| الناس | الثقافية  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

فنون

 

 

الثلاثاء 14/4/ 2009



المسرح بين مندلي وبعقوبة

ثامر الزيدي - بودابست


ثامر الزيدي

قدمت على مدار سنوات عدة طلبات لتأسيس فرقة مسرحية في بعقوبة وكانت تواجه بالرفض من قبل مديرية الأمن في بعقوبة ، حتى حصلت على إجازتها فيما أظن عام 1971 أو مطلع 1972وقد صادف ذلك العام يوم المسرح العالمي فقررنا أن تشترك فرقة مسرح بعقوبة مع فرقة مديرية تربية ديالى للتمثيل التي أسست عام 64 بهذا الحدث ، فأخذنا نعمل بجد ومثابرة (مستغلين تواجدي في مديرية تربية ديالى وكوني المشرف المسرحي ) لأجراء التمرينات على مسرحية (أغنية التم) وكنت الممثل الرئيسي والمخرج كما قدمنا مشاهد من مسرحيات أخرى .

كان أغلب اعضاء الفرقة من المعلمين والطلاب أذكر منهم مجيد حميد وعقيل عباس وابراهيم مناتي وعامر مطر وحيدر عبود وسعدون مراد وطارق عبد الوهاب وعبد الخالق جودت ، وكان جل جمهورنا من العمال وخاصة عمال البناء في محلة (العنافصة ) يساندنا اعضاء فريق الأهلي بقيادة لاعبه الشهيد مصطفى الديو( استشهد في مطلع الثمانينات على ايدي جلاوزة نظام صدام حسين لأنتماءه الى الحزب الشيوعي العراقي ) وكذلك جمهور بقية الفرق الرياضية وخاصة الزمالك لأن احد اعضاءه واسمه ( زيد ) على ما اذكر، كان ممثلا رئيسيا في فرقتنا ..وأذكر أن الجمهور كان مختلطاً من الجنسين تتقدمهم عوائلنا نحن اعضاء الفرقة ، وجيراننا بينهم ((الحجية والزايرة )) . . . .

كلمات بابلو نيرودا
كانت القاعة مملوءة بالجمهور وتقدمت امام الستارة لألقي كلمة يوم المسرح للشاعر بابلو نيرودا ، استمع اليها الجمهور بانتباه شديد ، وكان هذا الجمهور يكن الاحترام والتقدير لنا لمعرفته المسبقة بانتمائنا الفكري وتوجهاتنا السياسية وخاصة ان اغلب اعضاء الفرقة هم اعضاء او اصدقاء للحزب الشيوعي العراقي ، وهذا ماكنا نفخر به ولذلك لم نساوم على مبادئنا ولم نقبل بالاغراءات الكثيرة وبقينا فرقة فقيرة الحال لكنها غنية المعنى والفكر.. قرأت الكلمة حتى وصلت تلك الجملة ـ والتي أثرت فيّ كثيرا ـ والتي يقول فيها بابلو نيرودا :

(( لنحيّ أبعد مسرح في أصغر قرية يضاء فيه مصباح للمسرح )) .

لقد أثارت كلمة ( نيرودا ) شجوني وتذكرت ما أصابني بسبب شعار كان يردده دائما استاذنا الراحل بهنام ميخائيل : المسرح مدرسة الشعب . . . .
في عام 1967 او 1968 حملت هذا الشعار وقررت السفر الى هذه المدن المهجورة لتشاهد المسرح (( مدرسة الشعب)) ، سافرت واعضاء فرقة التربية الى ( مندلي ) التي كانت يوم ذاك بعيدة والشارع العام غير مبلط وكنا نود تقديم مسرحية تأريخية فيها عدد كبير من الشخوص ، وصلنا الى مندلي نحمل أفرشتنا وملابس التمثيل وبدأنا فورأ لتشييد مسرح من المناضد والرحلات المدرسية لتكون بمثابة خشبة للمسرح ، اما الستائر فمن البطانيات والشراشف ، ووضعنا بعض المصابيح لأجل الأنارة ، كل هذا نفذناه بأيدينا، وسرعان ما أنتشر الخبر في المدينة وحضرت الجماهير من مختلف الفئات الاجتماعية وعندما انتهينا من بناء المسرح وبعد أن استنفذنا جميع المناضد والرحلات وجدنا أنفسنا امام معضلة أخرى فخشبة المسرح صغيرة لا تستوعب حركة عدد كبير من الممثلين ولهذا أستبد لنا المسرحية التأريخية بمسرحية أخرى كتبها الراحل عبد الخالق جودت وكنا قد تدربنا عليها ، لهذا السبب قدمنا مسرحية (( معلم أيام زمان )) وهي مسرحية تتناول التعليم في العهد العثماني ، وبعد عشرة دقائق من بداية العرض المسرحي والجمهور في القاعة متفاعل معنا ، وإذا بالمصابيح تطفأ ويبدأ رمي الحصى والحجارة على المسرح والممثلين ولا نسمع سوى الصراخ وهرج وفوضى ، مرت عشر دقائق ونحن في مرمى الحجارة . . . والمضحك المبكي هو اني كنت المسؤول الأول عن كل ماحدث وما سيحدث .. وسط هذه المعمعة تذكرت أين هي مفاتيح كهرباء القاعة واستطعت إعادة أضاءة المصابيح ، الا ان القاعة كانت خاوية ، لقد ترك الشعب المدرسة (المسرح مدرسة الشعب) وتركنا وحيدين في تلك الليلة الظلماء . . . .
عثرنا على سيارة باص لوري لنعود الى بعقوبة ولتبقى مصابيح القاعة مضاءة وخشبة المسرح منتصبة !!!!!!!

.. تذكرت كل ذلك وانا القي كلمة يوم المسرح العالمي وعلمت بعد مدة ان ما حدث في مندلي كان مقصودا ومبيتا ، لقد كان صراعا ـ بعيد الانتخابات التعليمية بين البعثيين من جهة والقوميين ممثلين بمدير التربية ـ آنذاك ـ من جهة ثانية .
على إثر تلك الحادثة كتب عني واحد من صحفيي جريدة صوت العرب ( تسلق هذا الصحفي المراتب ـ في مطلع السبعينات ـ حتى وصل في النصف الاول منها الى سكرتير صحفي لاهم مسؤول في الدولة آنذاك !!! ) بانني أسأت للتعليم ولمهنة المعلم ،
احلت الى لجان تحقيقية عدة ووجهت لي عقوبة إنذار ومن ثم طردت من النشاط المدرسي ، الا ان هذا الطرد لم يمنعني من ممارسة عملي كمسرحي وخاصة من خلال الفرقة ـ التي اعتز بتأسيسها ـ فرقة مسرح بعقوبة .



 


 

free web counter