|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  17  / 5 / 2015                                عدنان عاكف                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

في ذكرى النكبة

آينشتاين والصهيونية ودولة إسرائيل
(1)

عدنان عاكف

هل كان آينشتاين صهيونيا ؟ لو طرحنا هذا السؤال على القراء الذين لديهم قدر معين من الاهتمام بسيرة حياة هذا العالم الكبير فان أكثر من 95 % منهم سيقول نعم، وانه كان من المتحمسين لإقامة دولة إسرائيل. ولا يدرك هؤلاء ان صهيونية آينشتاين كانت بدعة وكذبة كبرى سعى الاعلام الصهيوني للترويج لها منذ عشرينات القرن الماضي.. وفي مقالة - سنتوقف عندها لاحقا - أشار البروفيسور محمد عمر فاروق، وهو استاذ امريكي مسلم من أصل بنغلادشي الى ان الغالبية الساحقة من المسلمين يرددون نفس الرأي، وانه لم يعثر سوى على مقالة واحدة على مواقع الانترنيت التي ينشرها القراء من بنغلادش تخالف هذا الرأي.

ومن المفارقات الغريبة اننا يمكن ان نعثرعلى عدد من الكتاب اليهود، ومنهم من كان على علاقة وثيقة بهذه المنظمة الصهيونية أو تلك، ممن سعى الى فضح الأكذوبة الصهيونية..

سنحاول في هذه المقالة ان نلقي بعض الضوء على الموضوع، آملين في نفس الوقت ان نساهم في تقريب وجهة نظر القارئ العربي من الحقيقة التاريخية التي نجحت الدعاية الصهيونية خلال نحو تسعة عقود من تشويهها .

الموقف من الدين

لم يكن آينشتاين ملحدا؛ وهو القائل : " العلم بدون دين كسيح والدين بدون علم أعمى ". كان يؤمن بفكرة الفيلسوف شوبينهاور بان " الشعور الديني الكوني "، والذي تنشأ فيه التقوى الدينية الحقيقية من شعور الانبهار والورع أمام العالم. ويرى آينشتاين؛ مع ان العلم والدين يمكن إدراكهما تقليديا فانهما على تناقض. و كان يدرك بان العلم والدين يمكن أن يعملا جنبا الى جنب، بارتباط أحدهما بالآخر.

نقطة أخرى في غاية الأهمية تتعلق بموقف آينشتاين من الدين اليهودي. فالكثير من آراءه تشير الى ان " اليهودية "، بالنسبة اليه لم تكن مجرد مفهوم ديني بحت، بل كانت تحمل مفهومها الأوسع: انها ثقافة، وأمة، وتاريخ مشترك، يمتد في أعماق الزمن. وقد تحدث عن ذلك أكثر مرة. جاء في رسالة كتبها الى د.Hellpach td في عام 1929 :" ان اليهود مجموعة تربطها روابط الدم والتقاليد، وليس مجرد روابط دينية ". وجاء في سؤال في مقابلة له، ألا يعتقد بان هناك تناقض بين بعض تصريحاته التي يؤكد من خلالها عدم اعترافه بالديانات التقليدية، وكونه راسخ في عقول الناس كشخصية يهودية، ورغبته في ان يُعرَف بين الناس كيهودي ، مع ان اليهودية من الديانات التقليدية، فكان جوابه : "... ليس بالأمر السهل ان تـُعَرفَ معنى كلمة " اليهودي ". أسهل شيء هو أن تتخيل الحلزون، الذي تعثر عليه منزويا في قوقعته عند شاطئ البحر. والصَدَفة هي البيت الذي يأوي اليه ويحميه... ولكن تصور ما الذي يمكن ان يحدث لو رفعنا الصدفة عن الحلزون؟ هل سوف نصف الجسم الذي تعرى من الصدفة بكلمة أخرى غير الحلزون؟ هكذا هو اليهودي. فاليهودي الذي فقد دينه خلال الطريق، أو حتى لو كان قد استبدله بدين آخر، سيبقى يهودي ".

وقد عبر عن موقفه اللاأبالي من الدين بصراحة أكثر : " كلما ازداد شعوري بكوني يهودي كلما تعزز لدي شعور باني أصبحت أكثر بعدا عن الديانة التقليدية ".

بالرغم من ان آينشتاين لم يلتزم بالتقاليد الدينية اليهودية إلا انه عبر أكثر من مرة عن تقديره الكبير للتعاليم الأخلاقية فيها ، وكان يقدر عاليا حب العدالة والحقيقة، التي كان يراها في لب اليهودية. وقد أشار الى ان اليهود ظلوا موحدين عبر القرون العديدة من خلال تبجيلهم للحقيقة، والمثل الديمقراطية للعدالة الاجتماعية، والتوق الى الحرية الشخصية. وكان يرى ان عظماء اليهود، ومنهم موسى وسبينوزا وماركس، قد كرسوا أنفسهم من أجل هذه القيم. ومن هنا كان يرى ان اليهودية تلتزم الإدراك الحقيقي لعقلانية الحياة ورفض جميع الخرافات.

