موقع الناس     http://al-nnas.com/

فصول من تاريخ المسرح العراقي ( مسرح يوسف العاني)

( 10 )

 

لطيف حسن
latif@webspeed.dk

الجمعة 21/4/ 2006

ان من يرغب في تناول المسرح العراقي الحديث ، بدءا من اربعينات القرن الماضي ، وحتى وقتنا الحاضر ، لايمكن له ان يتجاوز او يتجاهل أثر يوسف العاني الريادي والمؤثر في هذه الفتره ، ودوره الكبير في بناء اسس المسرح النقدي الجاد الذي بداء عمليا بعد تأسيس معهد الفنون الجميله ، المسرح المنحاز للناس تأليفا وتمثيلا ومنهجا ، الذي دفع بالحركه المسرحيه العراقيه بشكل ملموس و بقوه الى الأمام ، وخلق العلاقه الحميمه والمتبادله بين المسرح والجمهور ، التي كانت تفتقر اليها الحركه من قبله ، وازال نظرتهم القديمه الى المسرح بتبني مشاكلهم الاجتماعيه والاشاره الى حلولها على المسرح ، وبرهن لهم على ان المسرح الشعبي الحقيقي ليس فنا سفيها .، كما كانت هي النظره الشائعه عنه .

ان شخصية يوسف العاني الشعبيه الجذابه، و ثقافته العاليه والمتنوعه التي اكتسبها من الحياة بالتجربه الطويله الغير منقطعه ( في الصحافه والنقد الفني والتأليف و الاذاعه والتلفزيون والسينما والمسرح) ، والقراءه المتواصله لكل جديد ، والاطلاع الواسع والمتنوع، فهو متابع و متفرج جيد للمسرح عربيا وعالميا قل نظيره في العراق، وله علاقات واسعه بالمسرحيين والفنانين والمثقفين الكبار من كافة الاقطار العربيه ، ويتمتع بذهنيه نقديه ذكيه منفتحه ومتجدده ، اعطته كما يقولون ( كرازما ) قويه مؤثره على من حوله .

تجاوب منذ نعومة اظفاره سياسيا مع مطالب الحركه الوطنيه ونضالها بهدف طرد الاستعمار والتخلص من قيوده واحلافه الذي كان يعتقد ان بقاء التخلف الاجتماعي واستمراره وتفشي الفساد وكل البلاوي الاخرى هي نتاج سياسات الحكومات العميله المتعاقبه ، المواليه لامبراطورية التاج البريطاني والاجنبي ( هذا واضح في مسرحياته الاولى ذات الفصل الواحد.)

وانحاز بقوه الى اليسار منذ ان كان طالبا في كلية الحقوق ، وانتمى الى الحزب الشيوعي العراقيه منذ الخمسينات حتى عام 1963 ، خلالها تعرض للمطارده بسبب نشاطه الفني المسيس منذ ان كان طالبا وبعد التخرج تعرض للحجزمع كوكبه من المثقفين البساريين في معسكر السعديه العسكري السيء الصيت ، وعمل في المحامات لفتره ، قبل التشرد بعدها في اوربا بعد انتاج فيلم ( سعيد افندي) في الفتره الاخيرة من العهد الملكي ، وعاد بعد ثورة 14 تموز مديرا عاما لمصلحة السينما والمسرح حتى تعرضه للاعتقال والطرد من الوظيفه بعد انقلاب شباط 1963 ، وسافر الى بيروت بعد الافراج عنه واقام فيها،حتى عام 1967 .

ظلت علاقته الصداقيه الحميمه بالحزب واليسار مستمره فيما بعد بهذا الشكل اوذاك ، لكنه تحرر من القيود التنظيميه التي كان يعتقد انها كانت تكبله ، وترك مسافه بينه وبين الارتباط التقليدي ، معللا ذلك بان الفنان لابد ان يترك تماما للآبداع الذي من شروطه الحريه ، لاالتزام للفنان الا بالقضايا الانسانيه العادله ، ليكن الحزب وبرامج قوى اليسار بمثابة البوصله ، ولكن من الضروري ابتعاد هذه الاحزاب عن الوصايه المباشره والنمطيه في التعامل مع المبدع ، لاسيما في المهمات الحزبيه اليوميه التي تشتته و تعطله عن الابداع ، ان الفنان هو الحرية بعينها .

