موقع الناس     http://al-nnas.com/

 فصول من تاريخ المسرح العراقي
(
الفصل
الحادي والعشرون )


( المسرح العراقي ينتصر في الفتره 1958 -1963
 )


لطيف حسن

latif@webspeed.dk

الخميس 19/10/ 2006
 

خلال الفتره من 14 تموز 1958وحتى نهاية سنة 1959 ، هذه الفتره الديمقراطيه التي مرت وهزت العراق من الجذور ، وهزت معها المنطقه والعالم المدهوش بهذا الانقلاب ، الذي لم يغير الخريطه السياسيه في ليله واحده فيها فحسب ، بل اطاح بكل القيم الاجتماعيه المكبله لتطوره ، والتي كانت مهيمنه بقوه مع شرائحها الرجعيه ، وازيحت من مواقعها ، فأنكفأت على نفسها مذعوره ، وجمدت نفسها مؤقتا في انتظار توفر الظروف التي تسمح لها بفرص العوده ، فهي تعرف ان قاعدتها العميقه في المجتمع القديم الذي كانت فيه نسبة التخلف و الجهل والاميه تصل الى 90 بالمائه من سكان العراق آنذاك موجوده ومستمره، وان هذه القاعده بحاجه الى وقت طويل لتتغير وتتحول عنها ، وعليها ان تتكاتف فيما بينها و تعمل بسرعه قبل ان تتجذر افكار الثوره ، التي حققت في جولتها الاولى انتصارا كبيراعلى الاستعمار ، وعلى العالم القديم وقيمه المنخلفه ، سميت هذه الفتره الديمقراطيه الفريده من تاريخ العراق ، بفترة طوفان المد الاحمر ارتباطا باسم الحزب الشيوعي الذي كان يقود العمليه الديمقراطيه ، والذي لم يستمر الا في حدود هذه الفتره التي لم تتوقف فيها القوى المتضرره عن العمل بدون هواده في الظلام في جبهه رجعيه عريضه مدعومه بلا حدود من الخارج ، فاستطاعت ان توقف مسيرة التقدم الديمقراطيه اولا في سنة 1961 ، مما مهدت الارضيه تدريجيا ، لتنقض على ماانجز في الثوره بأنقلاب شباط 1963 وتنجح في ان تعيد الامور الى الوراء لصالحها .

في الايام الاولى للثوره اعيدت الاجازة لفرقة المسرح الحديث لتعمل على عجل وقدمت مسرحيتها ( اني امك ياشاكر ) في نهايات عام 1958 ( جرى تناولها في فصل منفصل ) وبدأت الفرق المسرحيه التي كانت مجازه سابقا تركض وتلهث للحاق بالثوره التي سبقتها بخطوات شاسعه ، وهذه الفرق هي ( الفرقه الشعبيه للتمثيل ) و( فرقة المسرح الحر ) و( فرقة الزبانيه ) الى جانب الفرق المسرحيه الجديده التي تأسست، منها اجازة جماعة شباب الطليعه التي انفصلت عن الفرقه الشعبيه للتمثيل سنة 1957 كفرقه بنفس الاسم لبدري حسون فريد ( فرقة مسرح شباب الطليعه) وفرقه اخرى برئاسة ابراهيم الخطيب ( فرقة الشعله) وفرقة ( الفنون الشعبيه للتمثيل) برئاسة مهند الانصري ، و( فرقة المسرح العراقي ) برئاسة شكري العقيدي و( فرقة 14 تموز ) برئاسة اسعد عبدالرزاق ، و( فرقة المسرح الجمهوري) برئاسة يحيى فائق ، وعدد اخر من الفرق الغير مهمه التي لم تقدم نشاطا متميزا يذكر، او لم تقم بأي نشاط على الاطلاق ، و توقفت عن العمل الواحده بعد الاخرى .

انطلقت مع الثوره النشاطات المسرحيه الشعبيه الداعمه والداعيه للدفاع عن النظام الجمهوري من كل مكان ، من قبل الهواة الذين لم يصعدوا خشبة المسرح قط في حياتهم وتدفقوا من المدارس والنقابات والجمعيات والوزارات والمصالح ومنظمات الطلبه والشباب والنساء وقوات الجيش الشعبي، واصبح للبعض منهم شأن في بناء المسرح العراقي اللاحق ، وقدمت في هذه الايام التي كانت مهرجانيه حقا مئات المسرحيات الثوريه الدعائيه المباشره ( بغض النظر عن مستواها الفني الذي كان يتسم بالسذاجه والضعف بمقياس النقد في الوقت الحاضر)، لم يتعود الشارع والمجتمع العراقي من قبل على تدفق هواء الحريه في رئتيه بهذا العمق ، وممارسة الديمقراطيه بهذا الوسع والحماسه التي كانت تقترب احيانا من الفوضى، انها اجواء الثوره والانعتاق من الماضي في كل مكان، المسرح يعلن انتصاره على القيم الباليه باقبال المرأه على صعود خشبة المسرح بالعشرات بدون تحفظ ، وانتسبت ازادوهي الى معهد الفنون الجميله ، كأول طالبه في قسم التمثيل بدون مشاكل، وساهم رواد المسرح و الطلاب المتميزين وبعض خريجي معهد الفنون الجميله في تو جيه الفرق المسرحيه التابعه للمنظمات الديمقراطيه ونشاطاتها كان ابرزهم ، مساهمة يحيى فائق الذي أشرف على فرق اتحاد نقابات العمال مع عزيز حداد ، وزينب وحمودي الحارثي على فرق اتحاد الشبيبه الديمقراطيه ، و اسماء اخرى ساهمت ايضا في نشاطات هذه المنظمات بخبرهم ، منهم الحاج ناجي الراوي بخبرته في فن الماكياج، وسعدي السماك في مجال الديكور ، الذي صمم مسرحا متنقلا للحفلات التي تقام على الهواء الطلق ونفذه .

ولم يكن هذا الحال مقتصرا على العاصمه بغداد بل ان طوفان النشاط المسرحي طال كل ارجاء المحافظات الاخرى ، و برز شباب جدد اصبح لهم شأنا في المسرح العراقي لاحقا ، الى جانب الرواد منهم ، فقد برز في هذه الفتره ، قاسم حول و علي فوزي واسماء اخرى في البصره ، واديب قليجي واخرين في الموصل ، ولقلة النصوص المسرحيه المحليه والحاجه الماسة اليها ، اعادوا في المحافظات اخراج المسرحيات العراقيه المقدمه في بغداد ، فاعيد تقديم كل اعمال يوسف العاني القديمه مثل ( اني امك ياشاكر ) و( اكبادنا ) و( فلوس الدوه ) وغيرها .

كانت الفرق المسرحيه طوال سنة الثوره 1958 ، مدهوشه ومأخوذه بمفاجأة الثوره التي لم تكن تتوقعها ، ولم تكن قادره فيما بعد باللحاق بها ، ولاتعرف ماذا تفعل، سوى ان تساير الشارع ، وقد انتمت جميعها كمنظمات الى عضوية اتحاد الشبيبه الديمقراطي العراقي الذي كان مشغولا آنذاك بالتحضير للمشاركه العلنيه الواسعه لاول مره ( بمهرجان الطلبه والشباب العالمي الخامس الذي انعقد في فينا في صيف عام 1959) والذي استطاع ان يشكل اكبر وفد شعبي في المهرجان تجاوز اعضائه الف شاب وشابه ، ، سافر ضمن الوفد بعض اعضاء فرقة المسرح الحديث ، كانت ابرزهم الفنانه الرائده آزادوهي صاموئيل ، قدمت ( فرقة مسرح شباب الطليعه ) برئاسة بدري حسون قريد ، ثلاث مسرحيات سبق لها ان قدمتها قيل الثوره عندما كانت تعمل كجماعه في سنة 1957 ، وبدأت التمارين على مسرحية ( ثوره مع الفجر) التي قدمت قي سنة 1959 ، وقد تعاون على كتابتها كل من ادمون صيري ونورالدين فارس وبدري حسون فريد وطه العبيدي وخالد القشطيني ، في محاوله للخروج بمسرحيه تعبر عن المرحله التاريخيه ، اخرج المسرحيه بدري حسون فريد ، وواصلت بعد هذا العمل وخلاله على تقديم العديد من المسرحيات وهي ( عندي ذراع واشتغل ) و( نجاح ) و(عائلة ابومهيدي ) و( الشاعر روبنيول ) و( السختجي ) واتجهت الفرقه بعد عام 1960 لتقدم بعض التمثيليات التلفزيونيه ، التي كانت تبثها محطة تلفزيون بغداد بشكل مباشر .

