نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

فنون

 

 

 

الخميس 9/3/ 2006

 

 

 

المعاصرة


عبد الامير الخطيب *

على ما يبدو، ان السؤال الشكسبيري التاريخي، "اكون او لا اكون..ذلك هو السؤال" و الاصح " اكون او لا اكون..تلك هي القضية" هو من الاسئلة المصيرية التي تجابه الانسان اين ما و متى ما كان، و المعنى الظاهر كالمعنى الخفي لهذه الجملة التاريخية، وهو ان الانسان يبحث عن مكانه في زمنه عن وجوده و كينونته، و هذا هو اقرب المعني لكلمة المعاصرة.
فالمعاصرة تختلف تماما عن الحداثة، التى عمل عليها الكثير و لا يزالون في قضايا الفن و الادب و غيرها من التكنلوجيا و علم اللسانيات. وما يهمني هنا بالتحديد هي قضية الفن، اعني المعاصرة في الفن، و حصرا الفن التشكيلي الذي برع و برز فية العراقيون دون سواهم من العرب في عقود الخمسينيات و الستينات و السبعينات من القرن الماضي، و عن الدور المعاصر الذي يلعبة هؤلاء في تكوين و تشكيل الصورة النهائية للفن التشكيلى المعاصر في عموم الارض.
هذا المقال ليس دراسة علمية ميدانيه عن الفن التشكيلي المعاصر، و لاهو نقد لظاهرة الفن التشكيلي المعاصر ، بل هو مجرد اراء احاول من خلالها نشر اسئلة لما اراه في تجربتي الذاتية كاحد العاملين المتواصلين في هذا المجال.
كثيرا ما تحدثنا عن الفن الحديث، و عن دور الريادة للفنانين العراقيين لهذا الفن في عموم البلدان العربية، و شهد بذلك للعراقيين العرب جميعا، بمن فيهم من الباحثين و الفنانين، و حتى المهتمين بهذا الشأن و المقتنيين. كذلك عرفنا ان الفنان العراقي اضاف و بكل جدارة للفن او لصورة الفن العربي الحديث الكثير و من الاسماء الكثير ما سيملأ هذا الانترنيت. و باعتقادي ان ليس من المفيد الان ذكر أي اسم لاني في صدد الحديث عن موضوع أخر و هو المعاصرة لهذا الفنان، او بالتحديد تجديد معلومات الفنان و الناقد و المهتم بمتطورات الفن حول العالم و الذي اضاف اليه الفنان العراقي على وجه التحديد.
في قصة الفن العراقي المعاصر يتعرف المطلع و القارئ على ان اهتمام الفنان العراقي بالفن الحديث و بفن الخمسينات و الستينات يعود الى البعثات التي ارسلت الى اوربا لدراسة الفن من الرعيل الاول للفنانين، و كذلك لجوء فنانين بولونيين الى العراق اثناء الحرب العالمية الثانية. وهذاالتاثير او بعبارة اصح التلاقح الذي حصل بين المهتمين من الفنانين الاوائل او ما نصطلح علية بالفنانين المحدثين وبين ما تاثروا به سواء ما اتى او ما جلبوه من الخارج اثناء دراستهم كان هو حجر التعامل الاساسي في ريادة العراقين للفن الحديث.
و لكن اين وصل الفنان العراقي بخطابة التشكيلى و اين تواصلة مع الخطاب التشكيلى؟ هل انتهى عند نقطة الحداثة؟ هل عرف موقعة بين اقرانه من الفنانين ام انه تصاغر و انطوى كالقنفذ كي يحمى موروثة الذي بدأه و كانت له الريادة في جلبه الى عالم مليء بالممنوعات و المحرمات خصوصا "الفن التشكيلى"؟
المعاصرة كلمة تعني التواصل و العصرنة تعني انك مع أخر ما توصل اليه الناس من تجارب، لا أعني هنا في الفن فقط بل اعني جميع المنجزات الثقافية التي من شانها خلق حياة متحركة فيها الجديد و المتجدد باستمرار. و كذلك تعني كلمة المعاصرة , انك تعيش مع الحالة او الشخص في ذات الزمن كقولك عاش ابو نؤاس معاصرا للرشيد، أي انهما عاشا في ذات الزمن. اذن فالزمن هو القاسم المشترك لطرفي المعادلة.
لقد درس الفنان العراقي اثناء الخمسينات و الستينات من القرن الماضي في اوربا و تعايشوا مع الفن الاوربي، و كما اسلفنا فانهم جلبوا التاثير و كفى المؤمنين شر القتال. أي انهم ادّوا وظيفتهم و لم يطالبوا بتاسيس معاهد او حتى مؤسسات تهتم بدراسة اخر ما توصل الية الاخر من تجارب في الفن التشكيلى، هذه ليست مشكلة محددة في جيل محدد بل هي مشكلة مع كل الذين اعقبو جيل الستينات، لاننا ورثنا الفن و المعرفة في الفن اساتذة و دهاقنة الفن أي من شيوخ عشائر الفن الفاهمين الكاملين الذين لا ينطقوا عن الهوى. فكان من الطبيعي ان يضبب الاستاذ في كلية الفنون تجربة الفنانين الاخرين مثل بيكاسو و ماتيس وغيرهم، و يتحدث عن هذه التجارب وكانها المقدس الطاهر الذي ربما يدنسة الاطفال النجسين.