هذا هو مفهوم الالتزام عند يوسف العاني ، ويسترشد بمواقف ادباء وفنانين عظام في العالم من الالتزام الحزبي ، بدءا من مكسيم غوركي وتشيكوف وبرشت ، الذين عكسوا وناصروا في اعمالهم الفنيه العظيمه قضايا الانسانيه والطبقه العامله واحزابها دون ان تكون لهم علاقات تنظيميه بها، كانوا فقط ديمقراطين منفتحين على اليسار ومتعاطفين معه.

بعد سقوط النظام الدكتاتوريه من الطبيعي ان يرتفع اللغط حوله وحول مبدعين اخرين ، و صدرت من بعض الشباب المتياسر من الفنانين ذوي الرؤوس الحاره ، قليلي الخبره ، وهم في فورة الانقلاب الاجتماعي وانفعالاتها المضطربه التي اعمتهم عن رؤية حقائق الماضي القريب بموضوعيه انتقدوا بعض مواقفه ( في تصريحاته الصحفيه في زمن النظام ) التي يعتقدون بانها سايرت النهج الدكتاتوري التي كانت تصب في تمجيد حروبه العدوانيه ، وبعناوين مختلفه ( ليس منها في المسرح) مواقف على الاغلب كانت صادره عن غير قناعه ، تحت ضغط هيمنة الفكر الواحد في المجتمع ، والقمع الوحشي الذي سحق الجميع، دون الانزلاق تماما الى لارجعه ، فلم تكن لتحدث الا في ظروف غياب بوصلة اليسار الذي غيب تماما ككيان عن الساحه ، والضغوط الهائله التي مورست على الجميع ، مما اشاع حالة اليأس ، وشعور المبدع بانه يقف وحيدا في المواجهه بظهر مكشوف ، التي اضعفت الكثير من الرموز الفنيه والادبيه التي لاتتحمل وحدها مسؤولية هذه المواقف الضعيفه المسايره في نظرهم . أنها مواقف غير اصيله لاتحسب عليه ، كما هو الحال عند ابراهيم جلال الذي اضطر ان ينتمي شكليا الى حزب البعث في فترة الضغوط التي مورست على المثقفين من قبل الدكتاتوريه لتأطير المجتمع والتي كان يعلنها ساخرا في المجالس بانه ( مجبر لابطل ) .

فمعدنهما الاصيل ان كان عند ابراهيم جلال او يوسف العاني بقي على ماكان عليه رغم هذه المواقف التي تحسب على انها ضعيفه ، فيوسف العاني الشاب والفنان الثوري كانت ورائه حركه سياسيه عارمه وفاعله في الشارع ، ويوسف العاني الكهل الاعزل من هذه الحركه السياسيه التي كانت مشلوله ، لم يكن ان يكون الا ماكان عليه ، حاله حال المبدعين الكبار الاخرين .

فليس من العدل نسيان مواقفه الاخرى حول وضع المسرح التي كانت معلنه بشجاعه في الفتره الدكتاتوريه مع اراء نخبه من الرواد والفنانيين لاسيما في المسرح الهابط الذي انتشر بشكل سرطاني في ظل الحرب ، ورأيه المعلن في اكثر من مناسبه فيما كان يجري في الوسط الثقافي ( المسرح بشكل خاص) والتذكيردائما ينموذج ما كان عليه حال المسرح قبل اندلاع حروب النظام وفي الايام الخوالي ، وكان يشير بشكل غير مباشر الى سبب هذا التردي ، وهو نوع من ما هو ممكن له في مقاومة الفكر الفاشي المفروض . ولم يكن مطلوبا من مفكر وفنان حر كيوسف العاني غير هذا .

لم يكن من السهل شطب كل نتاجه المسرحي والفكري الانساني الهائل بعد زوال الدكتاتوريه بهذه التهويشات والتقييمات الانفعاليه السهله ، و الغاء دوره المضيء المستمرالذي لم ينقطع في ترسيخ مسيرة المسرح التقدمي في العراق ، فالهفوات ، ان كانت تعتبر هفوات عليه ، هو غير مسؤول عنها تماما حتمتها ظروفها ووقع بها الجميع ، فماكان عليه في ذلك الظرف الا ان يختار بين اما ان يسكت وينزوي تماما وينتهي دوره كفنان وهذا مارفضه ، او أن يختار مواصلة علاقته الحيه بجمهوره دون ان يترك العراق كما فعل الكثير من الفنانيين الذين ماتوا فنيا في الغربه ونساهم جمهورهم ( زينب ، ناهده الرماح ، وداد سالم... الخ) وفضل العمل في الهامش الضيق المتوفر دون ان يقع في المستنقع ، ولم تحتاج هذه التهويشات الا لوقت قصير لتتهافت وتتلاشى، فقد اقامت وزارة الثقافه بعد فتره سنه من زوال الدكتاتوريه حفلا خاصا لتكريم سيرة و انجازات آخر فنانينا المسرحيين العظام من الرواد الاوائل الاحياء يوسف العاني والرائد الكبير الراحل حعفر السعدي ومبدعين اخرين ، وهو اعتراف رسمي وشعبي بدورهم في بناء صرح المسرح العراقي التقدمي ، الصامد المنحاز للناس .

فالحركه المسرحيه ورموزها ومنهم يوسف العاني وعموم المثقفين ، كانوا دائما أقوياء ومتمكنين في مواجهه وفضح الفكر الرجعي وكل ماهو غير انساني ولم ينحازوا الا لقضية ا لناس، عندما كانت ظهيرهم الحركه الوطنيه قويه ومتمكنه في لجم جموح الديكتاتوريه ولو الى حين ،

ولد يوسف العاني في صيف عام 1927 في مدينة الفلوجه ، كان ابو ه ( اسماعيل عبد الملا لطيف ) اماما لمسجد ( الفلوجه) لديه محل لبيع السكائر ( تتنجي ) ، توفي الاب ويوسف مازال صغيرا جدا ، فانتقل الى بغداد كما يذكر يوسف قبيل وفاة والده ‘ وعاش طفولته مع امه في بيت صغير في ( سوق اللبن ) وهو جزء من ( سوق حماده ) الواقع في صوب الكرخ ، في كنف ورعاية اخيه الكبير ( امين )، وفي سن الثامنه توفيت والدته ، وتكفلت بتربيته زوجة اخيه ( صديقه ) التي رعته بالحنان والحب كما ترعى باقي ابنائها ، وينتقل بيت اخيه في فترة لاحقه الى محلة ( خضرالياس ).

وكما يذكر يوسف العاني في احدى لقائاته الصحفيه انه عندما كان في الصف الرابع الابتدائي اي حوالي سنة ( 1938 ) شهدت بداياته الاولى في التمثيل، مثل في المدرسه دور ( يوسف الطحان ) الموجوده في كتاب ( القراءه الخلدونيه ) وسأله معلمه ( علي القزويني ) من علمك التمثيل؟ اجابه من الناس . فقد اعتاد يوسف ان يقلد منذ صغره الناس الذين يعرفهم ويخالطهم، او الذين يراهم و يلتقيهم ، يقلدهم بدقه ويحاكي حركاتهم وطريقة حديثهم بشكل كاريكاتيري ، حتى لقب بمحلته بالممثل ، وكانت كما يذكر هو ان زوجة اخيه او امه البديله تشجعه وتدعمه بقوه ليستمر في التمثيل ، واسنمر.

وفي يفاعته عاش يوسف حياتين وبيئتين مختلفتين متناقضتين ، بين حياة اسرته المرفه التي تربى بين احضانها و التي كان عمه رب الاسره ( توفيق الخانجي ) التاجر وصاحب الخان المعروف في باب السيف ، الذي عرف بالنزاهه والشرف والامانه في معاملاته التجاريه وتربية ابناءه على هذه القيم بصرامه ، وكان بيت عمه يستقبل آنذاك اعيان البلد والوزراء والتجار، وقد استلهم العاني من شخصية عمه هذا شخصيات الاب المتكرره في مسرحياته اللاحقه ، الاب الصارم والرحيم الطيب في العائله ، وبين حياة الخان الذي يعود بملكيته لعمه ، بشغيلته والكرونجيه وحماليه من الفقراء والمسحوقين ، ورواد مقهى ( احمد الجداع ) بزبائنه الحرفيين والسماكين والبلامه ، وباعة (سوق حماده ) ، وسكان المناطق الشعبيه في محلة ( خضر الياس ) بائعة (الباجله) الفول على الرصيف امام عتبة دارها، فبدأت ميوله وعواطفه تتجه نحو هولاء الناس برومانسيه عاليه ، و أخذ يتعاطف مع معاناتهم وحزنهم ارتباطا بحزنه الشخصي المبكر بالفقدان و اليتم الذي عاشه في طفولته .

ان هذه الثنائيه في المحيط الاجتماعي الذي نشاء فيه ، تحول الى ما يشبه الكنز الذي اخذ يستلهم منه لاحقا افكار واجواء مسرحياته وشخصياتها الواقعيه ، واعطت اعماله صفة الاصاله والعمق الشعبي .

ان وعيه الاجتماعي والطبقي والانساني بداء يتأسس ويأخذ شكله الملموس بعد قيام الحرب العالميه الثانيه ، عندما انقسم الناس بين مؤيد للجيش الاحمر المدافع عن ارضه من المناصرين لدولة الفقراء ، وبين مؤيد للجيش النازي الالماني في الحرب ، واغلبهم من التيار القومي المعادي للانكليز والحلفاء ، انطلاقا من مبداء ( عدو عدوي صديقي ) حتى كان يوسف العاني قد حسم امره بانحياز ه لنصرة الفقراء والتجاوب مع هموم كادحي الشارع ، منخرطا في النضالات المطلبيه التي كان يقودها اليساريون والقوى الوطنيه الديمقراطيه الاخرى .

بداء يوسف العاني الشاب ممثلا ومؤلفا لسكيجات مسرحيه قصيره تقدم بين فصول و نهاية عروض المسرحيات الجاده التي كانت تقدم في المسرح المدرسي والجامعي ، منذ بدايات عام 1944 ، وبعد ان تعرف على زميله شهاب القصب الذي مات في مفتبل شبابه بمرض السل ، تعاون معه في ( مجموعة جبر الخواطر ) التي كانت تقدم اعمالها في الحفلات السنويه للمدارس والمعاهد والكليات ، وكتبا بشكل مشترك أوبشكل منفصل احيانا ، مسرحيات هزليه من ذات الفصل الواحد ، ثم بدأت كتاباتهم ترتقي الى مس الجروح الاجنماعيه كالبطاله والجوع والعوز والمرض ، وهذه الكتابات اخذ ت تتعمق توجهاتها النقديه حسب مايتيحه الوضع السياسي من فسحه في الحريه ، او عندما تتأزم الامور الاجتماعيه والسياسيه ويبرز تأثير الحركه الديمقراطيه السياسيه علنا في الشارع ، متأثرين بشكل واضح بمسرحيات صفاء مصطفى الجريئه والرائده ، الذي سبقهم في مجال تأليف المسرحيات التي تتناول المشاكل الاجتماعيه ، وكانت تدعى انذاك ( بالمسرحيات اليساريه) و التي كان يكتب معظمها صفاء مصطفى لتقدم من قبل فرقة يحيى فائق بشكل خاص التي اشتغلت معظم اعماله في ذلك الوقت، كمسرحية( طالب من الجنوب ) على سبيل المثال.

كان يوسف في يفاعته معجبا بالشانو والنمر الهزليه التي كان يقدمها جعفر لقلق زاده ، ثم بمسرح نجيب الريحاني الذي ذاعت اخباره وعروض الافلام المصريه المأخوذه عن مسرحياته ، وبافلام شارلي شابلن الانسانيه الصامته ..

بداء يستمد مواضيعه من المشاكل الاجتماعيه التي يراها ويتلمسها يوميا عند الحرفيين والعمال والعاطلين عن العمل وابناء الطبقه الوسطى ، وشخصياته اكثرية ابطالها من الطبقه الوسطى والعمال و الناس المسحوقين ، يعرفهم و يلتقي بهم ويخالطهم ويرتبط مع بعضهم بصداقات شخصيه ، فبداء يكتب المسرحيات الشعبيه الواقعيه التي يمتزج فيها الالم بالضحك والنقد ، وكلها كانت من المسرحيات القصيره ذات الفصل الواحد ( عودة المهذب ، وماكوشغل - بالاشتراك مع شهاب القصب ) و( موخوش عيشه) و( لوبالسراجين لو بالظلمه ) و( حرمل وحبة سوده ) و(فلوس الدوه ) و( اكبادنا تمشي على الارض).

جرب يوسف العاني في بداياته كتابة اول مسرحيه غير مألوفه آنذاك( مونودراما ) ان كان في العراق أ والبلاد العربيه عام 1950 ، عندما كان طالبا في كلية الحقوق يدرس على يد استاذه احمد خليفه مادة علم النفس ، وكان طالبافي نفس الوقت في معهد الفنون الجميله التي فصل منها لاسباب سياسيه وهو في سنته الاخيره ، قدمت المسرحيه ( جماعة جبر الخواطر ) بكلية الحقوق في نفس العام 2/2/1950 اولا ثم على قاعة دار المعلمين العاليه ، اخرجها للجماعه خليل شوقي ، ومثل دور المجنون يوسف العاني، وصوت القدر ألقاء خليل شوقي .ان تجربة يوسف العاني الرياديه الوحيده في مسرح ( المونودراما ) اسست لهذا النوع من المسرح ليتواصل ولو ببطء ، فبعد انقطاع عن التجربه الاولى دامت ستة سنوات ، قدمت ( فرقة المسرح الحديث ) في عام 1956 مسرحية تشيخوف ( اغنية التم ) من اخراج ابراهيم جلال وتمثيل سامي عبد الحميد ، وظهر يوسف العاني للحظات في نهاية المسرحيه مؤديا دور الملقن . وفي سنة 1972عادت( فرقة المسرح الفني الحديث ) مرة اخرى الى المونودراما وقدمت مسرحية ( الصوت البشري ) لكوكتو تمثيل ناهده الرماح من اخراج روميو يوسف في مهرجان مسرحي بمناسبة يوم المسرح العالمي، وقبلها قدمت ( فرقة مسرح اليوم) مسرحية ( ضرر التبغ ) لتشيخوف ، تمثيل واخراج قاسم حول. التي سبق عرضها عام 1964 كمشروع تخرج في معهد الفنون الجميله ( القسم المسائي) وابتداءا من 1964 قدم طلاب معهد الفنون الجميله الكثير من مسرحيات ( المونو دراما ) في مشاريع تخرجهم أضافة الى ضرر التبغ) منها ( اغنية التم ) و( مفجوع رغم انفه ) وكلها من تأليف تشيخوف ، وغيرها ، وعندماعاد سعدي يونس بحري من باريس في السبعينات قدم تجاربه في ( المونودراما ) ، ثم قدمت هذا النوع احلام عرب في الثمانينات عند عودتها من لندن ايضا ، ثم شاعت المينودراما بشكل واسع في المسرح العراقي ، لاسيما في اعمال الفنانيين الذين عملوا خارج العراق بعد عام 1980 مؤكدين على اهمية لغة الجسد والتجريب في اختزال لغة الكلام ماامكن ، محاوله للعوده الى المسرح البدئي ( الرقص) كما يقولون عنه.

كتب في العهد الملكي مسرحية الفصل الواحد او الفصلين فقط ، ( تؤمر بيك ) الا ان اهم عمل له كتبها في عام 1954 ( آني امك ياشاكر ) التي لم ترى النور الا في عام 1958 بعد ثورة 14تموز ، انتقل بعدها في الفتره ( 1958 -1963 ) الى الكتابه عن العائله العراقيه في المسرح ( اهلابالحياة)1959 مسرحيه بثلاث فصول ، تناول تطور مواقف افراد عائله واحده بفعل الثوره قسم منهم بقي منشدا الى الماضي بمصالح وعادات ، والاخر تناغم مع الجديد .

