نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

فنون

 

 

 

السبت 16/9/ 2006

 

 

 فصول من تاريخ المسرح العراقي
(
الفصل السابع عشر )


( المسرحيه الشعريه والاوبريت والغناء في المسرح العراقي )


لطيف حسن

علاقة العراقيين بالشعر العربي الكلاسيكي ، والشعر الشعبي قديمه وقويه ، فهم ذواقه من الدرجه الاولى لهذا النوع من الادب ، كان من يعرف القراءه والكتابه منهم ، وطلاب المدارس الدينيه والحديثه، يحفظون دواوين البحتري والمتنبي وشعراء الجاهليه على ظهر الغيب ، لاسيما في مدينة النجف التي اشتهرت بهذا النوع من الحفاظ، وقلما تخلو جلسة سمر آنذاك من قصيده او مناظره شعريه اذا كانت الجلسه فيها شعراء او عدد من حفاظ الشعر ومردديه.

وفي المظاهرات والتجمعات الجماهيريه كانت القصيده الشعريه تأتي بعد الخطبه السياسيه ، فهي حاضره في كل مناسبات الافراح والاحزان ، وكثيرا ما كانت ترتجل القصيده في هذه المناسبات ، وتختلف قصائد التأبين عن الاخرى المرحه المخصصه للتهاني واشاعة الفرحه في البحور والاوزان.

وفي المدارس الرسميه منذ تأسيسها في العراق اولت اهتماما كبيرا بدروس الخطابه وحفظ والقاء الشعر للطلاب .

وعندما قدمت اول مسرحيه كانت قصائد الشعر حاضره ان كان ذلك ضمن المسرحيه ، او القائها في بداية المسرحيه وبين الفصول بشكل منفصل ، الا انه في العاده كانت قصائد تناسب موضوع المسرحيه .

وعادة ماكان يطلب من شاعر كبير يحضر العرض ، لالقاء قصيده في بداية المسرحيه ، وقد قام بذلك اكثر من مره الشاعر جميل صدقي الزهاوي .

اول محاوله لكتابة المسرحيه الشعريه العراقيه كانت على يد الدكتور سليمان غزاله ‘ فقد طبع في الاستانه عام 1911 مسرحية ( لهجة الابطال ) ، ويعني بهذا انه قد سبق الشاعر احمد شوقي في ريادة كتابة المسرحيه الشعريه ، الا ان محاولته بقيت محليه ولم تنتشر ، لربما بسبب ان سليمان غزاله كشاعر لم تكن قامته بحجم قامة شوقي في الشعر او تمكنه من الحبكه والبناء الدرامي كانت ضعيفه مقارنة بامكانيات شوقي ، او لاسباب اخرى غير معروفه ، الا ان هذا لايقلل من قيمة انها كانت المحاوله الاولى في كتابة المسرحيه الشعريه .

لذلك كان المسرح الشعري من خلال ماقدم على مسارحها منذ اواسط العشرينات وفي الثلاثينات عبر الفرق المسرحيه المصريه الوافده، من مسرحيات احمد شوقي ، ( قيس وليلى ) ( مصرع كليوبترا ) ، او من خلال ماقدمته فرقة حقي الشبلي فيما بعد من اعاده لها، لاقت ترحيبا من قبل العراقيين اكثر من ترحيبهم بالمسرح النثري ، بسبب عامل تاثير اللغه الشعريه اولا عليه ، و التي هي غير غريبه عن ما كان متداولا في الثقافه الشعبيه آنذاك ، ومواضيعها التاريخيه الشائعه التي تمسهم ثانيا ، والتي كان المتلقي على اطلاع ومعرفه مسبقه بها ، او لديه فكره اوليه عامه عن مجريات احداثها .

واعتادت المدارس ان تعيد تقديم هذه المسرحيات في حفلاتها السنويه التي كان يمثل فيها الطلاب .

من بين هؤلاء الطلاب برز في مدرسته ، خالد الشواف ( 1924 ) الذي مثل في صغره العديد من الادوار في هذه المسرحيات ، وولع بها ، وكانت هدية نجاحه في البكالوريا التي قدمها له والده هي المجموعه الكامله لمسرحيات احمد شوقي الشعريه ، وعكف خلال العطله المدرسيه الصيفيه على قراءة المجموعه بالكامل بنهم .

وحين بداء دراسته لمرحلة المتوسطه كان يكتب الشعر ، و قد اطلع على اضافة لمؤلفات شوقي ، على كل ماوقع بيديه من ماكان مترجما من مسرحيات شعريه عالميه الى العربيه ، وشاهد فاطمه رشدي في زيارتها للعراق التي قدمت فيها ( مجنون ليلى ) و( مصرع كليوبترا ) وتعلق بهذا النوع من المسرح الذي انتنتشر انذاك .

ولم يكن قد تجاوز العشرين عندما انهى كتابة اول مسرحيه شعريه له ( شمسو )، وذلك في صيف عام 1944 التي يعتبرها النقاد اول مسرحيه شعريه عراقيه ، رغم ان مسرحية ( لهجة الابطال) لغزاله كتبت قبلها بسنوات ، طبعت في ( عام 1911 ) واعتبرت مجرد بدايات المحاوله في الكتابه للمسرح الشعري مهدت لمسرحيات الشواف الناضجه فيما بعد.

وكتب بعد ( شمسو ) مسرحية ( الاسوار) التي استمد موضوعها ايضا من تاريخ العراق القديم ، حيث يندمج التاريخ بالاساطير في سير ومآثر الملوك و الابطال الاوائل .

وكتب ايضامسرحيات لاتتناول التاريخ كمسرحية ( الزيتونه ) في عام 1956 ، وكتب مسرحيه كوميديه شعبيه ( قرة العين ) في عام 1967 ، وبعدها مسرحية ( منير السعدي) وغيرها غير مطبوع او منشور ، منوعا مواضيعه التي بدأها ياستلهام الاحداث التاريخيه .

وجاءت الحرب العالميه الثانيه لتضع حدا لحياة المسرح الشعري في العراق وفي البلدان العربيه الاخرى ايضا ، فأوزار الحرب كانت ثقيله على الجميع ، على من اشترك في هذه الحرب او من لم يشترك ، وما عاد الخطاب الشعري في المسرح مقنعا ، امام مرارة الواقع الذي خلفتها الحرب ،فجائت الواقعيه مع الافكار الديمقراطيه والاشتراكيه التي ظهرت في الادب و المسرح والفنون الاخرى ،واخذ المبدع يجنح نحو البساطه والصدق في تناول الجوانب الانسانيه وهموم الناس اليوميه ، وازاحت هذه التوجهات المسرح الشعري الرومانسي من عرشه ولم يعد هو السيد الاوحد.

ان المسرحيه التاريخيه الشعريه التي كانت منتعشه في الثلاثينات في العراق ، ظهرت وانتشرت نسختها العراقيه على يد خالد الشواف في نهاية الحرب العالميه الثانيه ، أي في فترة افول المسرحيه الشعريه في العالم العربي عموما ، جائت الى العراق متأخره ، وماتت في وقت مبكر دون ان تترك ورائها على الحركه المسرحيه الحديثه اثرا.

وظهر في العراق بعد الرائد الاول للمسرح الشعري خالد الشواف ، عدد لايزيد على عدد الاصابع من الشعراء الذين حاولوا الكتابة للمسرح الشعري ، منهم خضير الطائي مسرحية ( اصحاب الكهف والرقيم ) ، وعاتكه الخزرجي مسرحية ( مجنون ليلى ) ، ومعد الجبوري مسرحية ( شموكين )، والدكتور عبدالجبار المطلبي.مسرحية ( عام الفيل ) وكتب ايضا شعراء آخرين مسرحيه شعريه واحده على الاقل كحازم سعيد ، وعبدالرزاق عبدالواحد، من جانب امتحان قدراتهم في الخوض بالكتابه في هذا النوع ، ولم يستمر احد منهم.

وقد ظهرت ايضا المسرحيه المسجعه حوارها ، في نفس فترة ظهور المسرحيه الشعريه ، ولربما قد سبقتها قليلا ، فهي تعود لااسلوب رادود لطميات الحسينيات ، والى طريقة الحكواتي في سرد الحكايات التي يلجاء الى ان يمطط حروف العله و يلحن ويسجع اواخر الجمل في حديثه و خطابه لاحداث التأثير الذي يريده على الجمهور .

الا ان المسرح العراقي قد استعاض فيما بعد ، عن المسرح الشعري الكلاسيكي والمسرحيه المسجعه ، في اواخر الستينات من القرن الماضي بان جرب مسرحة القصائد الثوريه المضمون للشعراء المبرزين ، ( محمود درويش ، سعدي يوسف ، مظفر النواب، وشعراء اخرين ) منطلقين من فكرة ان المسرح الاول بدأ شعرا ، ولغته كانت شعرا ، وعندما تغيب المسرحيه الشعريه عن المسرح ، لندرة المؤلف الشاعر ، لابأس من تطويع قصائد الشعر للمسرح محاوله لنفخ الروح الاولى في المسرح وهي الشعر، واعادة خلقه من جديد

ان اهم هذه المحاولات كانت مسرحية - ( انا الضمير المتكلم ) - اعداد قاسم محمد - و قدمتها فرقة المسرح الفني الحديث عام 1969.

وقد اتسع تقديم القصيده الممسرحه في المسرح المدرسي والجامعي والنقابات والجمعيات في ظروف ما بعد نكسة حزيران بشكل ملحوظ .

وعادت لتنتشر اثناء الحرب العراقيه الايرانيه ‘ فقدمت الفرقه القوميه لوحدها عددا من القصائد الممسرحه ، من بينها ، قصائد لرافائيل البرتي، اعداد قاسم محمد عام 1980 ، وبعدها( قصائد ممسرحه ) اعداد رشيد ياسين 1981 ثم جائت ( هذيان الذاكره المر ) اعدادعدنان الصائغ 1990 ، وفيما بعد ( قمر من دم ) و ( الشهداء يصعدون الى السماء ) اعدت من قصائد يوسف الصائغ وخزعل الماجدي وشعراء اخرين في عام 1992 .

وقد لازم مسرحة القصيده ، اشكالات تتصل بشكل معالجة الشعر ليكون صالحا للعرض ، ولم يكن كل ماقدم من مسرحه للقصيده ناجحا ؟ ، ( أي تناول وابراز الدراما في روح الشعر والتدخل بما يناسب في بناء القصيده على المسرح لتتحول الى مسرحيه ) ، بل قدمت القصيده في احيان كثيره كما هي ، كالنص المقدس ، قصيده مجرده غير ممسوسه ، يعني تجميع عدد من القصائد الشعريه على المسرح دون تدخل او بذل جهد في الاعداد وتكييفها للعرض ..؟، لقد قدمت كلتا المحاولتين في تجربة معالجة القصيده على المسرح العراقي .

و تواصلت التجربه ، ولكن بشكل متقطع ، فقد كان اللجوء الى مسرحة القصيده مرتبطا دائما بأزمات الوضع السياسي والوضع الآني عموما ، وحاجة السلطه او القوى المضاده لها الى مسرح تحريضي ( مباشر و سريع يعمل كفعل القصيده يتماشى مع المشاعر والعواطف الملتهبه ، اوتؤججها عندما لاتكون كذلك )، يواكب الحدث ، وتتوقف التجربه وتنتهي عادة دون ان تترك اثرا عميقا ، مع تغير الظرف السياسي .

لم يعرف المسرح العراقي فن الاوبريت حتى بداية السبعينات من القرن الماضي ، وهذا لايعني ان المسرح العراقي لم يقدم اشكالا من الاستعراض الغنائي والراقص ، فقد عرف مسرح جعفر لقلق زاده هذا النوع من المسرحيات الاستعراضيه ان جاز لنا التعبير ، منذ ان دخل كفقره في عروض الملاهي ، فتكاد تكون جميع اعماله التي قدمها تحوى وصلات من الرقص الشرقي والغناء والبهرجه ، وقام سامي عبد الحميد عندما اخرج مسرحية بوسف العاني ( المفتاح ) 1967 ، ان ادخل في المسرحيه الاغنيه الفولكولوريه والرقص .

وهي ليست جديده تماما فقد دأب المسرح العراقي منذ بداياته ان يقدم من باب التقليد الشائع آنذاك ، الوصلات الغنائيه والراقصه والمنلوجات الخفيفه بين فصول المسرحيات واستراحاتها ، واستمر الحال كذلك حتى بدايات الخمسينات عندما تخرج الجيل الاول من معهد الفنون الجميله الذين بادروا بتغيير هذا التقليد بارساء الاسس العلميه للمسرح ، ونقوه من كل العناصر الدخيله عليه في طريقة العرض .

وفي عام 1969 من القرن الماضي ، قام بتقديم اول اوبريت عراقي ( غنائي راقص ) مجموعه من الاصدقاءالفنانيين والشعراء والادباء من الشباب البصري ، الذين شكلوا فيما بيتهم الفرقه البصريه ، وقدموا باكورة اعمالهم اوبريت ( بيادر خير ) تاليف كاد ان يكون جماعيا ،علي العضب وياسين النصير وطالب غالي وابوسرحان واخرين ، وكانت من اخراج قصي البصري ، والالحان لحميد البصري وتقاسم البطوله المطربان اللذان كانا في بداية طريقهما ، فواد سالم وسيتا اكوبيان.

نجح الاوبيريت نجاحا كبيرا ، وسجله تلفزيون بغداد الذي اخذ يكرر تقديم الاوبريت ، او مقاطع من اغانيه ورقصاته على الشاشه الصغيره لفتره طويله ، وشاعت بشكل واسع بين الناس ورددوا اغانيها ، كانت فكرة الاوبريت وموضوعها بسيط ومباشر ، والحبكه غير معقده ، وهذا هوسر النجاح الذي احرزه الاوبريت وانتشاره


اوبريت ( المطرقه ) 1970 بالاشتراك مع الفرقه الموسيقيه البصريه ، تأليف علي العضب ، الحان طالب غالي ، توزيع الموسيقى حميد البصري ، اخراج قصي البصري .

شعبيا ، مما شجع نفس المجموعه البصريه ان تواصل في عام 1970 باوبريت اخر ( المطرقه ) تأليف على العضب والحان طالب غالي هذه المره ، والتوزيع الموسيقي لحميد البصري ، واخرج العمل الثاني ايضا قصي البصري ، واشترك معه في العمل كل مجموعة ( بيادر خير ) تقريبا.

بعد العمل الثاني واصلت الفرقه على مستوى البصره تقديم عدد اخر من الاوبريتات التي لم تصل بغداد ، ثم توقفت المجموعه البصريه نهائيا عن المواصله في مجال الاوبريت ، لاسباب عديده منها انها بدأت الفرقه اشبه بان تكون فرقة هواة لمجموعة عوائل بصريه تربطهم علاقات الصداقه والانسجام الفكري والهوايه الواحده للفنون ، لم ترقى الى مستوى التفر غ لتطوير الاوبري، اذ سرعان ماتشرذ مت ، بان جذبتهم مشاغل العيش والعمل والحياة اليها وتشتت عناصرها الاساسيه بين بغداد والبصره والمدن الاخرى ، لم تلق هذه المبادره الرائده من السلطات التي ترعى الثقافه آنذاك أي اسناد اوتشجيع كاف ، بسبب الهويه الديمقراطيه واليساريه العلنيه للمبادرين بتقديم هاذين الاوبريتين .

وغير الاوبريت كان المسرح العراقي ومنذ ستينات القرن الماضي ، وبعد مسرحية ( المفتاح) يدخل احيانا بعض الاغاني المفرده في سياق احداث بعض المسرحيات ، ثم جرب اكثر من محاوله لعرض المسرحيه الغنائيه والاستعراضيه للاطفال ، ننوه الى تجارب عزي الوهاب الرائده ، قبل ان تصل تجربة المسرحية الغنائيه الشعبيه الى مستوى مسرحية ( ياحوته يامنحوته ) تأليف كريم العراقي واخراج سليم الجزائري وقدمتها الفرقه القوميه للتمثيل عام 1988 .

وفي زمن الانحطاط ، فترة( الحرب والحصار) ، كادت ان لاتخلوا مسرحيه من المسرحيات التي قدمها من ركب موجة الاستفاده من ظروف الحرب ، من مغنيه او مغني وراقصه من الهامشيين ، وسموا اعمالهم تجاوزا بالمسرحيات الغنائيه ، ولم تكن اعمالهم التي لاتحصى ، تمت الى هذا النوع من المسرح بقدرتحول المسرح على ايديهم الى شبه كباريه رخيص في متناول الجميع .


1- الفرقه القوميه للتمثيل ، ارقام ودلالات - علي مزاحم عباس - مطبعة دار الحريه للطباعه - بغداد 1997 .
2- الفنان طالب غالي ( لقاء ) - مجلة الوركاء- العدد10 - ايار 1996 .
3- حديث قصير عبر الهاتف مع الفنان طالب غالي حول تواريخ تقديم الاوبريتين ( بيادر خير) و( المطرقه ).