| الناس | الثقافية  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

فنون

 

 

الثلاثاء 14/4/ 2009

 

الممثل الباحث والاعتراف بالآخر
شهادة مسرحية

أحمد شرجي - هولندا
ahmadsharji@hotmail.com

في السنوات الاولى لدراستي للمسرح، قرات كيف اقدمت الدكتاتورية على إعدام المخرج الروسي الكبير الشيوعي فيسفور مايرهولد، وايضا عن نفي المنظر والمخرج الألماني برتولد بريشت، ولوركا ذلك الشاعر الانساني الكبير على يد نظام فرانكو الدكتاتوري،تلك الحوادث وغيرها تطرح اسئلة كثيرة ومحيرة، هل تساهم الدكتاتورية (بدون قصد) بانجاح وايصال تجربة ما؟ هل يكون القمع سببا للابداع؟ هل تساهم المقاصل ، وهذا ما يميز كل الدكتاتوريات، ببعث روح الحياة للمشاريع الانسانية والفكرية الكبيرة، حتى بعد اعدام اصحابها؟
العالم المسرحي كله يتلفظ اسم مايرهولد الان ، منفى بريشت الامريكي ساهم كثيرا بانتاج جواهر بريشت المسرحية، ولم ينفع الاعتراف بخطأ الدكتاتورية على اقدامها إعدام لوركا، ذهبت الدكتاتوريات وبقى لوركا كأحد الشعراء العظام ، واسم المفكر، والفنان والمثقف، وبقى المشروع الثقافي والفكري.
عندما كنت داخل العراق اعمل في الوسط المسرحي، كانت أمنيتي ان اشارك بأي مهرجان مسرحي دولي، ضمن الوفود التي تذهب للمشاركة في مهرجانات مختلفة ، مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي ، مهرجان قرطاج الدولي ، وغيرها من المهرجانات المسرحية، كان حلما بعيد المنال، رغم انه منطقي جدا ، كوني فنان مسرحي عراقي ، لااعرف لماذا هذا الحلم او الشعور؟ ، قد يكون بانه اشبه بالاعتراف بي كفنان مسرحي من خلال التواجد هناك وتمثيل البلد.... للاسف لم يتحقق هذا الحلم طيلة وجودي بالوسط المسرحي منذ نهاية الثمانييات، بل لم اشارك حتى في مهرجانات المحافظات ، عدى مشاركاتي في مهرجانات منتدى المسرح والمسرح العربي في بغداد.
بعد ان اخترت المنفى في منتصف التسعينيات ، واستقر بي المطاف بعد محطات عدة في هولندا، وقدمت اولى تجاربي المسرحية كممثل داخل وسطها المسرحي،وكانت للمخرج المبدع الصديق( رسول الصغير)، في مسرحية( فاقد الصلاحية )، وقد مثلت فيها الشخصية الرئيسة، اختارت لجنة المشاهدة لمهرجان القاهرة التجريبي، عملنا للمشاركة في المهرجان من بين اربعة اعمال هولندية قدمت ملفاتها للمشاركة، وشاءت الصدف ان يكون عملنا الوحيد الذي سيمثل هولندا في المهرجان، وارسلت لنا السفارة الهولندية في القاهرة لتخبرنا بهذا الاختيار ، وتبلغنا ضرورة اكمال اجراءات السفر، تذكرت حلمي الاول الذي بدا يشع بالأفق، لكنه ليس عن طريق بلدي الاصلي مع الاسف ، بل عن طريق بلد آخر ، أوربي ، حيث سأمثل بلغته للمرة الأولى ، وأنا لم أحمل اسمه بعد ، باستثناء وثيقة سفر تمنح للاجئيه .


ورشة الممثل الباحث

أقلعت الطائرة باتجاه القاهرة عبر براغ، بجانبي رسول الصغير،وشريكتي بالتمثيل الفنانة الهولندية (اوكيا)، وستلتحق البقية بنا بعد يومين لارتباطهم بعمل اخر في هولندا وهما مصمم السينغرافيا (ري فاسن والممثلة الرائعة انا ماريا دي بروان)، كنت فرحا كطفل، لكن بداخلي غصة كبيرة ، انتبهت اوكيا لفرحي وتوتري، اخبرتها بحلمي الذي سيتحقق عن طريق هولندا.
قبل سفرنا تحدثنا انا ورسول الصغير عن هذه المشاركة ، مشاركتنا في المهرجان باسم هولندا ، انجاز بحد ذاته.، فهو اعتراف رسمي بأهمية التجربة وأحقيتها في المشاركة، نريد ان نقول باننا مازلنا مصرين على التواصل بمشروعنا المسرحي، حتى لو كان بلغة اخرى، سيعرف أساتذتنا وأصدقائنا في العراق ذلك، لان حتما هناك مشاركة عراقية بالمهرجان وسنلتقي بهم وسيرون تجربتنا....
يا اللـــــــــــــه الفنان الكبير يوسف العاني عضو لجنة تحكيم، الدكتور عقيل مهدي يوسف، يشارك بالندوات، وكذلك الراحل الرائع عوني كرومي، المبدع الكبير جواد الاسدي له ورقة نظرية داخل الندوات، ميمون الخالدي وحيدر منعثر وزهرة بدن(الام تيريزا) كما كنا نطلق عليها سابقا لاننا ننتمي لفرقة واحدة وهي( فرقة فاوست) وقدمنا اعمال جميلة حينها في الثمانييات من القرن الماضي، حضروا يمثلون العراق في مسرحية (حريق البنفسج)، كأن الله يكافئنا بهذا الحضور، والذين اشادوا جميعا بخطوتنا هذه.

