|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  12  / 1 / 2017                                 عامل الخوري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

أوراق من ايام العمل السري في الداخل
(2)

عامل الخوري
(موقع الناس)

إلحاح الأولاد في تسجيل بعض ما خزنته الذاكرة الضعيفة ، احد الأسباب التي جعلتني اكتب هذه السطور .. ترددت قبلها ، اولا انا لست بكاتب و ينقصني الكثير مما يتطلبه سرد الحدث ، المسألة الاخرى ، مرور سنوات طويلة تجعلني افتقد دقائق الأحداث في بعض اللقطات ، لا اريد ان اكتب ما يمل منه ، لذلك سأكتب بعض اللقطات بين الحين والآخر غير مترابطة تماما بأحداثها ووقائعها ولا في توقيتاتها .

وسأبدأ من مقدمة لابد منها .
قمنا انا وأم علي (هي زوجتي ورفيقتي حتى هذه اللحظة) ، بالعودة الى بغداد قادمين من بلغاريا بعد ان أقمنا بها حوالي عشرة أشهر ، والاكثرية تعرف (هجرة الطيور الى الشمال!!) في نهاية ١٩٧٨ وبداية ١٩٧٩ .
في بغداد بدأنا محاولة ترتيب اتصال حزبي وتكوين بدايات جديدة لعمل تنظيمي ، يفتقد الجميع لخبرة العمل السري في ظل اعتى ارهاب بعثي نازي - فاشي .
لم يدم عملنا في بغداد طويلا ، ففي الشهر الاول من عام ١٩٨١ ، وجهت للتنظيم ضربة قاضية ، اعتقل واستشهد الكثير وفلت البعض بأعجوبة ومنهم انا وأم علي ، وفي اثناء العمل السري رزقنا بطفلنا الاول نصير (مشمش) .

لابد من الأشارة ايضا ، بأنني لن اذكر اسماء الرفاق والاصدقاء الأحياء اللذين رافقوا هذه المسيرة لعدم آخذي موافقتهم  .

اللقطة الثانية

عدت من العمل ، حيث كنت اعمل حداد (لحيمچي) معظم فترة العمل السري ، علمني المهنة اثناء الاختفاء رفيقا وصديقا عزيزا ، ورافقتني هذه المهنة الى السويد ..

قالت لي أم علي ، لقد حانت الساعة ، كان وجهها متعبا جدا وعلامات الولادة بادية على وجهها ، أخذت حماما سريعا ، توجهنا في تاكسي مع الحبيب ابننا الأكبر نصير الى مستشفى الولادة في الموصل .

مستشفى الولادة هذا ، فيه قسمين للولادة ، الاول (القاووش) كما يسمى ، وهو أشبه بالولادة الجماعية ، والقسم الآخر يسمى دار التمريض ، هنا تكون لكل امرأة غرفتها النظيفة ، وهو بالمقابل بأجور لا أتذكرها ولكنها اجور مرتفعة ، سألنا لحجز غرفة في دار التمريض ، فجاءنا الجواب ، لا توجد غرفة فارغة !! عدنا الى القاووش ، النساء اللواتي بحالة ام على يقطعن الممر طولا وعرضا بانتظار حالة الطلق وما ان تصرخ (طلع الولد !!) وماء الرحم والدماء تسيل على الارض ، حتى تأتي الممرضات ويطرحنها فوق السدية المخصصة بعد مسح الدماء القديمة بخرقة أقذر من السدية ، والقابلة والممرضة يصرخن بوجه النسوة ان يكفن عن الصراخ من الآم الولادة ، تصل احيانا الضرب ، ام علي تصرخ بي لن ألد هنا ، سأحتفظ بالجنين في بطني ، هذه ليست مستشفى ولادة ، هذه ليست اقل من مجزرة للذبح ، من سيؤكد لي بأنني سأستلم ولدي ام استلم طفل آخر وربما لا استلم احد أصلا بعد الولادة ؟؟

منذ وصولنا المستشفى وبقاء ام علي في القاووش ، طلبوا مني بمغادرة المستشفى ، فلا مكان للرجال هنا ، كيف اترك ام علي لوحدها ؟؟ جلبوا شرطة الحراسة وقدفوني خارج المبنى ، بقي مشمش مع أمه يمسك يدها ويشجعها ، قفزت من فوق الحائط مستغلا الظلام ، حاولت التقرب من ام علي صرخت بي إحداهن ، خرجت وتكررت لعبة الفأر والقط ...

حوالي منتصف الليل ، واعتقد بعدما اصيب العاملين ببعض الأرهاق بسبب هذا اللعب (الجاد طبعا) ، ابلغتنا الممرضة بأن احدى الغرف في دار التمريض قد فرغت ، جاء الفرج وهنا أستطيع البقاء في الغرفة مع ام علي ومشمش .

قبل الرابعة صباحا بقليل ، ولد مسار (سمسم كما عرفه الرفاق) ، وحوالي الساعة الثامنة صباحا ، جاءتنا الممرضة ، تطلب مراجعة مكتب المستشفى ، مع الهويات الشخصية لنا لتسجيل ولادة الطفل ومنحه الاسم الذي نختاره .

اية هويات يتحدثون عنها ، كلانا يحمل هويات مزورة ، لا تتشابه بشئ ، ما زلنا عزابا ، ليس هناك اسم زوج او زوجة ؟؟؟
تحدثنا قليلا بالأمر ، قلت لأم علي ، كيف حالك ، هل تستطيعين الوصول الى باب المستشفى ؟؟
خرجت ، أوقفت تاكسي وطلبت منه الانتظار ، خرجت ام علي مع الصغيرين شبه مستعجلة ، وقفزنا في التاكسي هاربين بمولودنا الجديد ، بدون ان يسجل وحتى هذا اليوم .

ولد مسار حوالي الساعة الرابعة فجراً يوم الرابع من الشهر الرابع عام أربعة وثمانون وكان يوم اربعاء.

ام علي مع مسار وعمره حوالي تسعة أشهر في سرچنار في السليمانية
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter