الأثنين 6 /2/ 2006

 


 فصول من تاريخ المسرح العراقي
 

 

( الفصل الرابع )
( معهد الفنون الجميله واكاديمية الفنون الجميله )
 


لطيف حسن

يعتبر معظم المهتمين والمتابعين للحركه المسرحيه في العراق ان البدايه الجاده للمسرح العراقي انطلقت في عام 1940 ، عندما تأسس معهد الفنون الجميله ، وبداء تدريس مادة المسرح اكاديميا ، وكل ماسبق هذا التاريخ من نشاطات مسرحيه عديده و متنوعه ، وقيام الفرق المسرحيه العربيه ذات الباع الطويل بزيارات منتظمه للعراق وتقديم عروضها فيها ، وتفاعل روادنا الاوائل مع هؤلاء الفنانين الكبار ، والاستفاده بأخذهم الكثير من تجاربهم ، لاسيما من المسرح المصري ، وقد شجع انتشار الترجمات العربيه للمسرحيات الكلاسيكيه في بلاد الشام ومصر ، ووصولها الى العراق ، على التأليف والاعداد والترجمه للمسرح على منوالها .

رغم الأهمية البالغه لهذه المرحله ، لم تستطع ان تزيل حاجز التابو الاجتماعي عليها ، وتكسر الجدار الفاصل فيما بينها وبين الناس ، او تغير من نظرة الدونيه التي كان ينظر بها الى المسرح ، والعاملون في المسرح عموما.

الا انه مجرد فتح قسم للتمثيل في معهد الفنون الجميله في ذلك الوقت ، يعتبر خطوه كبيره في الأعتراف الرسمي الذي فتح الباب لاحقا للآعتراف الشعبي بالمسرح ودوره الحضاري وقيمته في التغيير، وهزيمه لفلول التخلف والتزمت والانغلاق ( في المجتمع والسلطه ) الذين وقفوا بوجهه واعاقوا تطوره منذ ولادته ، وحاربوه بسكاكين القيم والعادات القديمه الباليه ، الظالمه التي لاترحم.

رغم اننا كما سبق وذكرت لانعتبر الفتره التي سبقت تأسيس معهد الفنون الجميله بانها بدايه جاده للمسرح عندنا ، الا اننا تعتبرها فتره مهمه مهدت للبدايه الحقيقيه ، بعد ان وضع هذا الفن على اساسه العلمي ، وقواعده السليمه بعد ان قدم فيها الاوائل آنذاك التضحيات الجسام التي تحسب لهم ، عندما غرسوا بذرة المسرح في الارض البور ، ووقفوا بصلابه في مواجهة وتحدي القيم الباليه الرافضه .

فقد كان لهم دوركبير في تفتيت المفاهيم الاجتماعيه المتهرئه التي كانت تعشعش في عقول الناس ، حاولوا بقدر مستوى وعيهم آنذاك ، و مايستطيعون من قوه ، مكافحة الامراض الاجتماعيه التي كانت منتشره ، من على خشبة المسرح، كظاهرة الجهل والاميه ، وعادة غسل العار ، ومناصرة حق المرأه في المساواة ، وفي مجال الاخلاق ، رفض الغش والكذب والشعوذه باسم الدين ، وبعث القيم والاخلاق المفيده بالعوده للتراث والتاريخ ، واستخلاص امثله مشرقه منها كتمجيد قيم المروءه والاخلاص والوفاء والرحمه والعدل والكرم واحترام الكبير والتضامن واعانة المحتاج ، بهدف أعادة شحن الثقه والقوه في النفس.

بهذا الشكل قدموا المشاكل الاجتماعيه على المسرح لكنهم لو يؤشروا على الاسباب الحقيقيه لهذه المشاكل والامراض ، وسبل حلها ( حتى فن الاخباري اكتفوا بعرض الحاله فقط وعجز فنانوه عن ان يعطوا الحل الناجع ، كانوا يتوصلون لحلول سطحيه ، ولكن ليست هي الحلول الجذريه) ، لهذا كان تأثيره التغييري في المجتمع يكاد يكون منعدما ( جعجعه بلا طحن ) كما يقولون .1

عندما اتسع نطاق انتشار الفنون بانواعها ( الموسيقى والغناء والرقص والتمثيل والرسم ) منذ مطلع القرن الماضي في المجتمع العراقي بشكل فوضوي اختلط فيه الحابل بالنابل ، الغث بالسمين ، خارج نطاق السيطره الرسميه ، فكر المسؤولون ( بعضهم وليس كلهم ، من ذوي النظره البعيده للأمور ) بضرورة رعاية النافع من هذه الفنون لرقي ا لمجتمع ، واحتوائه وتشذيبه ووضعه على الاساس الصحيح ، على منوال ماتفعله الدول الحديثه المتقدمه ، فأسست وزارة المعارف في نهاية عام 1936 ( معهد الموسيقى ) يدرس الموسيقى فقط ، كبدايه ونواة لمعهد اوسع وبأقسام متعدده اخرى تغطي كل الفنون ،واخذت الوزاره بتوفير مستلزمات هذا التوسع بارسالها الكوادر الضروريه لادارته من الشباب البارز في هذه الفنون ، للدراسة في الخارج ‘ وبالتحديد باريس .

