| الناس | الثقافية  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

فنون

 

 

الثلاثاء 14/4/ 2009

 

مسرح العبــــــــــــــــــــــث

محمد جودة العميدي

شـــاع في النصف الأخير من القرن الماضي اعتقاد مفاده إن الإنسان موجود في عالم لا عقلاني عديم المعنى وأن كل محاولاته التي يقوم بها لإيجاد النظام أو بحثا عنه تجعله في صراع مستمر مع هذا العالم . وعلى أساس هذا الاعتقاد تبلورت الفلسفة العبثية أو فلسفة اللامعقول . بدأ مسرح العبث Absurd Theatre بالظهور بكامل ميزاته في عام 1953 عندما نشر صاموئيل بيكيت (1906-1989) مسرحيته الشهيرة (في انتظار جودو) التي اتسمت بغموض الفكرة وخلوها من الفكرة التقليدية وغياب الحلول، فكانت المسرحية رمزية غامضة فيها من الإبهام الشديد . وامتازت بقلة عدد الممثلين ومحدودية الزمان والمكان . ترك بيكيت نهاية المسرحية مفتوحة بلا جواب مما أدى إلى تساؤلات كثيرة عن فكرة المسرحية وما تدعو إليه . ومن أشهر رواد مسرح العبث: الأيرلندي صاموئيل بيكيت، والبلغاري يوجين يونسكو والروسي آرثر أداموف، والفرنسي جان جينيه والأمريكي ادوارد البي والإنجليزي هارولد بنتر وجون اوزبورن الذي كتب مسرحية (انظر وراءك بغضب) Look Back in Anger كانت أفكار هؤلاء الرواد تنطلق أساسا من مبادىء الرفض والغضب وفقدان الثقة بكل القيم الأخلاقية والأنظمة السياسية السائدة بعد انتهاء الحربين العالميتين . شهدت الفترة التي أعقبت الحربين العالميتين وصول جيل مضطرب تائه لا يؤمن بالأيديولوجيا ولا حتى بالدين ولا بأخلاقيات المجتمعات التي لم تقف حائلا دون نشوب الحربين . من بين هذا الجيل والجيل الذي شهد الحربين ظهرت مجموعة من الأدباء أسست مدرسة (مسرح العبث ). تمرد رواد مسرح العبث على المسرح الارسطي وتقاليده الثلاث: الزمان، المكان والحدث و تنكروا لهذه العناصر وقرروا محدودية المكان كشجرة كما في مسرحية (في انتظار جودو) أو غرفة كما في مسرحية (الغرفة) أو كرسي كما في مسرحية (الكراسي). أهمل العبثيون عنصر الزمن في مسرحياتهم واعتبروه غير ذي قيمة . أما الحدث أو العقدة فلا وجود لها هي الأخرى في مسرحياتهم . عاد العبثيون إلى كتابة المسرحيات ذات الفصل الواحد . كما أنهم اعتمدوا العدد المحدود من الشخصيات. أما العنصر المهم و هو (لغة الحوار) فهي لغة مختزلة، قصيرة الجمل. تتخلل هذا الحوار فترات متقطعة من الصمت. فالحوار عند العبثيين غامض، مبهم ومبتور تعوزه الموضوعية والترابط و التجانس، فشخوص المسرحية تتحدث دون أن يفهم احدهم الآخر. وقد بالغ آخر العبثيين (هارولد بنتر) في تعقيد الحوار عندما جعل شخصية (الأخرس) شخصية رئيسية في مسرحيته (النادل الأخرس) . يعتقد العبثيون إن اللغة فشلت في تحقيق التواصل الإنساني كما إنها عاجزة عن تحقيق علاقات جيدة بينهم، لذلك اتخذ العبثيون من السخرية والتهكم وسيلة للتعبير. فالمحاكاة الساخرة هي أهم مميزات مسرح العبث . والهدف من المحاكاة الساخرة هو كشف النقاب عن الوجه الحقيقي للبشر. إذ إن هذه التقنية تكشف إن التجانس