| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان عاكف

 

 

 

السبت 27/6/ 2009



العلاقات الاجتماعية ـ السياسية في بابل
القرن السابع ق.م. ـ القرن الرابع ق.م.

م.أ. دندمايف
ترجمة : عدنان عاكف

(3) الأخيرة
الإدارة والاقتصاد


1 - الضرائب : لم يحض موضوع الضرائب في بابل خلال الفترة بين القرنين السابع والرابع ق.م. بالدراسة الوافية من قبل الباحثين. لقد كانت بلاد بابل من أغنى مقاطعات الدولة الإخمينية. بعد الإصلاحات التي قام بها داري الأول كانت قيمة الضرائب التي تدفع الى الدولة سنويا تقدر بنحو 1000 تالانت من الفضة. وبما ان بلاد الرافدين كانت خالية من مناجم الفضة، كان على السكان الحصول عليها من بلدان أخرى مقابل منتجات زراعية وحرفية. ويبدو ان الملك كان يحصل على عشر الواردات كضريبة تدفع له.

آلية جبي الضرائب الحكومية ـ يمكن متابعة آلية جمع الضرائب التي كانت معروفة في القرن الخامس ق.م. في النصوص التي تعود إلى أرشيف دار موراشو للتجارة. كانت الضرائب تدفع إما فضة أو عينيا ( شعير، طحين، ماشية، بيرة، الخ... ). ويشير كرداسيا إلى الاحتمالات النظرية والعملية التالية:

1. يقوم المزارع بتسديد الضريبة بشكل مباشر، دون اللجوء إلى خدمات دار موراشو.

2. يلجأ المزارع إلى دار موراشو ليقوم بتسديد الضرائب في حالة إذا كان هو عاجزا عن تسديدها بشكل مباشر. يقوم دار موراشو بتسديد الضريبة عن المزارع ، وفي المقابل يحصل منه على سند بقيمة الدين الذي بذمته.

3. في حالة إذا كان لدى المزارع حساب جاري ـ إذا تحدثنا بلغتنا المعاصرة ـ في بنك موراشو، فانه يطلب من البنك ان يقوم بتسديد الضريبة.

4. إذا اصبحت أرض المزارع تحت تصرف دار موراشو، فإنها ( الدار ) تقوم بتسديد الضريبة، على ان يقوم المزارع بتسديد هذا المبلغ فيما بعد.

5. إذا أجرت الأرض إلى دار موراشو فأن الدار تقوم بتسديد الضريبة، بالإضافة إلى دفع بدل إيجار الأرض.

إذا رهنت الأرض أو إذا أجرت إلى جهة أخرى، غير دار موراشو، فان تسديد الضريبة يتم وفق ما ورد في الفقرتين 4 و 5.

وعلى العموم كانت الضريبة عن الأرض ثابتة لا تتغير مع مرور السنين.

وخلافا للرأي الذي روج له بعض الباحثين، فان دار موراشو لم تلعب دور الجهة الملتزمة أمام الدولة لتسديد الضرائب، بل كانت تسددها بناء على رغبة دافعي الضرائب أنفسهم. وعادة تقوم هذه الدار بتسديد الضرائب ليس إلى خزينة الدولة بشكل مباشر، بل إلى رؤساء المناطق المعنية، ويقوم هؤلاء المسؤولون فيما بعد بتحويل المبالغ إلى الخزينة؟

بالرغم من التغيرات الاقتصادية الكبيرة التي عرفتها البلاد، إلا ان قيمة الضريبة التي حددت في عهد داري الأول لم تتغير.

2 - وضعية المعابد : كانت المعابد من كبار ملاكي الأراضي وملاكي العبيد، وكان لها نشاطها الواسع في مجال التجارة والأعمال الربوية.

يمكن التعرف على بنية إدارة المعابد من خلال تتبعنا لما كان يحدث في معبد إآنا في أوروك. كان هذا المعبد، كما كشف عن ذلك سان نيكول، يدار من قبل مجلس الكهنة. كانت الإدارة العليا للمعبد تتألف من ممثل الملك في اوروك ورئيس مجلس إدارة المعبد ونائبه ومدير المعبد وأحد الكتبة. منذ سنة 553 ق.م. ( عهد نبونيد ) أخذ تأثير الدولة على المعابد يزداد باطراد. وأصبح في مجلس إدارة المعبد كل من ممثل الملك والمسؤول عن خزينة الملك، الذي يلعب دور الممثل المالي الحكومي في المعبد. وتترد كثيرا في النصوص التي تعود إلى عهد حكم قمبيز عبارة " كاتب الملك تم تعينه في إآنا "،إذ كان يشرف على الحسابات في المعبد.

