نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

فنون

 

 

 

الأحد 7/5/ 2006

 

 

 

فصول من تاريخ المسرح العراقي
( الفصل الحادي عشر)

يحيى فائق ( 1913 - 1984) و جعفر السعدي ( 1924- 2005) وعلاقتهم بما كان يسمى بالمسرح اليساري
 


لطيف حسن

في نهاية الثلاثينات وبداية الاربعينات من القرن الماضي ، انتشر في المدارس والمعاهد والكليات عروض مايسمى بالمسرح اليساري ، الذي يعتبره يحيى فائق ((.. انه خرج من بين جدران المدارس الى الجماهير )).

فالمدارس في الاربعينات كانت تغلي بالفعاليات الخطابيه والتمثيليه والقاء القصائد الشعريه الملتهبه التي تطالب بالتحرر والاستقلال ومطالب اجتماعيه معيشيه اخرى ، لاسيما في مدن بغداد والموصل والبصره، وكان يسمى هذا المسرح ، بالمسرح الارشادي التهذيبي ، او مانسميه اليوم بالمسرح المدرسي ، الذي لم يكن جديدا بل بداء في وقت ابكر يعود الى بداية تأسيس المدارس الدينيه للجاليات الاجنبيه ، وبناء المدارس الحديثه في العراق ، ونشاطات مدارس اليهود اللاصفيه .

ولو عدنا الى بدايات الرواد ومنهم حقي الشبلي ، نجد انهم قد بدأوا من المسرح المدرسي ، فعندما شكل حقي الشبلي اول فرقه رسميه له مع اقرانه في عام 1926 , وكان هو اكبر اقرانه سنا ، ولد عام1913 ، أي بمعنى لم يكن يتجاوز الثالثه عشره عاما، ففرقته كانت بالعرف الحالي فرقة مسرح من الاطفال ، لكن هذه الفرقه تطورت من هذه البدايه ، وترسخت بالممارسه فيما بعد ، و بنضوج اعضائها في السن ، فعندما رافق الشبلي فاطمه رشدي وعزيز عيد الى مصر في منحه اطلاع ومعايشه للمسرح ، لم يكن الشبلي قد تجاوز السابعه عشر من عمره ..

من الجدير ان يذكر في هذا الفصل ان احمد فياض المفرجي يشير في كراسه ( الحياة المسرحيه في العراق ) في جزءه الثاني الى وثيقه فريده لم يتوقف عندها احد ، هي عباره عن طلب رسمي تقدمت به مجموعه من الاشخاص في عام 1928 الى الجهات المعنيه ، لتأسيس فرقه مسرحيه بأسم (الفرقه التمثيليه الحديثه) ، تختلف ديباجة الطلب عن مثيلاتها من طلبات الحصول على الاجازه آنذاك، ان كان في توجهها او في اهدافها ، ولا نعرف لحد الان شيئا عن الفرقه اكثر من هذا الطلب ، وغير معروف ان كان قد منحت اجازة العمل ام رفض طلبها، فكل السجلات والوثائق المتوفره لاتشير في شيء الى هذه الفرقه او نشاطاتها .

وجاء في هذه الوثيقه مايلي ((...اننا حبا بترقية فن التمثيل خاصه ، وبقية الفنون الجميله عامه ، وسعيا لبث روح العلم والعمل بين الطبقه العامه من ابناء هذا الشعب العزيز ، وقد عزمنا على تشكيل فرقه تمثيليه دعوناها ( الفرقه التمثيليه الحديثه ) وليس من يذكر ما للتمثيل من قدره في انماء هذه الروح في قلب أبناء الشعب .))

قد يكون وراء هذا الطلب مجموعه ما على علاقه بالمثقفين الماركسيين والمتنورين الاوائل الذين ظهروا في العشرينات ، من امثال حسين الرحال .

