الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

الثلاثاء 17 /1/ 2006

 

 

 

شارع عشرين ذكريات من الزمن المر ..


الناصرية \ ابراهيم عبد الحسن

يمتد تاريخ شارع عشرين مع امتداد تاريخ بناء مدينة الناصرية عام 1869 م ايام الوالي المصلح مدحت باشا حيث كلف بانيها (( ناصر فالح باشا السعدون )) المهندس البلجيكي (( جولن تلي )) فخططها على أحسن مايعرف فظهرت ساحاتها الواسعة وحدائقها الغناء والاجمل شوارعها التي خططها على شكل شوارع مستقيمة تقطعها أخرى مستقيمة اشبه بالصلبان ولعل نبؤة هذا التخطيط قد تحققت على يد الطاغية المقبور فأصلب العديد من ابنائها ولكن بطريقته الخاصة من مقابر جماعية الى احواض الاسيد الى قصر النهاية الى التغييب الى المنفى القسري .
ومن تعداد هذه الشوارع المستقيمة المتقاطعة حصل الشارع الذي نتحدث عنه على الرقم (( عشرين )) ومن هنا جاءت تسميته شارع ملتهب وبؤرة تمرد وحرية منشودة حتى لتشعر أن كل واحد من ابناء هذا الشارع وكأنه يحمل جرحا كان همه البقاء بل ذلك البقاء الذي لاينضب ، وعلى امتداد جانبيه سكنت عوائل فلاحون وعمال مهاجرون من سطوة الاقطاع بحثا عن عمل وحرية وحياة افضل ولان ريف الناصرية مشهور عنه حديثه السياسي اضعاف حديثه عن المحاصيل الزراعية .
ومن تلك الوجوه الجنوبية السمر المتربة بغبار الكدح وجوه اتعبتها الحكومات المتعاقبة على مر تاريخ العراق السياسي المعاصر حتى طالها الاستبداد والحصار والسلامة الفكرية والقمع والاهمال ومن هذا الحال المستديم ترسخت هوية الشارع الطبقية والسياسية فقد وقف جل الشارع في صف القوى الوطنية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي حتى أستحق الشارع أن يسمى احيانا شارع (( فهد )) يوسف سلمان يوسف مؤسس الحزب الشيوعي العراقي الذي لم يكن نفسه بعيدا عن الشارع ذاته فهو الذي أسس في ذات المدينة الخلايا الاولى تلك المدينة العصية على كل شيء والتي تحمل روح التمرد دوما وشارع عشرين منها  .
هكذا كدح يمضي ورؤى فلسفية تتبلور في ابناء الشارع وعصارة زمن محاصر واستبداد طال لعقود خلت غلفها القمع والموت والعنف حتمت على شباب الشارع أن يكونوا جنوبيون حد البكاء وناصريون حد الغلو وسياسيون محترفون أستثمرها نشاط الشيوعيون المنظم فكانت جل بيوتات الشارع في خضم تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي ومنظماته الجماهيرية وخصوصا أتحاد الطلبة العام  .
ومن هنا تأدلجت أفكار شباب الشارع فأصطبغت بيوتاته على الاقل بالافكار اليسارية في حين كانت هناك بيوتات مغلقة للشيوعين امثال (( عائلة خزعل نايف وابنائها محسن وحسن وحسين وناصر – وعائلة حيال عيال وابنائها كريم ومحمد ومريم حيال – وعائلة جليل عاجل الذي مات كمدا على اعتقال ولده في قصر النهاية سيء الصيت –وعائلة منخي ومنهم الشرطي الشيوعي حسين منخي وكاظم منخي – وعائلة خيري خضير – وعائلة راضي ومنهم هادي حسن راضي – وعائلة ملال عيال ومنهم حسن وحسين – وعائلة محمد عداي ومنهم الشهيد حاكم محمد عداي الذي أعدم ببغداد بقرار من دائرة أمن الناصرية – وعائلة شهد ومنهم الشهيد البطل جبار شهد ملازم حسان – والقائمة تطول  .
ومن غريب الصدف أن ةيعزز هذا الاصطفاف أفتتاح مقر الحزب الشيوعي العراقي اوائل سبعينيات القرن الماضي في وسط شارع عشرين يوم شهدت المدينة وشهدنا معا ونحن في أول تفتح لمداركنا ومازلنا ومازال الشارع وابنائه يتذكرون اطلاق الحمام الابيض (( الذي اطلقه العقيد حاليا حبيب العلي )) لحظة الافتتاح وكان من بين الضيوف الحاضرين المرحوم شمران الياسري (( ابو كاطع )) بطلته الريفية المحبوبة ومساجلته الشعرية مع والدة زهير الدجيلي وسط توزيع الحلوى ومن يومها واضب الشارع بشبابه ورجاله وشيوخه على حراسة المقر بل حراسة بيتهم بيت الحزب رغم المراقيه والمرابطة المستمرة لازلام أمن الناصرية ليحصوا الداخلين والخارجين والزائرين وتسجيل اسمائهم لتظمها سجلات الدائرة المقبورة  .
وقد شهد الشارع الكثير من الحوادث مع السلطة منها (( تعرض ابن حسن خزعل لحالة غرق آلمت الشارع بأكمله وبعد أيام معدودة تعرضت ابنته لحادثة دهس بسيارة عسكرية فعبر اهلي الشارع عن غضبهم بالهجوم على السائق العسكري وضربه وركله بالارجل حتى ساد الشارع الهيجان والغضب مما استدعى نزول الجيش لفك النزاع وأبرق آمر موقع الناصرية الى بغداد ببرقية تقول ان انتفاضة شعبية تعم شلرع عشرين فأخذها حماد شهاب الى المقبور احمد حسن البكر رئيس الجمهورية آنذاك الذي بدوره أوعز بأعتقال المشاركين وسوقهم الى المحكمة وفق المادة ( 10 ) من قانون معاقبة المتآمرين على سلامة الوطن ومفسدي نظام الحكم وسيق العديد من ابناء الشارع الى قصر النهاية سيء الصيت وكان منهم (( ملازم الشرطة فوزي عبد الوهاب وشقيقه وحسين خزعل نايف  .
انها رحلة عقود من الزمن الصعب حتمت أن يخرج من رحم هذا الشارع الثائر العديد من السياسيين والادباء والمثقفين والشهداء فكان منهم الروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي ومحسن الخفاجي والمرحوم جواد الازرقي والمرحوم كريم حيال ومن الشهداء حسن مرجان وفيصل ماضي وحاكم محمد عداي وجبار شهد ومن الناشطات النسوية كانت الشهيدة نجية عبد حاتم والشهيدة هدية عبد حاتم ومريم حيال  .
وفي أنتفاضة آذار كان الشارع برمته في مقدمة الصفوف مع المنتفضين الابطال حتى طال البيوت ثانية القمع والموت والهروب القسري فكان منهم شهاب احمد – طارق حربي – خليل هاشم – جليل هاشم – هاشم ملال – صفاء جبار –بشير عبد حذية – المرحوم الشاعر جبار الشدود .
أنني أنحني اجلالا لعطاء ونضال وبسالة بيوتات شارع فهد شارع عشرين الذين رسموا معنا تاريخ شارعهم تاريخ الناصرية.