منذ عهد نبونيد أصبحت معظم شؤون المعبد تدار من قبل ثلاثة أشخاص: رئيس مجلس إدارة المعبد، ونائبه، ومفوض مبعوث من الملك. وكثيرا ما ترد كلمة " المفوضون ـ qépنni ". وكانت القضايا المهمة تناقش في إجتماع يضم الموظفين كاملي الحقوق في المعبد وممثلين عن المواطنين الأحرار.

يكاد الوضع في معبد إآنا مشابه لما كان عليه الوضع في المعابد الكبيرة الأخرى، مثل معبد الإله الأعلى في بابل (الإيساجيل)، ومعبد إله الشمس شاماش في زيبار(إيبابارا )، ومعبد الإله نابو في بورسيبا ( أزيد ) وغيرها.

تشكل الضرائب مصدرا مهما من موارد المعابد، ومن أهمها ضريبة العشر. كان الناس في الغالب يسددون هذه الضريبة عينيا ( شعير، تمر، سمسم، ماشية، صوف، أسماك ، طيور، الخ..). وفي بعض الحالات تسدد فضة ومنتجات معدنية.

تشكل ضريبة العشر ما يعادل 10% من دخل دافع الضريبة. نعتقد ان هذه الضريبة كانت تدفع من قبل جميع السكان، وكل حسب دخله . وكان المواطن يسدد هذه الضريبة إلى المعبد القريب من أرضه أو مصدر دخله. ويخضع لهذه الضريبة أصحاب البساتين والخبازين والمزارعين والرعاة، ومختلف الموظفين. وكان الحرفيون ملزمين أيضا بدفع الضريبة عن منتجاتهم الحرفية.

عرفت سياسة المعابد في بلاد الرافدين خلال العهد الاخميني تغيرات كبيرة. كان الملوك الأكديون وأفراد عوائلهم يسددون ضريبة العشر سنويا بالذهب، أو الفضة والماشية. أما الملوك الاخمينيون، وبالرغم من انهم حافظوا على ضريبة العشر وألزموا المواطنين بدفعها سنويا، إلا انهم كفوا عن تسديدها. أضف إلى ذلك ان الملوك الكلدانين قلما كانوا يتدخلون في شؤون المعابد. وكانت مساهمة المعابد في واردات الدولة ضئيلة جدا، لا بل انها كانت تحصل على هبات من الملوك ( أراضي زراعية أو عبيد وغيرها). ولكن في عهد آخر الملوك الكلدانين ـ نبونيد، الذي ارتبط عهده بإصلاحات دينية كبيرة أنشأ " خزينة الملك " الخاصة حيث كانت تحول إليها نسبة من واردات المعبد.

بعد احتلال الفرس لبابل لم يقم كورش بالغاء الإصلاحات التي قام بها نبونيد، والهادفة الى تقليص ملكية المعابد، إنما حصل العكس. أصبح على المعابد في العهد الاخميني ان تدفع للدولة ضرائب كبيرة : ضرائب عينية من الماشية، الشعير، السمسم ،التمر، الخمر، البيرة التوابل والصوف وغيرها. وكذلك تمويل موظفي الدولة بالمؤن (رؤساء المناطق والكتبة وغيرهم)، وتأمين العلف للماشية التي تعود إلى الملك. بالإضافة إلى ذلك كانت المعابد ترسل العبيد التابعين لها للعمل في الممتلكات الحكومية، كفلاحين ورعاة وغيره.

كان موظفو اللإدارة الملكية والعملاء يسهرون على نجاح عملية جبي الضرائب وتسديدها من قبل المواطنين في موعدها المحدد. بالإضافة إلى ذلك فقد أنيطت بهؤلاء الموظفين مهمة مراقبة ممتلكات المعابد ، وكانوا يقومون بالتفتيش على هذه الممتلكات بشكل دوري. و يشرفون على عمل العبيد المبعوثين من المعابد لإنجاز أعمال معينة للدولة.