اذن هو عرس مسرحي عراقي شاءت الاقدار ان نلتقي جميعا بالقاهرة، نقدم لهم عملنا بعد غياب اكثر من عقد من الزمن في المنفى، لكنهم جاؤا كوفد عراقي، ونحن كوفد هولندي،في بلد لم يمض على اقامتنا فيه سوى بضع سنوات!!!!!!!!!
مفارقة غريبة وشعور اكثر غرابة، عندما عرفنا بان عملنا داخل المسابقة الرسمية للمهرجان، فهذا يعني باننا مرشحون للجوائز انا على مستوى التمثيل ورسول الصغير على مستوى الاخراج ، كون العمل داخل المسابقة، لم لا ؟ كل شيء وراد طالما هي مسابقة وهناك لجنة، شعور غريب انتابني حينها استحضرت حلمي القديم ، وفرحة المشاركة تحولت الى غصة، اخبرني المعلم الكبير يوسف العاني بان الفن بلا هوية، ودع مشاعرك جانبا، انت تمثل العراق حتى وان كنت تمثل بلغة اخرى، تحت علم اخر...
لكن كيف اذا حصلت على الجائزة؟ بماذا سينادون علي؟ العراقي او الهولندي؟ اكيد الهولندي لاني امثل هولندا ،رغم اني لم احمل جنسيتها!!! لكن هولندا تعطيني هذه الفرصة....غريب ! رغم اني اؤمن بان الفن بلا هوية ، وبلا انتماء سوى الانتماء للابداع فقط،القضية ليست قضية شعور وطني، وقد يكون كذلك ، لكني حقيقة لا اعرف ماهو ، ولماذا كنت افكر به حينها.
سألت رسول قبل بداية العرض عن أساتذتنا وأصدقائنا ، داخل القاعة، اخبرني بانهم جميعا حضروا...( كلهم) وقعت علي كالصاعقة قبل الدخول الى الخشبة ، لم يكن يهمني أي شخص في القاعة سواهم، هم جمهوري الوحيد هذه الليلة ، لعلني اختصر سنوات المنفى الذي فرقنا ، امُثل وعيوني تلتقي بهم واحدا واحدا، قدمت العرض وكأني امثل لأول مرة في حياتي، رغم عتاب اوكيا وانا ماريا باني مثلت بطريقة مختلفة، وهذا غير ما اتفقنا عليه في البروفات والعروض السابقة ان كانت في هولندا اوالمغرب، رغم اني لم ارتكب أي خطا او حركة غير متفق عليها اخراجيا، لكن الليلة الاحساس تغير، المشاعر كانت مختلفة هذه المرة، لم يفهمني احد سوى رسول الصغير، والذي كان يبكي في غرفة الاضاءة، لانه حلمنا المشترك، انهم لايعرفون باننا اليوم نحصل على شهادة الاعتراف الفنية.
اخذ مني (الممثل الباحث) وقتا طويلا من البحث، ومن ثم التنظير له كطريقة جديدة اقترحها للممثل، وهذا ايضا ساهم فيه المنفى/ الدكتاتور/الدكتاتورية، لولاه لم اذهب للمغرب مؤطرا ورشاً فنية على طريقة(الممثل الباحث) والاعلان عنها، بل واخذ الاعتراف بها من اساتذة وفنانين كبار ولهم باع طويل في الحقل المسرحي، من أمريكا وألمانيا والبوسنة وفرنسا وروسيا ،حيث كنا جميعا مؤطرين لورش فنية في مهرجان المسرح الجامعي الدولي بكازبلانكا، اثنوا على الطريقة والمصطلح، المهم انهم عرفوا باني فنان هرب من الدكتاتورية، وينتمي للفن فقط وللانسانية.
لولا هروبي من الدكتاتورية والدكتاتور ، لم يتحقق ذلك الحلم الذي كان بعيد المنال ،اذا شكرا للدكتاتورية التي جعلت انتمائي للفن والمسرح ,والثقافة فقط، شكرا للدكتاتورية لانها (ساهمت) بوصول مشاريعنا المسرحية الى الاخر ، في الضفة الاخرى.





 

 

free web counter