نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

فنون

 

 

 

الأربعاء 15/2/ 2006

 

 

 

فصول من تاريخ المسرح العراقي

( 8 )

 

( الفرق المسرحيه العراقيه تحصل على قانون لها في1964وتستعيد عافيتها بعد فترة مخاض وتجارب للشباب )

 

لطيف حسن

في اواخر عام 1964 ، صدر قانون الفرق المسرحيه المرقم 166 لسنة 1964 بعد انتظار طويل له دام اكثر من سنتين ، كانت الفرق المسرحيه فيها مغيبه ، أي عمليا كان هناك حضر لنشاطها المسرحي حصرا الذي يتطلب علاقه حيه بالجمهور وتجمعهم في مكان واحد ، وهذا ما كان  يخاف منه الانقلابيون. في وضع استمر ليس تحت السيطره

ولم يقف الفنانون ازاء هذا التعطيل القصري مكتوفي الايدي ويسلموا بالأنقطاع عن الجمهور، فعملوا تحت أسم مجاميع فنيه او( فرق تحت التأسيس) في الاذاعة والتلفزيون التي تحتاج الى من يملاء برامجها اليوميه بأستمرار.

وهذه المجاميع في معظمها تكتلات اساسها بقايا الفرق المسرحيه التي سبق وان الغيت في شباط 1963 ، ابرزها ( جماعة المسرح الفني) شكلها خليل شوقي اصبحت نواة فرقة( المسرح الفني الحديث)، و(جماعة سميراميس) شكلها جعفر السعدي  واصبحت فيما بعد ( فرقة المسرح الشعبي )  و( جماعة مسرح 14 تموز للتمثيل ) شكلها  أسعد عبد الرزاق ، واصبحت فيما بعد ( فرقة مسرح 14 تموز للتمثيل ) ... وغيرها .

وكان الى جانب هذه المجاميع ،  لفيف من الفنانين الذين واصلوا العمل المسرحي في ظل غياب قانون الفرق المسرحيه من خلال الجمعيات والنوادي الاجتماعيه والثقافيه ، وقدموا على مسارحها اعمالا ماكان  بالامكان  ان تقدم  اذا مررت  على لجنة اجازة النصوص في الاحوال العاديه آنذاك ، فقد أستغل الفنانون  امكانية هذه المؤسسات على  ان تقدم بعض النشاطات الاحتفاليه الداخليه في حدائقها  استنادا  لمانصت عليها انظمتها الداخليه ، دون تدخل  مباشرفي شؤونها ، لاسيما الاحتفالات الدينية ، واحتفالات المناسبات الخاصة  بها  ( كالنادي الثقافي المسيحي للأخويه  المريميه ) التي قدمت آنذاك ( البخيل ) لمولير من اخراج جاسم العبودي ،  وقدمت ايضا لطالب المعهد  عوني كرومي مسرحية ( حيث وضعت علامة الصليب ) الذي بنى في وسط القاعه ديكورا اقرب في الشكل من الزقوره  ، سماه  المسرح  الدائري  وقدم عليه عرضه .

مسرحية ( زواج بالاكراه ) لمولير1964 على مسرح النادي الثقافي المسيحي

مسرحية ( تؤمر بيك ) ليوسف العاني 1964 على مسرح النادي الثقافي المسيحي

وقدم لطيف حسن ايضا في هذه الفتره في نفس النادي ، مسرحية  (تؤمر بيك ) ليوسف العاني ، دون ذكر اسم المؤلف الذي ترك العراق توا الى بيروت بعد اطلاق سراحه من الاعتقال في عام 1963 ، وقد استبعد اسم المؤلف من الاعلان والدليل بطلب من النادي نفسه حتى لايقعون في احراج مع السلطه ، وماكا ن يوسف العاني لو كان في العراق يمانع في حجب اسمه ، فقد سبق ان قدمت ( فرقة المسرح الحديث ) مسرحياته تحت اسماء مستعاره في العهد الملكي ، فالمسرحيه معروفه بما يكفي في انتسابها الى كاتبها دون الاعلان عنها .

                       مسرحية ( سيزيف والموت) لميريل  1964 على مسرح النادي الثقافي المسيحي

واخرج نفس المخرج للنادي بعدها بفتره قصيره ( زواج بالاكراه) لمولير ،  و( سيزيف والموت ) لميريل .

ولعبت ( فرقة الصداقه ) التي  شكلها المركز الثقافي السوفيتي برئاسة أديب قليجي ، دورا كبيرا في فترة ماقبل صدور قانون الفرق المسرحيه بقليل ، ومابعدها في سد الفراغ جزئيا في الساحه المسرحيه ، اذ انها كانت تقدم عروضها بشكل منظم لرواد  المركز على مسرح خاص بها ، وكانت الفرقه مكونه من الهواة بالدرجه الاولى  ، يساهم فيها احيانا  بعض الفنانين  ،  مثل وداد سالم ونورالدين فارس وعدنان حداد وفارس الماشطه... وآخرين .

تميزت كل هذه العروض ، وعروض طلبه المعهد في هذه  الفتره بالتجريبيه والفنطزه المفرطه ، واللجوء للتقليعات الغريبه الحديثه والافكار الجديده  الغير مألوفه في المسرح عندنا ، حتى يقال عنهم انهم اول من قدم مسرح برشت او اول من قدم المسرح العبثي ، او اول من قدم البانتوميم ،  واول من اشتغل على المسرح الدائري ، واول من عمل ديكورا تجريديا او سرياليا في مسرحيته .. الخ .

وايضا تعرفوا في مجال الفكر على  مذاهب جديده  في السياسه  و الاجتماع  و المسرح ، التي بدت تفد بكثافه من خلال المجلات المصريه المتخصصه بالمسرح وترجمات المسرحيات العالمبه الكلاسيكيه المهمه ، وتأثير ترجمات بيروت للروايات الوجوديه و ومودات اللاالتزام  واللاانتماء لمؤلفين   ككولن ولسن ، وسارتر ،  وكامو ،  وبرخت ، وجان جينيه , ودورنمات .. الخ.

جذبت هذه الافكار الكثير من الشباب المثقف المنكسر الذي كان يعاني في تلك الفتره  بسبب صدمة احداث شباط المأساويه من الخواء الروحي والفكري واليأس والقلق وعدم الاستقرار ،  و تعرض عدد غير قليل منهم تحت وطأة هذه الظروف الى الارتداد  عن  مواقفهم الفكريه السابقه  ، لاسيما اليساريين منهم .

فكانت محاولاتهم في اخراج مشاريعهم الفنيه السنويه بمثابة نوع من التحدي والتمرد والتخبط  وتعبير عن الاحباط وعدم الرضا على  كل شيء ، ولم يثبت احد منهم فيما بعد  على المنهج الفني الذي اختاره عند تنفيذ مشروع تخرجه ،  في نشاطاته المسرحيه اللاحقه بعد التخرج  .

شهد الموسم المسرحي في العراق قبيل صدور قانون الفرق  اكثر من مائة مسرحيه ، موسم 1964- 1965 فقط في فتره وجيزه بعد أزاحة انقلابي شباط من السلطه ، نصف هذه العروض قدمت في المعهد ، والنصف الاخر في النوادي والمسرح الطلابي الجامعي والمدرسي والفرق المسرحيه التي تشكلت فيما بعد ..

من اعمال طلبة المعهد المميزه في تلك الفتره ( شريط كراب الاخير ) لبيكيت اخراج  أحمد فياض المفرجي و( ضرر التبغ ) لقاسم حول و( عدالة مجنون) لاجاثا كرستي  اخراج سليم الجزائري ، ( والحقيقه عاريه جدا ) لاحمد رجب اخراج تحسين شعبان ، و( القاعده والاستثناء ) لبرخت اخراج علي رفيق و( تاروتزيمي ) عن مسرحيه يابانيه اخراج مرسل الزيدي و( الامبراطور جونز ) ليونيل اخراج ناصر علي ناصر ، و( حلاق اشبيليه ) اعداد واخراج سامي السراج... وغيرها.

ان روح الرفض التي تنتعش في المراحل الانتقاليه الكبرى و النكسات التاريخيه ، عند الشباب المثقف الذي يقف عاجزا امام الفاجعه التي تحيط به ، وجد تجسيده المرتبك عندنا في تجمعات وتكتلات  ثقافيه ،  سرعان ماتبددت     عند العمل والممارسه اليوميه، ونسيت شأن أي حلم جميل ونبيل يصعب تحقيقه في ظروف الواقع . وتبخرت معها روح الاستاذيه المتعاليه والشعور بكمال المعرفه، التي تتضخم عادة بشكل طبيعي عند طلاب الصفوف النهائيه .

وكانت تعود  هذه الروح ( تفجر المعرفه الغير ممتحنه بدون ضوابط) كالقدر في كل سنه ، عند كل وجبه تتخرج من المعهد  ، وبحلة جديد ، الا ان الجوهر واحد ، وعادة  ما تتوقف مشاريعهم بحدود مسرح المعهد الطلابي  وتنتهي دون ان تتحقق احلامهم  في رفع ودفع  وضع المسرح الى الامام  بالصوره التي يطمحون اليها.

اهم هذه  الجماعات التجريبيه ، والتي ظهرت فيما بعد في اواخر السبعينات من القرن الماضي ( جماعة المسرحيين الشباب ) .

صدرت آنذاك العديد من البيانات والمواقف عن هذه التكتلات ،   ونشرتها بعض الصحف منها ( بيان المجددون المسرحيون ) الطلبه الغير مدعوكين في العمل في  الفرق المسرحيه بعد ، اولنقل ليست لهم خبره ، ماتعلموه من نظريات جميله غيرمختبروه بعد خارج  المعهد ، بل لم يبدأوا بعد العمل في الفرق المسرحيه ليجددوا مافيها .

الى جانب صدور بيان مماثل ( المجددون في الحركه التشكيليه ) وبيان ( للشعر ) وغيرها ،ومعظم هذه التكتلات التي اصدرت هذه البيانات تشكلت في اروقة معهد الفنون الجميله ونادي المركز الثقافي البريطاني ونوادي كليات الاداب ومعهد اللغات، والمقاهي ،  او بالاحرى مقهى واحد  يقع في شارع فرعي من شارع السعدون بأتجاه شارع ابو نؤاس ، يسمى ( مقهى المعقدين) الذي ارتبط جيل الستينات الثقافي بأسمه . ومقهى البرازبليه التي شهدت لقاءات بعض المسرحيين من اعضاء الفرق المختلفه السابقه الذين ناقشوا فيها امكانية  وسبل اعادة النشاط لفرقهم القديمه والعمل  بواجهات مجموعات تحت التأسيس.

قبيل صدور قانون الفرق المسرحيه في اواخر 1964 ، صدر قانون خاص ينظم تشكيل وعمل فرقه رسميه تكون فيه اداريا تابعه الى مصلحة السينما والمسرح  ،  وكان الفضل في تشكيل هذه الفرقه يعود لحقي الشبلي الذي  عين مديرا عاما لمصلحة السينما والمسرح آنذاك ،  فحقق اخيرا حلمه في تشكيل ( الفرقه القوميه) .

فتح باب الانتساب للفرقه عن طريق العقود والتنسيب واداء الاختبار ، وعين بالتنسيب سامي عبد الحميد  كأول رئيس ( للفرقه القوميه للتمثيل ) فسارعت  في موسمها المسرحي الاول ( 1964 - 1965 ) بتقديم مسرحية الحكيم( سر شهرزاد) فصل واحد فقط هو فصل ( الحشاشين  ) من اخراج بهنام ميخائيل  ومسرحية موسى الشابندر ( وحيده ) اخراج الحاج محمد القيسي .ومسرحية بن جونسون ( شيخ المنافقين ) اخراج  أسعد عبد الرزاق .

بالرغم من ان نفس الفرقه في حفل افتتاح موسمها الاول ،  بدأ على نفس قديم غير متماشي وغير مشبع لعطش الجمهور للعرض المسرحي وما يرجوه من الفرقه، هو تفس حقي الشبلي الكلاسيكي ، فجميع مسرحيات افتتاح الموسم الاول للفرقه القوميه  كانت اعاده لمسرحيات سبق ان قدمت في الفتره الثلاثينيه من القرن الماضي ، اقرب الى استعراض لماكان عليه المسرح العراقي ايام زمان ،  الا  انها قدمت لاحقا اعمالا مهمه لشكسبير( تاجر البندقيه ) اخراج سامي عبد الحميد ، ولكامو ( العادلون ) اخراج جاسم العبودي ولكوكتو ( النسر له رأسان ) اخراج سامي عبد الحميد وغيرها الكثير .

يعتبر قانون الفرق المسرحيه المرقم 166 لسنة 1964 قانونا متقدما جدا على ماكان عليه  القانون السابق الملغي في 1963 ، فالقانون الجديد يدعم الفرق المسرحيه معنويا  كمؤسسه ثقافيه ،و يفرقها  ويميزها عن دور الملاهي والكابريهات التي كان يصنف سابقا  على اساسها ، و يرفع عنها حيف ضرائب الملاهي ، ويوصى  بتشجيعها  واعانتها ودعمها  وتسهيل حصولها على مسارح العرض الحكوميه في مواسمها المسرحيه .

هذا القانون شكل دفعه قويه للحركه المسرحيه نحو الامام ، اذ غيرت نظرة الناس التقليدية المتعاليه على المسرح  ،  وشجعت المرأه للعمل والاقبال عليه دون احراج اجتماعي كبير ، سيما ان القانون قد ترافق مع  تخرج عدد من طالبات قسم المسرح في معهد الفنون الجميله وكن في السابق يفضلن اختيار  مهنة  التعليم بعد تخرجهن بدل العمل في مجال تخصصهن المسرح  .

اجيزت على اساس هذا القانون بعد عام 1965 كافة الفرق المسرحيه التي قدمت طلبات اجازه ،  ومعظمها امتداد لفرق قديمه عدا فرقتي ( فرقة مسرح اليوم برأسة جعفر علي اكبر وفرقة الفنون المسرحيه برئاسة عطا محي الدين ) هذه الفرق هي  ( فرقة المسرح الفني الحديث ) برئاسة ابراهيم جلال و(فرقة المسرح الشعبي ) برئاسة جعفر السعدي و( فرقة المسرح الحر ) برئاسة جاسم العبودي  و( فرقة اتحاد الفنانين ) برئاسة  سعدون العبيدي و (فرقة المسرح العراقي )  برئاسة شكري العقيدي و( فرقة مسرح 14 تموز للتمثيل ) برئاسة اسعد عبد الرزاق  .

وما ان حل عام 1965 حتى عادت العافيه مجددا الى اوصال المسرح العراقي الديمقراطي الذي قاوم بضراوه طوال سنتين كل اساليب الالغاء والتدجين ، ونهض مجددا بقوه .

بدأت( فرقة المسرح الفني الحديث ) فورا  بالعمل على مسرحية فيرنيك ( ( مسرحيه في القصر ) اخرجها محسن السعدون الذي كان طالبا في موسكو وجاء في زياره للتطبيق في الفرقه على هذه المسرحيه كأطروحه  تخرج  لنيل الماجستير . وقدمت المسرحيه  سنة 1965 على قاعة المسرح القومي .، كمبادره من الفرقه في تدشين عملها بعد أجازتها بعمل مخرج  جديد شاب  ، يحمل افكارا جديده .


  1. في المسرح العراقي المعاصر - ياسين النصير - مؤسسة الصحراء 93- بلجيكا/ 1997 - توزيع دار المدى.

  2. مسرحيون عراقيون في المنفى ... وداد سالم   - رابطة الكتاب والصحفيين والغنانين الديمقراطيين العراقيين - بلغاريا 1987 .

  3. الطريق  والحدود - يوسف عبدالمسيح ثروت  - بغداد 1977  .

  4. ( الصور الفوتوغرافيه من الارشيف الخاص بالكاتب )