3 - النقود : الأساس في التجارة الداخلية في عهد الكلدانيين والإخمينيين هي سبائك الفضة وليست النقود المسكوكة. تحتوي هذه السبائك على نسبة من الشوائب. أكثر ما يتردد في النصوص هي صيغة:
kaspu ڑa ina iڑtén ڑiqli pitqa وتعني حرفيا ـ الفضة الحاوية على 18 جزء من الشوائب في السيكل الواحد. ويرد بكثرة أيضا ذكر " الفضة البيضاء " kaspu pesْ ، و" الفضة النقية "qalْ kaspu. ونادرا ما يرد ذكر الفضة الحاوية على شوائب أخرى..

كانت السبائك تختم بأختام خاصة ومرفقة بالدمغة (
ginu ) ويتم وزنها عند كل عملية بيع وشراء. وكان الذهب يعتبر سلعة، ولم يستعمل كنقود. نسبة الذهب إلى الفضة تساوي نحو واحد إلى 13,3.

بدأ ضرب النقود لأول مرة في ليديا حوالي 630 ـ 640 ق.م. وفي سنة 517 ق.م. أدخل داري الأول وحدة نقدية لسائر البلاد، وهي الوحدة التي شكلت أساس النظام النقدي عند الإخمينيين. وتزن قطعة الذهب 1.4 غم. وكان السيكل من الفضة وسيلة التبادل الاعتيادية، ويزن 5,6 غم. وهناك عملات أصغر من النحاس. ولكن قبل فتوحات ألكسندر المقدوني لم تستعمل النقود في البلدان الواقعة خارج آسيا الصغرى وخارج نطاق العالم الفينيقي ـ الفلسطيني. وكان للخواص ، كما يبدو، في بلاد بابل الحق في صب سبائك الفضة، على ان تمنح شكلا خاصا مميزا. كان القصر والمعابد قد ابتكروا نظاما محددا لجبي الضرائب الكثيرة وجمع الهبات التي يقدمها المتبرعون. وقد اعتمدت إدارة الدولة في العهد الاخميني هذا النظام. وفي الغالب كانت الفضة التي تدفع للضرائب من النوع الرديء. وللحصول على سبائك متجانسة كانت قطع الفضة تجمع وترسل إلى ورش خاصة تابعة للدولة أو المعبد حيث يجري إعادة تنقيتها وصبها في سبائك جديدة بنوعية ووزن قياسيين، ثم تحفظ في الخزائن.

بعد إصلاحات داري الأول أصبح المعدن الثمين الذي تضرب منه النقود تحت إشراف الملك مباشرة، وكان الجزء الأكبر منه غيرمسكوك. وقدرت كمية الذهب في خزائن الاخمينين، عند نهاية الدولة الفارسية، بنحو 235630 تلانت.

وهكذا، نلاحظ ان النقود التي تجمع كضرائب وأتاوات حكومية تخزن في الخزائن عشرات السنين، أي مسحوبة من التداول. لذلك كانت بلاد بابل تعاني من عجز في الفضة في العمليات التجارية، وألحق هذا الوضع ضررا فادحا في العلاقات السلعية النقدية، لأن الناس اضطروا للجوء إلى المقايضة.

4 - التجارة : ظلت التجارة خلال العهد البابلي الحديث والعهد الاخميني بيد تجار محترفين بكل معنى الكلمة
tamkلru. يتردد في الكثير من النصوص اسم تجار التمور وتجار الماشية، وغيرهم، مما يدل على التخصص في التجارة. وكان لبعض التجارعلاقات تجارية مع دول أخرى، وعلى الخصوص مع مصر التي يستوردون منها الشب ويبيعوه في بابل. وفي الداخل ازدهرت تجارة الشعير والماشية والتمور والفاكهة والأسماك والذهب، وغيرها.

أثرت التغيرات الكبيرة في الحياة الاقتصادية للبلاد على دور التاجر في المجتمع البابلي خلال الألف الأول ق.م. ، مقارنة بالعهود السابقة. لقد أصبح الآن بوسع أي فرد ان يمارس التجارة، ولم تعد مقتصرة على التجار المحترفين وعملائهم. وهذا ما يميز التجارة الداخلية على الخصوص، والتي تتوفر لدينا حولها الكثير من الوثائق. انتعشت التجارة الداخلية بين مختلف مناطق ومقاطعات البلاد بشكل كبير. وكانت الأنهار واسطة النقل الرئيسية. وانتعشت المشاركة في التجارة، وكان لها أهميتها الكبيرة أيضا. ونقصد بالمشاركة، عندما يشترك شخصان أو أكثر في صفقة تجارية.

ما يميز بلاد بابل في الفترة المحصورة بين القرنين السابع والخامس ق.م. هي سيطرة بيوت الأعمال العملاقة على الاقتصاد. كانت هذه البيوت تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والعشرات من العبيد، وعدد كبير من الدور المنتشرة في مختلف المدن. ومن أقدمها وأشهرها هو بيت إيجيبي، الذي قائما قبل الغزو الفارسي للبلاد (أول ذكر له يرجع إلى سنة 715 ق.م. ويتردد ذكره بانتظام في الوثائق التي تعود إلى الفترة 690 ـ 480 ق.م. )، وواصل نشاطه في عهد كورش، وقمبيز، وداري الأول. كان نشاطه يتركز على عمليات بيع وشراء واستبدال الأراضي والدور السكنية والعبيد وغير ذلك. أضف إلى ذلك كان بيت إيجيبي يمارس الأعمال المصرفية، كأي مصرف محترف: تقديم القروض، استلام وتسليم الحوالات المالية ( الكمبيالات ) تسديد الديون عن الزبائن، إنشاء وتمويل المؤسسات التجارية، وحفظ الودائع. ولكن أعضاء بيت إيجيبي، كغيره من بيوت الأعمال البابلية لم يستخدموا الودائع التي يؤمنها الزبائن للقروض، بل يستخدمون أموالهم الخاصة. كان المودعون من رجال البلاط أو من الأشخاص الذين كانت لهم مصالح مالية وتجارية مشتركة مع بيت إيجيبي. وكان البعض من أعضاء بيت إجيبي يعمل في خدمة البلاط في العهد الكلداني وفي العهد الاخميني.

لم يقتصر نشاط بيت إجيبي على التجارة الداخلية، بل كان له دور فعال وهام في التجارة الخارجية أيضا، وخاصة في عهد الإخمينيين ـ العهد الذي عرف هدوء نسبي في جميع بلدان الشرق، بعد عشرينات القرن السادس ق.م. وعرف ازدهار اقتصادي وفتح طرق بحرية جديدة ، وتأمين طرق القوافل القديمة وفتح طرق جديدة، واتساع ظاهرة استعمال النقود في بعض البلدان، بالإضافة إلى الاحتكاك المباشر بين مختلف الشعوب والأقوام. كل ذلك ساعد على تطوير التجارة الخارجية بمقاييس لم يشهدها العالم من قبل. وقد كان للتباين في الظروف المناخية والطبيعية للبلدان الواقعة في حدود الدولة الإخمينية دور كبير في تطوير التجارة. وعرفت التجارة على الخصوص نشاطا حيويا بين بلاد بابل وكل من سوريا ومصر وعيلام وآسيا الصغرى، أين كان التجار البابليون يشترون الحديد، النحاس، القصدير، الذهب، الفضة ، خشب البناء، الخمر، الفاكهة، وغيرها. لقد كانت بابل ( بالإضافة إلى مصر ) مصدر الحبوب في الدولة الإخمينية. أضف إلى ذلك كانت المدن البابلية مراكز كبيرة لصناعة الملابس الصوفية التي عرفت انتشارا واسعا في عيلام.

أما بيت موراشو، فقد كان يمارس النشاطات التجارية وأعمال الربى في جنوب ووسط البلاد خلال القرن الخامس ق.م. ( ورد ذكره في نصوص تعود إلى ثلاثة أجيال متتالية ). وقد تحددت طبيعة نشاط بيت موراشو بالتغيرات التي أحدثها الفرس في نظام الملكية في بلاد الرافدين. قسمت الأرض إلى حصص ووزعت بين وجهاء الفرس وتعاونيات العسكريين والموظفين، الذين لم يسبق لهم ان عملوا في الزراعة، بل كانوا يؤجروا الأرض إلى مزارعين آخرين. كان موراشو يستأجر هذه الحصص مقابل بدل محدد يدفعه إلى أصحابها، ويسدد عنهم الضرائب إلى خزينة الدولة. ولكنه نادرا ما كان يقوم بزراعة هذه الأراضي باستخدام العبيد التابعين له، بل يقوم بتوزيعها على مستأجرين ثانويين، ويقدم لهم ما يلزم من ماشية وبذور ووسائل الإنتاج والماء للسقي. وبكلمة أخرى، يمكن القول ان بيت موراشو كان عبارة عن مؤسسة للقرض الزراعي ومشرف على موارد الحصص، إذ كان يقوم بدور الوسيط بين المزارعين ومالكي الأرض. لقد بلغت واردات بيت موراشو لعام 423/422 من التمور فقط نحو 20 ألف كور ( ما يعادل 350 كغ من الفضة ).

