| الناس | الثقافية  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

فنون

 

 

الثلاثاء 21/7/ 2008



نافذة على المسرح :

جماليات الانتاج و التلقي بين النص الادبي والعرض المسرحي

نعمة السوداني - هولندا *

عملية (التلقي) (1) هي فعل يمس كل (متفرج ) على حده وبشكل متفاوت, وانها عملية ذاتية تتحكم بها عناصر اجتماعية ونفسية وثقافية, وهي ايضا تكوّن العلاقة المسرحية التي تنشا بين المتفرج وبين العمل المسرحي . ان منتج العمل ( المرسل ) هو الذي يصمم معنى الرسالة ويساهم في عملية الترميز واعتبار (المتفرج ) ( مستقبل ) يتلخص دوره في فك هذا الترميز وتحديد المعنى وبذلك تصبح العملية هي عملية انتاج من طرفين ويتم بناء على ذلك ايجاد الية تحدد الاستقبال للمتفرج في العرض المسرحي عبر انفعالات وادراكات وفهم وتفسيرات وتاويلات وكذلك على الاعتماد على الذاكرة الانفعالية او ما محفوظ في ذاكرته ثم يقوم بربط كل هذه العمليات التي تحقق له المتعة والراحة. ان الاهتمام المتزايد في عملية ( التلقي ) وضع لها منهاجا مهما سمي ب(جماليات التلقي)و ثبتت فيه تجاريب متعددة اهتمت في هذه العملية ,و في هذه النافذة سنلقي الضوء على اهمية وجدلية العلاقة بين الجماليات التي تتعلق في الانتاج والتلقي عبر النص الادبي والعرض المسرحي مع الجمهور (– المتلقي – المتفرج ) .ان عملية التلقي هي تفاعل بين السمعي والبصري واقامة تكوينات جديدة للنص تتزامن مع التعاقب الزمني للاحداث و ان اي عملية تحمل في طياتها اعادة تكوين في - افق التوقع للمتفرج- هي بمعنى اعادة نسق المرجعيات التي تشكلها عوامل متعددة كالتجربة السابقة للجمهور عن الجنس الادبي وعن اشكال الاعمال وموضوعاتها---- وهذا عرف كان يعمل به في اوربا بان يقرأ المتفرج نص العمل المسرحي مسبقا لخلق تكوينات خاصه به قبل العرض ----- ان الاشارة الى اهمية ادراك نسق الاعمال المتزامنة باحداث مقاطع في مسار التسلسل التاريخي للاعمال الادبية .

في هذا المجال حقق النقد الأدبي نقلة نوعية من خلا ل تملصه من سلطة المؤلف وتركيزه على شكل النص مع الشكلانية وبنيته مع البنيوية وخلخلته مع التفكيكية ... . ان الجمال المعياري ينطلق من تحديد ماهية هذا النص الادبي او ذاك من خلال قواعد عامة وشامله يرتكز عليها على اساس ان القيمة الجمالية لا تحتاج للتبيان ولاتتغير وهي تقيم بناء على نموذج صريح وواضح في النص , ان هذه القواعد تبنى على اساس معايير ذوقية خاصة عند (المتفرج ) مرتبطة بزمان ومكان محددين وترتبط هذه المعايير الجمالية بالانواع المسرحية لانه غالبا ما يركز علم الجمال المهتم في المعايير الجمالية بحثه على النص . ويرى باترس بافيس أنه على الرغم من الاهتمامات المتزايدة بجمالية التلقي من قبل تيارات مختلفة فإن هذه التيارات عليها أن تستفيد من أخطاء جمالية الإنتاج التي تميزت بأحادية الجانب في مسلماتها. كما أن عليها أيضا أن تقيم مصالحة في إطار العلاقة الجدلية بين الإنتاج والتلقي.

اذن هنا نجد ان جدلية العلاقة بينهما تصبح في كل واحد منهما يتحدد في علاقته بالآخر وغالبا ما يراهن المنتجون المسرحيون على توقعات الجمهور ازاء الحدث المسرحي في ضوء الاثر الذي تحدثه هذه الجوانب وليس فقط في مجرد تفسير معناها , ولابد من وجود طرف اخر يراقب العمليات التي تتطور وفق المنظور الانساني في الادب والفن واقصد هنا وجود الناقد الذي يتمتع بالقيم المعرفية لجماليات المسرح وبقيم فكرية ايضا . ان السعي وراء ايجاد امكانية توفير الشروط التي يحتاجها ( النقد ) تجعل ايضا من ( الكاتب المسرحي ) حين يشكل نصه الدرامي والمخرج ايضا كل واحد منهما ان يضع نصب عينيه استثارة توقعات واستجابات معينة لدى الجمهور( المتلقي والناقد ) وهنا يثبت لنا كيف يتحرر المتفرج من سلطة النص . وايضا يبرز لنا التباين الذي يتسم به -- الفن الدرامي والممارسة المسرحية -- من منطلق دراسة فن المسرح اي لاتعني ما يظهر منه مطبوعا فقط , وانما في الممارسة الحية الفعلية على ( الركح ) لكونه ظاهرة اجتماعية يعتمد على حضور فعلي (للجمهور ) وعلاقة هذا الحضور بالمؤسسة الفنية الاجتماعية التي تنتج لنا (فن المسرح ) .

ان جماليات التلقي تكمن في خبرة وتجربة التلقي المسرحي عند ( المشاهد ) الذي يتعاطف مع الممثل في عملية (التطهير ) اذ يشعر المتفرج بالخوف والشفقه كما اشار اليها الفيلسوف اليوناني ارسطو الاب الروحي للمسرح الذي يشكل سلطة نقدية ومرجعية مركزية في كتابه ( فن الشعر ) الى ذلك ,-- لكنه ايضا يشعر بالامان وهذه تعتبر خبرة بديله خبرة من الدرجة الثانية وليست من الدرجة الاولى-- لان الاحداث المرتبطة بمشاعر الرعب والغضب والخوف لاتحدث له بل تحدث على مسافه منه وبالتالي فهو على الرغم من التعاطف مع الممثل والشفقة عليه وشعوره بالخوف ايضا الا انه ايضا يشعر بان الاحداث التي تحدث امامه ليست حقيقية وانها احداث متخيله وحتى لو كانت حقيقية فهي لاتحدث له . بل لشخص اخر وهذا ايضا ينطبق على ( الكوميديا والتي سنخصص لها نافذة اخرى ) لان المتفرج يجلس مع مجموعة ويشاهد ما تشاهد هذه المجموعة سوية , لذلك لايكون هناك ضررا لان الاحداث تحدث على مسافه قريبة منه كما اشارنا سابقا في ذلك ..ونجده يعطي قدرا من الاهتمام في المتفرج من خلال اشراكه في الحدث المسرحي وتاثره واندماجه مع سيرورة الحكاية المتضمنة التراجيديا التي يعرفها بكونها (محاكاة فعل نبيل تام لها طول معلوم بلغة مزدوجة تختلف وفقا لاختلاف الاجزاء وتثير الرحمة والخوف) .. فالتطهير هنا يعتمد على التعرف الذي بدوره يعتمد على الفهم الكامل للاحداث التي تقع امام عين المشاهد وبهذا يكون للتطهير معنى معرفي أعمق من معناه الانفعالي الذي كثيرا ما يتردد في الاذهان . وبالتالي فان عملية التطهير تشمل جوانب عقلية و انفعالية ترتبط بانجاز الوظيفة التراجيديه من خلال مشاعر الشفقة المليئة بالانفعالات التي تقترب من التقمص او التعاطف وايضا الخوف الذي يحتوي على انفعالات الابتعاد . ونحن هنا في هذه النافذة المسرحية نبحث عن تجربة ( المتفرج ) وعن المتعة الجمالية بين النص الادبي ونص العرض المسرحي التي لا يحققها الا هذا الفن الجمالي المتعدد العناصر من خلال النص والاخراج والتمثيل والسينوغرافيا والجمهور الى دار العرض التي تقيم احتفالية كبيرة فيها لتصنع جمالية مؤثرة وممتعة ومن جانب جمالي اخر في ( فن التمثيل ) الذي يشاهده الجمهور فان( الممثل) الوسيط بين الخشبة والمتفرج هو من يقدم لنا (الحياة الداخلية للشخصيات) ويشخصها كانها واقع حي على خشبة المسرح وهي من مكونات العرض المسرحي ... ومن خلال هذا العرض يكتشف ( المتفرج ) جماليات الاشارات و الدلالات التي تبث امامه فيفسر ما يشاهد من احداث حسب ثقافته ويأول مفردات العرض ويحاول فك الرموز والشفرات ايضا تبعا لثقافته الحياتية والمعرفية لذلك نجد ان المتعة عميقه جدا فهي تجمع بين التسلية والتفكير والانفعال والمراقبة والتحليل . لذلك يعتبر ( المتفرج ) المساهم المهم والاول في حمل بعض اعباء التجاريب المسرحية في الكون لانها تقدم امامه .. يقول غروتوفسكي: (هل يمكن للمسرح ان يصنع وجوده دون الجمهور ؟؟؟ حتى يكتسب ما يقدمه المسرح صفة العرض المسرحي فهو بحاجة الى متفرج واحد على الاقل . ) .. , من هذا المنطلق لابد وان يشعر المتفرج بانه ليس وحيدا في ( الصراع ) لانه يعيش التجربة مع الطرف الاخر في العرض المسرحي من خلال وجود احتكاك بين الطرفين بين الممثل والمتفرج بين الخشبة والصالة .

ان (الممثل ) وهو يبث رسالته عبر شبكة من العلامات إلى (المتفرج) الذي يستقبل العرض حسب الكفاءة التفسيرية لديه مثلما شرحنا سابقا بينما تكون علاقة المتفرج بالممثل هي علاقة فيها شئ من التعقيد حيث تبدأ بالتشكيل الصوتي والإيماءة والحركة والتشكيل الجسدي وهنا لابد وان يتجلى دور الوعي الجمالي للمتفرج بفك هذ ا التشكيل الحركي ورموزه .

ان فن المسرح فن مؤكد معقد يحتوي على عناصر درامية بمجموعها تشكل البنية المشهدية للعرض المسرحي وفيها الممثل يتعامل مع كل الفضاء المسرحي وان براعة الممثل تتمثل في الربط بين الافكار المختلفة في بث تلك الشفرات للجمهور الذي يحل هذه الشفرات والرموز لان خزين الممثل هو الاف من الصور المسرحية مع تراكم خبره ومعرفة واداء . وللعودة للتاريخ نجد ان عملية التلقي شغلت الفيلسوف ارسطو كثيرا وتحديدا في تفسيره لعمليات (الاستجابة) لما يحدث على خشبة المسرح على مفهوم (المحاكاة ) لكونها امر فطري موجود عند الناس منذ الصغر . وانه اول ما يتعلم عن طريق المحاكاة . ان المحاكاة ليس تقليدا لأفعال خارجية بل تمثيلاً واعياً للواقع ومن ثم تتحول لمنظومة فنية جديدة تشترك فيها كل مكونات عناصر المسرحية في تجسيدها على المسرح (مكان العرض).

لقد تمكن العقل البشري عبر التطور التاريخي من توليد نماذج فنية تحاكي البشر او تتعلق به , ففي العرض المسرحي وهو زاوية حديثنا يتم التركيز على ( الانفعال ) ويبقى الجانب – التاملي - في مكان اخر آمن بعيد عن الحياة اليومية وهو في حالة من الاسترخاء اي على مسافه وعندما يحدث --الفعل المسرحي -- يستطيع المتلقي ان يفهم طبيعة العلاقة التي تربطه في هذا العمل الفني من خلال مجموعة من علاقات تبدء بالذات او بالاهداف او بالافعال او في المحيط او المجتمع الذي يعيشه المتلقي فيه حتى يكون قد عرف نفسه بشكل جيد . وعندما يقوم المبدع المسرحي بتشكيل عمله المسرحي لابد من ان يشبع نفسه اولا منه ويشبع(المتفرج) في نفس الوقت حتى يصبح المبدع ( متفرجا ) و (المتفرج ) مبدعا , او يصبح جزء من العمل المسرحي وهذا التوحد يحدث من خلال التاثير الكبير في عملية ( الارسال والتلقي ) والتواصل في هذه العملية الجمالية المتكاملة الجوانب وهنا يتطلب من
المتفرج فهم الافعال المسرحية بدوافعها واهدافها لكي يتساوق مع الاحداث دون ان يتخلف عن اللحاق بها .

وعلى الرغم من الاهتمامات المتزايدة ( بجمالية التلقي ) من قبل تيارات مختلفة بالعملية الفنية كل حسب اسلوبه – الا اني ارى ان عملية التلقي تبقى كما هي حتى لو تغيرت طريقة الاستلام والتسليم – وساقدم هنا مثالا على ذلك حينما شاهدت عرضا مسرحيا عالميا اشترك فيه ممثلون من الاتحاد الاوربي اكثر من عشرة دول ومن بينهم كان ممثلان عراقيان هما دريد عباس ومهند رشيد ضمن كاست عمل كبير وكان العرض المسرحي يدور في محطة قطار امستردام العالمية في هولندا وان خشبة المسرح هي الارصفة الخاصة بالمسافرين .. وتسيرالاحداث بين عجلات القطارات الغادية والقادمة شمالا وجنوبا ... والممثلون منتشرون في اعماق المحطة وجنباتها وبين المسافرين يشكلون معهم ( جزء لايتجزء ) وباحتكاك دائم على طول فترة العرض ... وفي كل زاوية هناك مشهد اولوحة تمتد مع الزمن المقرر اليها وهي تتقاطع مع مجيء اي قطار قادم من اي جهة فيحدث قطع بالمشهد اي هناك مشاهد لم تكتمل بعد وهي ايضا ذات قصدية خاصة بالحياة حيث لاتكتمل الاشياء دوما ..... وحسب تسلسل فني جميل وبميزانسين وتشكيل حركي رائع يقدم الممثلون مشاهدهم الجميلة.. اما طرف المعادلة الثاني ( المتفرج) فقد كان عددهم ثلاثون متفرج , يلبسون قلنسوات على رؤسهم اي بمعنى – headphones- ويستمعون الى الحوارات والغناء التي تطير في فضاءات المحطة العالمية الكبيرة من فوق رؤوس المسافرين والمهم هو نحن الثلاثون كيف تنظم عملية ملاحقة او مطاردة المشاهد و الممثلين الذين يتنقلون بديكوراتهم واثاثهم في نصوص بصرية مثيرة تمتد مع نظر وعيون ( المتفرجين ) التي تبقى في حالة من البحث المستمر على المشهد التالي من مكان الى اخر من دون ان يعرف جمهور المارة او المسافرين بما يحدث هنا او هناك .كذلك هناك روعة كبيرة في التنسيق في عملية الاتصال بين (الممثلين ) عبر جهاز ( ارسال وتسليم ) محمول على الصدر واليدين بقيادة مخرج السينوغرافيا والموسيقى ومكملات العرض .. هذا العمل حمل في طياته غاية من الجمال في الانتاج والتلقي بين الطرفين.

ومن هذه النافذة اود اقول ان كان هناك خلل في هذه العلاقة في مسرحنا العربي فلا بد من الاستفادة من أخطاء قد تقع في عملية الإنتاج هذه وان لاتكون احادية الجانب وتبتعد عن الجمهور بل على العكس , فان مد جسورا مع الجمهور تمتد نحو علاقه حميميه لا مناص لها بين (الانتاج والتلقي ) هي من العوامل المهمة في ديمومة العرض المسرحي بخاصة وفن المسرح بعامة .

لان هذه الجدلية هي تمثل تعبير واحد , وهي حالة من الانسجام والتوحد وعلى مر التاريخ منذ ان عرفنا مؤسسي المسرح في الحضارة الاغريقية الذين اهتموا بالجمهور امثال اسخيلوس وسوفوكليس ويوربيدس وارستوفانس ليومنا هذا. اذلابد من ان يتحدد شكل وطبيعة تلك العلاقة بشكل ايجابي وضمن علاقة جدلية بين الطرفين (المنتج والمتفرج ) , ونحن نعلم اليوم ان هناك حالة من الانحسار في الذهاب الى المسرح من قبل الجمهور وللاسباب عديدة مؤثرة سنتناولها في نافذة اخرى .ولي هنا ملاحظة اجد فيها من المعنيين بشؤون فن المسرح حول تناولهم مفهوم مفردة (التلقي في المسرح ) بوضع يثير الشك فاني :

(1) اجد ان مفردة (المتلقي ) هي في موضع ( الشك ) لانها تعتمد فقط على من يتلقى معلومات – اي معلومة - مثلا نرى ان الحاسبة او الكومبيوتر هو في موضع يتلقى .. والاجهزة الكهربائية ايضا تتلقى .. من دون احساس ومن اثارة مشاعر او رد فعل وعليه ارى ان التغيير في هذه المفردة الاكثر يقينا هي (المتفرج ) او المستمع او القاريء بدلا من المتلقي و يستند راي هذا الى مسرح التغيير في منهج بريشت على اعتبار انه عمل على ان الجمهور كان مشاركا في حل مايطرح من قضايا على خشبة المسرح واعتبرها خطوة حقيقية تكسر الشك باليقين ولها خصوصية معينة لرواد المسرح من المتفرجين .. لقد افرز التاريخ لنا على مر العصور متفرج يحمل معه عادات وتقاليد خاصه في متابعة المسرح وكلما زادت الحياة والعادات تعقيدا يزداد هو تعقيدا ..لانه مساهم فعال في عملية البناءوانه ليس باناء حتى يتلقى .
 



* كاتب وناقد




 


 

free web counter