وفي هذا الصدد واصل تناوله لموضوع ا لعائله العراقيه في تمثيلياته التلفزيونيه التي كانت تبث بشكل مباشر، فماعدا تمثيلية ( اناوحدي) المكتوبه والمنشوره قبل ثورة تموز التي كلفت الفرقه سحب يد مخرجها يوسف جرجيس حمد عن عمله كمخرج و كمدير للتلفزيون انذاك ايضا، والتي وصفت بانها تعرضت بالنقد لوحدانية وفردية عبدالكريم قاسم ، كانت تمثيليات( بنات هلوكت ) و(وولد هلوكت ) و( وواحد اثنين تلاثه ) و( ليطه ) وكلها تدور حول العائله كرمز لمجتمع يتغير .

وفي بيروت في ( 1963-1967) وبعيدا عن رفاق دربه فرقة المسرح الحديث وفنانيها، حاول ان ينفذ بعض المشاريع الفنيه التي منيت بالفشل الكبير ماديا وفنيا كانتاج واشتراك في تمثيل فيلم من اخراج حكمت لبيب واخراج مسرحيه لجهه لبنانيه، الا انه استفاد كثيرا من اعمال الرحابنه التي واكب اعمالها في فترة حضوره للتمارين والعروض ، و كتب عن هذه الاوبريتات التي واكبها بدقه سلسله من المقالات النقديه الهامه في الصحف اللبنانيه ، وقد اثرت هذه المعايشه على كتابته لنص مسرحية ( المفتاح) التي كتبها فيما بعد في بغداد بعد عودته للعراق عام 1968 مستلهما كما يفعل الرحابنه التراث الشعبي وحدوثاته واجوائه الملحميه كمواضيع لأوبريتاتهم ، التفت العاني بدوره الى التراث العراقي ، واستلهم منه اغنية اطفال شائعه تقول :-

ياخشيبه نودي نودي
وديني على جدودي
وجدودي بطارف عكا
ينطوني ثوب وكعكه...الخ

واستعملها كعمود فقري للمسرحيه التي كتبها بأسلوب ملحمي ، متجاوزا الاطار المألوف الذي كان يكتب فيه ، متأثرا بجروح انقلاب شباط ، و بالجو الثوري المحتدم انذاك ، رغم ان الحزب الشيوعي كان منقسما على نفسه ويعاني من اقسى انشقاق تعرض له ، فالقياده المركزيه تخوض عصيانا في الاهوار، في الوقت نفسه تلاحق وتطارد وتعتقل من يقع بيدها من اعضاء المكتب السياسي للحزب في بغداد ، كل شيء كان متحركا وفي حالة فوضى وتصارع ، مع ذلك كان الوضع ينذر بتغيير قادم ويبشر بقدوم اليسار ، نجاح هروب سجن الحله ، فوز قائمة اتحاد الطلبه العام في انتخابات الجامعه ، اضرابات عماليه مطلبيه في شركة الزيوت النباتيه ، والبعث يعد نفسه بالمقابل على عجل لاستلام السلطه قبل فوات الاوان من عبدالرحمن عارف الضعيف ،

حاول العاني بخلفية نكسة انقلاب شباط 1963 الدامي عكس الجو السياسي العام آنذاك في ( المفتاح ) وما تلاه من الدوران في حلقه مفرغه حول االازمه السياسيه دون التمكن من العثور على المخرج والحل ، ويدعوا في المسرحيه حيره وحيران بطلي المسرحيه الخروج من هذه الدائره التي لانهاية لها بترك الوهم والحيره بالتصميم والواقعيه للوصول الى المفتاح ، وكانت ميول العاني الفكريه في هذه المسرحيه متناغمه بوضوح مع السياسة المتياسره للقياده المركزيه ، والتي نجحت في تظليل الكثير من القطاعات الثقافيه قبل ان تنهار.