لقد كان بيت موراشو، مثل أصحاب البنوك المعاصرين، يدير نشاطه بموارد وممتلكات الآخرين. ولكن هناك إختلاف مدهش للغاية بين هؤلاء وأولائك: الموارد عند موراشو ليست نقود بل ممتلكات ثابتة. إذا كانت البنوك تقوم بجمع عدد كبير من رؤوس الأموال الصغيرة لتمويل المبالغ اللازمة للمؤسسات التجارية والصناعية، فان بيت موراشو يقوم بالعكس تماما: يستأجر مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، ثم يقسمها إلى قطع صغيرة ليؤجرها إلى مستأجرين ثانويين. وخلافا لبيت إجيبي الذي كانت له استثمارات كبيرة في التجارة، لم يكن لبيت موراشو أي دور يذكر في التجارة الخارجية. ولكنه كان يقوم ببيع المنتوجات التي ترد إليه في السوق الداخلية، ويسدد الضرائب بالفضة. وهكذا، يمكن القول ان بيت موراشو كان بنكا ومؤجر ومستأجر للأرض ومؤسسة تجارية.

لقد انعكس نشاط بيت موراشو بشكل قاتل على مجمل إقتصاد البلاد، لأنه كان يقود إلى إفلاس أصحاب الأرض. واذا كان موراشو في بداية الأمر يقدم السلف لأصحاب الأرض، فانه أخذ تدريجيا، وبعد بضعة عشرات من السنين يحل محلهم، مركزا الأرض في قبضته.

5 - الأسعار : كانت أسعار مواد الاستهلاك في القرن السادس ق.م. على النحو التالي:

كور واحد (150 لتر) من الشعير أو التمر يساوي سيكل واحد فضة. كور سمسم ـ 10 سيكل؛ تلانت واحد من الملح ـ سيكل واحد؛ مَنْ واحد من الصوف ـ 0.5 سيكل؛ الثور ـ نحو 40 سيكل؛ النعجة ـ 2 سيكل؛ الحمار ـ 30 سيكل. وبالرغم من ان المعادن مستوردة ،إلا ان أثمانها رخيصة نسبيا. مثلا: 10 تلانت من النحاس المستورد من قبرص بيعت ثلاثة من وثلث سيكل؛ 37 من رصاص ـ 55.5 سيكل؛ 3 تلانت و53 من شب مصري ـ مَنْ وثلثي سيكل. ولكن أسعار خشب البناء كانت مرتفعة كالسابق. وكان متوسط الإيجار السنوي للدار 12 سيكل.

ارتفعت الأسعار خلال العهد البابلي الحديث بشكل تدريجي، كما كان عليه الأمر منذ عدة قرون. لم تحدث تغيرات فجائية في الحياة الاقتصادية للبلاد بعد الاحتلال الفارسي: بقيت أسعار مختلف السلع في البداية ثابتة تقريبا، وعند نهاية الحكم الاخميني ارتفعت بنحو مرة ونصف. وهذا الارتفاع التدريجي للأسعار، الذي كان يميز بابل عبر تأريخها الطويل، يتناقض مع الرأي الشائع، حول تدهور الاقتصاد وانخفاض المستوى المعاشي. ويجب أيضا ان يؤخذ بنظر الإعتبار ان زيادة الأسعار كانت تترافق مع زيادة في الأجور.. ونعتقد ان زيادة الأسعار في العهد الاخميني ارتبطت جزئيا بنمو الجهاز الإداري.

6 - الجهاز الإداري : لم ينل هذا الموضوع الاهتمام المطلوب، ولم يحظ بالدراسة التفصيلية من قبل. لذلك سنتوقف باختصار شديد عند الخطوط العريضة’

عرفت المقاطعة الإدارية باسم
pahلtu ورئيسها (amèl)bèl pahلtu ، ونائبه mلti (amél)ڑaknu ڑa. ورئيس المدينة témi (amél)ڑaknu .

كانت إدارة البلاط تعمل تحت إشراف " رئيس القصر (
amélrab ekali) وكانت تضم عددا كبيرا من موظفي القصر والسعاة (mلr ڑipri ڑarri) . وكان لأفراد العائلة المالكة والأعيان الأيرانيين من أصحاب الضياع الكبيرة أجهزة إدارية خاصة تابعة لهم.

بالرغم من ان التقاليد الإدارية لم تنقطع بعد سيطرة الفرس، إلا ان البلاد عرفت تغيييرات تدريجية كبيرة في مجال الإدارة، وفي المصطلحات المستخدمة لتصنيف الموظفين. شاع على الخصوص إستخدام المصطلحات والمراتب الإيرانية. كان المرزبان على صلة وثيقة بالجهاز المركزي للإدارة، ويخضع للمتابعة المستمرة من قبل الملك وموظفي البلاط، وخاصة من قبل الجهاز السري. وديوان المرزبان مشابها لديوان الملك في عاصمة الدولة الإخمينية، ويعمل فيه الكثير من الموظفين والكتبة، تحت إشراف رئيس الديوان (
bél témi)  . بالاضافة إلى ذلك هناك رئيس الخزينة ( ganzabara ) والمناد ( azdakara ) والجباة، أو جامعي الضرائب ـ (hلtanu kaspi ,rab miksi) والمحاسب hamàrakara ، ومحققون عدليون fràsaka ، وكتبة ... ويبدو ان دوائر الدولة أخذت في إستخدام اللغة الآرامية منذ العهد الكلداني.

كان الملك يدفع لموظفي الجهاز الحكومي رواتبهم فضة غير مسكوكة، والكثير منهم يقبض رواتب عينية (
kurummatu) إضافية: حبوب، تمور، صوف، وغيرها. وتشير الوثائق إلى ان هذا الأسلوب كان متبعا في مصر وبلاد فارس. ربما كان الموظفون في آسيا الصغرى يقبضون رواتبهم فضة مسكوكة (على أقل تقدير كان الأجراء في آسيا الوسطى يتقاضون رواتبهم في القرنين الخامس والرابع ق.م. على هيئة نقود فضية، وذهبية ونحاسية).

7 - العلاقات الأثنية: أغرقت بلاد بابل بالقبائل الآرامية منذ عهد الملوك الكلدانيين. كانت هذه القبائل تعيش جنبا إلى جنب مع سكان البلاد الأصليين. لقد سبي نحو عشرة آلاف يهودي إلى بابل، بالإضافة إلى أسرى آخرين من أقوام وشعوب اخرى. وبعد احتلال الفرس لبلاد الرافدين سنة 539 ق.م. ، أصبحت هذه البلاد الخصبة محط أنظار الكثيرين، وفتحت أبوابها أمام إلهجرة. أضف إلى ذلك فقد أنشأت في الولاية البابلية، كما حصل في الولايات الأخرى، مستوطنات عسكرية من ممثلي مختلف الشعوب. لذلك استوطن هذه البلاد مختلف الأقوام والشعوب. وعلى سبيل المثال فقد بلغ عدد الأسماء غير البابلية الوارد ذكرها في وثائق تعود إلى بيت موراشو في نيبور ثلث الأسماء المذكورة.

كان الغرباء في حالات كثيرة يعيشون في أحياء معروفة من المدينة، ولهم جمعياتهم الخاصة بهم وإدارتهم الخاصة. فعلى سبيل المثال كان في مدينة بابل حي خاص للمصريين، وفي نيبور وضواحيها كان لكل مجموعة أثنية منطقة محددة. ولكن في الغالب كان الغرباء يعيشون مع السكان الأصليين، ويتزاوجون مع بعضهم ويعقدون الصفقات المختلفة.....

في الحلقات التالية سيتوقف المؤلف عند سمات نظام العبودية في بلاد ما بين النهرين !

 

¤ العلاقات الاجتماعية ـ السياسية في بابل القرن السابع ق.م. ـ القرن الرابع ق.م. (2)
¤ العلاقات الاجتماعية ـ السياسية في بابل القرن السابع ق.م. ـ القرن الرابع ق.م. (1)

 


 

free web counter