وبعد عودة الرواد الكبار من دراستهم ، حقي الشبلي تولى ادارة قسم ( الثمثيل ) وفائق حسن تولى ادارة قسم ( الرسم ) وجواد سليم تولى ادارة قسم ( النحت ) و تحول اسم ( معهد الموسيقى ) الى (معهد الفنون الجميله) بأقسامه المسرح والموسيقى والرسم والنحت . وبدا التدريس بدورته الاولى عام 1940 ، نذكر من هولاء الكبار الموسيقي حنا بطرس الذي ادار قسم الموسيقى مواصلا عمله السابق في المعهد ، وكان الشريف حيدر محي الدين عميدا لمعهد الموسيقى منذ تأسيسه ، وواصل وظيفته في عمادة معهد الفنون الجميله ، التي كانت تطل بنايتها على شارع ابي نؤاس ، والتي هي ايضا في نفس الوقت المقر التدريسي لجميع فروعها الاربعه .

كانت فترة الدراسه لكافة الفروع تستغرق ثلاث سنوات ، وبدأت الدراسة فيها مسائيه ، وبقيت كذلك حتى اواسط الخمسينات ، بعدها تحولت الدراسه الى الفتره النهاريه ، وأستمرت الدراسه المسائيه مخصصه لتعليم الهواة ، ( وهنا يجدر بالذكر ان طلاب الدورات الاولى للمعهد من الرواد ، لم يكونوا متفرغين تماما للمعهد ، وانما كانوا يواصلون في نفس الوقت نهارا دراساتهم في كليات اخرى لاسيما كلية الحقوق او يعملون موظفين في دوائر الدوله ) وفي وقت لاحق مددت الدراسه في المعهد من ثلاث سنوات الى خمس سنوات .

وعزز المعهد منذ اواسط الخمسينات هيئته التدريسيه بكوادر من رواد الجيل الثاني ومابعدهم ، من الذين درسوا فنون المسرح ( أكثريتهم من حملة الماجستير ) في الولايات المتحده و ايطاليا وبريطانيا والمنظومه الاشتراكيه السابقه بعد تموز 1958 ، الذين ادخلوا معهم افكارا مثيره للجدل في المحيط الفني ، وجاءوا بمدارس فنيه جديده الى المعهد ، و الذي بفضلهم بداء يعرف الطالب والمتفرج على حد سواء ، منهج ستانسلافسكي وبرخت وفاختانكوف ومايرهولد وغيرهم من العباقره المنظرين للمسرح في العالم.

ساعد في ذلك نشر الوعي الفني على نطاق واسع بفضل صدور وانتشار المجلات المتخصصه بالمسرح وبأسعلر زهيده لاسيما مجلة ( المسرح ) المصريه ،واصدار ترجمات للمسرحيات العالميه الهامه كما فعلت وزارة الثقافه المصريه في سلسلتها الشهيره ( روائع المسرح العالمي ) وغيرها  .

ابرز من تولى عمادة معهد الفنون الجميله ابتداءا من اول عميد لها الشريف حيدر محي الدين ، تلاه حقي الشبلي وذ نون ايوب والدكتور عزيز شلال عزيز وجاسم العبودي واسعد عبد الرزاق وكلهم قد توفوا في فترات محتلفه .

ابرز من قام بالتدريس في معهد التمثيل عبالله العزاوي وصفاء مصطفى وجعفر السعدي وابراهيم جلال .وجعفر علي وحامد الاطرقجي ويوسف العاني وناجي الراوي ومحمد امين وسامي عبد الحميد وبدري حسون فريد وعبد الجبار ولي وعلي الزبيدي وبهنام ميخائيل وجاسم العبودي ومحمد شكري المفتي وفاضل قزاز وقاسم محمد ومسز سوفني وترودي متلمان وماركريت العبودي وعبد الوهاب الدايني وكمال نادر .

في فترة عمادة حقي الشبلي للمعهد وقسم التمثيل ، دأب المعهد ان يقدم في كل موسم مسرحي مسرحيه او مسرحيتين من اخراج واعداد حقي الشبلي ، ثم واصل المعهد هذا التقليد فيما بعد ، بأخراج اساتذة التمثيل في المعهد المسرحيات المختلفه في المواسم المسرحيه ، معظمها من المسرح العالمي الكلاسيكي ، اضافه لفسح المجال امام انتاجات الطلبه المتميزه في عرضها على الجمهور.

من ابرز عروض معهد الفنون الجميله في الفتره الاولى (1940-1957 ) ( معرض الجثث) معده ( الطاحونه الحمراء ) معده وكلتاهما من ذات الفصل الواحد ، و( فتح بيت المقدس ) لفرح انطوان و( عقول في الميزان ) معده ( ومحاسن الصدف) معده و( الوطن ) لفكتورساردو وكلها قدمت في الاربعينات من القرن الماضي ، وفي الخمسينات قدمت ( يوليوس قيصر ) لشكسبير و(شهرزاد ) لتوفيق الحكيم ، وجميع هذه المسرحيات الواردة الذكر كانت من اخراج حقي الشبلي .

