| الناس | الثقافية  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

فنون

 

 

 

السبت 7/10/ 2006

 

 

 فصول من تاريخ المسرح العراقي
(
الفصل
التاسع عشر )

( عصر الثلاثينات الذهبي للمسرح العراقي - 1930 - 1947 )


لطيف حسن

latif@webspeed.dk


مر على العراق عقد من الزمان على تأسيس الدوله العراقيه بالمواصفات والطراز الانكليزي الذي كانت متبعا في مستعمراتها ، وتم خلال هذه الفتره من تأسيس جيش نظامي حديث للعراق ، وثبتت اركان الدوله بتوزيع جزء كبير من الاراضي الاميريه على رؤساء العشائرالكبيره من الذين انتقتهم بعنايه لتخلق منهم طبقه اقطاعيه جديده متنفذه على صغار المزارعين وفقراء الفلاحين ، تميل للأنكليز بالولاء حتى تأمن شر القلاقل في المستقبل ، التي من المحتمل ان تثيرها هذه العشائر مرة اخرى على شاكلة قلاقل ثورة العشرين التي اتعبتها، وخلقت من الافنديه المتعلمين في المدينه ، وضباط الجيش العراقيين من خريجي الاستانه نخبها السياسيه ، وتحسن الوضع الامني بشكل ملحوظ ،مما ساعد على المضي في بناء المزيد من المدارس الحديثه المزوده بقاعات اجتماعات تصلح الى حد ما ان تكون مسارح بامكانيات متواضعه ، وبنيت العديد من دور السينما في كل الوية المملكه ، وجرى تحسين وشق طرق جديده للمواصلات ، وشهدت البلاد بدايات العمران ، وشيدت قصور لاثرياء بغداد اشتهرت فيما بعد بفخامتها لاسيما قصور اغنياء اليهود ، ونظمت المدن ، وازدادت فيها مكانات اللهو ومسارح الملاهي التي تقدم الطرب والرقص ، الى جانب المقاهي المعروفه التي استمرت في تقديم المقام العراقي ، وانشأت الحدائق العامه الكبيره محل المستنقعات بعد ان ردمت كحديقة غازي( حديقة الامه ) حاليا ، و( بارك السعدون ). .

ان الاستقرار النسبي الذي تحقق في البلاد في بدايات الثلاثينات شجعت الفرق المسرحيه المصريه المهمه ، ولاغراض تجاريه بالدرجة الاولى ، ان تكثف من زياراتها الفنيه لبغداد وللمدن الرئيسيه كالموصل والبصره ، فنجوم المسرح القادمون من مصر سبق وان تعرف عليهم العراقيين من خلال الصحف المصريه التي كانت تصل بغداد بانتظام ، وتعرف على نجوم السينما المصريه الصامته من خلال الافلام السينمائيه الذي اخذت تغزو دور السينما في العراق منذ هذا التاريخ .

لم يعد حقي الشبلي من مصر الى العراق لوحده في عام 1930 ، بل جلب معه فرقة فاطمه رشدي ، وبعد ان اعاد على عجل لم شمل فرقته ، قامت الفرقتان بعروض مشتركه دعما وتعزيزا لفرقة حقي الشبلي ، شملت بغداد والموصل وكركوك والبصره والويه اخرى .

وفي عام 1931 (جائت فرقة عطا الله ) وقدمت مسرحيتين ، هما الاولى ( الابيض والميت ) والثانيه ( اللئيم ) وفي عام 1933 حضرت ( فرقة يوسف وهبي ) وقدمت سبعة مسرحيات كلها من تأليف وترجمة واعداد يوسف وهبي وهي ( اولاد الفقراء) و( بنات الريف ) و( وكرسي الاعتراف ) و( اليتيمان ) و( الاستعباد ) و ( نحن وانتم ) و ( واحد يساوي اثنين ).

ويذكر احمد فياض المفرجي عن هذه التظاهره المسرحيه ، ( ان حديقة المعرض الواقعه في باب المعظم شهدت عدة مسرحيات قدمتها في جوها فرقة يوسف وهبي .)

اضافة الى الفرق المسرحيه العراقيه التي سبق لها ان تشكلت في العشرينات ، تشكلت فرق نوعيه جديده ، ( كالفرقه التمثيليه العربيه ) التي تأسست على انقاض فرقة المعهد العلمي بعد اغلاقه وتصفيته و التي ترأسها عبدالمجيد البشري ، وكان من ابرز اعضاء الفرقه الجديده ، يحيى فائق ، وصفاء مصطفى ، وفائق حسن ، وفائق اسماعيل .

عرفت الفرقه بنشاطاتها المتواصله في المسرح المدرسي الذي لم تنقطع عنه ، وقدمت ايضا بعضا من عروضها على قاعات دور السينما في العاصمه .

في سنة 1934 اسس عبالله العزاوي برئاسته ( فرقة انصار التمثيل ) وكان من ابرز اعضائها فوزي محسن الامين ، وسليم بطي ، وزكي السلامي ، وعبدالحافظ الدروبي ، ومن اهم الاعمال التي قدمتها الفرقه وجميعها من اخراج عبدالله العزاوي مسرحية ( وحيده ) لمؤلفها الشابندر و( عبدالرحمن الناصر ) و ( المساكين ) و( قاتل اخيه ) و( مجنون ليلى) .

شكل ايضا في سنة 1934 محمود شوكت من جانبه ( فرقة بابل للتمثيل ) ، من الرواد جميل عبدالاحد ونعيم الجواهري وابراهيم معروف وآخرين ، من اعمالها المهمه مسرحية ( الاعتراف ) تأليف نديم الاطرقجي ، وقد قدمت على مسرح الاعداديه المركزيه في سنة 1937 ، ثم اعيد العرض على مسرح دار المعلمين الابتدائيه في منطقة الاعظميه كما يذكر المفرجي ( بحضور الوزير سامي شوكت ( من وزارة ياسين الهاشمي ) الذي استحسن المسرحيه و قدم منحه دراسيه للسيد محمود شوكت .)

ان هذه المنح الدراسيه التي قدمت للمبرزين في الوسط المسرحي في فترة حكومة ياسين الهاشمي لم تكن وليدة الصدفه في الاحتيارات كما بدت ، والتي من بينها كانت منحة حقي الشبلي في سنة 1935 لدراسة المسرح في باريس ، وفي نفس العام ايضا منحة اخرى لصفاء مصطفى الى المانيا لدراسة الموسيقى ، الا انه غير فرع دراسته هناك الى دراسة الادب المسرحي ، وبعد عودته في عام 1939 ، وبعد ان تأسس قسم التمثيل في معهد الفنون الجميله بعد عام 1940 ، اخذ يدرس الادب المسرحي فيه ، انما جائت نتيجه للاهمية المتزايده للمسرح في المجتمع الجديد ، والتي بدأت السلطات تنتبه اليه بجديه ، وتعطيه الاهميه لاحتوايه ولتوجيهه .

ان الحيويه التي شهدتها الحركه المسرحيه في الثلاثينات والنجاحات الجماهيريه التي حققتهافي هذه الفتره ، نتيجة التنافس والتزاحم بين عروض هذه الفرق ، دفعت ثلاثه من اهم الفرق التي كانت عامله انذاك الى توحيد جهودها وتنسيقها تجنبا لبعثرة الطاقات ، بالاتحاد فيما بينها ، وهي الفرق التي كان يقودها عبدالله العزاوي ويحيى فائق ومحمود شوكت ، والتي انبثق بعد اتحادها ماسمي ( بالاتحاد الثلاثي ) ولم يقدم هذا الاتحاد الا ثلاث مسرحيات فقط ، ( عنتره للأيجار ) و( الوطن والبيت ) و( الدب ) لتشيكوف ، التي يذكر المفرجي ( ان عبدالله العزاوي قد مثل دور سميرنوف ، ويحيى فائق دور العجوز لوكا ، ونظيره زوجة يحيى فائق دور بوبوفا .) وقد نجحت عروض الاتحاد القليله هذه ، مما دفعها الى ان تقوم بأعادة عرضها في كافة الوية العراق .

لم يستمرعمر ( الاتحاد الثلاثي) طويلا فالعالم كان يتجه يسرعه نحو الحرب العالميه الثانيه ، والناس انشغلت عن المسرح بانقساماتها ما بين مؤيد للاتحاد السوفيتي والحلفاء في الحرب ، وبين القوميين العرب المؤيدين للالمان ، باعتبار هتلر يشن حربا ضد بريطانيا. وساد نوع من الاضطراب وعدم الاستقرار السياسي ، اذ حدث في العراق منذ اواسط الثلاثينات وحتى بداية الاربعينات انقلابين عسكريين ، الاول انقلاب بكر صدقي ، والثاني انقلاب رشيد عالي الكيلاني بالاشتراك مع الضباط القوميين في الجيش ، و اخذت الحكومه المواليه لبريطانيا تنحوبمواقفها بوضوح ، بعيدا عن رغبات وتطلعات الشعب العراقي الذي كان يناضل من اجل الاستقلال الوطني الناجز، في الوقت الذي كانت تجهد فيه الحكومه لمواصلة تكبيل الشعب العراقي لفترة اطول ، بتجديد وتمرير المعاهدات الاسترقاقيه التي كانت قد عقدتها سابقا مع بريطانيا بشكل غير متكافيء ، ممااثار حفيظة الشارع واحتجاجاته ، انفرط عقد الاتحاد الثلاثي بانشغال كل من عبدالله العزاوي ويحيى فائق بالعمل الوظيفي في اذاعة ( قصر الزهور ) منذ ان بدأت تبث برامجها لفترة ساعه واحده بمديات حدود العاصمه بغداد ، وكان يشرف عليها بنفسه و حتى وفاته الملك غازي ، والتي تطورت هذه الاذاعه لاحقا الى( محطة اذاعة بغداد )بعد ان ا نتقلت من القصر الملكي ، الى مكانها الحالي في الصالحيه .