قدمت ( فرقة الشعله للتمثيل ) خلال عام 1959 مسرحيتين من اعداد واخراج ابراهيم الخطيب ن هما ( السلاسل المحطمه ) و( بزوغ السلام ) ثم باشروا في التمارين على مسرحية هوارد فاست ( ثلاثون قطعه من الفضه ) وقطعوا شوطا كبيرا في التمارين ، وعلقت اعلاناتها في الشوارع ، وكادت ان تعرض لولا ، ان الخلافات قد دبت بين رئيسها ابراهيم الخطيب ، وبين اعضاء الفرقه الاخرين ، وهو يتهياء للالتحاق بمواصلة دراسته في منحه بالخارج ، فاوقف العمل في المسرحيه ، وحل الفرقه والغى اجازة عملها ، وتفرق اعضاء الفرقه بين من سافرلمواصلة الدراسه في الخارج , وبين من توزع على الفرق المسرحيه التي كانت تعمل كفرقة( المسرح الحديث ) وفرقة ( المسرح الشعبي للتمثيل ) بعد مسرحية ( آني امك ياشاكر ) ليوسف العاني و( المقاتلون ) لجيان التي قدمتهما معا فرقة المسرح الحديث ، واصلت الفرقه طوال عام 1959 تقديم مسرحية ( آني امك ياشاكر) في حفلات متقطعه مع مسرحيه اخرى مثل ( المقاتلون ) او مسرحية العاني ( ست دراهم ) وزارت الفرقه بمسرحية ( اني امك ياشاكر ) عددا من المحافظات ، من بين هذه المحافظات ، محافظة البصره . ثم ما ان جاء عام 1960 حتى قدمت الفرقه عددا من المسرحيات النوعيه هي مسرحية ( اهلا بالحياة ) ليوسف العاني واخراج عبدالواحد طه ، ومسرحية ( رساله مفقوده ) لكاريجياله اخراج بهنام ميخائيل ، وعوده الى ( اني امك ياشاكر ) و(تؤمر بيك) و( ست دراهم ) ليوسف العاني ، وقدمت ( فرقة المسرح الحر ) خلال هذه الفتره المسرحيات ( ثمن الحريه ) لعمانوئيل روبلس و(موتى بلا قبور ) لسارتر و( الغرفه المشتركه ) و( باب الهزيمه ) و( الاصدقاء ) وكل هذه المسرحيات كانت من اخراج جاسم العبودي .

وقدمت ( فرقة الفنون الشعبيه للتمثيل ) المسرحيات التاليه وجميعها من اخراج مهند الانصاري ( كهوة الطرف ) لابراهيم الهنداوي ، و( كلنا بشر ) لابراهيم الهنداوى ، و( ورطه ) لرؤوف توفيق . ثم توجهت الفرقه للعمل بشكل اساسي الى العمل الاذاعي الى ان الغيت اجازتها وانتهت بسفر رئيسها للعمل في الكويت بعد عام 1963 .

قدمت ( فرقة 14 تموز ) مسرحيه من تأليف واخراج اسعد عبدالرزاق هي ( عيد العمال ) ، قبل ان تقطع علاقتها كليا بالعمل المسرحي وتنتقل الى العمل التلفزيوني والاذاعي .

وساهم قسم التمثيل في معهد الفنون الجميله بادارته الجديد ايضا بعدد من المسرحيات هي ( عيد العمال ) 1959 تأليف واخراج اسعد عبدالرزاق ،( طلب زواج) لتشيكوف اخراج حامد القاضي ، وعدد اخر من المسرحيات التي اخرجها طلاب المعهد و أخيرا( ثم غاب القمر ) 1960 لشتاينبك ، اخراج ابراهيم الخطيب .

اسست الحكومه الثوريه بعد 14 تموز 1958 ، مؤسسه مهمتها الاساسيه هي دعم ومساعدة الفنون البصريه والسمعيه في ان ترفع من مستواها لتقف على قدمها وتتقدم ، حتى تعكس حقا الوجه الحضاري للعراق ، فتأسست ( دائرة مصلحة السينما والمسرح ) بادارة يوسف العاني ، شكلت المصلحه فرقتين موسيقيتين مهمتين منها الفرقه السمفونيه، واقامت معملا لتحميض وطبع ومونتاج الافلام ، واخذت تصدر جريده اخباريه سينمائيه دوريه ، وانتجت بعض الافلام التسجيليه الهامه ، وجمعت الطاقات السينمائيه من الذين كانوا يعملون في السابق في النقطه الخامسه و شركة نفط العراق ، وقدمت مساعداتها التكنيكيه والفنيه للصناعه السنمائيه الاهليه ، وبدأت تعد لاقامة اول مهرجان مسرحي في بغداد ، وكان الموسم للمسرح العراقي 1961 - 1962 هو الموسم الاول الذي تنظمه المصلحه لدعم انتاج الفرق المسرحيه الاهليه والذي لم تشترك فيه كل الفرق المسرحيه الموجوده على الساحه لاسباب مختلفه . عدا ثلاث فرق منها فقط .

