| الناس | الثقافية  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

فنون

 

 

الثلاثاء 14/4/ 2009

 

ناهدة الرماح:

المسرح مكاني الجميل وبيتي الذي اعتز به

أجرى الحوار: سعدون هليل


ناهدة الرماح خلال التمارين على "صوت وصوت"
على خشبة المسرح الوطني في 24 آذار/مارس 09

وانا اتأمل وجهها الذي يشي بكثير من التعب والمعاناة يتبقى ضوء عينينها يشع بالكبرياء والامل والاصرار. انها كتلة من التحدي والثقافة. فهي اعتلت خشبة المسرح يوم كانت المرأة محبوسة وراء قضبان التخلف واسوار التقاليد البالية. هي التي ضوت قاعة المسرح الحديث بضياء عينيها.. وهي التي قالت للدكتاتورية ( لا) . انها الفنانة الكبيرة والرائعة ناهدة الرماح.

* بودنا ان يكون حديثك اولا عن بدايتك الفنية...
- بدايتي عام 1957 مع فرقة المسرح الحديث حين لم تكن هناك عناصر نسائية. عملت ووضعنا يدا بيد في هذا العمل لان المسرح هو الذي يعطي المتعة والفرح والوعي والثقافة للناس والمسرح مرآة صافية نقية تعكس كل ما موجود بكل صدق وامانة وهو اداة توعية كبيرة, يقول لينين" اعطني خبزا ومسرحا, اعطيك شعبا مثقفا" دائما البلدان المتطورة تقيس دائما تطورها بتطور المسرح وهي تهتم به اهتماما كبيرا وهو شيء كبير بالنسبة للناس وبالنسبة لتقدم المجتمع من خلال قصة حب او قصة اجتماعية تقدم على المسرح تبين واقعه وتجعله يفكر فيه. المفروض بنا ان نعمل مسرحيات تجعل المجتمع يشاركنا فيها. المسرح السياسي ليس انتقادا لاذعا او وقوفا على المسرح فقط. يمكن من خلال قصة حب اجتماعية تطرح الاشياء بشكل غير مباشر وبما يجعل من الانسان العادي يفكر بكل كلمة قيلت على المسرح. وهذا الشيء هو الذي يجعل الناس تعي وتفكر وتتثقف هذا هو المسرح الحقيقي.

* لحظة فقدان ممثلتنا القديرة البصر ماذا كان الهاجس الذي لاح لك وانت على خشبة المسرح؟
- هي لحظة في آخر المسرحية تحرق البطلة نفسها, وكنت اقوم بدور زنوبة نفسها والتي اعطت عينيها للناس زنوبة التي احرقت نفسها لتضيء اعراس الناس هكذا كان شعوري. طبعا انا انسانة قبل ان اكون شيئا آخر اصابني الانهيار والبكاء لانني لن اقف على المسرح ثانية, والمسرح هو المكان المقدس هو مكاني الجميل هو بيتي هو كل شيء في حياتي. بقي زملائي لكني خرجت والقاعة جميعا تقول عيوننا فداك يا ناهدة! تحول الظلام الدامس الى نور ساطع وبدأت ارى النور ارى الوجوه الجميلة والشعب العراقي برمته, باديانه, بقومياته, بأتجاهاته, بمذاهبه وباختلاف تفكيره من ابن الشارع الى اعلى مستوىً وقفوا معي. دخل الى بيتي عشرات الناس بالزهور والدموع. هذا دعاني بأن اكون متفائلة في وقتها وقلت في نفسي حتى ولو لم يرجع لي بصري, حب الناس هو الذي يضيء الطريق. وبالفعل عملت العملية ونجحت وعندما رجعت من لندن استقبلتني الجماهير في المطار بالزهور والنقود والحلوى و(الجكليت) والموسيقى الشعبية تعزف, وذبحت في باب بيتي عشر ذبائح ودخل بيتي عشرات الناس. ولن انسى حين جاءني رجل يبكي فقال لدي تسع بنات واعتبرك انت العاشرة لدى مصروف اطفالي 10 دنانير (اقبل) يديك خذيها مني سحبت يده لاقبلها وقلت له: يا عم هذا كلامك لا تعادله كنوز الدنيا. وحضنته وقبلته!. وجاءت لزيارتي ايضا ثلاث فلاحات رائحة البقر على ملابسهن وحاملات لبنا وحليبا وقلن لي: لا يوجد عندنا شيء لنقدمه لك, لكن اذا قال الطبيب ان هناك امكانية لتبديل العين سنعطيك عيوننا. هؤلاء الناس افديهم بحياتي وعيوني وانا وفية لهم. كيف انسى هؤلاء الناس الذين ساندوني وجعلوني ارى النور بدل الظلام. اعطيهم كل عمري وكل حياتي. انا في الثلاثين سنة الماضية عشت ظروفا عصيبة في احقر الاماكن التي لا يعيش فيها الحيوان. مرت علي ايام ( وانا لا املك رغيفاً اعتاش به ) ولكنني كنت دائما ثابتة القدمين شامخة الرأس لان الشيء الوحيد الذي كان دائما يراودني انني خرجت بكرامتي وشرفي وهذا اهم شيء عندي ( خرجت بثوبي الذي ارتديه فقط ) كل ما املكه تركته وعشت في ضنك وحيدة, لا اهل ولا ناس ولا وطن حر وشعب سعيد ولا اولاد ( اولادي مشردون ) لا اعرف عنهم شيئا. كنت دائما ابكي في شوارع لندن, اصاب بالانهيار وادخل المستشفى, اقول للدكتور: عيب علي انا لست بهذا الشكل انا اقوى من هذا, انا ناهدة العراقية بنت هذا الشعب!.

* هنا قاطعت الفنانة ناهدة وقلت لها: اتذكر ايام السبعينيات, كان احد المراسلين الذين يقدمون برامج الاطفال من لندن فكانت ابنتك غنت اغنية (يا بو علي)؟
- هذه قصة ابنتي التي رافقتني الى لندن. وفي وقتها ارسل السفير بطلبي وكان انسانا طيبا, لا اتذكر اسمه فقال لي: “ناهدة “ احتفالات تموز تطل علينا ونريد منك فعالية. فقلت له: يا استاذ انا ممثلة فماذا اقدم من فعالية؟ ولكن ابنتي تملك صوتا جميلا وتغني اغاني فيروز وغيرها, ثم بعد ذلك تذكرت اغنية فقلت له هناك اغنية جميلة فقال ما هي كلماتها؟ فقلت ( اليجي لبلدنه شيشوف, خير ووفة وسعادة – واحنة شعبنه معروف والوفه عدنه عاده, لو طاحت الارض ابضيم نصعد على راس الغيم, نمطر هناء وسعادة) اعجب بها ايما اعجاب طبعا. تدربت عليها ابنتي وغنتها. وفي وقتها كان المرحوم الفنان راسم الجميلي, فسألت عن ابنتي فقالوا ذهبت لتسجل الاغنية!! خرجت بعد ذلك الاغنية والناس تهلهل لها وترقص مع الحانها. وبعد ذلك استدعى النظام السابق الفنان راسم الجميلي للتحقيق معه حول مضمون هذه الاغنية فقال “ تصورتها عليّ انا ابو علي!..”

* هل مثلت في الخارج؟ هل التقيت مع مي شوقي او خليل شوقي وغيرهم؟
- كلا في البداية عشت سنين طويلة وحيدة ولا استطيع الاتصال بأهلي كما تعرف والغربة ناسها آذوني كثيرا, لكنني اقوى من كل شيء ولا اعتبر نفسي كبيرة في السن فأنا استطيع الوقوف على خشبة المسرح لعشر ساعات بلا كلل او ملل.

* ماذا اضافت لك الغربة؟
- الغربة تفيد الانسان حيث يتعلم من كل شيء, البلدان التي عشت فيها والمعاناة التي مررت بها اضافت لى صلابة اكثر ووعياً وقوة. بريطانيا هذا البلد المتحضر اخذت كل ايجابياته وتعلمت من التلفاز ومن الشارع ومن كل شيء كنت اذهب الى اماكن فيها ابنية المسارح وهناك احس وكأنني وسط الثقافة حتى عندما امشي في الشارع احس نقطة المطر فيها فائدة لي. ووعيي وعلمي وطيبتي ومحبتي للناس زادت تواضعي. في قلبي حنان ومحبة الكون كله لا يسعها. ثم استدركت قائلة: اتمنى ان امشي في شوارع بغداد واقبل كل فرد من ابناء الشعب العراقي تعويضا عن حرماني وشوقي لهم طيلة السنوات الثلاثين الماضية.

* ماذا تعني لك النخلة والجيران؟
- كل الاعمال التي قدمناها للمسرح هي مفيدة للناس رغم امكانياتها المتواضعة لكننا كنا الواحد يسند الآخر. غائب طعمة فرمان الغائب الحاضر و(النخلة والجيران) اعدها الاستاذ زميلي ورفيق دربي الذي اتمنى له الشفاء الفنان الكبير المخرج قاسم محمد وهو ضوء ساطع كبير في المسرح العراقي. لانها تعكس اولا معاناة الآلاف من الناس المسحوقين في فترة الحرب وتظهر لك الناس (الطيب والبخيل واللئيم والاناني والذي يعمل في السوق السوداء) ثم بعد ذلك تعكس معاناة المرأة العراقية من قبل الرجل والجيران والشارع والزوج والمجتمع وهذا شيء كبير جدا. ثم انها متكاملة فنيا من كل النواحي, من حيث الاخراج والتأليف والتمثيل والديكور والموسيقى. ابداع وصلوا فيه الى القمة في التمثيل مع وجود الصدق والحب الذي يجعل الاعمال ممتازة, ثم الترابط والحب الوجداني مع الناس له الفضل الكبير في جلب الجمهور من الناس الشعبيين البسطاء الذين لم يروا السينما ووجدوا انفسهم على المسرح. هذه المسرحية جعلتني احس اكثر بالناس الذين حولي.

* هنا اود الاشارة الى مداخلة سريعة مع الفنانة القديرة سألتها ماهو رأيك بالاسماء التالية (ابراهيم جلال وجعفر السعدي وخليل شوقي وزينب ويوسف العاني ومي شوقي وعوني كرومي)؟.
- فأجابت بكل هدوء وسكينة واشارت الى ان المخرج القدير ابراهيم جلال هو بمثابة ابيها الذي رباها واعطاها من الحنان الشيء الكثير, كذلك المرحوم جعفر السعدي اما زينب فهي اختي وحبيبتي وما زلت مع الفنان خليل شوقي في تواصل دائم ويوسف العاني ممثل قدير اما مي شوقي فهي زميلتي وهي ممثلة قديرة, وعوني كرومي اسم كبير وفرقة المسرح الحديث بيتي واهلي.

* اخيرا ماذا يمثل لك يوم المسرح العالمي.. وهل يمكن ان ننهض بمسرحنا العراقي الى الامام؟
- يمكن ان يتحقق هذا اذا تكاتفت الجهود وقدمت الحكومة الدعم اللازم لانه بدون هذا الدعم لانستطيع عمل أي شيء ونحن مصممون الآن انا وزميلي واخي العزيز سامي قفطان ان نضع يدا بيد ولا نتوقف ابدا بالاضافة الى جهود الآخرين المخلصين والمحبين سنعيد هيبة المسرح العراقي.

* سؤال شخصي: ممن تتكون عائلة ناهدة الرماح؟
- ناهدة اسماعيل القريشي وناهدة الرماح لقب عائلة زوجي. كأسم فني فيه موسيقى. ولدي ثلاثة اولاد ابني الكبير في السويد عازف موسيقي يعمل مع فرق اهلية وهو انسان رياضي. والثاني يعمل في قناة العربية في دبي (يقطع ويصور ويخرج ويمثل ويعزف). ابنتي هند كاملة المواهب وهي التي غنت (يابو علي) وهي ممثلة مرحة وذات اخلاق عالية وطيبة ولكن مع الاسف وضعها الاجتماعي غير مريح. كرست حياتها لتربية ابنيها. كان لقاءا ممتعا وجميلا مع الفنانة القديرة ونقدم لها باقة ورد وتهان وتمنيات بالصحة وهي في احضان بلدها العزيز العراق.


 

free web counter