لم يكن ظهور ما سمي بالمسرح اليساري ، بمعزل عن تطورات الاحداث العالميه ، قبل واثناء وبعد الحرب الكونيه الثانيه ، وهبوب رياح التحديث على بنية المجتمع العراقي التقليديه وتفكير الفرد فيها ، وجد انعكاسه بالنهوض الجماهيري الشامل بقيادة الحزب الشيوعي ، أذ كان يدمغ الجميع انذاك بتهمة الشيوعيه ، فكل معارض سياسي هو شيوعي من وجهة نظر الحكومات آنذاك ، مهما كان مشربه، ان كان قومي اورجل دين او محافظ او مستقل ، لذا الكنيه التي اطلقها الناس على هذا النوع من المسرح ، (بالمسرح اليساري) بدلا من المسرح الماركسي او الشيوعي ، كنيه دقيقه وصحيحه تماما

لاشك ان الافكارالشيوعيه قد انتعشت بوسط الطلاب وتلاميذ المدارس في مختلف المدارس والمعاهد والكليات كما هي كانت منتعشه و ناشطه بين تجمعات عمال الغزل و(شركة بيت لنج) الانكليزيه للنقل النهري والموانيء والسكك وشركات النفط ، (وهذه كانت تشكل القاعده الصناعيه الاوليه الحديثه في العراق) .

فمنذ تشكيل اوائل الحلقات والخلايا الماركسيه التي سبقت تأسيس الحزب الشيوعي ، وكان لها نشاط واضح في الحفلات المدرسيه ، لاسيما تلك التي كانت تقام في المدارس الريفيه ودار المعلمين الابتدائيه والزراعه .

فقد ورد في كتاب (وللتاريخ لسان ) لمالك سيف ، عن هذه النشاطات فقال (( .. بعد تخرجي من الصف الثالث متوسط ، قبلت في دار المعلمين الابتدائيه في بغداد ، وقد قبل من لواء المنتفك ، في ذلك العام احد عشر طالبا ، كان بينهم ممثلون كوميديون يجيون حفلات سمر في ليالي ايام الجمعه على مسرح دار المعلمين ، كانت الحفلات التي يقيمونها شيقه ومسليه ، الا ان الشيء الذي يلفت النظر ان فيها دعوه صريحه للالحاد في الشعر الشعبي والمنلوجات التي كان ينظمها الطالب مصطفى موسى ، ويلقيه في التمثيليه ضمن الفرقه التمثيليه)) .

ثم يستطرد بعد ذلك فيقول (... وعرفت فيما بعد ان فهد كان يقوم في الناصريه بتنظيم هؤلاء الطلبه وتثقيفهم بالماركسيه ...الخ ))

وقد ارنبط اسم الرائد المسرحي يحيى فائق بما كان يسمونه ( بالمسرح اليساري) منذ منتصف الثلاثينات ، بالتعاون مع زميله الكاتب المسرحي صفاء مصطفى و هو احد اساتذة معهد الفنون الجميله الاوائل لاحقا ، الذي اخرج له في فرقته كل اعماله تقريبا ، والذي يعتبر اول من تناول في الكتابه المسرحيه في العراق المشاكل الاجتماعيه بواقعيه ورصانه ، ومن زاويه طبقيه واضحه .

لم يكن يحيى فايق فنانا مجردا محايدا عما يدور حوله في الشارع ، بل كمايصف نفسه في بعض الاوراق التي تركها ، ونشرت نتف منها فيما بعد في الصحف ، عن بداياته مع المسرح اليساري كفعل واعي((.. كنت في مطلع الاربعينات من الشباب الوطني المحب لشعبه والساعي من اجل سعادته ، وكنت انذاك مولعا بالفن المسرحي وملاء حياتي منذ الصغر ، ولم اكن اعرف ان هناك رساله للفنان، ودورا اجتماعيا هائلا، كنت انتمي الى عائله موسره ، لم اتخوف من السلطه بل كنت استهزاء بها وبقيود التخلف والعادات القديمه ، وكنت بطبيعتي من الرافضين للاغلال الاجتماعيه ، وعلى ثقه من ان شعبنا سينطلق يوما من سجنه ، ويلحق بركب التقدم والحضاره ، لكني لم اعرف كيف وبأي وسيله )).

يواصل يحيى فائق((... في ظهيره صيفيه بينما كنت ذاهبا لزيارة نسيبي الشيوعي في بيته الذي لم يخلو من الضيوف في يوم من الايام ، و بعد ان طرقت الباب فتحها لي رجل وسيم هاديء الملامح ، قال لي ان نسيبي سيعود بعد حوالي ساعه ، وجنابك الاستاذ يحيى فائق ؟.))

