|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  18  /4 / 2017                                 عامل الخوري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

أوراق من ايام العمل السري في الداخل
(9)

عامل الخوري
(موقع الناس)

إلحاح الأولاد في تسجيل بعض ما خزنته الذاكرة الضعيفة ، احد الأسباب التي جعلتني اكتب هذه السطور .. ترددت قبلها ، اولا انا لست بكاتب و ينقصني الكثير مما يتطلبه سرد الحدث ، المسألة الاخرى ، مرور سنوات طويلة تجعلني افتقد دقائق الأحداث في بعض اللقطات ، لا اريد ان اكتب ما يمل منه ، لذلك سأكتب بعض اللقطات بين الحين والآخر غير مترابطة تماما بأحداثها ووقائعها ولا في توقيتاتها .

وسأبدأ من مقدمة لابد منها .
قمنا انا وأم علي (هي زوجتي ورفيقتي حتى هذه اللحظة) ، بالعودة الى بغداد قادمين من بلغاريا بعد ان أقمنا بها حوالي عشرة أشهر ، والاكثرية تعرف (هجرة الطيور الى الشمال!!) في نهاية ١٩٧٨ وبداية ١٩٧٩ .
في بغداد بدأنا محاولة ترتيب اتصال حزبي وتكوين بدايات جديدة لعمل تنظيمي ، يفتقد الجميع لخبرة العمل السري في ظل اعتى ارهاب بعثي نازي - فاشي .
لم يدم عملنا في بغداد طويلا ، ففي الشهر الاول من عام ١٩٨١ ، وجهت للتنظيم ضربة قاضية ، اعتقل واستشهد الكثير وفلت البعض بأعجوبة ومنهم انا وأم علي ، وفي اثناء العمل السري رزقنا بطفلنا الاول نصير (مشمش) .

لابد من الأشارة ايضا ، بأنني لن اذكر اسماء الرفاق والاصدقاء الأحياء اللذين رافقوا هذه المسيرة لعدم آخذي موافقتهم  .

اللقطة التاسعة

ربما الانتقال الاخطر

ربما لاحظ من تابع هذه الأوراق من ذاكرتي من ايام العمل السري منذ ١٩٨١ لغاية ١٩٨٥ ، بأنني كنت اطلق لقب (المسؤول الاول) ولم اقل مطلقا (الرفيق) ، لانه لا يستحق هذه الصفة أصلا ، فقد اساء اخلاقيا لعائلتنا ، مما يتناقض تماما وكليا مع موقعه ومهامه الاساسية في بناء وتوسيع عمل احد الخطوط في عمل الحزب الشيوعي في الداخل .

لن ادخل في التفاصيل قطعا ، ولكن ما حدث ، وبالترافق مع سعة عملنا الحزبي ومسؤليتي الحزبية في مدينة كركوك ، فقد تقرر إقامة بيت حزبي هناك والانتقال من مدينة الموصل كي نبتعد عن هذا السيئ ولا نلتقي به بقدر الحاجة المهمة في اللقاء ، كان الانتقال الى كركوك حوالي الشهر الخامس من عام ١٩٨٤،

كركوك مدينة لها موقع خاص في فهم البعث ، ولازال هذا المفهوم قائما حتى يومنا هذا في ذهن السلطات المركزية ، لذا الانتقال الى كركوك ليست مسألة سهلة إطلاقا .

يتطلب الامر تقديم طلب الى محافظة كركوك بالانتقال اليها مع بيان الأسباب في ذلك ، وحقيقة الامر ان محافظة كركوك ، هي واجهة فقط وليس لها الحق في ألَّبت في قضية من هذا النوع ، لذا فهي تحيل الطلب مباشرة الى الجهات الأمنية العليا ، وفي حالة الموافقة على الطلب ، تقوم محافظة كركوك بأبلاغ الشخص المعني بكتاب صادر عنها (شكليا) دون الإشارة الى جهة أمنية ، وهذا الكتاب معنون الى جميع نقاط السيطرة للسماح بدخول أمتعة البيت الى المدينة .