الا ان فرقة يحيى فائق بقيت الوحيده من بين فرق ( الاتحاد الثلاثي) ، تعمل بين فتره واخرى بعد ان انفرط عقد الاتحاد ، فقدمت بنجاح كبير مسرحية الكاتب رئيف خوري (ثورة بيدبا ) في سنة 1945 على مسرح صيفي شيد لهذا الغرض ،في جانب الكرخ ، في المنطقه التي تقع عليها الان السفاره الايرانيه .

وفي السنوات الاخيره من اربعينات القرن العشرين اسس مجموعه من الخريجين المرحين اصحاب النكته فرقه مسرحيه كوميديه ، باسم ( فرقة الزبانيه ) من ستة من خريجي معهد الفنون الجميله هم ناجي الراوي ، وحميد المحل ، وحامد الاطرقجي ، ومحمود قطان ، وناظم الغزالي ، وفخري الزبيدي ، وكانت فرقة مناسبات، قلما يلتزمون بنص ، ويعتمدون على ابتكار الحوار حسب ماتقتضيه المناسبه ، اهم انجازاتها قيامها بزيارة الى القدس عام 1947 ، وقدمت عروضا ترفيهيه للجنود العراقيين الذين كانو ا مرابطين في الجبهه .

في هذه الفتره تشكلت جماعات مسرحيه مهمه من طلاب الكليات والمعاهد كانت تقدم نشاطاتها في المدارس والكليات ودار المعلمين الابتدائيه ، اهمها ( جماعة جبر الخواطر) ، التي أصبحت نواة ( فرقة المسرح الحديث ) لاحقا ، عمل فيها شهاب القصب في بداياتها ، ويوسف العاني ، وسامي عبد الحميد ، وعبد الواحد طه ويعقوب الامين ، ومجيد العزاوي ، وعبد الرحمن بهجت ، ويوسف جرجيس حمد ، وهاشم الطبقجلي ، ونظيمه وهبي ، واخرين .


امتصت الوظائف الحكوميه معظم اوقات نشطاء المسرح والفرق المسرحيه اثناء الحرب ، والفوره الخاطفه لصناعة السينما بعد انتهاء الحرب ، ولاكثر من سنتين ، أذ توقفت تقريبا في هذه الفتره الحياة المسرحيه في العراق ، الا من العروض القليله التي كانت تقدم في مسارح المدارس.، وحلت محلها فرق الصف الثاني التي تشكلت حديثا ، وكانت تعمل على مسارح المدارس بالدرجه الاولى .

وعندماعاد حقي الشبلي الى العراق ، وبعد فتره وجيزه من عمله في وزارة المعارف كمشرف فني على المدارس ، عهد اليه في سنة1940 تأسيس قسم للتمثيل في معهد الفنون الجميله ، ومن يومها بدأت صفحه جديده من تاريخ المسرح العراقي وهو يكافح من اجل ان يشغل مكانه الصحيح والفاعل في المجتمع العراقي، والذي جرى تناول هذا الموضوع في فصل سابق.

انتسب لقسم التمثيل في المعهد بدورته الاولى معظم رؤساء الفرق التي كانت تعمل وابرز العناصر التي كانت تعمل في فرقة مسرح حقي الشبلي ، من امثال يحيى فائق وعبدالله العزاوي وابراهيم جلال وجعفر السعدي ، وغيرهم ، وكانوا كلهم من الشباب ، اما طلبة كليه صباحا ، او موظفين في الدوله ( كانت الدراسه في المعهد مسائيه )

وبعد سنوات قليله من تاريخ تأسيس قسم التمثيل في معهد الفنون الجميله ، عادت الحياة لتدب في اوصال المسرح العراقي ، وبدأت تنشط الحركه المسرحيه تدريجيا، وعاد الفنانيين يتجمعون في الفرق المسرحيه التي بدأت تتأسس في هذه الفتره ، ولكن بحماسه اضعف من هذه الفرق المهمه ( فرقة انوار الفن ) التي أسسها توماس حبييب ، وكانت تضم صلحي مصطفى ، وفؤاد حبه ، ولويس توماس ، وأسماعيل حقي ، واسماعيل الامين ، ورؤوف توفيق ، وجوزيف عجاج ، وابراهيم الشيخلي ، وقدمت هذه الفرقه مسرحية ( عبدالرحمن الناصر ) و( الهارب البخيل ) و( مجنون ليلى ) و( انتقام المهراجا ) و( الروح الشريره) ومسرحيتين من تأليف سليم بطي هما( طعنه في القلب ) و( رصاصه في القلب) واخذت تتشكل فرق مسرحيه جديده تضيف الى أسمها واهدافها عبارة انها تنوي ان تقوم بالنشاط السينمائي ايضا بعد ان بني ( استوديو بغداد للافلام ) فتشكلت في هذه الفتره ( جمعية التمثيل والسينما ) والتي قدمت عددا كبيرا من المسرحيات جميعها من تأليف احمد حمدي ، منها على سبيل المثال مسرحية ( لقيط الصحراء ) و( ملاك في الجحيم ) و( جريمه بلا عقاب ) و( ثريا ) و( قلوب للبيع) و( بنت المهراجا ) .

الى جانب هذه الجمعيه تشكلت جمعيه اخرى هي ( الجمعيه الفنيه للتمثيل والسينما ) وكان من ابرز اعضائها ، زكي السامرائي ، وعباس العبيدي ، وهاشم الطبقجلي ، و ابراهيم شاكر ، وكانت هذه الفرقه ذات خصوصيه انفردت بها عن باقي الفرق وهو انها قد تعهدت ان لاتقدم الفرقه مسرحياتها في الملاهي والكباريهات ، وان تكون مواضيعها المسرحيه او السينمائيه محترمه و دينيه اومن التراث ، اومن المسرحيات الوطنيه الجاده ، ومن مسرحيات هذه الفرقه التي قدمتها ( رسول النبي الى هرقل ) و( الحجاج والفتيه الثلاث ) و( شهداء الوطنيه ) و( يوم الجلاء في سوريا ) و( ونهاية مجرم ) وكان من كتاب المسرحيه لهذه الفرقه ، عباس العبيدي ، وعبدالجبار شوكت النجار .

وشكل صائب الجصاني في نفس الفتره ،( جمعية النهضه الفنيه ) ابرز اعضائها كان محسوب العزاوي ، وهنري غنام ، وعدنان القيسي ، ومحمود رشيد الزيدي ، من مسرحيات هذه الفرقه ( قاتل اخيه ) و(الزوجه الخائنه ) و( جينفياف ) و( وحيده ) و( مصرع يوليوس قيصر) .

انشيء في سنة 1945 استوديو للافلام السينمائيه باسم ستوديو بغداد من قبل شركه اهليه ، كانت تطمح لااقامة صناعه سينمائيه متطوره في العراق ، وفور الانتهاء من انشاء الاستوديوا حتى بوشر العمل فيه بكثافه بمجموعه من الافلام المشتركه مع مصر وتركيا ، وبدأوا بانتاج اول فيلم عراقي ( عليا وعصام ) الا ان هذه الصناعه سرعان ماتوقفت وصفي مشروع الاستوديو برمته في عام 1959 ، بعد فشله المادي في فيلم ( نبوخذ نصر ) وقد جذب العمل في هذه الافلام المشتركه وفيلم ( عليا وعصام) جميع خريجي الدوره الاولى للمسرح من طلاب المعهد البارزين اثناء السنوات 1945 -1947 ، وهم يشكلون رموز المسرح العراقي ، على سبيل المثال ابراهيم جلال وجعفر السعدي ويحيى فائق وعبدالله العزاوي الذين انبهروا باضواء السينما، وانجذب اليها تماما يحيى فائق ، مما اشغلهم العمل في افلام تلك الفتره عن التوجه الكامل في عملهم المسرحي ، وعطل من طاقاتهم المسرحيه ، ولم يتسنى لهم من تفجير هذه الطاقات، الا بعد عام 1947 عندما انتهت فورة نشاط ستوديو بغداد للافلام ، فاتفق خريجوا الدوره الاولى لقسم المسرح ، ان يشكلوا بمجموعهم ( الفرقه الشعبيه للتمثيل ) الذي تناولناها في مكان اخر من البحث.