| الناس | الثقافية  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

فنون

 

 

الثلاثاء 14/4/ 2009

 

عبد الخالق المختار
مازال حضوره مبهرا ً في باحة ِالفن العراقي

طريق الشعب

إن (فن التمثيل) المسرحي هو شكل من أشكال التعبير عن مجمل المتغيرات والمؤثرات والحالات الإنسانية الآنية والتاريخية ، وهو مناخ ثويري لجل الحالات الانفعالية الداخلية والظاهرية (الذاتية – الجمعية) والذي تكمن خلفه جملة من الدوافع القصدية وحيثيات الرغبات الإنسانية المتنوعة والمختلفة باختلاف الموضوعة المُتناولة عبر الخطاب المسرحي ، وهو بذات اللحظة طقس مقدس فاعل ومتفاعل داخل جسد المناخيات الاجتماعية والفكرية والسياسية الحياتية المعاشة ، ويتأتى هذا التطابق الميداني عبر العرض المسرحي ، الذي يأخذ على عاتقة تقديم فرجة درامية جمالية متقدة عبر فيزيقية جسد الممثل وأدواته ومهاراته التكنيكية وملكاته التوصلية العالية الجودة ، لذات الشخصية المراد تجسيدها عبر محافل الإبهار البصري لهذا الفن الإبداعي النبيل (المسرح) بكافة مناشطه التقنية والفنية المحاذية الأخرى . وتخضع عملية الإبداع هذه ، لجملة من الشرائط والقوانين الى ديناميكية زمن الإبداع (التجسيد) وقد تتعداه الى أزمنة أخرى داخل متاهات المُجسِد (الممثل) ليظهر لنا جل الخفايا المستترة اللامرئية ، في تكوينات الشخصية الانفعالية وفضاءات الواقع الحياتي المعاش ، وبكونه أيضا مجموعة من الدلالات والإحالات الى كينونات الماضي واستشراف المستقبل ، وهذا هو الجوهر الأساسي والحقيقي لـ(فن التمثيل) الذي يهدف الى إنتاج فرجة جمالية ممتعة رصينة ، للحصول على أعلى درجة من درجات الاستجابة المثلى من لدن المشاهــد (المتلقي) وعلى كافة المستويات الشعبية والنخبوية . ومن خلال استعراض استقرائي بيلوغرافي موجز عن المُنتج الفني الإبداعي المتنوع الإخصاب للفنان العراقي والممثل المسرحي الفنان (عبد الخالق المختار) سنكتشف بأنه مالَ وبشكل ملفت للنظر ومن خلال مسيرته الفنية المسرحية الحافلة بذلك التنوع (الثيماتي) الموزع على وفرة طاقته التمثيلية الهائلة ، وهذا برأينا مرجعه الى حنكة اختياراته الفطنة الذكية المدروسة ، لجملة من الأدوار الصعبة في تكويناتها التعبيرية الأدائية ، والمركبة في طاقاتها وخلجاتها النفسية المتداخلة ضمن منظومة التمتع الاحتفالي المنظم في توزيـــع الجهـــــد (الاحتفالي) لجل الشخصيات المتنوعة الثرة ، بإسقاطاتها الاجتماعية والثقافية والسياسية والشعبية التي جسدها ، فهو من الممثلين المسرحيين العراقيين القلائل الذين احتفظوا بذلك البريق المشاهداتي ولم يشتتوا جهدهم الفني وأضاعته بالمشاركة بأعمال هابطة فنيا وفرجويا على مستوى المشاركة بالعروض التجارية ، ومنبع هذا يرجع الى إن (المختار) وجملة من الفنانين العراقيين الذين هم من جبلته الأخلاقية والفنية ، لم يجازفوا بتاريخ سِفرهم الغني النبيل الحافل بالمَنَعَةِ الأكاديمية والفنية الصرفة ، أو يرهنوا مواطن هزالهم المادي في أحايين كثيرة في أية محطة من المحطات العابرة التي لا تتكافأ مع تاريخهم الفني الغني الرائع والتي لا تسجل او تضيف لهم أي ومضة فنية داخل محفلهم ، بل تحصنوا بدراية علمية عالية ، ونظرة مجبولة بثقتهم بذواتهم أولا ، وباحترام وحب (خشبة المسرح) التي انتموا اليها بقدسية مشرفة ثانيا ، والتي منعتهم من الانزلاق وسط أتون ذلك البون الشاسع من المفازات الفاصلة بين الفن الحقيقي ، وبين عملية الإسفاف والظهور المستمر على حساب زيادة دخولاتهم المادية التي لا (تسمن من جوع) ولكنها تضعف الذاكرة الجمعية الاستقبالية للمشاهد ، على حساب الفن المسرحي العراقي الحقيقي المشرف . ولو خلدنا الى استذكار جملة من الأدوار الصعبة ذات الطابع المركب والصعب في تجليات التفسير الأدائي التي جسدها (المختار) طيلة فترة تاريخ محفله الفني والتي سجلتها الذاكرة (الصورية - المرئية) المسرحية العراقية والعربية على اعتبار إن الفنــــان (عبد الخالق المختار) من أهـم الأسماء اللامعة التي سجلت لنفسها حضورا مبهرا على خشبة المسرح العراقي ، وعلى المستوى الأكاديمي التدريسي فهو من الأسماء التي افتخرت بها المعاهد الفنية العراقية ، وبخاصة معهد الفنون الجمليـة / بغداد / في تدريسه لمادة التمثيل لأربعة أعوام ، ومن ثم اصبح رئيسا لقسم التمثيل بذات المعهد ، وعلى صعيد البحث العلمي الناشط عبر دراساته النقدية في فن التمثيل والإخراج المسرحي ، فقد نشرت له العديد من المطبوعات العراقية والعربية من بحوث ودراسات قيمة في إصداراتها اليومية والأسبوعية والدورية . وفي محاولة لتقيم (المختار) كممثل أجاد في تجسيده للأدوار الصعبة والمركبة ، علينا تسليط الضوء على جملة الشخصيات التي جسدها على خشبة المسرح ، والتي اعتبرتها من وجهة النظر النقدية ادواراً من الممكن الإفادة منها وتدريسها ، لا لكون (المختار) أجاد في تشخيصها ، ولكنها ذات قيمة جمالية وفنية فرجوية عالية بتنوع مناخات شخصياتها الموزعة على فضاءات النصوص المسرحية المختلفة. وهذا التنوع في الأداء التمثيلي في تقديرنا يحتاج الى قيمة أدائية وتفسيرية ناهضة ، ومنابع حسية خصبة في معايشة الدور وإنعاشه من خلال المداولة الحرة في محاضن الشخصية (المعايشاتية) الزمكانية المثمرة ، لكي يخرج من جلبابه أولا ليدخل في جسد وزمن ومكان وكيان الشخصية ، وهذا بطبيعة الحال يحتاج الى خاصية متفردة عالية ، ودراية تحليلية فائقة ، ورؤية فنية ثاقبة ، ومعالجة غنية ليخلص الى نتائج مثلى في تقديم مادة قيمة مرئية صورية عالية الجودة ، والحصول على مناخات استقبالية عالية من (المتلقي) . وسأحاول استعراض جملة من الشخصيات التي جسدها الفنان (عبد الخالق المختار) عبر سفره المسرحي الحافل بالتنوع ، والذي راح عبر مراحله الأخيرة يتعكز على مكامن آلامه ، ليقدم لنا اثراءً صوريا فنيا وتفسيرا مبهرا ، لان هذه الشخصيات تستحق الوقوف أمامها مليا ، لاستذكارها أولا ، ومن ثم لتقيمها من وجهة النظر النقدية ، ولإحالتها ثالثا لنهج ٍ يحتذى به لقيمتها الفنية ومرجعيتها الإبداعية الجمالية في ـ(فن التمثيل) والتي اعتبرتها تسجيلا بيلوغرافيا ، وملمحا نقديا وعرفانا يستحقه هذا المبدع الحقيقي ، والذي راح رغم هزاله الصحي ، يعتني أيما اعتناء بفنه المسرحي الأصيل ، وعراقيته النبيلة الجليلة .وحين نقف بإجلال واحترام بالغ أمام ذلك المنحوت السحري (المسرح) نستذكـر أداء (المختار) لشخصيـــة (السجان) في رائعة المبدع الكبيـر (فاضل خليل) في مسرحية (اللعبة) للكاتب (بيير روديه) من إنتاج الفرقة القومية للتمثيل حيث تم عرض المسرحية على هامش مهرجان القاهرة التجريبي التاسع ، ونالت استحسان الجمهور المصري ، ووقف النقاد عندها مليا ً . ومن ثم أداؤه لشخصية (شريف) وهو اسم الأديب والشاعـر العراقـــي الراحــل مع حسين مردان في روايـة (خمسة أصوات) للروائي العراقي الكبير (غائب طعمة فرمان) أعدها للمسرح المبدع (عبد الوهاب عبد الرحمن) وأخرجها ذلك المثقل بالترف الفني (محمود أبو العباس) لقد كانت هذه الشخصية محطة مهمة من المحطات الأدائية الرائعة في السفر الفني الغني للفنان (المختار) لأنها لامست ذلك الشغف والهوس ، بل الجنون الخصب الذي يعيش بداخله ، ولان تلك الشخصية كانت قريبة جدا من نفسه ، فقد ابهرنا بحضوره المميز ، وبتلقائية فائقة فوق خشبة المسرح ، فقد حصل من خلال أدائه لهذه الشخصية على جائزة المسرح العراقي لعام 1998 ، وحينها التفت القلم النقدي العراقي التفاتة مبهرة إزاء هذا الأداء الراقي وإزاء هذا العمل المسرحي بالكلية برحبة أستقبالية عالية ، وبكثير من الأهمية واعتبـره الكاتب (محمد الجزائري) على انه ثورة في الوعي . وفي أدائه لشخصية (المدهون) تلك الشخصية الظريفة ، التي كانت من أروع المحطات في تاريخ (المختار) الفني ، وهي ذات دلائل مهمة وعميقة ، حيث ولج من خلالها الى فرقة المسرح الفني الحديث ليقف على خشبة المسرح أمام العملاق العراقي والممثل العتيد (سامي عبد الحميد) والراحل الكبير (خليل شوقي) والرائعة الرائدة (زكية خليفة) كان ذلك في مسرحية (الذيب) التي أعدها وقام بإخراجها الفنان المبدع (عبد الأمير شمخي) لقد حقق هذا العرض المبهر نجاحا كبيرا في ذاكرة المسرح العراقي ، وفي أجندة ورصيد المختار الفني لأنه استطاع من خلال هذا العمل النفاذ الى معترك الدراما التلفازية حيث فتحت له آفاق جديدة للعمل الفني ، ولمس المخرجون بتنوع انتماءاتهم الفنية من خلاله انه يخبئ تحت عباءته الفنية ممثلا مجيدا . حيث رشح من خلال هذا العمل لجائزة أفضل ممثل عن الشباب لعام 1987 ، كانت شخصيـــة (المدهون) بتكوينها الدرامي الثر الجميل ، شخصية (تراجيكوميدية) نجح (المختار) في تجسيدها ، وكان اعتراف النقد المسرحي والمعنيين حينها بملكاته الأدائية دليلا على استمرار خصبته التمثيلية الوافرة . وكانت شخصية (كريون) في مسرحية (انتيكونا) لـ(سوفوكليس) من الشخصيات التي أداها (المختار) ببراعة ، حيث حظيت بمشاهدة عالية من قبل الجمهور ، واثنى عليها النقاد ، حيث أشاد بها الناقد ،أدى (المختار) شخصية (اولفهايم) صائد الدببة في رائعة النرويجي (هنريك أبسن) (عندما نبعث نحن الموتى) عرض العمل على مسرح أكاديمية الفنون الجميلة التجريبي وكان من اخراج الطالب المطبق (نمير بيري) في حينها كان ( المختار ) طالبا في ذات الأكاديمية لنيل شهادة ( الماجستير ) . ومن الشخصيات التي جسدها ( المختار ) على خشبة المسرح نقف على بعض من أعماله كشخصية ( استيته ) وهي تجسيد لشخصية ممثل الملك في مسرحية ( اصطياد الشمس ) للمخرج الكبير ( سامي عبد الحميد ) عرضت على (بلاتوه) دائرة السينما والمسرح / بغداد . تجسيده لشخصية (المتنبي) في عرض مسرحي كتبه المبدع ( علي حسين ) وأخرجه الفنان المخرج المبـدع ( جبار المشهداني ) المسرحية تتحدث عن اغتيال شارع المتنبي ( تفخيخا ً) من قبل الجهلة الذين لا يفقهون من الكلم إلا اللمم ، ذلك الشارع الذي كان عاصمة للثقافة العراقية في كل الأزمنة المعرفية ، الذي رسخ كالطود في الذاكرة العراقية الجمعية ، والجميل في هذا العمل المتميز هو حضور الشاعر الكبير ( المتنبي ) شخصيا الى الشارع ليشاهد بأم عينيه ملامح تلك المجزرة التي اقترفت بحق الإنسانية وفضاءات المعرفة ، وليقف على كل ذلك الهول من الدمار الذي حاط بالثقافة والحضارة البغدادية والعراقية ، كما وعرضت المسرحية مع لوحات لفرقة الفنون الشعبية على خشبة المسرح الوطني ببغداد وعلى مسبح شيراتون في ( مهرجان المدى الثقافي ) في محافظة اربيل , ولاقت حضورا جماهيريا ملفتا ، وعيون نقدية منصفة ، إزاء الإكبار لروح هذا العمل لتعرضه لهذه المجزرة الوحشية . كما جسد شخصية ( أسامة بن عابد) احد متصوفة بغداد آبـــان حكم المقتدر العباسي ترك البلاط بعد أن ضاقت به مظالم الحكم وجور السلطان ليعيش في الصحراء مع تلامذته ويعيش في محراب الرب ، بعشق أزلي ، ويبكي باستغفار آدمي تاركا خلفه الحرير والشراب وما طاب من المأكل ، ليعتاش على رغيف خبز يابس وشربة ماء ، جسد ( المختار ) هذه الشخصية ضمن أحداث مسلسـل ( القلم والمحنة ) للكاتب العراقي الرائع ( فاروق محمد ) ومن إخــراج المبدع ( قحطان عبد الجليل ) . وتالق في الباشا في أدائه لشخصيـة ( الباشا ) (نوري السعيد ) رئيس الوزراء العراقي الأسبق والسياسي الأكثر جدلا ، ان هذا المسلسل غرق في وحل خطواته الوئيدة التي راحت تحبو لاهثة خلف انتماءات الدراما التلفازية العراقية حتى سقطت تحت مقصلة ( الليوكشن الدمشقي ) ولم أشم أو استنشق البتة عبق وأريج جدران بغداد القديمة الجليلة ، أو المس عبر المُتخيل المرئــي المتصور او المحكي لهجة ( البغادة ) الأصلية ، ولم أملأ رئتي من شذى أبوابها الخشبية الممزوجة برائحة أهلها الطيبين ، وحتى شريعة الرصافة التي يتطاير عبقها من ذلك البعد القصي داخل مفاتن النفس وخلجات الروح البغدادية ، لقد كانت شريعة (حلبية) خلت من رائحة نهر دجلة الخالد ، رغم إن المخرج المبدع ( فارس طعمه ) الذي أدهشنا حقا بملحمته الفائتة ( مناوي باشا ) راح بقدراته الفنية الرائعة والراقية ، وملكاته التقنية العاقلة ، أن يقرب العمل من مخاصبه التاريخية البغدادية والعراقية ، لكنه للأسف ( عبث حاول ) . وأنا شخصيا انحني إجلالا في حضرة هذا الملاذ الكبيـر ( الممثل العراقي ) الذي يرتقي بنا دائما ، لينقلنا الى متعة الفرجة الجمالية الراقية ، وينقذنا في أحايين كثيرة من مهازلنا الدرامية التي لا يدرك كتابها ، او يفقهون بان (الدراما) قبل وبعد كل شيء هي ( فعـل ٌنبيـل ٌ تـامْ ) وفرجة جمالية ممتعة تنتمي لمواطن ومكامن خلجاتها الحاضرة والتاريخية الأصيلة بجل تفاصيلها الفاعلة والمتفاعلة مع الحضور الفرجوي المجتمعي ، لا مع السرد التاريخي المقيت ، الذي اولجنا في بحر لجاجه القاتل ، كاتب العمل ( فلاح شاكر ) الذي أوصد باب جنته المسرحية متأخرا لينجب لنا مولودا تلفازياً مُعاقا ، لا نسب له . وعند الرجوع الى الأدوار التي جسدها (المختار) في التلفزيون يأتي تجسيده لدور ( علي العرجة ) في مسلسل (السرداب) المأخـوذة عن روايـة الشاعر (يوسف الصائغ ) الذي كتب السيناريو والحوار لــــه الكاتب والفنان الرائع ( عباس الحربي ) والذي أخرجه المخـرج العراقي الكبير (محمد شكري جميل) على رأس الشخصيات المهمة التي أداهـا ( المختار ) حينما شاهدناه وهو حبيس سجنــه الدائمــي داخل ( السرداب رقم 2 ) وكأنه راح ينقلنا الى زمن ظلمة جماعية في زمن غابر ، هو وثلة من الممثلين المبدعين العراقيين المتألقين الكبار. وكانت شخصية (القاضي أيوب ) في مسلسل ( المصير القادم ) للكاتب ( قحطان زغير ) واخراج الفنان ( عزام صالح ) محطة من المحطات التي وقف عندها ابداع ( المختار ) بتأني ، وهو يجسد شخصية القاضي الذي يقف في نهاية المسلسل ليقاضي ابنه بالتبني .أما على صعيد حضوره كممثل على الشاشة الكبيرة ( السينما ) فقد كانت له عدة تجارب مهمة ياتي على هرمها فيلم ( الحب كان هو السبب)انتاج دائرة لسينما والمسرح وفليم ( حكاكه ) انتاج قناة السومرية وعلى مستوى الإذاعة فكانت له تجربة رائعة امتدت لمئات الساعات الاذاعية وكانت أهم أعماله على الإطلاق تجسيده لدور الشاعر العراقي الكبير ( محمد مهدي الجواهري) شاعر العرب الأكبر . وعبر هذا المنتج الفني الثري الذي استقيته بمفاضلة نقدية من جملة الأعمال الفنية العديدة ، والذي سطره بفخر وكبرياء وفحولة عراقية استثنائية متفردة الفنان المبدع (عبد الخالق المختار ) وهو يعزف لحنا بغداديا جميلا من مقام النوى ، بمعية اوركسترا ملاحمه الموجعة وآلامه المبرحة ، التي لم تفارقه البتة، لكنه ظل منصتا خاشعا لذلك الصوت النقي الذي يأتيه من خلجات نفسه وفضاءاته القصية النائية، وهي تدعوه لإكمال ذلك السمو والتألق والإبهار والبوح الثقافي بصوت عال ، لأنه ما زال حيا ، نعم ما زال حيا، ليكمل عزف ذلك اللحن المجيد الذي يستوطن الذاكرة، ويستمكن من اللب، ليوزع ذاك النشيج الموجع حول مفاتن ألقه الفني المبهر ، لتظل عيون بغداد وملاذات العراق آمنة على الدوام ، وتستنشق رئته هواءً نقيا في كل أسفاره القادمات ، فثمة متسع ٌ للحب هناك ، في الضفة الأخرى للإبداع ، لتبقى محاجر بغداد مكحلة بالكبرياء ومرا تعها حافلة بذلك الثراء الفني والمعرفي الذي يطرز حاضرة الوطن .. نعم كل الوطن ، هذا الجليل العراق.


 

 

free web counter