العلاقة بين العرب واليهود في فلسطين :

كانت وجهة نظر آينشتاين بشأن الخلافات العربية الإسرائيلية قائمة على مبدأ التنازلات المتبادلة. وهذا ما وضعه في تصادم مع القادة الصهاينة. لقد كان يؤمن في إمكانية التوصل الى حل وسط يرضي الطرفين، و في إمكانية التعاون المشترك لما فيه مصلحة العرب واليهود، ولما هو في مصلحة فلسطين، والإنسانية جمعاء. قد تبدو اليوم آراء آينشتاين مثالية جدا، ومستحيلة التحقيق، لا بل وساذجة أحيانا، لكنها لم تكن كذلك في زمنها، وهي الآراء التي كانت بمجملها تتفق مع ما كانت تدعو اليه قوى اليسار ، العربية واليهودية على حد سواء. كان آينشتاين ينطلق من مواقفه المبدئية بشأن التعاون والتعايش السلمي بين مختلف الأقوام والشعوب، وايمانه بامكانية حل جميع الخلافات، ومهما كانت طبيعتها، بدون الحاجة للجوء الى القوة. وقد عبر عن هذا الموقف في رسالته الى رئيس تحرير صحيفة " فلسطين " المؤرخة في 28/1/1930، والتي جاء فيها :

" ان شخصا مثلي ظل لسنوات عديدة متمسكا بقناعته بأن الانسانية ينبغي ان تبنى في المستقبل على أساس الاتفاق الصادق والحميمي بين الأمم، وان التعصب القومي العدواني سوف يهزم، لا يستطيع رؤية مستقبل فلسطين إلا على أساس التعاون السلمي بين الشعبين الذين يعيشان في هذه البلاد..." .

وفي " رسالة الى عربي " المؤرخة في 15/3/1930، أي بعد رسالته السابقة بأقل من شهرين ورد ما يلي :

"... أنا أؤمن بان تلك الصعوبات نفسية قبل ان تكون حقيقية، ويمكن التغلب عليها فيما لو ان الطرفين كانا صادقين، وتوفرت لديهما الرغبة الحقيقية. ان ما يجعل من الوضع الحالي أمر سيئ هو ان اليهود والعرب يواجهون بعضهم كخصمين وهم تحت إدارة قوات الانتداب. وان حالة الريبة القائمة بينهما غير جديرة بكلتا الأمتين، ولا يمكن تغييرها إلا في حالة العثور على حل وسط يتفق عليه الطرفان... ". وفي هذه الرسالة يقدم اقتراحه بتشكيل مجلس استشاري من أربعة أعضاء من العرب وأربعة من اليهود، ويتم انتخاب هؤلاء الأعضاء من قبل التنظيمات النقابية والمدنية .. ويتعهد هؤلاء ان يفعلوا كل ما في وسعهم لصالح جميع المواطنين في البلاد. لقد كان يدرك بان السياسيين المحترفين، وبسبب مواقفهم المتعصبة، غير قادرين على القيام بأية خطوات مفيدة لحل الخلافات. وقد اختتم تلك الرسالة على النحو التالي:

" حتى وان كان مثل هذا المجلس لا يتمتع بأية سلطة محددة، فانه يمكن أن يقود الى تقليص حجم الخلافات وتقريب وجهات النظر، وقادر أيضا على ضمان تمثيل موحد للمصالح المشتركة للبلاد، أمام قوات الانتداب ، ويبقى نقيا صافيا من دون ان يلوثه رماد السياسة السريع الزوال. ويذكرنا موقف آينشتاين هذا بموقف طرحه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بشأن تشكيل الحكومة الدولية، وذلك بعد بدأ الحرب الباردة واتساع مخاطر اندلاع حرب ذرية بين امريكا والاتحاد السوفيتي..

في عام 1931 نشرت ثلاثة تصريحات لآينشتاين كان قد أدلى بها عام 1921 بشأن قضايا تتعلق باليهود والمنظمات الصهيونية ومما ورد فيها :

" نحن بحاجة ماسة لأن نعير اهتماما كبيرا لعلاقاتنا مع العرب. ومن خلال اهتمامنا ورعايتنا الدقيقة لهذه العلاقات سنكون قادرين على منع بعض الخلافات من أن تتطور وتتوتر بشكل خطير، بحيث تدفع الناس لأن يجدوا أنفسهم أمام خيار وحيد هو المخاطرة بالقيام بأعمال عدوانية. وبالتأكيد ان تحقيق مثل هذه الغاية هو في متناول أيدينا...".

