبهم للفكر قبل التنظيم . ونجت نجاحا كبيرا بذلك ، وخاصة مع قلة منهم ، حيث كانت هذه القلة من طلبة الجامعات ويحملون افكارا رائعة وساخطون على النظام الذي جعلهم يشتغلون كالعبيد في العراق وبقية بلدان الخليج . كنّا نخرج بأوقات الفراغ سوية ونجلس في المقاهي او بارات منطقة الغابات ، ثم نعود للمعمل للعمل والإقامة ، حيث الطبخ المشترك وتعودت على الاكل المصري ولا يسمحون لي بالطبخ لأنني (باش مهندس !!) لماذا ، لا اعرف وانا عامل مثلهم تماما .

ازداد ضغط السلطة في البحث عن الهاربين من الخدمة ، وبدأت (كبسات) أمنية و عسكرية على مواقع العمل ، وكنت في تلك اللحظات احتاج الى من يساعدني على مراقبة المداخل التي هي ثلاثة في المعمل كي أستطيع التملص من مدخل آخر ، وقررت ارتكاب المجازفة ، فأنا معتقل بكل الأحوال ومصيري معروف لدي . فاتحت الأقرب لي من العمال بشكل بسيط عن وضعي ، من انني لا اريد ان أشارك في حرب غير عادلة ، احتضنني بقوة ووعدني بأن يفعل كل شئ للحفاظ عليّ وكان هذا فعلا ما حصل ولمرات عديدة داهمت القوات الأمنية المعمل .

بقيت مشكلتي الكبرى آنذاك الهوية الشخصية ، حيث لم تكن لدي في حينها هوية استطيع الافلات اذا سؤلت عنها . وهنا فاتحت نفس الشخص ، كيف تحصلون على هوية إقامة في العراق ، فشرح لي ، بأن دخول المصري اول مرة للعراق او بعد كل اجازة يعود بها للعراق ، يراجع مكتب شؤون المواطنين العرب المسؤول عن إقامتهم ، وعادة ما يكون مسطر طويل يؤدي الى شباك يستلم المواطن المصري استمارات لملئها بالمعلومات الشخصية ومكان العمل ...الخ ، ثم هوية الاقامة فارغة يقوم بملئها بنفسه ولصق صورته ثم يسلمها الى الشباك ثانية فيقوم المكتب بختم الصورة وكبسها بغلاف نايلون ويسلمها للشخص المعني ، و ابدى هذا الصديق المصري استعداه ليقف مرتين في الصف ، مرة له ومرة لي وبأسمه ايضا ولكن بصورتي الشخصية ، وهي مجازفة حقا ارتضاها دون تردد ، سافر الى مصر وعاد بعد عشرة ايام وبعد يومين كنت احمل هوية مكتب شؤون المواطنين العرب بأعتباري مصري الجنسية . وفعلا حملت هويتي الجديدة وخرجت مع ثلاثة آخرين الى الشارع وانا البس جلابية صعيدية أهداني إياها احد زملائي في المعمل .

دنت صعيدي بگد يباش مهندس ، يا ارض احفزي ما عليكي ، هكذا قال لي صديقي المصري الذي سأبقى احتفظ له بأجمل ذكرى ، كيف لا وهو يجازف بحياته من اجلي ولا يعرف عني الا القليل .


ملاحظةً
(سأكتفي مؤقتا بهذه الأوراق ، عسى ان اعود فأكمل ما أتذكره ، شكرا لمتابعتكم)
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter