| الناس | الثقافية  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

فنون

 

 

الثلاثاء 14/4/ 2009

 

بمناسبة يوم المسرح العالمي

(1)
مسرح السجون المنسي

لطيف حسن

كنت انوي ان ابدأ الحديث عن العروض المسرحية في السجون ، دون ان اشير الى منجز الحزب السابق في مجال دعم الثقافة الوطنية الديمقراطية وتنمية الحياة المدنية و صيانة الحرية في المجتمع ، لأنني مؤمن بأننا ابناء هذا اليوم ، وماضينا المشرق الذي هو حقيقة ، حدث في زمن آخر انتهى ، والعراق تغير ، والناس تغيرت ، والحزب تغير .

الا انني عجزت في النهاية ان ابدأ الموضوع مباشرة كما كنت انوي ، دون مقدمة التطرق الخاطف لهذا التاريخ ، فنحن في الوقت الذي لسنا فيه عشاق العيش في امجاد الماضي ، الا اننا لانتجرد منه ، ولا مناص لنا من ان نتذكره ، ونذكّر به كتاريخ .

أرتبطت الحركة الديمقراطية و اليسارية التقدمية في العراق ، باسم الحزب الشيوعي العراقي منذ تشكيل حلقاته الماركسية الجنينية الاولى في العشرينات ، وقد أتفقت كل الشهادات عن هذا الدور الذي لعبه خلال حقبة القرن الماضي ومازال ، على لسان أصدقاء وحتى أعداء الحزب على حد السواء ، تناولت هذه الشهادات مختلف المواقف الريادية للحزب واليسار في نشر وترسيخ النزعة المدنية والحضارية في المجتمع ، ومحاولاته لأنهاضه بعد كل كبوة يقع فيها ليقف على قدميه و يواصل السير بعدها الى الامام ، فكل التقدم المدني للمجتمع العراقي ارتبط بوجود حزب شيوعي قوي ويسار فاعل في الساحة ، وكل توقف وتراجع عن المكتسبات الاجتماعية الحضارية ارتبط بابعاد الحزب وتهميش دوره فيه ، وتغريبه المفتعل عنه ، سيما في المجال الحيوي للثقافة والمجتمع المدني .

وهنا لااتوقف عند هذه الحقائق المعروفة التي باتت من البديهيات ، بل سأتناول ما هو مهمل عن ذكره تقريبا من جوانب مهمة في علاقة الحزب الشيوعي واليسار عموما بالمسرح الذي ولد وترعرع في العراق باحضان اليسار والحركة الوطنية المعادية للأستعمار والرجعية الداخلية ، فليس غريبا على الحزب ان يدعم بكل قوته نشر المسرح الوافد في كل زوايا المجتمع ادراكا مبكرا منه في انه يشكل احد الادوات المهمة التي تساعد في تحرير العقل من الخرافة والقيود البالية للماضي ، والدفع بالنضال الضروري من اجل التقدم والرقي .

لن اتناول بهذه العحالة كل الدور الذي لعبه الحزب واليسار في تقدم المجتمع ، بل سأذكر فقط بالدور ( المهمل ذكره ودراسته بشكل كاف لحد الان ) الذي لعبه رفاق الحزب ومأثرتهم الريادية في ارساء تقليد العرض المسرحي في كل مكان متاح ، حتى في قاعات السجون ، فمثلما حوّل مناضلونا الاوائل قاعات السجون التي دخلوها الى مدارس فكرية ماركسية للتنوير والوعي الاجتماعي الثوري ، حوّلوا ايضا تلك القاعات الى مسارح ، باعتبارها مدرسة ايضا ، وارسوا تقاليده ، حتى اصبح معروفا انه اينما كان هناك سجناء شيوعيون او يساريون ، كانت هناك امسيات مسرحية مقامة في القاعات التي زجوا بها .

كان الحزب انذاك يولي اهتماما كبيرا واستثنائيا لمسرح السجون ، على سبيل المثال ، في بداية الخمسينات كان يخصص شهريا ثلاثون دينارا من مالية السجناء الحزبية في سجن الكوت ، ( قبل حصول المذبحة الشهيرة فيه) ، تحت باب ( صرفيات الندوات والنشاط المسرحي ) وكان يعتبر هذا المبلغ كبيرا في ذلك الوقت .

وكانت المسرحيات التي تقدم في السجون ، مسرحيات متكاملة فنيا وتكنيكا ، وكان السجناء يحصلون على ادوات الماكياج ، والحاجيات وألاكسسوارات المسرحية عن طريق ذويهم اثناء المواجهات الشهرية ، وكانوا يعدّون بانفسهم الملابس الخاصة بالمسرحية عادة ، او يكلفون خياط السجن بذلك ، وكذلك كانوا ينجزون الديكور بمعاونة نجار السجن .

وعندما لا تكون هناك قاعة مسرح في السجن ، وهكذا كان حال معظم السجون العراقية آنذاك ، كانوا يفرغون احدى قاعات السجن ، ويحولوها الى ما يشبه المسرح باستخدام الافرشة والبطانيات ، التي تستخدم كستائر ، وتقسم القاعة تقليديا كما هو متعارف عليه الى منصة للمسرح ، والقسم الاعظم المتبقي لجلوس المتفرجين على الارض المفروشة بالبطانيات ، وكان المتفرجون هم السجناء انفسهم أضافة الى شرطة السجن ، ويحضرها في احيان كثيرة مدير السجن نفسه .

وقد قدم اليساريون في هذه السجون مسرحيات متقد مه مهمة ، على سبيل المثال في عام 1953 قدموا في سجن الكوت ( المفتش العام ) لكوكول و( بزوغ القمر ) لتشايبيك ، أي قيل ان تقدم هاتين المسرحيتين للجمهور العادي خارج السجن في بغداد بعشر سنوات ، اضافة لمسرحيات يوسف العاني وشهاب القصب ، الانتقادية الساخرة ذات الفصل الواحد . ( المعلومات شحيحه عن هذا المسرح ، وقد جمعت هذه المعلومات مشافهه من خلال لقاءات متفرقة بين الاعوام 1983 -1985 ، مع بعض قيادي الحزب آنذاك ، هناك مقاله قديمه سبق وان اطلعت عليها . منشوره في بدايات السبعينات كما اتذكر ، في احد اعداد الثقافة الجديدة لااتذكر الان اسم كاتبها درست بشكل جيد هذه الظاهرة ، ولم اتمكن مع الاسف العثور عليها في الغربة )

ان الكثير من نزلاء السجون انذاك رأى وتعرف على فن المسرح لاول مرة في حياته في السجن ، او في مناطق الابعاد كمعسكر السعدية ، واصبحوا فيما بعد من عشاقه ومتذوقيه وجمهوره الدائم .

في ختام هذه اللمحة الاستذكارية ليوم المسرح العالمي ، اقول ، من الصعب الكتابة عن ظاهرة تقديم العرض المسرحي في السجون بشكل مشبع ووافي الان ، لرحيل معظم روادها وعلى رأسهم الشهيد سلام عادل ، والشهود العيان لهذه العروض .

لاشك ان الظاهرة قد اندثرت اليوم وابتعدنا عنها زمنيا ، ولا تتكرر على ما اعتقد ، وكان من اسباب دوافع ممارستها كما اعتقد هو ان معظم الشيوعيين في العهد الملكي كانوا محكومين باحكام ثقيلة ، من عشرة الى عشرين عام ، وكانوا منظمين وبدقة لحياتهم الداخلية في السجن ، وأ ستفادوا كثيرا من وقت الفراغ الطويل بالدورات والدروس السياسية و الفكرية ، وممارسة الرياضة والمسرح والرسم ، وكانوا يجدون في النشاط المسرحي غير الذي ذكرت ، نوعا من التعويض الثقافي عن الحياة العادية خارج الاسوار والمحرومين منها .

وتاريخ السجون العراقية اليوم ، لا يذكر انه قد قدم السجناء في يوم ما عرضا مسرحيا ، عدا العروض التي قدمها الشيوعيون .

(2)
مسرح الانصــــــــــــار

في الجبل يحتفل الانصار ايضا بيوم المسرح العالمي
27 آذار من كل عام ، كان يوما خاصا ومتميزا بالنسبة للمسرحين الشيوعيين الانصار طوال الفترة مابين ( 1978 – 1988 ) عندما أضطروا لحمل السلاح في صفوف الحزب ضد الدكتاتورية القائمة آنذاك ، كان اختيار الفنان المسالم والرقيق بطبعه ، لطريق العنف في الكفاح الى جانب الحزب ، هو بدافع الدفاع عن النفس ، لم يكن امامه غير مواجهة العنف العدواني المقابل لردعه ووضع حد لفاشية النظام ، التي استشرت وبطشت بكل شيء ،.ان ذيول وحشية النظام السابق شوهت حتى توجهات الانسان واهتماماته العادية ، بما فيها الفنان الذي استبدل بدون خيار منه الريشة وخشبة المسرح بالبندقية ، ونرى اليوم بوضوح هذا الخراب العميق الذي احدثه النظام السابق في المجتمع والذي مازال مستشريا ومستمرا حتى بعد سقوطه ، وليس هناك في الافق القريب من شفاء لهذا التشوه الحاصل في البشر .

وعندما يحل الربيع كان المسرحيون الانصا ر ينتظرون حلول هذا اليوم بلهفة شديدة ، ويستعدون له ، ويحولوه الى يوم فرح غامر وبهجة تشيع في نفوس الانصار جميعا في كل المقرات الخلفية و المفارز المتحركة في القرى والوديان الربيعية ، كانت المناسبة تشحن الفنان النصير بالجمال والامل والشعور بالخلاص القريب ، هذه الشحنات التي تلمسها بوضوح في ثنايا رسائلهم المسرحية المتفائلة التي كانت تصدر عن تجمعاتهم في مختلف الفصائل والقواطع والموجه الى المركز الدولي للمسرح التابعة للآمم المتحدة . ،

كان المسرحيون الانصار في المقرات الخلفيه ، سيما في الاعلام المركزي ، يتابعون بشغف عن طريق الانصات لجهاز الراديو للحصول على نص بيان المركز الدولي للمسرح ، الذي يلقيه عادة في كل سنه فنان مسرحي عالمي معروف ، وهي عبارة عن الرسالة الدولية التي يصدرها المركز بالمناسبة ، وتذاع في كل العالم و التي تدور حول وضع المسرح في الوقت الراهن ، و الامنيات والمهمات الانسانية المقبلة التي يجب ان يضطلع بها المسرحيون في كل العالم ، باعتبار المسرح احد دعائم السلام والمحبة والاخوة بين بشر العالم بغض النظر عن العرق والجنسية واللون . .

وعندما يتعذر الحصول المسبق لنص البيان الدولي ، كان النصير المسرحي يصوغ رسالته الخاص به ، وهنا اورد كنموذج احد نصوص البيانات العديده التي صدرت في المقرات الانصارية ، والتي رفعت ايضا الى المركز الدولي للمسرح ( بيان احتفالية عام 1981 ) ،

.......(( ... يوما بعد يوم تشتد وتتصاعد حملات الارهاب والقمع الدموي من قبل النظام الديكتاتوري في العراق ضد القوى الوطنية والتقدمية المرتبطة أوثق الارتباط بجماهير شعبنا وأبنائه الكادحين ، وقد أصابت هذه الحملة بالتأكيد ثقافتنا الوطنية الاصيلة ، فأغلب الادباء والفنانيين الموهوبين غادروا الوطن هربا من بطش السلطة واساليبها القمعية ، ولأنهم رفضوا ان يكونوا مجرد ابواق ذليلة للسلطة الديكتاتورية المعادية للفكر التقدمي والانساني ، وما عاد خافيا ان المؤسسات الادبية والفنية شهدت انجازا ملحوظا في نشاطاتها وفعالياتها في هذه الاجواء الفاشة . واذ يحتفل مسرحيو العالم في كل مكان بهذه المناسبة الغالية ، وتقام المهرجانات المهرجانات المسرحية وتتبارى الفرق المسرحية في تقديم ابداعاتها وتصبح ابواب المسارح مفتوحة للجماهير ، وتعقد الندوات لمناقشة اوضاع المسرح في البلدان المختلفة ، يهمنا ان نعلمكم ان الحركة المسرحية في العراق التي قدمت في السنوات التي سبقت الحملة الفاشية ، مهرجانات ضخمة ومميزة بهذه المناسبة المجيدة ، ماعادت قادرة خلال السنتين الماضيتين على مواصلة تقاليدها الثرية بسبب مساعي السلطة لفرض صيغة ضيقة على هذه المهرجانات وتفريغها من مضامينها التقدمية واشكالها المتطورة . فكان آخر مهرجان اقيم في العراق بائسا وكئيبا محدود الفعالية , ولذلك تفكر بعض رموز السلطة بالغاء هذه الاحتفالات بحيث تقتصر المناسبة على اقامة حفل رمزي بالمناسبة بحجة ان ظروف الحرب العراقيه الايرانية غير ملائمة لمواصلة تقاليد المهرجانات السابقة . ويهمنا تحن المسرحيةن المقاتلون في ذرى كردستانان نواصل تقاليد الحركة المسرحية الاصيلة في بلادنا ونحن نرفع البنادق بوجه السلطة ، لكي تنضج زنابق الحرية في بلادنا ، واذ نشارك العالم أحتفاله بهذه المناسبة المجيدة ، يشدنا التوق الى الاطلاع على رسالة المسرح العالمي لنقرأها على زملاتنا المقاتلين ،أملين ان يكون هذه اليوم حافزا لعطآت وابداعات افضل في ميدان المسرح، حافزا لتجسيد التلاحم والتضامن ، وحتى ترتفع راية الحرية والديمقراطية في عراقنا المناضل ، نشد على أيدي شغيلة المسرح في العالم آملين منهم رفع اصواتهم عاليا لنصرة زملائهم في العراق وتعرية ممارسات السلطة الفاشية في العراق ضد شعبنا المناضل وخيرة مثقفيه ، ونعدكم بأن نواصل القتال من اجل بناء عراق حر للعرب والاكراد ، وكن القوميات والاقليات المتآخية ، وطن للديمقراطية والابداع.....))

كان الانصار المسرحيون يستعدون جيدا قبل فترة مناسبة لاحتفالات مناسبات شهر اذار الكثيرة بشكل خاص ، بعدد من مسرحيات المناسبات التقليدية ، فهناك مناسبة يوم المرأة ، واليوم الاستذكاري لشهادة سلام عادل ، واعياد تأسيس الحزب ورابطة المرأة والشبيبة الديمقراطية وعيد نوروز الذي يصادق في نفس اليوم عيد الام والذي اعتاد فيه ان يقدم فيه الانصار مسرحية تدور حول اسطورة ( كاوة الحداد ) وقد اعدت هذه الاسطوره اكثر من مره للمسرح ، بعض هذه الاعدادات باللغة الكرديه ، واحيانا كانت تقدم ارتجالا من قبل الانصار الاكراد وغيرها ، الا ان احتفالية يوم المسرح العالمي تتميز بتقديم مسرحية مختلفة عن مسرحيات المناسبات ، مسرحية عادة من فصل واحد ، عالمية او عربية مميزة، او حتى معدة للسلطنة والتمتع الراقي على سبيل المثال ( ضرر التبغ ) لتشيكوف ( عند الموقد ) لناظم حكمت (القرار) لبرخت (روح اليانورا ) لتشارنفسكي .. وغيرها .

وكان بقية المقاتلين يحرصون في هذا اليوم الذي يشيع البهجة ، على توجيه التهنئة الى زملائهم الانصار المسرحين ، كأنها مناسبتهم وعيدهم الشخصي ، وقد تعودوا على المشاركة في احتفالاتهم كممثلين او جمهور ، او اعارة بطانياتهم وفرشهم وحاجياتهم الشخصية بطيبة خاطر لاستخدامها كأسسوارات وادوات للمسرحية ، واستطيع ان اقول ان المسرحيين الانصار ربوا في هذه القواعد الخلفية جمهورا مسرحيا واعيا ، كان يشترك بنشاط بعد تقديم العرض في مناقشة العمل بملاحظات واسئلة ذكية .

ان الحديث عن النشاط المسرحي للفنانيين الذين اضطروا لحمل السلاح مع الحزب ، ضد الديكتاتوريه ، في الفترة ( 1978 -1988 ) ومآثرهم كفنانيين ، ومقاتليين يطول ولا تكفي سرد الخواطر السريعة حولها ، كما هي هذه الوقفة ، لتعطي صورة كاملة للقاريء ، فلابد من العوده الى الكتابات الكثيرة التي سبق وان نشرت عن دور المسرحيين الانصار ، ان كان في مجال الثقافة او القتال ، وقد سبق وان كتبها انصار مشاركين في هذه المآثر ،

في ختام هذه الخاطرة السريعة عن كيف كان الانصار يحتفلون بيوم المسرح العالمي في الجبال ، لابد من التوقف ، لذكر قافلة الشهداء من المسرحين الانصار ، الذين ذهبو ا ضحية الفاشية وهم يؤدون دورهم بتفاني كمقاتلين للفاشية ، كما كانوا يؤدون دورهم المسرحي التنويري في القواعد الخلفية .

الشهداء:-
1- الشهيد ابو يحيى ( شهيد عبد الرضا) خريج اكاديمية الفنون الجميلة
2-الشهيد روبرت ( خليل اوراها)
3-الشهيد ابو كريم
4-الشهيد ابو ايار ( فؤاد يلدا ) فنان تشكيلي ومصمم ديكور
5-الشهيد ابو سرمد
6-الشهيد اوميد
7- الشهيد هيمن
8- الشهيد ابو سلام
9- الشهيد جكر خوين
10-الشهيد مام علي

 

 

free web counter