وبدلا من توضيح رؤية بيكاسو للتلاميذ رؤية بيكاسو التي اعطاها للعالم من خلال الفن، يحاول الاستاذ تصغير تلامذته و ربما تحقيرهم و محاربة كل من يبرز من الطلاب وهذا بعبارة اخرى هو تعبير عن العشائرية الدفينة في الاعماق السحيقة لنفس هذا الاستاذ المريض بالنرجسية و المرض العربي الذي لا يُستاصل" العشائرية"، جلب هذه العشائرية الى الجامعة و الى المحترف و في كل ميادين الحياة، لتبلغ ما بلغناة في زمننا المعاصر الان.
تجاهل او انقطع الفنان العراقي وقرينه العربي، عن اخر المتطورات في الساحة التشكيلية العالمية منذ بداية السبعينات وبقي يراوح في ما انجزة و ما توصل الية في السنتينات، وبدلا من ان ينشغل في و ظيفتة الاساسية و هي التواصل في صناعة الخطاب و المشاركة في صناعة الخطاب التشكيلى ، لجأ الى التواصل مع الخطاب السياسي و التاكيد على صناعة الايقونات و صناعة الاصنام من هذه الايقونات، و هنا لا اعني في العراق حسب بل طالت الحالة لتشمل جميع انحاء العالم العربي.
هنا اود ان أأكد على انّي لست ضد الايقونة و لا جميع الايقونجية، بل أأكد على ان الفنان العربي يجب ان يبرز مشاركتة في صناعة الخطاب التشكيلى العالمي المعاصر، وهذا هو الذي دعاني ان اكتب هذه السطور المتواضعة، و ان انثر هذه الاسئلة التي لا بد منها.
في معرض نقاشي وفي مكالماتي التلفونية مع اغلب الفنانين و النقاد و المهتمين بالفن التشكيلي، يتبين دائما ان الفنان العربي المعاصر يجهل تماما الفنانين الاخرين، فنان مثل انيش كابور او مثل سيباستياو سلجادو او اوود نودروم او أي فنان عالمي معاصر ، هذا الجهل حالة خطيرة، و خطورتها الخفيه تعّمق الهوة بين ما توصل الية الفنان العربي و بين ما توصل او يتوصل الية الفنان العالمي الاخر المعاصر,
يكتب معظم الفنانون العرب عن فنانين اخرين زملاء لهم او حتى كتابة بعض النقاد العرب او بالاحرى المشتغلين بالنقد عن الفنانين العرب، هي محض مجاملة ليس لها علاقة بالفن و تحليل الضاهرة او البحث الفني لهذا الفنان او ذاك، هذه المجاملات تزيد الهوة عمقا و لاتردمها ابدا، بل توصلت الحالة ببعض الروائيين و الشعراء بالكتابة عن بعض الفنانين بانهم من اوجد ضاهرة الفن الحديث، تماما ككتابة الشعر و الروايات عن صلاطينهم.
بقي ان اقول عن تجارب الفنانين العرب الذين ترعرعوا في الغرب و شاركوا في صناعة الخطاب التشكيلى المعاصر،و بالتاكيد سوف لن استطيع حصر هؤلاء ابدا لانهم نجوم لامعة في سماوات "بلدانهم الثانيه" ولهم وضعهم ومشاكلهم و حتى حضورهم الفعّال الذي يكتبه لهم التاريخ. و اما قضية تغيبهم القسري عن العالم العربي و عن الصحافة و الاعلام العربي فهذه قضية بحد ذاتها بحاجة الى بحث و تقصي علمي.
اقول هذا و انا اتابع بعض ما ينشر في الصحف التشكيلية و الثقافية التي تكتب عن الفن ، الفنان العراقي يركز على حقبة الستينات و لا يريد ان يفهم الخطاب التشكيلي المعاصر و يكتب احد الفنانين عن فنان اخر بعين ستينية او حتى خمسينية صرفه، وكذلك يكتب السوري عن زميلة بذات العين. اما عن المنجز التشكيلي العربي المعصر داخل العالم العربي فان هناك ممارسة تعسفية عنيفة من قبل العشائريون في وأد هذا المنجز ومن ثم محاربته. ولنا في مثال الفنان البحريني الذي عمل انستليشن "فن تركيب" و الذي طرد من موقع العمل و تحطم عمله.
ولكن هذا لا يعني ان ليس هناك تجارب تشكيلية معاصرة ، و لنا في تجربة الشباب المغاربة الجدد مثال على المنجز التشكيلي المعاصر، و المشاركة المعاصرة في صناعة الخطاب التشكيلي المعاصر. وكذلك العشرات من الامثلة المعاشة.
 

* فنان عراقي غادر العراق 1986، يعيش و يعمل في فنلندا منذ 1990 يترأس الان شبكه الفنانين المهاجرين في الاتحاد الاوربي. للمزيد من المعلومات يمكن زيارة موقعه الشخصي على :www.eu-man.org/amir