ظل آينشتاين متمسكا بهذا الموقف طيلة حياته، وعاد اليه أكثر من مرة في تصريحاته وكتاباته. ففي خلال زيارته الثانية الى أمريكا، أكد:

" علينا حاليا، وفي المقام الأول أن نعير اهتماما كبيرا لعلاقاتنا مع الشعب العربي. ان رعايتنا واهتمامنا بهذه العلاقات سوف تجنبنا في المستقبل مخاطر حالات التوتر، التي قد تستغل لأهداف استفزازية ونشاط عدائي ضدنا. وان الوصول الى هذه الغاية أمر منوط بنا، ونستطيع تحقيقها...".

ولكن آينشتاين كان يدرك جيدا ان العلاقات السليمة بين العرب واليهود لن تتحقق لمجرد توفر النية الطيبة لدى الجانبين، بل تتطلب بذل الكثير من الجهود من قبل اليهود والعرب، وحذر من المواقف القومية الضيقة التي لا تراعي مصالح الطرف الآخر. وكان يدرك جيدا ان الساسة يمكن أن يلعبوا دورا خطرا في توسيع الفجوة القائمة والتي يمكن أن تقود الى مخاطر وخيمة. وقد كتب عام 1946 :

" سينجح اليهود، وبدرجة كبيرة، في التعاون مع العرب، في حالة لو ان شعبنا والشعب العربي استطاعا ان يتغلبا على التذمر الطفولي للعقلية القومية... التي يؤججها الساسة المحترفون... ". وكتب أيضا : " القومية مرض طفولي. انها حصبة الجنس البشري " . وفي إحدى رسائله الى وايزمن أكد من جديد على ضرورة التوصل الى تفاهم مع الفلسطينيين : " اذا لم نعثر على وسيلة للتعاون الحميمي والتفاهم الصادق مع العرب، فاننا وبكل بساطة وكأننا لم نتعلم شيئا من آلامنا التي استمرت أكثر من ألفي عام، وبذا نستحق المصير الذي ينتظرنا. يجب قبل كل شيء أن لا نثق بقوة بالإنجليز. لذلك ان لم نتوصل الى تعاون حقيقي مع القيادات العربية فان الانجليز سوف يسقطونا ..".

علاقاته مع المنظمات الصهيونية :

Isaiah Berlin من أشهر الفلاسفة اليهود في بريطانيا في القرن العشرين، وقد كتب الكثير عن آينشتاين، وربما كان الأكثر ذكاء من بين جميع من روج للأسطورة التي تغنت بصهيونية آينشتاين. لقد كان يدرك جيدا انه ليس من السهل تفادي مواقفه الرافضة للسياسة الصهيونية ومعارضته لتأسيس دولة إسرائيل، ولكن يمكن تمييع تلك المواقف، وحتى تشويهها وتزييفها. في مقالة نشرت في NewYork Review في كانون أول 1979 أشار الى ان آينشتاين " ربط هيبة اسمه الكبير – وفي الواقع منح نفسه – للحركة التي أدت الى قيام دولة اسرائيل... وقد بقي مؤيدا للحركة الصهيونية وراعيا للجامعة العبرية حتى آخر حياته ... ان كان هناك من يحتقر التعصب القومي والطائفية، ويسعى من أجل العدالة الاجتماعية ويؤمن بالقيم الإنسانية العالمية ( وهذا ما فعله آينشتاين بالذات ) يريد ان يفهم كيف يمكن له ان يساند عودة اليهود الى فلسطين ويدعم الصهيونية ودولة اسرائيل، بالرغم من النقد والشعور بالحزن، والذي لا يمكن لأي إنسان حساس محترم إلا ان يشعر به، بسبب الأعمال التي تقترف باسم شعبه والتي تبدو له خطأ أو حماقة، ومع ذلك بقي ثابتا على موقفه حتى آخر أيامه، عليه أن يرجع الى كتاباته حول الموضوع ". ولا يتوقف برلين عند هذا الحد، بل يحاول أن يجعل من انتقاد آينشتاين للأعمال التي بدت له " خطأ أو حماقة " شهادة اعتزاز وفخر لإسرائيل والحركة الصهيونية :

" ذاك آينشتاين الذي لم يسمح بالانحراف عن اللياقة الإنسانية، وخاصة من قبل شعبه، ذاك آينشتاين الذي آمن بهذه الحركة وهذه الدولة، ووقف الى جانبها في الغث والسمين حتى آخر حياته، بالرغم من انتقاده في بعض الأحيان لأشخاص معينين أو لسياسات محددة، ان هذه الحقيقة قد تكون أسمى الشهادات الروحية التي يمكن لأي دولة أو أية حركة في هذا القرن أن تفتخر بها ".

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter