|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  29  / 11 / 2014                                 د. عبد علي عوض                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الاقتصاد العراقي ... مسيرة بين التنمية والضربات وأوليغـارشـية المحاصصة الطائفية والقومية

د . عبد علي عوض

تقع على عاتق الاقتصاديين الوطنيين الطموحين ، وقبل غيرهم، مهمة معالجة واقع الاقتصاد العراقي المتدهور من خلال الدراسة المعمَّقة والمستفيضة وألتي على أساسها توضَع الخطط العلمية الشاملة بعيداً عن الارتجاليات وتأثيرات القوى السياسية المهيمنة على السلطة.

إنَّ التنمية الشاملة بالنسبة لبلد مثل العراق تعني العدالة الاجتماعية والبناء المتناسق لكل فروع الاقتصاد الوطني الذي بدوره يلعب الدور الرئيس في التنمية البشرية. والتناسق الانمائي يتطلب ويشترط التحرر من هيمنة وتأثير القوى السياسية المتنفذة بادارة الدولة.

لقد كان من بين أهداف ثورة 14 تموز/يوليو عام 1958 هو التركيز على النهوض بالواقعين الصناعي والزراعي، فعلى صعيد الصناعة تمّ بناء مصانع القطاع العام والمختلط الكبيرة. هنالك سببان دفعا وحفّزا الدولة على قيام القطاعين العام والمختلط:- أولهما هو أنّ القطاع الخاص القائم آنذاك كان لايُلبي لوحده طموحات التنمية الصناعية، إضافةً إلى عدم قدرته على امتصاص البطالة، وثانيهما يتمثل بعدم إمكانية رأس المال الخاص، الضعيف، لبناء منشآت صناعية عملاقة. أما على الصعيد الزراعي فقد تأسست التعاونيات الزراعية بعد تشريع قانون الاصلاح الزراعي الذي حرّرَ الفلاحين بعد أنْ كانوا (أقنان) بيَد الاقطاع، ووزّع عليهم الأراضي الزراعية بصورة عادلة. لذا فقد إتَسَمَ الاقتصاد الوطني خلال الأربع سنوات والنصف من عمر الثورة بأنه إقتصاد متعدد الأنماط (القطاع العام، المختلط، الخاص، التعاوني)، وتلك سِمة إيجابية تعكس الصورة الأمثل للاقتصاد العراقي. لكن بعد ذلك النهوض، تعرّضَت مسيرة الاقتصاد العراقي إلى ثلاث ضربات قاصمة حَدَّتْ من تطوره لاحقاً... الضربة الأولى حدثَت عندما وقع الانقلاب الدموي لحزب البعث في 8 شباط من عام 1963 الذي أوقفَ مسيرة التنمية، ثمَّ جاء الحكم العارفي العسكرتاري الطائفي الوراثي الذي بدوره قام بهدم أحد أركان الاقتصاد الوطني، عندما جاء عبد السلام عارف بالوصفة الاقتصادية الناصرية (جمال عبد الناصر) لتطبيقها على الاقتصاد العراقي، إذ جرى تأميم مصانع القطاع الخاص، بحيث أدى ذلك الاجراء إلى عزوف الكثير من الصناعيين عن إقامة مشاريع صناعية خاصة. والضربة الثانية كانت تتمثل بعسكرة الاقتصاد العراقي في فترة حكم الطاغية صدام لاشباع نزواته العدوانية بخوض الحروب من خلال تحويل القسم الأكبر من الصناعات المدنية إلى عسكرية لتلبية حاجات الجيش العراقي، وفي الجانب الزراعي أحيى (القائد الضرورة) طبقة الاقطاع ثانيةً باعادة الأراضي لهم. أما الضربة الثالثة فقد حصلت بعد سقوط نظام الاستبداد البعثي في عام 2003، حيث كان ولايزال المخطط جاري التنفيذ والذي يتركز بتصفية مصانع القطاع العام من خلال إهمال تحديث تكنولوجيتها ومن ثمّ بيعها برخص التراب للمستثمرين بعد طَرد وتسريح آلاف العاملين فيها، لأنّ المستثمر لايسير بالمعايير الأخلاقية والانسانية، بَل إنّ معياره الأول والأخير هو الحصول على أقصى الأرباح، ويجب ألاّ ننسى أنّ تلك الصروح الصناعية تمثل منجزات ثورة 14 تموز.

إنّ الأوليغارشية التقليدية تمثل هيمنة أحزاب سياسية على السلطة تدعمها الطغمة الصناعية – المصرفية، وهي منغلقة على نفسها لاتسمح باختراقها من قِبَل أية قوة سياسية جماهيرية تمثل مطاليب وطموحات الكادحين والفقراء لكون توجهات تلك الجهة السياسية الشعبية تتعارض مع الاحتكارات العملاقة وتضُر بمصالحها ( وهذا ما هو حاصل في الولايات المتحدة الأمريكية).

الأوليغارشية العراقية تمثل حالة غريبة وفريدة من نوعها، فهيَ تمثل شبكة عنكبوتية مافيوية، إذ أنها تعكس رغبات وتوجهات أدعياء الطائفية والمذهبية والقومية (يسمّون أنفسهم أحزاباً سياسية)، فلا شأن لهم بأمور التنمية الاقتصادية ولا تعنيهم مسألة إغراق الأسواق العراقية بالمنتوجات الأجنبية الاستهلاكية التي وصلت قيمتها إلى 80 مليار دولار هذا العام 2014. ويعود سبب ذلك إلى أنّ تلك الأوليغارشية الطائفية – القومية تسيطر على قطاع التجارة الطفيلية المتسببة بعدم بروز وظهور المنتوج الوطني في الأسواق العراقية.

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter