موقع الناس     http://al-nnas.com/

 

فصول من تاريخ المسرح العراقي
( الفصل
الثاني عشر)

( ابراهيم جلال 1924 -1991 )  المجدد الحقيقي


لطيف حسن

الجمعة 12/5/ 2006

اذا اردنا ان نعرف شيئاعن التجديد في المسرح العراقي ، سنجد ان المسرح العراقي كله منذ وفادته اليه بدءا من تاريخ غير محسوم تماما بدقه من القرن التاسع عشر ، وحتى الوقت الحاضر  ، هو سلسله غير منقطعه من التحول والتغير والتجريب ، وابو التجديد ( بمفهوم قدم جديدا لما هو غير مؤسس قبلا) هو حقي الشبلي مؤسس قسم التمثيل في معهد الفنون الجميله و الذي يعود اليه الفضل في تربية اجيال متعاقبه من بعده من الرواد الاكاديميين ووضع الاسس العلميه للمسرح في العراق .

الا ان المجدد الحقيقي في المسرح العراقي هو ابراهيم جلال (  4 192 -    1991  ) الذي صحح من وضع المسرح العراقي ، واوقفه على قدميه كما يقولون بعد ان كان مقلوبا على رأسه ويديه ، هو اول ثوره فنيه ومنهجيه على  جوهر ودور المسرح النخبوي عند استاذه الشبلي  ،  وانزل المسرح المحلق من برجه السماوي ،  الى ارض الواقع ومجتمعات القاع المسحوقه..

 ولد ابراهيم جلال في الأعظميه عام 1924 ابنالمحمود جلال المحامي ، احد اعيان بغداد  ومن موظفيها الكبار ،  تقلد العديد من المناصب الحكوميه الهامه ، وتنقل بين مختلف ألوية العراق ( مدن العراق ) واستقر في فترة دراسة ابراهيم جلال للمرحله الابتدائيه ، متصرفا للواء الحله .

برز ابراهيم جلال في المدرسه بتفوقه على اقرانه في درس المحادثه والخطابه ، واجاد تقليد اصوات الحيوانات والطيور ، كان والده اكبر المعجبين بمواهبه  المبكره ، شجعه على المواصله بحماس ، مع معلميه في المدرسه ، الذين كانوا يبرزونه في مناسبات واحتفالات المدرسه  ويختارونه لاالقاء الخطب والكلمات واستعراض قدراته في تقليد اصوات الطيور والحيوانات.

في عام 1930 تعرف بشكل مباشر على المسرح   عند زيارة فرقة حقي الشبلي مدينة الحله ، وعرضت فيها مسرحية ( مجنون ليلى ) لاحمد شوقي .

 أستأجرت الفرقه احد مقاهي المدينه ،  وبنت  فيه مسرحا مؤقتا من الحصران والبردي كعادة ماتعمله الفرق المسرحيه الزائره في ذلك الزمان الذي لم تكن دور المسارح والسينما مبنية ومتوفره بعد في مدن العراق ، عدا بغداد والموصل والبصره  .

ويذكر ابراهيم جلال عن هذا العرض الذي شاهده وساهم فيه فيما بعد ،  ان منادي المدينه الشهير ( عباس حلاوي) قد استخدم في الترويج والاعلان لهذه ا لمسرحيه ، ودار هذا الاخير في شوارع الحله على عربه ( ربل ) مع فرقه موسيقيه شعبيه تستخدم  في الافراح الشعبيه ، واناس في ملابس ملونه غريبه يقومون بحركات بهلوانيه ضاحكه ويهرجون  ويهزجون على اصوات الطبول والموسيقى والغناء،

دعي والده بصفته من اعيان المدينه لحضور افتتاح المسرحيه ، ورافق ابراهيم والده في حضور هذه الحفله العجائبيه التي ربطته الى النهايه بفلك المسرح فيما بعد ، وبدفع من والده  اشترك  في العروض اللاحقه للمسرحيه ضمن الاطفال الذين يضربون مجنون ليلى بالحجاره  ، ويلاحقونه وهم يرددون:- ((قيس كشفت العذارى  وانتهكت الحرمات )).

ويصف تقاليد ذاك الزمان في العرض المسرحي ،  فيقول ان عفيفه اسكندر رافقت الفرقه و قد قدمت بعض اغانيها الخفيفه في فواصل  المسرحيه ، واستخدم راقصه كانت تقدم وصلاتها في باب المقهى لجلب الزبائن  ، والقى  حقي الشبلي ايضا في هذه الحفلات  بعض المنولوجات التي تحمل مضامين تاريخيه وذلك في فترات الاستراحه .

ويذكر عن الجمهور الذي حضر الحفلات انها كانت للرجال فقط ، وخصصت حفله من حفلات  الفرقه لحضور النساء .

في فترة المراهقه  وماتلاها من مرحلة الشباب والتوهج ، انشغل كما هي العادة الشائعه عند معظم شباب انذاك،  بممارسة الرياضة والعاب الساحه والميدان بمختلف انواعها ، طفر عريض ، ورمي القرص ، والركض ، والقفز ، والملاكمه ، وحقق ارقاما قياسيه فيها ، وحصل على بطوله في الملاكمه على مستوى العراق ، وكانت الفعاليات الرياضيه التي يشترك فيها تقام في حفلات تقيمها جمعيات ونوادي وطنيه وخيريه ترسل ريعها لنصرة فلسطين .

في عام 1939 عندما كان طالبا في السنه الاخيره من الثانويه ، اشترك في مسرحية ( فتح الاندلس ) بدور العاشق ، وقد مثل امامه  دور المعشوقه كما يذكر ابراهيم جلال ، طالب آخر في صفه ، كما كان شائعا بسبب التحريم الاجتماعي الصارم آنذاك على صعود المرأه لخشبة  المسرح ، لاسيما في المدارس .

المسرحيه كانت من اخراج  حقي الشيلي  الذي عين اولا بعد عودته من باريس ، كمربي ومشرف على نشاط المسرح المدرسي، قبل ان يؤسس قسم التمثيل في معهد الفنون الجميله . .

دخل قسم التمثيل في معهد الفنون الجميله عام 1940  في اول دوره افتتحت لها، بدفع وتشجيع من حقي الشبلي الذي اشركه معه منذ ان كان طفلا في مسرحية ( قيس وليلى) وبعدها بفعاليات مسرحيه مدرسيه عديده قام باخراجها الشبلي  ، وتلمس فيه منذ ذلك الوقت المبكر المواهب والقدرات والميزات  التي خلقت الفنان ابراهيم جلال لاحقا .

وفي المعهد ادى تقريبا كل الادوار الرئيسيه للمسرحيات التي اخرجها حقي الشبلي ، التي كانت تتطلب من الممثل الاول في المسرحيه في مقياس ذالك الزمان ، الحضور المسرحي والوسامه والرشاقه والجسم الرياضي المكتمل .،.

قبل افتتاح  قاعة مسرح الملك غازي في بداية الاربعينات ، والتي سميت لاحقا بقاعة الملك فيصل الثاني ثم استقرت في العهد الجمهوري بأسم قاعة الشعب التي  تقع في منطقة باب المعظم من بغداد ، بجوار وزارة الدفاع ، وكان  طلاب المعهد في بداية تأسيس القسم يقدمون عروضهم في ( صالون المعهد )   مستخدمين ( هول البيت ) المستأجر كاداره لمعهد الفنون وفي نفس الوقت يحوي صف مخصص لتدريس الطلاب . وكان قد شهد هذا الصالون الاعمال التي شارك فيها  ابراهيم جلال كطالب ، حتى تاريخ افتتاح قاعة الملك غازي في اوائل الاربعينات  بمسرحية ( شهداء الوطنيه ) من اعداد واخراج حقي الشبلي ، وبطولة ابراهيم جلال ، تلتها عروض   المعهد مثل ( مصرع كليوباترا ) لشوقي  و( المثري النبيل ) لمولير شارك فيها جميعا بالادوار الرئيسيه ، حتى سنة تخرجه من المعهد عام 1944  ..

كان من ابرز طلاب الدوره الاولى معه جعفر السعدي وعبدالقادر ولي وعبد الجبار ولي وكريم هادي الحميد، وخليل شوقي، ويحيى فائق ، وعبدالله العزاوي وآخرين ، وكان معظمهم يقودون فرقا مسرحيه او يعملون فيها ، ويشكلون بمجموعهم خيرة فناني المسرح العراقي آنذاك ، الزماله واللقاء اليومي في المعهد قوت فيما بينهم اواصر الصداقه والتعاون وأنخلق نوع من التناغم الفكري والعاطفي  الذي كان متجاوبا بشكل عام مع الشارع السياسي واحداثه الساخنه في الاربعينات .

اسس كريم هادي المحامي وعبد القادر ولي وجعفر السعدي ، ومعهم ابراهيم جلال وخليل شوقي وباقي خريجي الدوره الاولى ، فرقة جديده تختلف في توجهاتها عن توجهات مسرح حقي الشبلي النخبوي ، ( الفرقه الشعبيه للثمثيل ) 1947  ، مثل بطولة مسرحيتها الاولى ( شهداء الوطنيه ) و اخرجها ايضا ابراهيم جلال بمشاركة عبدالجبار ولي .

شكلت عروض الفرقه اللاحقه اول خروج لطليعة الرعيل الاول  من الطلاب عن النهج الفني لاستاذهم ، ولم يكن هذا الخروج بمعزل  عن ما كان يصل العراق ، من مصر بشكل خاص من ترجمات للمسرحيات العالميه وبعض الدراسات عن المسرح المنشوره هنا وهناك في المجلات العربيه التي كانت تصل اليهم  كمجلة الهلال وسلسلة ومجلة (كتابي) التي دأبت على نشر ملخصات للمسرحيات العالميه  الكلاسيكيه ،  والرساله  والاديب والكواكب وغيرها التي وسعت من افاق ثقافتهم المسرحيه والفنيه ، التى تأسست في البدايه على ماكان يقدمه لهم  حقي الشبلي من ملازم المحاضرات المترجمه عن الفرنسيه التي كان يعدها و يلقيها عليهم ، اضافه لترجمات حقي عن المسرح الفرنسي الخاصه لطلابه في المعهد .

تعرف في عام 1950 بيوسف العاني كطالب متميز في معهد الفنون الجميله ، وكان يوسف العاني يقود جماعة ( جبر الخواطر ) ، فنشأت بينهما من يومهاعلاقة صداقه وتعاون حميمه اثمرت عن تأسيس ( فرقة المسرح الحديث ) 1952  التي  كان لها دورها المميز لاحقا في الانفتاح على كل التيارات والتجارب المسرحيه العالميه المعاصره والحديثه التي جائتنا وترسيخها .

سافر عام 1952بعد تأسيس الفرقه مباشرة الى ايطليا في بعثه لدراسة السينما في ( معهد السينما التجريبي الحكومي ) بعد ان  انجز بطولة ثلاثة افلام في العراق  خلال الفتره 1946-1948  هي ( قاهره وبغداد ) و( ليلى في العراق ) و(عليا وعصام ) .

وكانت شروط القبول في هذا المعهد صعبه اذ كانوا لايقبلون فيه الا طالبين في السنه الدراسيه  من مجموع الاجانب المتقدمين للدراسه وبعد تصفيه دقيقه اثناء تقديم امتحان القبول ، وقد اجتازابراهيم جلال  الامتحان  بنجاح ، وكان من اساتذته في المعهد المخرجان المشهوران  روسليني ، وديسيكا.

وحضرأثناء تواجده هناك ، اول مؤتمر عالمي لحركة الواقعيه الجديده  ، واستمر المؤتمر لمدة شهر ناقش فيها  طروحات الانكليز باعتبار الفلم التسجيلي هو اساس الواقعيه الجديده التي يجب اعتمادها بالضد من الطرح الايطالي للواقعيه في السينما التي ترى ان الكامره يجب ان تترك الاستوديوهات وبهرجنها المزيفه والتي هي اصلا كانت مدمره في ايطاليا اثناء الحرب وتخرج الى الشارع والبيوت العاديه وتصورها كما هي عليه بدون تدخل كبير  ، وبما هو ممكن من ادوات ، وقد انتصرت طروحات الواقعيه الجديده للايطالين في هذا المؤتمر على طروحات السينما التسجيليه الانكليزيه  ، واخرج ابراهيم جلال  في المعهد المذكور فيلما وثائقيا قصيرا  على اساس سيناريو مسرحية العاني ( تؤمر بك ) بأسم ( الباب ).

قطع الدراسه في عام 1954  وعاد الى العراق ليعمل في فرقته لقناعته بان ماكان يقدمه المعهد من معلومات يكاد يعرفها ويحس بانها قد مرت عليه وليس هناك  من جديد يضيفه المعهد من معلومات لم يسبق له  ان اطلع عليها ، كان يشعر بانه يضيع الوقت في المعهد ، وانه قد تجاوز بكثير ماكان يدرسه في المعهد السينمائي الايطالي الا ان فهمه للواقعيه الجديده تعمق ورسخت عنده في هذه الفتره ميوله الى مذهب الطبيعه..والجدليه في الطبيعه.

في نفس الفتره عاد جاسم العبودي  من الولايات المتحده الامريكيه حاملا معه طريقة  ستانسلافسي  والمنهج الواقعي الروسي في الاخراج كما درسها في امريكا، وحقق الاثنان منذ عام 1954 في معهد الفنون الجميله ، دفعه مهمه  في تجديد مناهج الاخراج في العراق بتعميق الطريقه العلميه في تفسير الفن و في تحليل الشخصيات ارتباطا بتاريخها الظرفي اي المكاني والزماني . كان هذا جديدا تماما على المسرح العراقي .

في سنة 1959 عاد و سافر مجددا لاكمال دراسته التي قطعها في ايطاليا ، وهذه المره الى الولايات المتحده الامريكيه ،ودرس المسرح في هذه المره ، وانهى دراسة الماجستير بتفوق عام 1963 وكانت اطروحته في نظرية التغريب البريشتي ، وحصل على توصيه بدراسة سنه اضافيه لنيل العالميه  ، الا انه اهمل هذه التوصيه وقفل عائدا للعراق مسرعا بعد ان حدث انقلاب شباط ، وزج معظم اعضاء الفرقه بما فيهم سكرتيرها يوسف العاني في المعتقلات ، وفصلوا من دوائرهم ، والغيت اجازة عمل الفرقه ،  وصودرت ممتلكاتها.

وكان موقفه شجاعا في اعادة لم شمل اعضاء الفرقه، من (جماعة المسرح الفني ) التي اسسها خليل شوقي للعمل في التلفزيون ، وكان جميع اعضائها من الشباب الجدد من خيرة طلاب وخريجي المعهد والاكاديميه ، واعضائها القدامى الذين انقطعوا عن العمل المسرحي ، والظهور بهم في فرقه جديده لاحقا  لم يتهيب ان يعلن انها امتداد لفرقته السابقه ومواصله لنهجها مما دفع بالعديد من الشباب من الذين كانوا يعملون في جماعة خليل شوقي الانسحاب من الفرقه، ومنهم من سجل اعتراضه على ان تكون الفرقه امتدادا لماسبقها من منطلق فكري غير منسجم لما تشكله الفرقه السابقه من رمز للمسرح  والفكراليساري ، ومنهم من واصل العمل معها رغم تسجيل تحفظه ،  ككريم عواد على سبيل المثال .

كان ابراهيم جلال  ديناميكيا كتله من الحركه واللاهدوء في عمله  وفي مجال تنشيط  فرقته ،  فبعد ان اعاد  تأسيس ( فرقة المسرح الفني الحديث )  بداء التمارين على مسرحية طه سالم ( فوانيس ) 1966 فورا في الوقت الذي كان فيه  محسن العزاوي  يطبق في الفرقه اخراج مسرحية ( مسرحيه في القصر) لمورلنياك  لمعهده في جيكوسلوفاكيا ، وما ان قدمت مسرحية محسن العزاوي بنجاح حتى تلتها مباشرة في العرض مسرحية طه سالم ، ، وفي اثناء عرض الفرقه للمسرحيه الاخيره كان ابراهيم جلال يدرب الممثلين على مسرحية عادل كاظم ( عقدة حمار ) الى جانب انشغال بدري حسون فريد كضيف فى الفرقه بتدريب  الفرقه على مسرحية عبد الجبار ولي ( مسألة شرف) ، استعدادا لتلبية دعوه من وزارة الثقافه الكويتيه للفرقه لتقديمهما على مسارح الكويت ، وسافرت الفرقه في نفس السنه (1966 ) الى الكويت وقدمت  المسرحيتين بنجاح كبير .

وابراهيم جلال شخصيا يؤكد اكثر من مره في احاديثه وتصريحاته ميله الى المذهب الطبيعي وديالكتيك الطبيعه في حياته ، فهو يسجل تصوره عن فن المسرح في منهاج مسرحية ( مصرع كليوباترا)1964 (( الفن تقليد الطبيعه ومحاكاتها ، وغرضه اثارة الفكر والوجدان ، العقل والعاطفه ، أثارة العقل لتنويره ، واثارة العاطفه لتثقيفها وتشذيبها ، ، انت مدعو ايها المشاهد لترى وتحكم ، لتفكر وتنقد لا لتسحر وتغفو اغفاءة المنوم مغناطيسيا بسحر الايهام الواقعي الذي يعرض امامك ، .. انت دائما في المسرح ولست في حلم ..(..) وفن المسرح تقليد للطبيعه ومحاكاة للواقع وليس الطبيعة كما هي ، ولا الواقع منقولا كما هو طبقا واصلا، انما الذي يعرض امام عينيك وبصيرتك هو من صنع العقل يعالج فيها الكاتب فكره ويفسرها المخرج بوسائل الفن المسرحي لكي يجعلك تعقل عما يحدث ، لتشارك الحقيقه الراسخه بعين مبصره وليس بعدسة مصور))، ويؤكد على هذا المنحى في احدى لقائاته الصحفيه اللاحقه فيقول (( ... ان اهمية حركة الحياة وما يحيطها زادته وعيا واقعيا وادراكا للفعل وقيمته التغييريه ، وان ذاكرته ومطالعاته وتراكم الخبره الفنيه كانت لها الاثر الكبير في بنائه كأنسان اقرب الى الطبيعه ، الطبيعه كما يفهمها في حركتها وهارمونيتها ، فهو ضد كل من يقف امام وجه هذه الحركه بهدف التعويق وارجاع او تجاوز الزمن ، ويدعو الى الانسجام مع الحياة والتلائم في صيرورتها ، وهو مقتنع ان كل شيء يتغير في اخر المطاف نحو الافضل ، لانه قانون الطبيعه ، وما هو مشوه من ظواهر نصطدم بها يوميا ما هي الا عوارض طارئه سرعان ما تسحقها عجلة ديالكتيك الطبيعيه ، وتصفو الامور في النهايه لصالح الانسجام والتناسق في الحياة .

ومفهوم ابراهيم جلال عن التجديد ينطلق من ان المسرح العراقي ، كما هو مفترض ، انه وافد حديث ، او منقول كما هو معروف من المسرح العالمي الذي سبقنا منذ ارسطو ولم يصلنا الافي نهايات القرن التاسع عشر ، وان كل ماقدمناه لحد الان فى مسرحنا العراقي او العربي يعتبر جديدا على مسرحنا المحلي الذي يعاني من ضآ لة التراكم في الخبره المسرحيه، وليس تجديدا ، التجديد يعني الاضافه الى تراث المسرح العالمي ، وهذا ما لم يتم التوصل اليه لحد الان ، ان كل ما يطلق عليه انه تجديد ، هو في نظره تكرار لماتوصل اليه العالم في مجال المسرح منذ سنين طويله ، انه محاكاة وتقليد بهذا الشكل او ذاك لموديل المسرح العالمي ، ويعتقد اننا متخلفون عراقيا وعربيا عن ما توصل اليه المسرح في العالم بمسافه شاسعه .

فمفهوم التجديد عند ابراهيم جلال هو تجديد لشي موجود اصلا ، وعندما لانملك شيئا اصيلا اسمه المسرح ، فكيف لنا ان نجدده ؟ يمكن ان نقول اننا نضيف الى رصيدنا خبره ما لم يسبق ان مرت علينا من تجارب المسرح العالمي لاول مره ، وهذا نسميه جديدا وليس تجديدا على مسرحنا المحلي ، انه تكرارمن وجهة نظر المسرح العالمي.

من هذا المنطلق كان ابراهيم جلال يقف ضد كل من كان يدعي به طلابه بالتفرد والرياده في المعهد وبياناتهم من انهم مجددون ويمتلكون رؤى خاصه غير مسبوقه ، ويهزاء ببياناتهم الثوريه عن المسرح التي كانو يكتبوها وهم على مقاعد المعهد الدراسيه ، كان يحرص على طلابه اتقان الصنعه اولا ، ان يتعلموا اصولها كما هي في المعهد والمناهج الدراسيه ويطبقوا ماتعلموه فقط، ويتركوا الحذلقه ودعوى اكتشاف الجديد ويؤجلوا اعلان افكارهم الى ما بعد الممارسه التي تأتي بعد التخرج .

بدايات اسلوب ابراهيم جلال في المسرح ، كانت في اول الامر تحت تأثير اسلوب استاذه حقي الشبلي ، الذي سرعان ما ابتعد عنه نحو المسرح الواقعي الشعبي تحت تأثير مفاهيم الواقعيه الاشتراكيه ، ثم تعمقت الواقعيه عنده اكثر بعد دراسته القصيره في ايطاليا ، ومنهج ستانسلافسكي والطريقه في الاخراج بعد عام 1954عند عودة جاسم العبودي من دراسته للمسرح من الولايات المتحده عام 1963 ، ثم اخذ يجرب المنهج البرشتي الملحمي في اعماله منذ عام 1963 ، بعد ان حصل على الماجستير ، وظل مخلصا ومتحمسا لهذا الاسلوب الى ان غادرنا .

ومنذ ان تولى رئاسة قسم المسرح في معهد الفنون الجميله عام 1950 من بعد استاذه حقي الشبلي ، تربت على يديه قافله طويله من الرواد المهمين في المسرح العراقي في دورات المعهد التي توالت بعد الدوره الاولى ، من امثال يوسف العاني ويعقوب الامين وشكري العقيدي وكارلو هاريتيون ، وبدري حسون فريد ، ومحمد القيسي ، وعادل الشيخلي، وراسم القيسي ، وسامي عبدالحميد، ومجيد العزاوي ، وعبدالواحد طه ، وغيرهم .

ترك ابراهيم جلال فرقته ( فرقة المسرح الفني الحديث ) عام 1971 بدافع التمرد الدائم في داخل ابراهيم جلال على الساكن والجامد والمألوف من الاطر ، التمرد حتى على قواعد ونظام الفرقه التي ساهم هو بصياغتها وتأسيسها ، والتي احس بانها ماعادت تستوعب انطلاقاته المتجدده التي لاحدود لها .

تحدث زميل دربه يوسف العاني في الصحف عن ابراهيم جلال واصفا اياه بانه مبدع ((لايقف عند حدود ، يكبر في كل لحظه ، لم يكن يقنع بأي عمل مسرحي تام ،سواء انتهى من تقديمه هو ، او قدمه الاخرون ،فتصوره للعمل لايتوقف عند افق ، وحتى عندما يصل عمله الى العرض ، فانه يتجاوزه في كل يوم جديد ، يضيف اليه في كل مره شيئا ، ويعدل احيانا ، فليس من السهل على الممثل الذي يعمل معه ان يفهم او يستوعب كل مايريد ، فهو نفسه لايعرف مايريده على وجه الدقه ، لانه يريد حالة الصيروره المتواصله في الصوره ، في اللاشعور ، ويفترض ان كل من حوله يشاركه رؤياه ...))

كان ابراهيم جلال ، متنوع المواهب قدم للسينما والمسرح والتلفزيون والاذاعه ،طوال أكثر من خمسين عاما من النشاط في الوسط الفني ، تمثيلا واخراجا وتدريسا في معهد الفنون والاكاديميه وفرقته المسرحيه وفرقة المسرح القومي ، قدم في حياته الحافله بالنشاط حتى اخر لحظه ، المئات من الاعمال الهامه التي تشكل علامات مضيئه في المسرح العراقي،منها، (اغنية التم ) لتشيكوف 1956 و( ست دراهم) ومسرحيات اخرى ليوسف العاني في اوقات مختلفه اهمها ( اني امك ياشاكر ) 1958 و(عقدة حمار ) لعادل كاظم 1967و(فوانيس ) لطه سالم 1967 و( البيك والسايق ) لبرخت 1973 و(الطوفان ) لعادل كاظم 1972 و( مصرع كليوباترا ) لاحمد شوقي 1964 وغيرها الكثير.

حصل على جوائزتقديريه وتكريميه عديده ، محليه وعربيه هامه ، وكرم اكثر من مره، ولم يتوقف عن النشاط رغم المرض وكبر السن ، وبترساقيه نتيجة استفحال مرض السكر في سنينه الاخيره.

أخرج آخر اعماله السينمائيه في 1986 ( حمد وحمود) و آخر اعماله المسرحيه 1991 ( الشيخ والغانيه )، و توفي مباشرة بعد ان انجز اخر لقطات عمل تلفزيوني من بطولته ( الوداع الاخير ) في آب 1991.


1- الفنان الرائد ابراهيم جلال - حوار هاتف الثلج -تصوير بشير الغزاوي - جريدة الجمهوريه - عدد يوم11/2/1990 .
2- عن ابراهيم جلال - شجون مسرحيه - يوسف العاني - جريدة الثوره - عدد يوم9/11/1987
3- ابراهيم جلال وتوهج الذاكره -د. فاضل السوداني -جريدة الزمان
4- ابراهيم جلال - د . البيروتي - موقع( مسرحيون ) الالكنروني .
5- منهاج مسرحية ( مصرع كليوباترا) لاحمد شوقي ، قدمت في معهد الفنون الجميله عام 1964 - اخراج ابراهيم جلال .
ابراهيم جلال والتعلم من الطبيعه - لطيف حسن - مجلة الثقافه الجديده العدد 263 ايار 1995