يستطرد يحيى فائق (( وقعت كلماته المهذبه وقعا طيبا في نفسي واجبت بخيلاء ( نعم ) وجلست على كرسي ، وجلس قبالتي على دكة سلم البيت الشرقي القديم بدشداشته النظيفه ، واخذ يسألني عن المسرح ويصف لي كيفية تفاعل وحماس الجمهور لمسرحياتي الناقده ،التي منعت بعد ذلك ، والتي شغلت المجتمع البغدادي رغم قصرها وقلتها ، وابدى ملاحظات هامه جذبت انتباهي الى انه متابع ومطلع ، ثم بدأت اوضح له واجيب على بعض تساؤلاته بجديه ، ثم ابدى ملاحظات بدت لي انه قد قد قراء المسرحيه وكشف لي عن الدور الخطير للمسرح في ايصال الفكر الانساني للجماهير الاميه .اضافه الى دوره التحريضي التي تهابه السلطات الظالمه ، لذا تحاربه وتتهمه بالخروج عن العادات والتقاليد والاخلاق والدين في الوقت الذي تدعم فيه المسرح الهابط الذي يلهي الناس عن مشاكلهم الحقيقيه ، ولاول مره اسمع منه مقولة لينين ( اعطني خبزا ومسرحا اعطيك شعبا واعيا ) ثم اضاف ان اردت ان تكون فنان الشعب لايجب عليك ان تكتفي بكشف المظالم والحقائق على المسرح فحسب ، وانما تسعى لتدل على طريق الحل . )).

ويستطرد يحيى فائق في ذكرياته عن هذا اللقاء الذي فتح عينيه على اشياء لم يكن يعرفها في جوهر ودور المسرح واصبحت فيما بعد دليله في العمل في الفرقه ((...كان حديثي مع هذا الرجل الغريب قصيرا ، وكانت هي المره الاولى والاخيره التي التقيه فيه بشكل مباشر ( وعرفت انه فهد بعد ان أستشهد في1949 عام ) لكنه في هذا اللقاء القصير اجاب على جوهر تساؤلاتي وحيرتي دون ان اطرحها عليه ، وخرجت وانا غارق ومنشغل فيما اثاره من مواضيع ... ان اكون فنان الشعب انا يحيى فائق ببدلتي السموكن البيضاء والورده الحمراء ان اكون فنان الحفاة؟...))

لم يلتق يحيى فائق بفهد مباشرة بعد ذلك ، لكن علاقته بحسين محمد الشبيبي ومحمد حسين ابو العيس المحامي توطدت بعد تأسيسهما حزب ( التحرر الوطني ) واصبحت فرقة يحيى فايق(الفرقه العربيه للتمثيل ) منبرا ثقافيا لهذا الحزب ‘ الذي كان كما هو معروف الواجهه العلنيه للحزب الشيوعي ، مع عصبة مكافحة الصهيونيه ، التي كانت لها ايضا نشاطات ثقافيه و مسرحيه خلال فترة عمرها القصير .

ولد يحيى فائق عام 1913 ، أي ( بعمر حقي الشبلي) ،من عائله غنيه ، ارادت له ان يكون طبيبا لتضمن له وضعا اجتماعيا مرموقا ، ومستقبلا مضمونا ، لكنه خذلهم وترك الدراسة ، واتجه الى المسرح الذي كان منغمسا فيه منذ نعومة اظفاره ، فقد ولع بالخطابه والتمثيل الذي كان يأخذ كل وقته ، وشارك في المسرح المدرسي بالادوار الرئيسيه في مرحلة المتوسطه والثانويه ، وساهم اولا في تأسيس( الفرقه التمثيليه الوطنيه) 1926 التي ترأسها حقي الشبلي ، الا انه تركها ليؤسس بعد فترة وجيزه فرقته الخاصه ( الفرقه العربيه للتمثيل ) مثل البطوله واخرج مسرحيتها الاولى ( البطل ) عام 1928 لمؤلفها مجيد البشري ، وقدمت المسرحيه في ( قاعة سينما سنترال) ، وكانت هذه الفرقه تضم في بداياتها في العشرينات عزيز علي ، وفاضل عباس بهرام ، وتاظم عبدالجليل الزهاوي ، وعبد الرزاق عبدالرحمن ، واحمد يحيى ، والحاج محمد ، وناجي ابراهيم ، واحمد حمدي وغيرهم .

في منتصف الثلاثينات ، بعد سفر حقي الشبلي الى باريس وغيابه توقفت عن العمل و تشظت فرقته ( الفرقة التمثيليه الوطنيه ) الى عدد من الفرق المسرحيه ، فكانت فرقة عبدالله العزاوي ( جمعية انصار التمثيل ) وفرقة محمود شوكت (فرقة المعهد الوطني) ، بالاضافة لفرقة يحيى فائق التي كانت قائمه قبل تشظي فرقة الشبلي ( الفرقه التمثيليه العربيه ) .

وازدهرت على يد هذه الفرق الثلاث ، اضافة الى النشاطات الفنيه الكثيره للجمعيات والنوادي والمدارس ، الحركه المسرحيه في العراق ، بدءا من منتصف الثلاثينات وحتى قيام الحرب العالميه الثانيه .، وسميت هذه الفتره في تاريخ المسرح العراقي ، بعصر مسرح الثلاثينات الذهبي .

اشهر اعمال فرقته مسرحية ( هذا مجرمكم)1946 تأليف صفاء مصطفى ، وكان قد سبق وان اخرجها في عام 1938 في لواء العماره ، وفي نفس العام 1938 ولنفس المؤلف اخرج مسرحية ( كاترين ) ثم قدم عمله الشهير (ثورة بيدبا) لرئيف خوري على مسرح بني خصيصا للمسرحيه في بداية الاربعبنات .

يصف عزيز حداد مشاركته لعمل من اعمال يحيى فائق ( عنتره ) تأليف الياس ابو شبكه عام 1957 عرضت على قاعة الملك فيصل ، نوردها هنا كنموذج لما كان يجري في ما سمي بالمسرح اليساري .

يقول (( ... كان الجو في خارج المسرح مدلهما وماطرا ذلك اليوم ، بينما كانت القاعه لاتسلم للفرقه المستأجره الا في يوم العرض ، ولذلك كان الممثلون واصدقائهم يقومون منذ الصباح باعداد الديكورات والتدريب على حلبة المسرح وذلك لتدقيق حركات الممثلين وضبطها ووضع الاناره ، واجراء ان تبقى وقت كاف بروفه ما قبل العرض ، وكان يحيى فايق لولبا متحركا في كل اتجاه و جانب ، يساعد في صتع الديكورات والكواليس ، وصبغ الستاره الخلفيه ، ونقل كل ذلك الى خشبة المسرح ، وتثبيتها بالمسامير، والمساهمه في تعليق الستاره الخلفيه للمنظر ، وكنا نحن الاصدقاء نساعد ه كل بما يستطيع انجازه ، ولما حان وقت العرض ، كان الجمهور الوطني والتقدمي هو الغالب في القاعه التي امتلاءت الى اخرها، وكانت المطارق لاتزال تسمع دقاتها لتثبيت اخر قطع الديكور ، وكان يحيى فائق منتعلا جزمه مطاطيه واقيه من الامطار والاوحال يتحرك بلا انقطاع فيما بين خلف خشبة المسرح والباحه المكشوفه الخلفيه المطله على حدائق القاعه للتأكد من توقف المطر ، ومن الطريف هو ان العرض كان برعاية خليل كنه وزير المعارف انذاك ، وهو المعروف بتأييده المطلق لسياسة نوري السعيد واخلاصه للحكم الملكي المتمثل بولي العهد، وبعد ان حضر وجلس في المقصوره الملكيه ، بدأ يحيى فايق بأرتداء ملابس عنتره ووضع الماكياج، وبعد ان انتهى دق على خشبة المسرح ثلاث دقات وخفتت الاضواء في القاعه ، اهتزت الستاره قليلا وتحرك احد طرفيها دون ان تنفتح ، ثم اطل من الستاره يحيى فائق وتقدم الى مقدمة المسرح بملابس عنتره لكنه نسي استبدال جزمته المطاطيه ، ليلقي كلمة المخرج ورئيس الفرقه الترحيبيه، وتحيه للجمهور وفقا للعاده المتبعه آنذاك، هنا حدث ما لم يكن في الحسبان او يدور على الاقل بخلد حليل كنه وحاشيته المرافقه ، بعضهم رجال شرطه بزيهم الرسمي ، واخرين من التحقيقات الجنائيه مبثوثين في كل مكان من القاعه بين الجمهور ، بداء يحيى فائق كلمته الترحيبيه ، وعندما انتهى منها انهال فجأة بالهجوم الخشن والمباشر على سياسة النظام الحاكم وحلف بغداد ، وضجت القاعه بالتصفيق والهياج والهتافات الوطنيه ، كتم خليل كنه غضبه على مضض ، و تحمل الصفعه السياسيه المباغته ، ثم فتحت الستاره بسرعه بعد ان انتهى يحيى من كلمته وبدأ العرض بدون توقف ، الكل توقع ان الشرطه ستوقف العرض وتمنعه ، الا ان هذا لم يحدث ، وشوهد خليل كنه وهو يترك القاعه في الظلام اثناء العرض مع بعض جلاوزته، واستمرت المسرحيه بلا ازعاج .

اعاد يحيى فائق عرض المسرحيه ( عنتره ) بعد ثورة 14 تموز 1958في فرقته التي اخذت اسم ( المسرح الجمهوري ) كانت الفرقه تعاني من قلة الممثلات حالها حال الفرق الاحرى ، وكانت تمثل دور (عبله) ، سلمى عبد الاحد ، وتلقي اشعار ابي شبكه بلهجتها الموصليه ،ولم تكن تتطلع الى المحبوب عنتره اثناء التمثيل بل كانت مشغوله بالنظر الى القاعه حيث يجلس بعض معارفها وتبادلهم الابتسامات ، وكان يحيى فائق يحاول بالقائه الشعري المفخم وادائه التمثيلي ان يغطي و يعوض عن الخلل في اداء الممثله .

وفي عام 1960 اخرج لفرقته ( الفجر الثائر ) من تأليفه ، وفي سنة 1961 اخرج آخر اعمال الفرقه ( القبله القاتله) على قاعة المسرح القومي .

وكان يحيى فائق رغم انشغالاته المتعدده بعد ثورة تموز 1958 ، وجد له وقتا للاشراف على النشاط المسرحي لاتحاد نقابات العمال في العراق . حتى اواخر سنة 1961 .

درس يحيى فائق المسرح على يد زميل طفولته واستاذه حقي الشبلي في الدوره الاولى لمعهد الفنون الجميله . وعمل في السينما منذ الفلم العراقي الاول ( عليا وعصام) وفي التلفزيون منذ سنة 1958 عندما كان يتم بثه على الهواء مباشرة ، وقبلها في دار الاذاعه العراقيه منذ انشائها ببث محدود في منتصف الثلاثينات .عمل في جميع هذه الفنون ، كمخرج في الاساس الاول ، وممثل .

وفي السينما لديه رصيد لايستهان به ، من الافلام الروائيه والتسجيليه ، منها اعمال هامه مفقوده الان كفلم ( العتبات المقدسه )، الذي صور بالسكوب والالوان ، لم يعرض في العراق سوى عروض محدوده للمختصين ، الا ان نسخا منها قد بيعت لايران والهند .

من بين الفرق المسرحيه الاخرى التي كانت تقدم المسرح اليساري وتعضده ، فرقه مسرحيه تابعه ( لجمعية بيوت الامه ) تأسست الجمعيه في الكاظميه عام 1940 ، وهي جمعيه خيريه ، غير حكوميه ، قامت بفتح مدارس مسائيه وفتح مستوصف صحي ومشاريع صغيره اخرى لمنفعة الفقراء ، ولكي تديم وتنمي مواردها الماليه ، قامت هذه الجمعيه بتأسيس الفرقه المسرحيه ، وانيطت ادارتها الى الفتى المتحمس جعفر السعدي . وكانت هذه الجمعيه مؤيده ومن أشد انصار ( حزب التحرر الوطني ) كما هو حال ( الفرقه العربيه للتمثيل ) .

وكانت الجمعيه تضم مجموعه كبيره من المثقفين التقدميين واليساريين من بينهم محمد حسين ابو العيس وعلى جليل الوردي وآخرين ، من مختلف الاختصاصات ، شعراء وادباء وفنانيين واطباء ومحامين ومهندسين ، وكانت ابواب الجمعيه مفتوحه لدعم نتاجات الجماعات المسرحيه اليساريه الصغيره في الكليات والمدارس ، كجماعة ( جبر الخواطر ) على سبيل المثال ،ومن بعدها قدمت ( فرقة المسرح الحديث) بعض اعمال العاني الاولى على مسرحها ..

