| الناس | الثقافية  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

فنون

 

 

 

الخميس 29/3/ 2007

 

 

مسرحية اطفال الحرب للفنان علي ريسان


قراءة نعمة السوداني / هولندا

في مدينة انتويربن البلجيكيه وضمن اطار دورة مهرجان الموسم السابعة قدمت يوم السبت 24/3/2007 مسرحية (أطفال الحرب ) للفنان علي ريسان في أحدى قاعات متحف الفن الحديث...

أنطلقت المسرحية من نصوص وقصائد اعدها الفنان للعمل والعرض والاخراج على خشبة المسرح ومنذ الوهلة الاولى كان هناك تأثيرا واضحا على الجمهور الذي رأى كيف أن الانسان يخرج من عمق التاريخ القديم الذي يمتد لالاف السنين ليبحث في جدلية العلاقة بين الانسان والمجتمع من خلال رسائل وجمل بثها للعالم طالبا فيها توضيح ما يحدث من دمار في العراق, يبحث في جدلية تلك العلاقة التي رسمها الفنان علي ريسان ضمن علامات ودلالات متكاملة ومن خلال سينوغرافيا وموسيقى وأضاءة معتمدا على تطوير النصوص التي تعامل معها وذلك على اساس ان يعيد بنائها بشكل جديد وباتجاه الصورة ( اللغة البصرية )
وحسب رؤيته مستخدما سينوغرافيا مؤثرة على المتفرج من الناحية النفسية بالجو العام مؤكدا وبشكل خاص على المكان الذي تجري فيه الاحداث والوقائع معلنا أن حجم المأساة كبير جدا وأن الخسارات كثيرة ايضا منطلقا من اعماق التاريخ, هناك خسارات للانسان ولازالت مستمرة كتدفق النهرين بين السهول والوديان تلك الاحداث التي تروي ما عاناه الانسان وقد ألف الاحوال وتعود على حجم الخسارات.
حوالي 45 دقيقه كان فيها الخطاب المسرحي يعلن الرفض لما يحدث وبعبارة اخرى (صرخات متتالية ضد الدمار والخراب الذي حل في العراق ) هذا الرفض يأتي بواسطة العلامات والدلالات التي تدرك بالحواس وتنتهي الى انواع مختلفة يتناسب فيها الديكور الذي أمتد الى القاعة برمزية وحرفية عالية وكأننا أمام طريق ترابية تؤدي لمقبرة جماعية...حّول المكان (الفضاء) لمؤثر يفرض فيه النص سطوته على المتفرج بطريقة الفاعل المتحرك الوحيد على الخشبة.

الانسان يقول : ( أنا أول القصائد واخر الحكايا ) بنبرات صوتية كلامية وبطريقة الالقاء المليئة باحساس المأساة يتنقل من شخصية الى اخرى يتمتع بأيقاع متناسق ومتماسك لم يخذله مع التناغم الداخلي في عمق ذلك الاداء والحركة والكلمة المنطوقة مكونا صورا بصرية خلابة معتمدا على قدرته وطاقته التي تحركه باتجاه الحدث وينطلق منها بعد كل لحظة تستوجب ما يمكن عمله فنراه ينطلق بقفزة رائعة من الخشبة الى صوب الجمهور ليتكور على مكعب خشبي أمام ووسط الجمهور راميا نفسه بصحراء رملية مليئة بالشموع
وهي دلالة اخرى على فضاءات الموت ليشكل صور مأساوية ولان النص ملئ بمفردات تأكد على الموت
كالمقابر/ التوابيت/ دمدمات المدافع/ المجنزرات/ القنابل/والعقب العسكرية/,وما لها من تأثير كبير على الجمهور لكونها تشكل مجموعة من العلامات تنطلق من الخشبة ومن مخطط الاحداث المكتوب...
وعند قراءة بعض المشاهد المثيرة التي ابدع فيها الفنان علي ريسان نتوقف عند المشاهد التالية :
* حينما يأخذنا الى مشهد جسر الشهداء (وقفت على جسر الشهداء,فما وجدتك بينهم, أنحنيت على دجلة تسللت الى بهاء الغرقى وهم يحتفلون بولادات الموج , ناشدتهم ان يتبعوه الى موجة عذراء, سخروا مني حينها أطبقت على عيني على وجعي ,,,وصرخت ,, نحن أطفال الحرب )
في هذا المشهد أثار المتفرجين حينما تحول النص الى صورة الى نص بصري فانسياب مياه دجلة غمر القاعة وغرق الجمهور ثم جاءت النوارس لتعانق وجه دجلة وهي تغني باعلى اصواتها مما اربك الجمهور
كان مشهدا مكثفا وغزير الدلالة ..
** وفي مشهد اخر يتعلق بمعلم الفنيه الاستاذ حميد واحلامه التي دفنت معه , فرسوم الفاتنات والفراشات التي تتراقص واحلام النخيل والفرات ,كلها ضاعت...يبحث ويقلب التراب ,لم يجد هناك الا وصية وتاريخ يقول (نقيم العزاء على روح الارض حتى وضعت الحرب رأسها على كتف سيدها وأخذت بالتثاؤب )..كان النبش في التراب يشبه نبش القبور باحثا عن جثته,, مشهد مرعب ايضا الفت عليه عيون العراقيين.