قبل مسرحية ( المفتاح) عاد يوسف العاني الى العراق وال فرقته المسرح الفني الحديث وهو يحمل مسرحية ( صوره جديده) التي كتبها في بيروت ، باسلوب الخمسينات التي سبق وان كتب بها مسرحية ( اهلا بالحياة ) 1959 وما قبلها ، ولم يقدم شيئا جديدا ، وتناول مكررا موضوعه القديم الاثير الذي يدور حول العائله العراقيه ، ودور الاب المتسلط فيها ، والذي نكتشف في نهايه المسرحيه ان هذا الاب القاسي والذي يبدو انه اناني ، هو رحيم وطيب في اعماقه وقابل للتغيير اذ يتراجع عن مواصلة طريق الغوايه عندما يحاصر بحزم ويقاطع من قبل افراد عائلته واقرب اصدقائه ، ويقوم في ختام المسرحيه بتعليق صوره جديده للعائله على الحائط ، مدشنا بدايه جديده لعلاقه ديمقراطيه مع افراد العائله.

وينوع العاني في الكتابه للمسرح بعد ( المفتاح) فيكتب ( الخرابه ) متأثرا بالمسرح التسجيلي ، مستمدا موضوعه من ما كان يجري في احد مقاهي النجف القديمه التي كانت تسمى لقدمها بالخرابه ، اعتاد فيها الزبائن وصاحب المقهى والعاملون في المقهى بتمثيل وارتجال واقعه يوميه تحدث في المدينه، الكل ممثل ومتفرج في نفس الوقت ، الزبائن والعاملون في المقهى ، من بين زبائن المقهى احد المجانين يتخلص من جنونه ويتصرف كأي عاقل عندما يدخل المقهى. حاول ان يسجل في المسرحيه احداثا امميه كبيره كانت تدور آنذاك ، حرب فيتنام ، المقاومه الفلسطينيه ، سقوط جيفارا في بوليفيا ، ايلول الاسود ، وحشية الامبرياليه ، وتحول المسرح ( اخراج سامي عبدالحميد ) قاعه ومنصه الى معرض للبوستر السياسي والصور واللافتات، بدءا من الباب الخارجيه (قاعة مسرح الخلد) المطله على حدائقها مرورا بصالة العرض وصولا الى منصة العرض الخاليه من الستار، واستخدم شاشه على المسرح لعرض سلايدات توضيحيه تقدم الصور والوثائق على هامش احداث المسرحيه.

في عام 1973 بدأت فرقة المسرح الفني الحديث التمارين على مسرحيه جديده للعاني ( الجومه) اخراج سامي عبد الحميد ، مكتوبه على شكل لوحات وبنفس ملحمي ، وكانت المسرحيه على وشك ان تقدم ، كل شيء فيها قد جهز ، التمارين وصلت الى اشواطها النهائيه واكتملت الملابس ، والديكورات ، وحفظ الممثلون النص ولحن الاغاني ، فاذا بوزارة الثقافه والاعلام ( كان وزير الثقافه آنذاك طارق عزيز ) تمنع عرض المسرحيه بسبب شعوبية المسرحيه ، ونفسها الاممي ، سبب المنع للعاني صدمه كبيره لزم على اثرها فراش المرض ، وسببت للفرقه خيبة امل ، فهذا المنع لمسرحيه للفرقه هو الاول من نوعه في العهد الجمهوري منذ ثورة 1958 ، ولم يعد يوسف العاني بعد هذا المنع يواصل الكتابه على نهج ما بدأه في ( المفتاح ، والخرابه ، والجومه ) وعاد الى الواقعيه مرة اخرى ، واخذ ينوع في اجوائها ، فقدمت له الفرقه ( الشريعه ) 1971 اخراج قاسم محمد ،التي نجحت نجاحا جماهيريا كبيرا واستمر عرضها يوميا وبشكل متواصل لاكثر من ثلاثة اشهر.

في فترة الحرب العراقيه الايرانيه لم تقدم له الفرقه شيئا كبيرا ، وهو شخصيا لم يكتب شيئا مهما ، في هذه الفنره ،كتب ونشر ( الامس عاد من جديد ) و( زعفران ) واخرجت له الفرقه ( جانت عايزه والتمت ) 1981 ، واخر اعماله التي قدمتها له فرقته ( خيط البريسم )1986 من اخراج فاضل خليل وكلها تعود الى اسلوبه في الكتابه الواقعيه في الخمسينات .

علاقة يوسف العاني ( بفرقة المسرح الحديث ) ، وقبلها بنواتها ( جماعة جبر الخواطر) وامتدادها ( فرقة المسرح الفني الحديث ) علاقه تفاعليه تكامليه ، فلولا هذا التجمع الفريد من المبدعين المهمين في الفرقه برئاسة مؤسسها الاول ابراهيم جلال ، لما تبلورو تحقق ما تحقق ليوسف العاني وارسى تقاليده ، وبالمقابل الفرقه في غياب العاني عنها ما كان لها ان تشغل هذا الموقع الهام في الحركه المسرحيه العراقيه فأهمية المسرح الفني الحديث ، للعاني كأهمية مسرح موسكو الفني برئاسة ستانسلافسكي في تثبيت مسرح تشيخوف الواقعي وطريقةستانسلافسكي في التمثيل ، وايضا اهمية برخت في الكتابه ومنهجه الملحمي في المسرح ما كان لها ان ترسى اسسها لولاعمله في فرقة ( برلينر انسامبل ) بالتحديد .

فتاريخ هذه الفرقه الحافل ، هو تاريخ التجديدالمسنمر والتجريب المجدي في المسرح العراقي الحديث ، فالفرقة كانت مفتوحه بدون تحفض وباستمرا منذ تأسيسها تحتضن الطاقات الواعده الشابه ، وتحقيق المشاريع الجريئه الاولى للشباب العائد بالجديد من دراسة المسرح في الخارج ، وعمل كضيوف شرف في الفرقه كوكبه من رواد المسرح والشباب المهمين منهم عبدالله العزاوي وبهنام ميخائيل وجاسم العبودي وجعفر السعدي وخليل الرفاعي ومحسن العزاوي.. وقائمة الضيوف طويله .

ومثل يوسف العاني في فرقته كل اعماله التي كتبها ، عدا القليل منها عندما لاتكون هناك شخصيه تلائمه فيها ، كما في مسرحية ( اني امك ياشاكر ) ، ولم يخرج للفرقه أي عمل على الاطلاق، كما وانه لم يمثل في المسرح خارج نطاق الفرقه الا في عمل واحدا للفرقه القوميه ( البيك والسايق ) 1973 .

اخرج اعماله في الفرقه العديد من الفنانين بدءا من خليل شوقي وابراهيم جلال وعبدالواحد طه ومن الشباب روميو يوسف ، الا ان معظمها اخرجها سامي عبد الحميد وقاسم محمد .


1- ( الجذور في تاريخ العراق الحديث )- الحلقه الاولى - حميد المطبعي - جريدة الثوره - عدد25 /7/1988 .
2- (العبره ليست بالجذر الواحد) (1)- حوار مع يوسف العاني - حاوره عبالخالق كيطان -جريدة الزمان - عدد يوم2/8/ 1999 .
3- (أحلم ان يظل الحلم متقدا) (2)- حوار مع يوسف العاني - حاوره عبدالخالق كيطان - جريدة الزمان - عدد 3/8/1999 .
4- ( قالت مثل ورحت امثل ) - يوسف العاني - جريدة الثوره - العدد ليوم 1/11/ 1987 .
5- ( - المونودراما - العراقيه وذاكرة الحقيقه ) يوسف العاني - جريدة الثوره - عدد يوم 10/8/1986 .
6- ( تجارب مسرحيه في الظرف الصعب ) يوسف العاني - جريدة الجمهوريه - عدد يوم 12/11/ 1990 .
7- ( التجربه المسرحيه معايشه وانعكاسات ) يوسف العاني - دار الفارابي - بيروت 1979 .
8- ( منهج التطور في مسرح يوسف العاني ) لطيف حسن - جريدة الشعب - عدد22/11/ 1967 .
9- ( اليوبيل الفضي الخامس والعشرين لفرقة المسرح الفني الحديث ) كراس - بغداد مطبعة الاديب 1977 .
* - ( الصور من ارشيفي الشخصي )