من اشهر المسرحيات التي قدمت في( فرقة جمعية بيوت الامه) ( مجنون ليلى) و(شهداء الوطنيه ) و( القبله القاتله ) و(تحت الرماد ) لتشاينبك ، و(نهر الجنون ) لتوفيق الحكيم ، و (وفاء السموأل) وغيرها الكثير .

وعندما تعرضت وثبة 1956 الى الانتكاسه ، تعرضت هذه الفرقه الى الالغاء ، وجرت ملاحقة اعضائها ، وبعضهم سجن ونفي وفصل من الوظيفه . كما حدث تماما ( للفرقه العربيه للتمثيل ) اذ هاجمت الشرطه مسرح الفرقه وحطمت ممتلكاتها وطاردت اعضائها ، فور الغاء اجازة عمل ( حزب التحرر الوطني ) وزجت بهم في السجون

ولد جعفر السعدي عام  1924 في الكاظميه في بيت لم تكن تنقطع عنها المجالس الدينيه ، ان كانت خاصه بالنساء او بالرجال ، وكان معظم الرجال في اسرته من المعممين ، نشأت طفولته في اجواء الحسينيات الزاخره بطقوس الشيعه واحتفالات عاشوراه التي كانت تقام في المدينه ، و درس الابتدائيه في الكاظميه ، الا ان مدرسته في المرحله المتوسطه كانت في الاعظميه ، وكان عليه في كل يوم ان يعبر جسر الكاظميه الخشبي الطافي على القوارب ( الدوَب) الذي كان تربط الكاظميه بالاعظميه ليصل الى مدرسته ، كان ينتقل يوميا فيما بين عالمين مختلفين ، عالم الكاظميه الشيعي المتدين وعالم الاعظميه المنفتح نوعا ما، ومنذ صغره اتسع افق تفكيره الى ابعد من افق منشأه و ما كان يدورفي محلته من طقوس شعبيه ، واخذ يتمرد على التقاليد الاجتماعيه الباليه في بيئته منذ الصغر .

بداياته الاولى حاله حال الرواد الاوائل كانت في المسرح المدرسي ، وشكل من اقرانه في محلته مجموعه مسرحيه ، وكانت هناك آنذاك نقابه تدعى ( نقابة هواة التمثيل في العراق ) وكان احد اقاربه ،( عبدالله الصراف) سكرتيرا لهذه النقابه ، وبمساعدته استطاعت مجموعته المسرحيه استحصال الموافقات الرسميه اللازمه لتقديم اول اعمالها ضمن منهاج ( فرقة نقابة هواة التمثيل ) حيث كانوا يقدمون اعمالهم في ساحات المدارس ، مستخدمين ( دكة المدرسه او الطارمه المرتفعه قليلا عن الارض ) كخشبه للمسرح ، وكان الجمهور يجلس على ( تخوت المقاهي ) التي تستأجر، وايضا التخوت التي تجلب من بيوت اعضاء االفرقه، رغم معارضة أسرهم على ذلك .

في عام 1940 وعند افتتاح قسم المسرح في معهد الفنون الجميله ، دخل المعهد لدراسة المسرح في دورتها الاولى ، في نفس الوقت الذي كان يدير ويخرج ويمثل في الفرقة المسرحيه التابعه ( لبيوت الامه ) التي انيطت مسؤوليتها اليه ، وقام بأخراج معظم مسرحياتها .

في عام 1947 كان من بين مؤسسي ( الفرقه الشعبيه للتمثيل ) التي ضمت تقريبا كل خريجي الدفعه الاولى من المعهد ، وفي نفس السنه اشترك في السينما في الفلم العراقي الاول ( عليا وعصام ) وافلام هامه اخرى كفلم ( سعيد افندي )1967 .

سافر جعفر السعدي في الستينات الى الولايات المتحده الامريكيه لمواصلة دراسته للمسرح، وحصل منها على درجة الماجستير .

في عام 1963 سحبت اجازة ( الفرقه الشعبيه للتمثيل ) كما هو حال الفرق المسرحيه الاخرى ، ثم اعاد اجازتها عام 1965 بأسم ( فرقة المسرح الشعبي) وبقيت الفرقه وفيه لمسارها التقدمي. و مرت بأزمات وتوقف وانقطاعات عديده ، ،لكنها عادت من جديد منذ عام 1974 لتستمر بدون انقطاع بعد ان أسست لاول مره في العراق مسرحا تجريبيا ( على طريقة مسرح الجيب) خاصا بها في بنائها( مسرح الستين كرسي ) ، فقد استأجرت شقتين متجاورتين تقعان ضمن بناية تطل على شارع السعدون ، وحولت الشقتين الى مسرح صغير، قدم فيما بعد اعمالا لاتمحى من الذاكره العراقيه.

وفي هذا المجال يجب ان يذكرالدور الهام الذي لعبه الفنان اديب قليجي الذي اصبح سكرتيرا للفرقه منذ بناء المسرح وحتى عام 1979، في بلورة فكرة المشروع ، وجهوده المتواصله حتى تحقق الحلم .



نستخلص من ما تقدم ، ان الحركه السياسيه اليساريه في العراق لعبت دورا هاما في توجيه المسرح العراقي منذ اواسط الثلاثينات وما تلاها حتى اواسط السبعينات، نحو الوجهه الصحيحه ، وهو ان يكون مسرح انساني يعالج هموم غالبيه عامة البشر ، ويعكس بصدق معانات ومسرات الشرائح العريضه المستغله في المجتمع العراقي ، مسرح مع التقدم ، جذري غير مهادن أ تجاه كل تراكمات الجهل والتجهيل والتخلف .

ولم يكن هذا المسرح بمعزل عن نشاط الحزب الشيوعي ، الذي اولى الثقافه والادب والمسرح منذ بدايات تشكله اهمية كبيره في عمله اليومي ، ولم يكن هذا غريبا من الحزب ، اذ ان المكونات الشخصيه لقيادي الحزب الاوائل جعلتهم قريبين ومناصرين للحركه المسرحيه وفنانيها الذين كانت تربطهم معهم علاقات شخصيه حميمه ، فهولاء القاده ليسوا فقط محسوبين على الشرائح المثقفه ، ( فهد مثقف متعدد الاهتمامات من الدرجه الاولى في زمانه )، بل كانو شخصيا هم من المبدعين الممتازين ، حسين محمد الشبيبي عضو المكتب السياسي ، شاعر وناقد واديب ولولا انشغاله بالعمل الحزبي ، لكان له شأن اخر في الادب والنقد ، وسلام عادل ، معلم الفنيه والرسم وهاوي ممارس للمسرح ، كان على وشك السفر في بعثه الى اوربا لم تتحقق لدراسة المسرح ، لوتمت لغيرت تماما مسار حياته ، وتواصل هذا التقليد ، علاقة قيادة الحزب المتينه بالمثقفين فيما تلى القيادات الاسطوريه الاولى ، فهم مثقفون وواعون لدورهم ودور الحزب في مجال الثقافه ، الا انهم يختلفون عن القاده الاوائل بمسأله جوهريه ، وهي انه لم يكن من بينهم مبدعين في الفن او الادب .

لم يكن يحيى فائق شيوعيا منظما رغم مشاركته الشخصيه في كافة الانتفاضات والمظاهرات الاحتجاجيه ، وتعرضه للملاحقات منذ اواخر العشرينات من القرن الماضي، ولا جعفر السعدي الذي عرف عنه انه مستقل و لم ينتم في حياته الى حزب محدد ، وبالرغم من قربهم الشديد من الحزب ، واتفاقهم التام مع سياسته المعلنه ، الا انهم ظلوا ديمقراطيين خارج التنظيم حتى النهايه ، كان هاجسهم الفن الانساني الراقي فقط ، وخدموا بذلك ، الافكار التقدميه خدمه كبيره ، كل على طريقته ، ولم يكن يطلب الحزب الشيوعي منهم اكثر من ذلك .


1- في الذكرى العاشره لرحيل يحيى فائق 1913 - 1984 - عزيز حداد - مجلة الثقافه الجديده - العدد 262 - آذار 1995
2- القائد فهد و((فنان الشعب ))يحيى فائق - د. مهند البراك - جريدة طريق الشعب .- العدد الصادر في سنة 0 200بمناسبة الذكرى المئويه لميلاد فهد .
3- التكريم حصيلة نصف قرن في المسرح -عبدالخالق كيطان - جريدة الزمان عدد539 ليوم 3/2/2000
4- وللتاريخ لسان - مالك سيف - 1980 بغداد
5- احاديث مع بعض قادة الحزب الشيوعي العراقي في الفتره (1983 - 1984 - 1985 ) كريم احمد ، آراخاجاتور ، باقرابراهيم ، مهدي عبدالكريم .