وفي الفترات اللآحقه قدم أساتذة التمثيل في المعهد العديد من المسرحيات العالميه الهامه ، ابرزها اعمال مازالت باقيه في الذاكره لجاسم العبودي ( الحقيقه ماتت) لعمانوئيل روبلس و(عطيل) لشكسبير ، (المعروف عن جاسم العبودي انه مغرم يتكرار اخراج المسرحيه الواحده في ازمان مختلفه) وجعفر السعدي ( شهرزاد ) لتوفيق الحكيم و(يوليوس قيصر ) لشكسبير و( القيثاره الحديديه) لجوزيف اوكونور ، وسامي عبد الحميد ( كنوز غرناطه ) لجيرالدين براين ، وابراهيم جلال ( مصرع كليوباترا ) لاحمد شوقي وسعدون العبيدي ( القلب الارعن ) لجون باتريك وبهنام ميخائيل ( افكار صبيانيه ) لنويل كوارد و( مسمار جحا ) لعلي احمد باكتير، وعبدالجبار ولي ( مسألة شرف ) من تأليفه ، هذا الاستعراض هو القليل من فيض المسرحيات الاخرى التي دأب اساتذة قسم التمثيل على اخراجها على مدار المواسم المسرحيه ، منذ تأسيسه وحتى الوقت الحاضر .

وكانت مساهمة قسمي النحت والرسم في المعهد كبيره واساسيه في مجال تصميم وتنفيذ ديكورات عروض قسم التمثيل ، فالفنانان الكبيران جواد سليم و فايق حسن قد صمما ديكور معظم تلك المسرحيات ، و كان يشترك معهم في التنفيذ ، واحيانا في التصميم ايضا، تلامذتهم ( الفنانين الكبار فيما بعد) ، خالد الجادر واسماعيل الشيخلي ونوري الراوي ونعيم جميل نعيم وفاضل عباس وسلمان داوود ومارشال اسمر .

وعندما تخرجت الوجبه الاولى من طلبة قسم التمثيل ، خرجوا من مظلة حقي الشبلي و تجمعوا في فرقه واحده شكلوها بمعزل عن منهج حقي الشبلي الفني في دور المسرح اجتماعيا ، وباتجاه فكري مغاير ، وشكلوا بذلك بداية انعطافه كامله في توجه المسرح اللاحق ، هي ( الفرقة الشعبيه للتمثيل ) ، التي تأسست عام 1948 .

من ابرز المؤسسين جعفر السعدي ، وابراهيم جلال وتقي البلداوي وعبد الكريم هادي وكريم جبران واحسان سامي ، وتعاون معهم الكاتب المسرحي صفاء مصطفى الذي كان يتولى التدريس في المعهد منذ دورته الاول .

في عام 1961 اسست الدوله أكاديمية السينما على عجل وبدون دراسه كافيه وبرآسة حكمت لبيب ، وبدأت التدريس بامكانيات محدوده ، ولم توفر الحد الادنى لانجاح هذا المشروع الكبير ، كتوفير مقدما مايكفي من الاخصائيين في التدريس ، او المعدات والمواد اللأزمه لتدريب وتطبيق الطلبه .

لم يكن هناك في العراق صناعه سينمائيه بالمعنى للكلمه حتى يمكن ان تستوعب خريجيها او الاستعانة بها لتدريبهم فيها ، ولم يكن يوجد اصلا أستوديو للسينما ، بعد ان اغلق ستوديو بغداد الاهلي ابوابه قبل هذا التاريخ بسنوات ، كان هناك استوديو هاماز الاهلي الصغير ، واستوديوهات مصلحة السينما والمسرح التي كانت صغيره ومحدوده ايضا ، تكفي بالكاد تأمين احتياجات اصدار الجريده السينمائيه وبعض الافلام التسجيليه  .

فشل المشروع بعد تخرج وجبته الاولى ( ثلاث سنوات دراسيه ) وتحولت اكاديمية السينما الى اكاديمية الفنون الجميله بفروعها كما هو في المعهد ( مسرح وموسيقى ورسم ونحت ) والدراسة فيها تستغرق خمسة سنوات .

من بين خريجي دورة اكاديمية السنما الاولى الوحيده ، بسام الوردي وراسم الجميلي وعمانوئيل رسام وروميو يوسف وضياء البياتي ونجيب عربو واخرين ، ولم تضم هذه الدورة من بينها طالبات ، والذي كان معهد الفنون الجميله يشهدفي وقت ابكر قليلا منذ عام 1959 اقبال المرأه عليه بشكل ملحوظ ، بعد ان تخرجت منه اول طالبه للتمثيل الفنانه آزادوهي صاموئيل 1962 .


1- صفحات ظاهره وخفيه في الحياة المسرحيه والتلفزيونيه العراقيه - سامي السراج - بغداد -1987 راجع المعلومات التاريخيه التي استندت عليها في كتابةالموضوع من ( مقدمة الكتاب التي وضعهاالباحث الراحل احمد فياض المفرجي ) ص/5-9


موقع الناس     http://al-nnas.com/