بين الناس إنما هو ظاهري فقط0تصبح المحاكاة الساخرة في مسرح العبث وسيلة لفضح زيف المجتمع . حتى إن أسماء الشخصيات في مسرح العبث تبعث على السخرية. فالبطل في مسرحية (نهاية اللعبة ) لبيكيت شخص أسمهham و التي تعني فخذ خنزير وشخصية أخرى هيnil التي تعني لا شيء أو صفر. لقد لجأ بعض رواد مسرح العبث الى المزج بين الكوميديا والتراجيديا لإنتاج ما يسمى بـ(التراجيكوميديا) أو الملهاة السوداء. أما علاقة الشكل بالمضمون عند العبثيين (كما يقول الدكتور محمد غنيمي هلال ) " ذو معنى مزدوج : فموضوعه من ناحية عبث الوجود أو رهبة الفراغ في الكون ، رهبة يعيها العقل ومن الناحية الأخرى يقوم بتصوير الوعي الحاد العبث، لا عن طريق المنطق الارسطي، بل عن طريق تجارب معزولة تتصل بأعماق النفس المرتاعة أمام مأساتها الهائلة اللامعقولة، أي المستعصية الإدراك " (1) تتطور الأحداث في مسرح العبث بلا منطق معين بل تتطور هذه الأحداث بالتداعي كما في الأحلام . ولا نستغرب من وجود مسرحيات لها بدايات وليس لها نهايات كما إن هذه المسرحيات يمكن أن تضم في محتواها أكثر من عقدة فرعية لكنها بلا حلول . تأثر مسرح العبث كثيرا بالفلسفة الوجودية بما تمنحه هذه الفلسفة للإنسان من قيمة عليا تؤكد تفرده في أنه صاحب التفكير والحرية والإرادة والاختيار وانه في غنى عن أي موجه . فهذه الفلسفة تؤمن بالوجود الإنساني المفرد . لذا فأن الكثير من النقاد يرون أن مسرح العبث بدأ أساسا قبل خمسينيات القرن الماضي ، ويعتبرون الكاتب الفرنسي البير كامو أول من أكد فلسفة العبث في أدبياته و خاصة في روايته الشهيرة (الغريب) عام 1942 . ومؤسس مسرح العبث بإجماع النقاد هو الكاتب المسرحي الايرلندي الأصل،الفرنسي الموطن (صاموئيل بيكيت) المولود يوم الجمعة 13 نيسان عام 1906 . أختار المسرح وعشقه بملء إرادته حيث لم يعارض والديه اختياراته . كتب عدة مسرحيات منها (في انتظار جودو) و(نهاية اللعبة) وآه، الأيام جميلة) وغيرها من المسرحيات " التي تفردت بمناخات عبثية هائلة ، وخاصة في مسرحيته الشهيرة (في انتظار جودو) التي غيرت وجهة المسرح في العالم مع إطلاقه لها عام 1953 ."(2) حصل على جائزة نوبل للآداب . رحل بيكيت عام 1989 وترك وراءه شخصيات خالدة تجوب العالم بأحلامه الغامضة غموض مسرحه (مسرح العبث) . أما آخر العبثيين فهو هارولد بنتر الذي لم يتوقع الفوز بجائزة نوبل لعام 2005 بسبب مواقفه السياسية المعارضة للسياسة الخارجية الأمريكية في نيكاراغوا والبلقان والعراق ، وبسبب تبنيه أفكارا يسارية مناهضة للعنصرية ولليمين المتطرف. كان بنتر يدعو إلى الحوار الدبلوماسي في حل الازمات ورفض منطق الحرب. ربما كان بسبب معاناته من الحربين العالميتين التي عاصر أحداهما وشاهد آثار الأخرى بعينه . وإضافة إلى ذلك فقد كان هارولد بنتر ناشطا سياسيا في مجال حقوق الإنسان.
 

المراجـــــــــــع :
(1) الدكتور محمد غنيمـي هلال - النقد الأدبي الحديث
(2) الموسوعـة الحرة (ويكيبيـديـــا) the free encyclopedia





 

 

free web counter