من ضمن التنظيم ، كان لدينا رفيق موظف في ديوان المحافظة ، أبدى استعداده لتزويدنا بكتاب الموافقة ، وطبعا دون تقديم طلب او المرور بدوائر الأمن ، اي ان الرفيق يقوم بأملاء المعلومات المطلوبة في الاستمارة ، وختمها بختم ديوان المحافظ ، وقد تم ذلك فعلا و زودني بالكتاب ، فقمت بطلب سيارة احد الرفاق (پيك آپ) وأخذتها الى الموصل بنفسي ، وحملناها بأمتعة بيتنا البسيطة، والأصعب ، هو دس (جهاز التزوير!!) اذا صح القول ، من أختام وحروف وهويات جاهزة للتزوير ودسها بين أمتعة البيت ، بالاضافة الى المسدس الذي كان بحوزتي للدفاع عن البيت او الاستشهاد والحيلولة دون القبض علينا فكان نصيب المسدس ايضا في مكان ما في السيارة ،

اتفقت مع ام علي على استصحاب مشمش وسمسم في سيارة تاكسي عادية الى كركوك والنزول في بيت احد الرفاق لحين اللحاق بهم مع الأمتعة بعد ان قام احد الرفاق بتأجير بيت لنا . وذلك لتجنيب الأطفال خطورة هذه الخطوة .

تحركت بالسيارة باتجاه كركوك ، مرورا بمدينة أربيل ، وكانت رحلة عادية سهلة لحين وصولي نقطة سيطرة مدخل مدينة كركوك .
كان هناك واقفا احد الانضباط العسكري ، الذي ما ان توقفت حتى صاح بأعلى صوته ،،،، أموري ،، اجاك. معميل ،، تعال أتفاهم ويا ...
وإذا برجل مدني ينظر لي ويضحك بقهقهة عاليا ،، هلا وميت هلا ،،، وين رايح. انت وغراضك ؟؟؟؟
قلت له الرزق هو الذي جابني الى كركوك ، وأبرزت له موافقة (المحافظة !!) ،، هدأ مباشرة ،
ها ، مدبر امورك مضبوطة ،،، بس لازم أفتش السيارة والاغراضٍ ،،، نزل الأغراض !! قلت له كل هذه ؟؟ وأخرجت له دفتر الخدمة العسكرية الذي يشير الى عجز في قلبي ، وقلت له ضاحكا ، اذا تساعدني بالتنزيل ، وبالتحميل مرة ثانية ، انا اخوك ترى اموت بالسيطرة ،، ضحك ،، وين راح تسكن بكركوك ، سألني ضاحكا ،، ماذا أقول له ، انا شخصيا لا اعرف اسم المنطقة والرفيق في كركوك ينتظرني لاصطحابي الى البيت ، ولكني بسبب مهماتي الحزبية في كركوك ، تذكرت اسم منطقة يسكنها البعثيون ، قلت له ،، شارع بغداد ،،، شنو ،، وين بشارع بغداد ؟؟ عجيب ، ،، قلت تعرف فرن الصمون (انا شخصيا لا اعرف اذا كان هناك فرن صمون حقا هناك) ، ،، هز رأسه ايجابا ، قلت بعده تأتي محولة كهرباء ، الفرع الثاني بعد المحولة !!!! قال لي يعني احنا جيران ، والله لعد ما أفتش كلشي ،،، الله وياك ... لم اصدق ما سمعت وأسرعت بالسيارة الى المدينة حيث اللقاء بالرفيق ...

وصلت ، وحال وصولي اتصلت بالرفيق الذي هيأ لي كتاب المحافظة لإبلاغه بالنجاح في الدخول ، وإذا به ينظر بي قبل ان اتفوه بكلمة ،،،، رفيق لا تستخدم الكتاب الذي زودتك به ،،، هذه الطريقة ملغاة منذ اكثر من شهر ،،، الان يتطلب تقديم الطلب مباشرة الى مديرية امن كركوك ، وهم بأنفسهم يمنحوك كتاب الى نقاط السيطرة !!!!!

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter