نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

فنون

 

 

 

الأحد 29/1/ 2006

 

 

 

فصول من تاريخ المسرح العراقي

( الفصل الثاني )

 ( المسرح  يمد جذوره)

 

لطيف حسن

بعد الوفاده الغير مرحب بها للمسرح ، من قبل المجتمع العراقي في اواخرالقرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ، نزع عنه رداء التبشير والسيا سه ، بعد تأسيس الدوله العراقيه ، وتنصيب الملك فيصل الاول .

بدأ المسرح  يمد جذوره بصعوبه في التربه الثقافيه العراقيه البور ، كانت  التقاليد والعادات القبليه والبدويه القديمه  تقاوم بضراوه رياح التمدن ، و كل الجديد في الحياة الذي هب عليها من كل جانب بعد التحرر من الحكم العثماني .

دخل الغرامافون الى البيوت واسمع  النساء الخدر في البيوت الانغام والطرب ، وبنيت دور للسينما التي تبث السحر في الحيطان البيضاء  ،  فنرى عليها ناس وخيول وقطارات  حيه تتحرك كما في الطبيعه ، واخذت العوائل تأم دور السينما في ايام محدده وبشكل منظم لتتمع وتشاهد في جو عائلي افلام شارلي شابلن الصامته و قصص الحب العذري ومشاهد الغزل والغرام التي كانت بطبيعة الحال محتشمه جدا بمقاييس زماننا هذا ، ويستمرافراد الاسره لفترة طويله يروون قصة الفلم واحداثه  لمعارفهم من الذين فاتهم مشاهدته ، الى جانب مشاهدتهم للنشره الاخباريه السينمائيه التي كانت تقدم في بداية كل عرض ،  ومتابعتهم من خلالها  لمايجري من احداث في العالم .

ارتفعت عاليا من كل مكان كلمة حرام  ،  من الجوامع والتكايا ، وخرجت فتاوي التحريم الكثيره ،  وأعتبروا ان كل هذا القادم من بدع الكفار في الغرب ، هو رجز من عمل الشيطان ونوع من مكائد ابليس لنشر الفساد في الامه الاسلاميه ، مخالف لسنة الله والتمسك بالدين الحنيف واداء فرائضه، وحذروا المؤمنين من  ا للهو في هذه الدنيا الفانيه ، والانغماس في ملذاتها ومنكراتها، وانتشرت الرؤى التي تفسر ان مايحدث هي من علامات قدوم الساعه التي سيظهر فيها النبي الاعور الدجال ، لتقوم القيامه ، وسيأتي بعدها يوم الحساب  على مااقترفوه من خطايا في دنياهم  ، والذي لن ينجو من عذاب جهنم ويفوز  بالجنه منهم ، الا من سار على السراط المستقيم .

في هذه الاجواء ولد مايعتبر اب المسرح العراقي الحديث المرحوم  حقي الشبلي (1913  - 1985 ) ، والذي مسه  جن المسرح منذ الطفوله ،عندما التقى بفرقة جورج ابيض  المصريه اثناء زيارتها العراق عام 1926.

صعد على خشبة المسرح  وهو في  عمر ال12سنه ، بعد ان اختاره جورج ابيض ضمن كومبارس مسرحية ( الملك اوديب ) التي  قدمتها فرقته على مسرح سينما الوطني عند زيارتها لبغداد  (1) .

تعلق الشبلي في المسرح بعد ذلك الى حد الهوس ، وساهم في كل النشاطات المسرحيه اللآحقه التي كانت تقوم بها مدرسته ، وبرز في المسرحيات التي قدمتها ثانوية التفيض وهي ( صلاح الدين الايوبي ) و ( فتح الاندلس) و ( في سبيل التاج ) و( هارون الرشيد ) ، وكن يشرف على هذه النشاطات آنذاك سيد حسين الصافي ، والمقريء محمود عبدالوهاب ، والحاج رؤوف الكرخي ، والدكتور سامي شوكت ، والدكتور فائق شاكر ، وعبدالوهاب العاني .. وآخرون (2) .

عمل هذا الرعيل المربي والمتنور غرس نبتة المسرح  في نفوس طلبتهم الصغار ، تأثرا ومسايره للنهضه الفكريه والثقافيه التي كانت قائمه في مصر وبلاد الشام ‘ وكان من بين ابرز هؤلاء الطلاب    حقي الشبلي

الذي اقدم فيما بعدعلى اقناع عدد من رفاقه من الذين برزوا في هذه النشاطات على تشكيل ( الفرقه التمثيليه الوطنيه ) ، وتقدموا بطلب الاجازه الى الجهات المختصه في نيسان 1927 .

جاء في عريضة حقي الشبلي الموجهه الى وزارة الداخليه مايلي (( نحن الموقعين ادناه ، نخبة من الشبيبه العراقيه ، قد اتفقنا على تشكيل فرقه تمثيليه تدعى ( الفرقه التمثيليه الوطنيه ) وغايتها تعضيد المنافع الخيره ورقي هذا الفن الجميل في العراق ، فالمرجو من معاليكم ان تتلطفوا علينا وتجيزوا لناتشكيلهت ، وتعاضدونا على رقي هذا الفن الخيري النافع ، وسنستمر بعونه تعالى على هذا المشروع بصورة دائمه ، على اننا شكلنا في العراق تمثيليه حقيقيه تعرض للشعب العراقي الكريم اجمل الروايات الاخلاقيه والادبيه والتي تبثفيهم روح الاخلاص )) (3).

وفي النظام الداخلي للفرقه المرفق مع الطلب ، يعلن في  الماده السادسة منها برائة الفرقه من أي نشاط سياسي(4) .

وبهذا حدد الشبلي  نهج الفرقه اللاحق في طلب التأسيس ، والذي بقي وفيا له حتى مماته ، وهو  بناء مسرح فني خالص ينأى تماما  عن السياسه  ، الصفه التي ارتبطت بالمسرح العراقي في فترة ولادته الاولى . مفتتحا مايسمى بالعصر الذهبي لمسرح الثلاثينات في العراق .

لم يكن حقي الشبلي وهو ابن لاسره بغداديه ميسوره يرى في المسرح غير هذا ‘ أي المعبد والطقس المقدس الذي نشاء عليه المسرح الاول عند البشريه  ، نذر  نفسه لهذا المقدس ، يتعبد الفن فيه لذات الفن .  ويعتقد ان المسرح ذورساله جماليه جليله للناس ،  يستحق منه كل تضحيه ‘  ولم تكن تضحية الشبلي  من اجل المسرح قليله ، سيما مايتعلق بسمعته الاجتماعيه آنذاك  في جو اجتماعي كان لا يحرم  على الشباب ارتياد الملاهي  فقط بل وحتى الجلوس  في القاهي ، فما بالك الصعود على التياترو كما كان يسمى انذاك (5 ) .

ولم تكن ضغوط اسرته عليه  قليله ليكف عن ممارسة غواية  المسرح بعدما سمح له والده في البدايه عندما كان مايزال صغيرا في السن  لمشاركة جورج ابيض التمثيل ككومبارس، على اعتبار انها ستكون مشاركه وحيده و عابره لطفل يلعب سرعان ماسيكف عنها عندما يكبر ،  الا ان الشاب حقي الشبلي تمادى في  سلوك طريق المسرح ، ومثل  مختلف الادوار الرئيسية والثانويه ، حتى انه قام من باب التحدي ،  وبدون الأحساس بالحرج ،   بالادوار النسائيه في بدايات حياته ، وتعاظمت ضغوط اسرته عليه ، الى درجة  كادت ان تصل الى حد نبذه  والتبرء من انتمائه للأسره ، وهي اقسى عقوبه يتعرض لها الفرد في المجتمع العشائري الذي كان قائما آنذاك .

كرس  الشبلي كل حياته برومانسيه للمسرح ‘( لم يتزوج الشبلي حتى وفاته) ، وكان يمتلك شخصيه متميزه كما  يقولون  عنها  ( لها كرازما قياديه ) ، يصلح حسب مواصفات ذالك الزمان لادوار البطوله في المسرحيات  فهو وسيم وله حضور  على خشبة المسرح ، جعلت منه مركز جذب ، واعطته قدره على لم شمل زملائه واقرانه حوله ، ومكنته من قيادتهم في فرقه كبيره مرموقه رغم صغر سنه( كان هو اكبراعضاء الفرقه سنا  او بعضهم بعمره ، البالغ آنذاك خمسة عشره عاما ) ، الذين تحولوا فيما بعد فيها الى  بناة المسرح الاوائل ورواده منهم ‘ عبود الشالجي ، واحمد حقي الحلي ،  وعبدالمجيد الخطيب ، وعثمان الشيخ سعيد ‘ وصبري الذويبي ، و ناصر عوني ، وفاضل عباس ، ومحي الدين محمد ، وعبدالله العزاوي ، وسليم بطي ،  وعزيز علي ، وابراهيم عبداللطيف ، ولويس ناصر ،  وعبداللطيف داوود ، وعزة عوني ، ويوسف النقاش ، ونورالين المصري ،  ونديم محمود ، وعبالهادي صالح ، وعبدالمنعم الدروبي  ، وعبد الحميد الدروبي ، ورائدة المسرح مديحه سعيدوعزيز على وآخرين (6) .

وعند زيارة فرقة فاطمه رشدي وزوجها عزيز عيد لتقدم عروض مسرحيه في بغداد عام 1929 ، تعرفت  بحقي الشبلي  الذي سمعت عن مواهبه وفرقته ، تقرب اليها الفتى  حقي الشبلي وطلب رعايتها له ، وفعلا توسطت له فاطمه رشدي لدى الملك فيصل الاول ، واستحصلت منه الموافقه على ايفاد الفنان الشاب حقي الشلبي الى مصر للآطلاع على النشاط الفني  فيها ،  وعلى ضوء توصية فاطمه رشدي ، التي كانت تكنى  ( بفنانة  البلاطات ) اعطيت اخيرا للشبلي منحه لمرافقة فرقة فاطمه رشدي خلال الموسم 1929 - 1930 (7)

لم يكن صدفه ان  تتوجه حكومه الدوله الناشئه حديثا  ، ضمن خطه تهدف الى أعداد الكوادر العلميه المختلفه لادارة مفاصل الدوله ،  في بلد يفتقر فيه موظفيه الى المؤهلات العلميه حتى البسيطه منها ، (   جلهم  درسوا على يد الكتاتيب والملالي القراءة والكتابه فقط وبعض علوم القرآن والتجويد، وقسم قليل جدا منهم ممن اتيحت له فرصة انهاء الدراسه الابتدائيه في المدارس الحديثه ، اما حفنة خريجي مدرسة الحقوق في الاستانه فأحتفظوا بالوظائف الاداريه العليا )   عن طريق ارسال الشباب من المتميزين، او  بعض من الموظفين القدامى الى اوربا ببعثات دراسيه  في مختلف العلوم  ،   ولم يكن ضمن خطتها حتى ذلك التاريخ  او في اولوياتهاارسال  من يدرس المسرح اكاديميا ، لقلة  الوعي الرسمي بأهمية ودور المسرح اجتماعيا  واعتقادها بأنه لم يحن الاوان اجتماعيا لتقبل هذا الفن  ،  لذا  كانت وساطة فاطمه رشدي احراجا للملك فيصل الاول ، البدوي الكريم الذي لايرد طلبا لاحد  ، واستجابته  لهذه الوساطه كان على اكثر تقدير من باب المجا مله ، فتم ايفاد الشبلي لمدة سنه للمشاهده والتدريب  الى مصر ، ولم ترق الى مستوى المنحه الاكاديميه . أي  ان دافعها لم يكن في أي حال من الاحوال تشجيع نشر المسرح في هذا الوقت بالذات، لاسيما ان  المسرح كفن كان دخيلا غير مقبول  من التقاليد الاجتماعيه  لعامة الناس، وارتباط قدومه بدخول المحتلين الكفره للبلد .

وبعد ان لاحظت الحكومه ان الحلقات والخلايا اليساريه والماركسيه ( التي تشكلت في العشرينات من القرن الماضي ، اي قبل ان تتوحد فيما بينها وتشكل الحزب الشيوعي )،  لها نشاط واضح في الحفلات التمثيليه التي يقيمها الطلبه في المدارس  .

يقول مالك سيف عن هذه النشاطات (( وبعد تخرجي من الصف الثالث متوسطه قبلت في دار المعلمين الابتداتئيه في بغداد ، وقد قبل من لواء المنتفك في ذلك العام  احد عشر طالبا ، كان بينهم ممثلون كوميديون  يحيون حفلات سمر في ليالي ايام الجمعه  على مسرح دار المعلمين ، كانت الحفلات التي يقيمونها شيقه ومسليه ، الا ان الشيء الذي يلفت النظر ، ان فيها دعوه صريحه للآلحاد في الشعر الشعبي  الذي كان ينظمها الطالب مصطفى  موسى )) (8) ، ثم يقول ((... وعرفت فيما بعد ان فهد كان يقوم في الناصريه بتنظيم هؤلاء الطلبه وتثقيفهم بالشيوعيه )) (9) .

عندما ازدادت نشاطات  المسرح المدرسي بدون ضابط او اشراف  ‘ لاسيما التطورات التي تمت في فترة وجود حقي الشبلي في مصر ، اذ بدأت الحكومه تفتح عينها على مايدور حولها ،  وتفكر مليا  في سبل احتواء الحركه المسرحيه الناشطه بمعزل عنها  ، وقد تعرضت فرقة حقي الشبلي في هذه الفتره اثناء غيابه بمصر ، الى انشطارات ، كل شطر شكل فرقه ومجموعه ، أخذت تتبارى فيما بينها ، اغنت نشاطات هذه الفرق والمجاميع المتنوعه  الحركه المسرحيه ودفعتها الى الامام ، كاسره بذلك بعض الشيء الحاجز القائم بينها وبين تقاليد المجتمع ، مدشنه ما سمى بعصر المسرح العراقي الذهبي الاول .

عاد حقي الشبيلي الى بغداد ، وشكل مع محي الدين محمد موسى الذي كان يقود  ( الفرقه العصريه التمثيليه ) فرقه جديده له  تحمل اسمه ( فرقة حقي الشبلي التمثيليه ) واصطحب معه  للعمل بها من مصر واقطار عربيه اخرى نجوم مشهورين من ممثلي المسرح العربي في  ذلك الزمان من امثال بشاره واكيم  وعبالحميد البدوي ونورالدين المصري ، سرعان ماتحولت الى أشهر الفرق المسرحيه في الثلاثينات (10).

نجح الشبلي في تشكيل فرقه مسرحيه جذابه من افضل الموهوبين من الرعيل الاول ، وجمع شمل البعض من الفرق المسرحيه التي انشطرت عن فرقته الاولى في فترة غيابه في مصر ، وابتدأ نشاطه بجوله واسعه لتقديم العروض في المحافظات بمصاحبة ( فرقة فاطمه رشدي ) التي جائت معه للعراق  في زياره ثانيه لها لدعم وتزكية فرقة حقي الشبلي ، وقامت الفرقتان بنشاط مشترك في بغداد والألويه الجنوبيه ، وبخاصه مدينة البصره ( 11) .

دعمت الدوله مسرح حقي الشبلي الذي كان يلائمها توجهاته الحرفيه الفنيه الخالصه وابتعاده عن السياسه ( في الواقع ابتعاده عن المشكلات الاجتماعيه التي كانت قائمه ) مسرح من نمط المسرح المصري ( مسرح جورج ابيض ويوسف وهبي  وفاطمه رشدي  ومنسوخ عنها) وابرزته كظاهره  فنيه  طاغيه ، وفتحت ابواب الزيارات لهذا النمط من الفرق المسرحيه المصريه ، فزارت العراق ( فرقة عطاالله سنة 1931) و ( فرقة يوسف وهبي 1933) ( 12).

في شباط من عام 1935 ،  اختارت وزارة المعارف حقي الشبلي هذا المهوس بالمسرح ، موفدا منها في بعثة  لدراسة المسرح الى باريس ، ولمدة اربع سنوات ، وحول ملابسات حصول الشبلي لهذه الدراسه ذكر المفرجي(( من عروض فرقة حقي الشبلي  مسرحية ( الحاكم بأمر الله )  التي قدمت على مسرح ( الثانويه المركزيه عام 1934) وكان من مشاهدي هذه المسرحيه السيد ياسين الهاشمي رئيس الوزراء في ذلك الوقت الذي اعجب بالعرض  وأشاد بجهد الشبلي ، وتعبيرا عن تقديره هذا أكد الهاشمي على وزير المعارف الاسراع في ارسال الشبلي في البعثه العراقيه القادمه ادراسة التمثيل خارج العراق ( 13 ) .

في الفتره التي غاب فيها الشبلي عن العراق ( 1935 - 1939 )  شهد ت تطورات عميقه وخطيره في المجتمع والسياسه ووعي المواطن ، وبدأت المعارك في الشارع من اجل الاستقلال والتحرر تأخذ وجها سافرا وجادا ضد الاستعمار البريطاني واذنابه والاحلاف الجائره ، فقامت الحكومة بشن هجوم  لم يسبق له مثيل على هذا النشاط ، (( منعت التنظيمات النقابيه في بغداد وفي المدن العراقيه الاخرى وانتزعت من العمال حقهم في التنظيم النقابي بذريعة انهم يتدخلون في السياسه ، وقد ولدت هذه الوقائع كافه الاستياء في صفوف القبائل البدويه والفلاحين مما دفعها الى تنظيم الانتفاضات ضد الحكومه الوطنيه )) ( 14) ، فقامت حكومة ياسين الهاشمي بتشديد حملتها الشهيره ضد فصائل المعارضه الوطنيه ، حيث تم ايقافعدد كبير من القوميين والعمال وممثلي الحركه النقاتبيه ، وزج بهم في السجون بتهمة الشيوعيه، كما  وجرت تصفية بقايا الحريات الديمقراطيه ، ومنعت كافة الصحف ونوادي وجمعيات ومنظمات المعارضه ، واحتل مكان البرلمان المنحل مجلس نيابي جديد تشكل من انصار الهاشمي وحكومته ( 15) ، وتردت الاضاع كثيرا  بسبب مسلك الحكومه، فاندلعت الانتفاضات مجددا ، سحقت جميعها بوحشيه على ايدي الجيش على ايدي الجيش ، فأزداد استياء الشعب وحصل تقارب بين العناصر التقدميه والقوميين وضباط الجيش ، وازيحت  حكومة ياسين الهاشمي  في 12 تشرين الاول 1936 في انقلاب بكر صدقي العسكري ، وتشكلت حكومة حكمت سليمان .

عاد الشبلي الى العراق عام 1939 ،  بعد ان انهى دراسته في ظل اوضاع جديده في العراق غير ماكانت عليه،  ان ياسين الهاشمي الذي ارسل الشبلي الى الدراسه قد اطيح به ، ولم تعد لفرقة حقي الشبلي  ذاك البريق السابق ، ولم يعد لنمط مسرحه نفس التأثير السابق ازاء نشاط الشارع السياسي  ومزاجه المعادي لكل مايرتبط بأخلاق وذوق الساده  وازلام النظام الذين صنعوهم ونصبوهم قوى الاحتلال والاستعمار ، وحدثت  تطورات عميقه في وعي  فناني المسرح انذاك من الشباب المعادي للآستعمار والمتأثرين بألافكارالديمقراطيه  ، على سبيل المثال بروز فرقة يحيى فائق وعروضه  التي كان يخرج منها المتفرج مشحونا ليتظاهر في الشارع ، كما حدث عند عرض مسرحية ( بيدبا ) .

لم يعد مسرحه يهم غير ارستقراطية البيوتات البغداديه والبلاط الملكي ، فأنكفاءالشبلي ولم يتواصل، واصيب بخيبة لزوال بريقه سريعا ، فتفرغ للمسرح المدرسي الذي عمل مشرفا عليه ، ومن ثم اسس في عام 1940 قسم التمثيل في معهد الفنون الجميله ، الذي كان قبل هذا التاريخ موجودا منذ عام 1936 كمعهد للموسيقى فقط ،  وتخرج على يديه جيلا لامعا من الفنانين ، واصلوا مسيرة المسرح في العراق فيما بعد .

استمر نشاط الشبلي التربوي للمسرح في معهد الفنون الجميله حتى ثورة 14 تموز1958 ، اخرج خلالها للمعهد مسرحيات عالميه  وعربيه ومحليه هامه قسم منها معد  ، نذكر ( معرض الجثث) و( الطاحونه الحمراء) و( فتح بيت المقدس ) لفرح انطوان و( عقول في الميزان) التي اعدها حقي الشبلي ، كما واعد في وقت سابق مسرحية ( محاسن الصدف ) و ( الوطن ) لفكتوريان ساردو و( يوليوس قيصر)  لوليم شكسبير  و( شهرزاد ) لتوفيق الحكيم .

بعد ثورة 14 تموز 1958 أزيح  حقي الشبلي عن عمادة معهد الفنون الجميله وحل  محله ذنون ايوب ، فالمرحله الجديده التي شاعت فيها روح الثوره في الشارع و في كل مفاصل المجتمع وارتفع صوت السياسه في كل مكان ، وحلت النقمه على كل مايمت الى النظام القديم والملكيه ، وراح  ضحية هذا الجو الغير طبيعي عن غير وجه حق حقي الشبلي  الذي صنف مسرحه  بخانة الفن من اجل الفن ، التي كانت في  تلك الفتره سبه ، وانه  من فناني البلاط  ، لاسيما ان  الشبلي  بقي  يبتعد عن السياسه ومشاكلها ، فأنكفاء على نفسه،  وترك معهد الفنون الجميله والنشاط المسرحي المباشر حتى وفاته ، عدا تقلده لبعض المناصب الاداريه في مجال اختصاصه في وزارة الثقافه ، وترأس في اواخر حياته نقابة الفنانين العراقيه .

ان الدولة نفسها في مرحلة انتقال المجتمع  من طورها قديم  في العلاقات ‘ الى طورأجتماعي اعلى ، تغير خطط عملها وبرامجها ومشاريعها بسرعه لتتناسب مع سرعة التطور ،  والتي تأخذ في كثير من الاحيان شكل الفوضى  في تدبير امور الدوله ، وعدم الاستقرار على نمط واحد في عملها ،  ومشاريعها وبرامجها في مجال دعم المسرح  تعرض ايضا في هذه الفتره الى التغيير وعدم الثبات والوضوح ، خذلت  جهودالشبلي ومشاريعه اكثر من مره ، لاسيما عندما ارادت ان تمتلك فرقه قوميه للمسرح ، على غرار ما موجود في  البلدان الحديثه المتطوره  ، فكلفت الشبلي بتأسيس هذه الفرقه على نمط وبرامج الفرقه القوميه المصريه ، لكنها سرعان ماخذلته وتراجعت عن قرارها هذا كما يذكر الشبلي نفسه  في هذا الموضوع ((... اقترحت على الحكومه ان  نشكل فرقه  وطنيه رسميه ، وفي حينه اتصلنا بالفرقه القوميه المصريه ، ومديرها الاستاذ زكي طليمات بغية دراسة نظام هذه الفرقه ، واقتباس مايتلائم منه  وظروفنا في العراق ، وبعد ان وضعنا مسودة النظام ،  تقدمنا بطلب الى وزارة  العمل والشؤون الاجتمكاعيه ، وكان وزيرها محمد حسن كبه  ، الذي وافق على الطلب فورا ، وفاتح وزارة الماليه لرصد تخصيصات ماليه للفرقه ، وعلى ان يتم تحويل احدى دور العرض السينمائي الى صاله لعروض الفرقه المسرحيه المقترحه ، وسارت  كل الاجراءات بشكل  مرضي الا ان الوزاره قد تغيرت ، وما اكثر  ما كانت تتغير بين ليله وضحاها ،  فجاء وزير جديد الغى الموافقه السابقه  وقلب للفرقه ظهر المجن ))(16) .

لربما من اسباب التراجع عن  فكرة تشكيل الفرقه القوميه العراقيه  ، هو التباين في النظر الى اهمية المسرح من رجل سياسه الى رجل اخر ، لاسيما  ان برنامج الحكومه الجديده متخلفه عن سابقتها ، فهي تعتقد بعدم جدوى دعم المسرح الذي لن يكون له  تأثيره المفيد الاني  في ظل تسارع التطورات الحاصله  في وعي السياسي للناس ، بما فيهم رجال المسرح نفسه ، وقدرت بسبب قصر  نظرها وطبيعتها المتخلفه ‘ انه بالامكان تأجيل موضوع المسرح كمشروع ، فالشارع  في رأيها يحتاج الى قبضة قمع اكثر من احتياجه الى مسرح غير مضمون التوجه .

ان اكبر مساهمه للرائد الاول حقي الشبلي للمسرح العراقي ، هي تلك الاجيال من الفنانين المثقفين الكبار الذين رباهم على اسس اكاديميه ، اخذت منه حرفة المسرح وتقديسه والاخلاص له ، وواصلو من بعده مسيرة المسرح العراقي  بأفق اوسع ،ومنحاز  للديمقراطيه والتقدم في توجهاته .


1-      ( الفنان حقي الشبلي رائد المسرح العراقي )  احمد فياض المفرجي - بغداد - 1985 - ص/ 8.

2-      نفس المصدر- ص/8 .  

3-      نفس المصدر - ص/ 15.

4-      نفس المصدر - ص/ 16.

5-      من كلمة سامي عبدالحميد عن حقي الشبلي - نفس المصدر السابق - ص/ 6.

6-      ( الحركه المسرحيه في العراق ) احمد فياض المفرجي - بغداد - 1965 - ص/27.

7-      ( الفنان حقي الشبلي رائد المسرح العراقي ) ص/ 8.

8-      ( للتاريخ لسان - مالك سيف - بغداد - 1983 - ص/17.

9-      نفس المصدر - ص/ 18.

10-   الفنان حقي الشبلي ) ص/10

11-   ( الحركه المسرحيه في العراق ) ص/30.

12-    نفس المصدر - ص/31.

13-    ( الفنان حقي الشبلي رائد المسرح العراقي ) ً/ 17.

14-   ( النضال في العراق  من أجل الديمقراطيه والسلم  العالمي ) سليم عبود - مجلة ( النهج ) العدد/21 - 1988 - ص/ 117.

15-    نفس المصدر - ص/117.

16-   ( الفنان حقي الشبلي رائد المسرح العراقي ) ص/13.