فاتحت مصلحة السينما والمسرح جميع الفرق المسرحيه التي كانت عامله في بغداد بنيتها اقامة موسم ومهرجان للمسرح العراقي وعرضت عليها مساعدتها بقيامها بتحمل كافة تكاليف الانتاج ماديا ودعائيا بما فيها توفير دور العرض ، على ان تتقدم الفرق بنصوصها التي تنوى تقديمها بوقت محدد، ولم تكن كافة الفرق المسرحيه لها الامكانيات الفنيه والوقت الكافي لتتقدم بطلبها ضمن الفتره التي حددتها المصلحه ، لذلك اقتصرت المشاركه على فرقة المسرح الحديث والفرقة الشعبيه للتمثيل وفرقة المسرح الجمهوري ، التي قدمت ثلاثتها مسرحيات عالميه ، لم تستطع ان تجذب اليها الجمهور الكاف ، عدا مسرحية ( الخال فانيا ) لتشيكوف اخراج عبدالواحد طه وتقديم فرقة المسرح الحديث ، التي تميزت عن المسرحيتين الاخريتين باهتمام الجمهور المثقف و النقاد والصحف بها باعتباره عملا صعبا وشجاعا خاضته الفرقه بنجاح ، اما مسرحية ( بيت الدميه ) لابسن واخراج جعفر السعدي التي قدمتها الفرقه الشعبيه للتمثيل ، ومسرحية ( سقط المتاع ) تأليف يوجين بريو اخراج يحيى فائق التي قدمتها فرقة المسرح الجمهوري ، فكانت مقاعد القاعه تكاد تكون خاليه من الجمهور ، ولم يكتب عنهما في الصحف شيئا ، غير النقد اللاذع الذي تعرضت له مسرحية ( سقط المتاع ) وقد نشطت بعض الانديه والنوادي الاجتماعيه في بغداد، الى جانب كل ما عرضناه من نشاطات الجهات الشعبيه الاخرى ونشاطات المسرح المدرسي ، كانت هذه المؤسسات لها نشاطاتها المسرحيه المتميزه والخاصه باعضائها واصدقائها . من ابرز نشاطاتها في موسم 1961 - 1962 ما قدمه ( النادي الرياضي الارمني - الهومنتمن - ) مسرحيه ( الاسكندر ) باللغه الارمنيه لصاموئيل مامكونيان واخراج اراديش بالاسيان و( النادي الثقافي المسيحي ) قدم العديد من المسرحيات هي ( البخيل ) لموليرو( بين يوم وليله ) و( واريد ان اقتل ) وكلتاهما من تأليف توفيق الخكيم ، وجميعها اخرجها للنادي جاسم العبودي ، وقد ساهم ايضا في هذا الموسم معهد الفنون الجميله باعمال هامه مثل مسرحية ( ماوراء الافق ) ليوجين اونيل اخراج بهنام ميخائي ، ومسرحية مولير ( المثري النبيل ) اخراج جعفر علي ، ومسرحية سوفوكلس ( اوديب ) اخراج جعفر السعدي . ومسرحية شكسبير ( عطيل ) اخراج جاسم العبودي .

في هذه الفتره بدأت كافة الصحف اليوميه والاسبوعيه تخصص صفحات واركان ثقافيه ثابته كانت تتابع باهتمام النشاط المتفجر للحركه المسرحيه وصدرت مجلات ثقافيه هامه ( كالمثقف) وعودة (الثقافه الجديده) الى الصدور و(الاديب العراقي) وغيرها، وظهرمع هذه المجلات والصفحات الثقافيه في الصحف ، نقاد ومتابعين للشأن المسرحي من امثال كمال نادر، وجميل الجبوري ، واحمد فياض المفرجي ، ويوسف العاني ، ود على الزبيدي ، وقاسم حول، بدري حسون فريد ، ويوسف عبدالمسيح ثروت ، وصالح سلمان وسلمان البيرماني وبلند الحيدري... وغيرهم الكثير .


1- الحركه المسرحيه في العراق - احمد فياض المفرجي - بغداد - 1965
2- الحياة المسرحيه في العراق
3- مصادر دراسة النشاط المسرحي في العراق - احمد فياض المفرجي - بغداد - 1979