| الناس | الثقافية  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

فنون

 

 

 

الثلاثاء 3/7/ 2007

 

 


الموسيقى بين التراث والمعاصرة


حميد البصري

شغل هذا الموضوع بال الكثير من النقاد بمختلف اتجاهاتهم الفكرية في اسلوب معالجته . فتحمس البعض للتراث وقاطعه البعض الآخر بحجة المعاصرة ، بينما دعى آخرون للجمع بين الأثنين . فقد جعل المحافظون التراث ، بعد ان التزموا به حد التقديس ، ركاماً يسد طريق التقدم والتجديد ، وسيفاً يلوحون به في وجه الابداع . وهم في ذلك يسقطون في خطأ منهجي يتجاهلون فيه الامتداد والتواصل الذين يحملهما التراث ، وهي من اهم خصائصه وصفاته المشرقة . ان هذا الموقف الحق خسارة بالتراث ، اذ صار بديلاً عن الحاضر ، نقيضاً للابداع ، مما اعطى للمنجزات الانسانية سكونية جامدة لا تصلح للاستلهام قدر التعظيم والفخر . وقد سهل هذا الموقف على البعض الآخر ان يدعو الى الانقطاع عن التراث بوعي ، اي بدوافع ومصالح لا وطنية ، وبدون وعي ، مدعين ان التراث جزءاً من الروابط القديمة التي يدعون الى فك الارتباط بها والتمرد على وصايتها ، ويشيعون هذه المفاهيم بشكل خاص بين الشباب .
وقبل ان ادخل في طرح الأسلوب الصائب بالجمع بين التراث والمعاصرة في الموسيقى ، اود ان القي الضوء على بعض الجوانب العامة في الموضوع . فما هو التراث ؟ انه مجموع المتراكم من خبرات الأنسان منذ بداية وعيه حتى الوقت الحاضر . وقد يكون مجموع المتراكم من خبرات امة من الأمم منذ بداية تكوينها حتى الوقت الحاضر . وفي التراث الحضاري – مجمل الموروث – جوانب اربع : 1 – معاش مكتوب ، كأمهات كتب الفقه . 2 – معاش غير مكتوب ، كالعادات . 3 - مكتوب غير معاش ، كالفلسفة . 4 - متداخل حضارياً ، كالرياضيات . اما المعاصرة فهي تعبير عن العصر وانعكاس للمرحلة ، وتتجسد في الموسيقى بالايقاع واللحن والتوزيع والآلات .
ان الكلام عن التراث والمعاصرة بشكل عام ، لابد من تطبيقه على الموسيقى لمعرفتنا بالدور الكبير الذي تلعبه في المجتمع ، وضرورة التصدي للتيارات الخاطئة والمشبوهة في بعض الأحيان ، والتي تعرقل فاعلية ودور الموسيقى في نمو وتطور المجتمع . فالتعامل مع التراث في الموسيقى مهم لاكتساب الاصالة .. الهوية في الشكل .. في الاسلوب .. في الايقاع .. في اللحن ، لكي تتجاوب الجماهير مع هذه الموسيقى .. تفهمها وتشعر بالسعادة حين الاندماج والتعاطف معها ، اضافة الى منع الممارسات السائدة عند بعض الفنانين حالياً لتشويه التراث بتغيير ايقاعه او جزء من لحنه جهلاً او تسهيلاً او تماشيا مع نوع الآلات المستخدمة .
اما المعاصرة فهي خلق المدرسة الوطنية في الموسيقى بما يعكس المرحلة التي يعيشها المجتمع مبنية على الماضي مع نظرة الى المستقبل ، وذلك يشمل الآلات الموسيقية ايضاً . هنا يأتي سؤال : هل المعاصرة تفقد التراث اصالته؟ الجواب بالتاكيد ، كلا ، وهناك نماذج كثيرة لشعوب متقدمة مرت بنفس المرحلة وكان لها تراث متنوع . فهل فقدت الأغاني الهندية او الأغاني الروسية اصالتها بالمعاصرة ؟ هل أفقدت المعاصرة هوية تلك الأغاني ؟ بالطبع كلا .
ان جمع التراث الموسيقي وحفظه من جهة ، وخلق الكوادر الموسيقية المتقدمة من جهة اخرى لدراسته والتعامل معه وفق المنطلقات التي اشرت اليها اعلاه كفيل بخلق موسيقى معاصرة تجتذب الشباب وغيرهم .. تمتد جذورها في عمق التراث الموسيقي .. موسيقى تؤثر بالمجتمع وتتأثر به ، لتقوم بدورها كاملاً في توعية الجماهير واغنائهم الروحي ، وتبعد شبح الاغتراب في الموسيقى .