*** واخر المشاهد الاكثر اثارة ( مشهد الاحتلال) دخول قوات الاحتلال المارينيز وهي تعلن احتلالها, تتقدم بالعقب العسكرية (البساطيل ) تطلق صوتا مدويا باقدامها بايقاعات تشبه الفصائل النازية عندما تدخل مدينة تحرقها وتدوس على بشرها بالعقب او بالنار ,كان صوت الاحتلال حاضرا من دون اي حوار او كلام ... وبالمقابل هناك صوتا ذبيحا معارضا يرفض تلك الهمجية القادمة ,يقاوم بالآمه وأنينه ثم ينتهي كل شئ.....
رقصات الموت تتوالى في لحظات معبرة يصل العرض فيها الى اعلى مستوياته تقدما وتمايزاً يجسد فيه الموت وقوفا , الاجساد سابحة بنوافير من الدم والارواح تسبح وتنطلق للفضاء ...
ثم صوت يردد ( نحن اطفال الحرب ,نصطاد الموت بشواهد القبور. ونرسم الشهادة على أضرحة مستباحة على مر العصور...).
عبر هذه المأساة كان هناك حضورا لجلجامش وهو في عودته من بطون التاريخ يصرخ ويصرخ ضد الدمار الذي حل في بلاده , رايات سوداء خضراء حمراء حرب مشتعلة حجم المأساة كبير وعمره الاف من السنين ولا زالت الحرب قائمة....
هكذا قدم الفنان علي ريسان الاحداث وربما حاول ان ينفذ من عتمة الليل لفقدانه الاحبة, لقدراته العالية من حاله الى اخرى من التاريخ القديم الى الدبابة استطاع ان يحمل العالم بكفيه ليقدمه للجمهور كان جديرا بذلك.....
الجسد لديه مطاوعا لكل الحركات المرسومة ضمن التشكيل الحركي في النص وفي التوزيع الجغرافي وكذلك على الكتل التي تحيط به كان خفيف الحركة لانه مثل هذه الاعمال تتطلب جهدا كبيرللحركة والسرعة و كان موفقا فيها ...

في السينوغرافيا التي صنعها على ضؤ معطيات النص كانت بسيطة لكنها معبرة في نفس الوقت فالجدران التي اخترقها الانسان القادم من العصور السومرية كانت من قماش اسود ومكتوب عليها كتابة سومرية .وبعض الايقونات التي تحمل بعدا تاريخيا وضعت يمين المكان ويساره.. كان لدور السينوغرافيا دورا جيدا حينما صاغت المكان وملأته..واصبحت جزءاً من اللوحات البصرية التي قدمت بالمكان
وقد وفرت له ايضا تعبيرا يليق بحجم الماساة وهذا ما اراده هو كمخرج وممثل فقد صّور المكان الفضاء المسرحي ماديا وجعل الحواس تدركه بشكل واضح وعمل على تنسيق الفضاء المسرحي والتحكم فيه,لقد استنطق عناصر العرض المسرحي بعلاماتها ودلالاتها بالوصول الى المعنى الذي اراده ان يصل للجمهور من تجليات اظهرفيها الزمان والمكان من خلال النص الذي اشتغل عليه.. ترجم الكثيرمن الحوارات ترجمة بصرية بالحركة وفعل الجسد....

أستخدم حيز الفرجة عندما ترك حيز اللعب ليزج الجمهور باللعبة ويحرك ما يستطيع تحريكه عبر وسائله التعبيريه..
في التوليف والاخراج والتمثيل هناك استقلالية للعرض منحها الفنان علي ريسان لنفسه كمخرج وممثل ومعد لم تخلق له اشكالية الصراع التقليدي فالقضية معروفه سلفا لان العمل مونودراما و دائما تميل الغلبة للممثل لا للمخرج وهو يرى نفسه بذلك مما يضيف اليه هذا الاستقلال مساحات من الحرية في الاختيار والتنفيذ مع وجود الرغبة التي يقدم نفسه فيها مخرجا او ممثلا...
الفنان ابدع في صنعته ( كأسطة ) بالتعامل مع وظيفته الفنية بقدرة عالية ,كان فاعلا ومؤثرا
حقيقيا صادقا في التعبير عن حجم الخسائر والمأسي وكان مركز جاذبية,عمل كسلسلة من اللحظات, لحظة تولد في رحم لحظة دونما أن يترك للجمهور فسحة يسترخي فيها, فقد كانت سطوته على الجمهور بصناعة
هكذا جو واضحة بعدما ادخله في مديات اللعبة لحمل تلك الماساة معه من خلال النص الذي يحتوي المتعة الشعرية والماساة وهما يسيران بشكل متوازي ,كان بارع في اقامة علاقة بينه وبين الجمهور من خلال تطويعه لعناصر العمل الى الممثل .

كما للعمل صفات ومحاسن تحسب اليه هناك ايضا بعض الملاحظات المهمه والتي على الفنان علي ريسان ان يقف عندها ويعيد النظر فيها (بغض النظر عن ان المونودراما تصاحبها ملاحظات لانهاعمل فردي ومكلف لصاحبه وربما لا يستطيع ان يوفر كل ما يريد منه العمل) ولكن ملا حظاتي تتعلق في مجال الاضاءة اولا وفي الموسيقى التي صاحبتا العرض , لم تكن الاضاءة في المستوى المطلوب ولم تحقق تقدم في القيم التعبيرية للمشاهد ولم تستطيع ان تؤثر في العين في تلك المساحة التي اشتغل فيها لكي تضيف قوه للعمل من حالات خوف ورعب او قلق لم يكن هناك تحكم جيد بالاضاءة او لم يكن متخصص بتوزيع الاضاءة باللحظة المناسبة في بعض الاحيان عندما كان يتحرك الممثل , وانما كانت هناك اضاءة ليس لها علاقة بما يدور على خشبة المسرح لذلك هي لم تكن في مستوى ما قدمه ,اي لم توظف لخدمة العمل بالشكل المطلوب, ثانيا : الموسيقى كانت ثابته على طول الخط للمسرحيه اي بوتيرة واحدة متوازية مع سير الاحداث من دون تغيير سوى لحظات وهذا ما ادركه الجميع الا بعض الاستثناءات كانت الموسيقى فيها تمكنت من اللحاق بروحها ببعض المشاهد التي اغنت فيها الحوار والكلمات. وايضا اقول ربما عدم وجوداالتحضير الكافي لضبط هذه الامور جعل من الضعف في تقديم هذه الموسيقى التي ابتعدت كثيرا عن العرض .....

أخيرا يشكر الفنان المبدع علي ريسان الصادق في عمله المخلص لفنه على الجهد الكبير الذي بذله من اجل انجاز هذه المهمه الشاقة لكي يوصل تلك الصرخة للعالم ضد مشعلي الحروب متمنيا له المزيد من التقدم والانجاز مع تلافي بعض الملاحظات التي وردت .

المسرحية اعدت من قصائد ونصوص لطيفة الدليمي ..سلام عبود ..قاسم فنجان ..علي ريسان
توليف موسيقي : سعد حبيب (عن موسيقى خط الشروع الاحمر )
سينوغرافيا / تمثيل / اخراج علي ريسان

26/3/2007 هولندا