| الناس | الثقافية  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

فنون

 

 

الثلاثاء 14/4/ 2009

 

ما هو الفــــن؟

د. نور الدين فارس *

بعض الرجال بلا طعم بلا ملامح بلا موقف يذكر .. مجرد هياكل خشبية مسندة مطلية لحما ، تحمل روبوتاتا مبرمجة على شيء بعينه تكرر نفسها كلعنة حتى تسقط الأقنعة الشمعية قبل أو بعد فوات الأوان .. أما النساء فهن في نظرها مجرد أزاهير ملونة بانتظار أن يقطفن ليزين عراوي البدلات الأنيقة ، وهي لا تغبط الأزهار على أية حال ، فكل ما تفعله هو أنها تذوي وتموت في صمت.

الفن هو الفن لأنه ليس الحياة (كوتة). بدون رصيد من الأفكار لا يستطيع العقل أن يعمل ولا المسرحيات أن توجد(برناردشو). المسرح حوار دائم وعملية جدلية مستمرة معتمدة في : - الآن وهنا - وهو بطبيعته يناهض التنميط والقولبة وحذف الآخر أو النقيض. ويحيا على المعارضة والتعددية والتناقض. إن الجدل هو روح أي معرفة علمية ( هيجل). لولا التناقض ما كان ثمة تقدم ..التجاذب والتدافع ، الهدوء والتهور ، الحب والبغض ، كلها أمور ضرورية للوجود الإنساني. اعتقد رومان رولان : إن القالب المسرحي هو انسب القوالب لمخاطبة الشعب . فقد لا يقرأ رجل الشارع كتابا ولكنه يهرع لمشاهدة المسرح، ولهذا فان المسرح يجتذب القاعدة العريضة من الجماهير وهناك يمكن أن يتحدث إليه. من كانت له رسالة يجب أن ينقلها إلى الشعب في شئ من الفاعلية والتأثير...واعتقد بأن كل حركة فكرية أو سياسية تنتظر تأكيدها أو نجاحها النهائي من المسرح . (المسرح السياسي مدخل إلى فلسفة الفن والدراما..فؤاد كامل ص199) كتب يوهان فننكلمان.. في كتابه- تاريخ الفن القديم -: إن ازدهار الفنون في اليونان القديمة، مرده إلى الحرية السياسية، وان الفنانين العظماء القدماء خلقوا هذا الإنتاج الرائع بفضل عبقريتهم واجتهادهم إلى جانب التأثير الجيد للطقس والأخلاق، وقبل كل شئ بفضل الشعور بالحرية ، هذا الشعور الذي يسمو بالروح ويشبعها بالآراء العظيمة خاصة بعد اكتشاف أولويات الفكر الجدلي (ديالكتيك هرقليطس) ، وازدهار الديمقراطية التي أنعشت الحياة والفن والأدب والآراء العظيمة. كتب بريخت عن بيسكاتور :- كان المسرح بالنسبة إلى بيسكاتور برلمانا والمتفرجون هيئة تشريعية ، حيث كانت تطرح بصريا أمام الجمهور تلك المشكلات الكبرى التي تهمه وتتطلب قرارات، وكانت الخشبة تهدف إلى تحريض الجمهور - البرلمان على اتخاذ قرارات سياسية. إن إنتاج أعلام عصر النهضة وعلى الأخص شكسبير ، كالديرون ، لوب دوفيجا ، كورنيه، راسين، مولير، لم ينفصل عن الخلفيات السياسية التي كان يعيشها معاصروهم. وتشغل الناس من حولهم ولم يكن مسرحهم واقفا على الحياد بل اثر بفعالية كبيرة في الحياة العامة وطرح القضايا الاجتماعية ذات الخلفيات السياسية الواضحة ، يتجلى ذلك في أعمال شكسبير ، يوليوس قيصر ، مكبث ، هاملت، لوب دفيجا ، ثورة الفلاحين . وفي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان ابسن ، تشيكوف ، برنادشو ، أوائل من نادى بحرية المرأة وحرية الفكر وإصلاح المجتمع من خلال أعمال رائعة.. أعمدة المجتمع ، عدو البشر ، البطة البرية ، بيت الدمية ، القديسة جان ، الذباب ، النضال ضد الفاشية ، كذلك أفول القمر ليشتاينبك الأمريكي الخ. اداة لمخاطبة السماء مع بدايات تشكيل التجمعات البشرية اتخذ الإنسان من التمثيل المحاكاة بشكلها الأولي وسيلة للتعبير عن همومه ومخاوفه وأحلامه وطموحاته، وفي مراحل الخرافة والسحر والأساطير جعله أداة تشخيص للتضرع والابتهال للتقرب من السماء مأوى آلهته لنيل عفوها وحمايتها. وحين تطور عقل الإنسان وتبلور إدراكه واستقام وعيه و ترسخت معارفه اجتماعيا وحضاريا لم تعد أفكاره أسيرة معايير أحادية مطلقة وثابتة ، إنما أضحت تخوض ضمار التنوع والاجتهاد والجدل، وتسعى باتجاه التغيير والتجديد والبديل ، وكلما اتسعت وتعمقت تلك الأفكار اخذ الإنسان يتلمس وجوده القلق على الأرض التي تطوي ماضيه وحاضره ومستقبله، فهي وحدها تحتفظ بواقعه ومصيره ويمكن أن تكون نعيمه أو جحيمه. هكذا راح يؤسس ومن خلال التمثيل (المسرح) لمعايير وقيم تتخطى الثبات والجمود وتتركز على ما هو : مفترض ومحتمل في الواقع ذاته ، ليتسنى له ومن خلال الجدل المقارنة والاستقراء واكتشاف الجديد - البديل- وتجاوز القديم وانجاز التغيير المطلوب. لان الواقع البشري نفسه يفيض بالاحتمالات والمتغيرات التي لا تنضب وهذا ما أملى على الإنسان الواعي المتميدن، أن يجعل عالم المسرح - الدراما - مبتكرا وليس متداولا ولا متناسخا بالأفعال والوضعيات والشخوص والإشارات الصامتة والمنطوقة ، في مدار الحركة والجدل، ما هي إلا انعكاسات وارهاصات بما هو محتمل أو مفترض في الواقع بغية إعداد وانجاز : الضروري والاهم ، إي المحتمل (البديل) الذي يحلم به الجميع بعد تغيير الواقع نفسه . منذ أواخر القرن الثامن عشر : كتب الشاعر المسرحي فريدريك فون شيلر الالماني العظيم - 1759-1805 صاحب المسرحيات الشهيرة قطاع الطرق، غليوم تل ، عذراء اورليان (جان دارك)، حول المسرح قائلا : بأكثر من كيفية يمكن أن يكون المسرح مؤسسة اجتماعية أخرى في الدولة . المسرح هو مدرسة الحكمة التطبيقية ودليل الطريق في حياة المواطنين ومفتاح أمين باتجاه اندفاعات الروح البشرية. المسرح طريق عبور فيه من المفكرين القسم الأفضل من الشعب..في المسرح سوف يتفجر الضوء في الحقيقة ، وتنتشر الومضات الفنية ، من هنا إلى جميع أنحاء الدولة مفهوم اصدق لقاعدة عالية من السلوك والمشاعر النظيفة جدا ، سوف تفيض من هنا إلى كافة مسارات الشعب فتزيح ظلام الهمجية وتبيد القوى الغامضة والمظلمة، الليل ينهزم لان النهار قد انتصر.
 

* حصل عام 1979 على دكتوراه فلسفة في الأدب المسرحي ، موضوع البحث "نظرية الدراما من معهد التمثيل العالي في صوفيا 1979 . رسالة الدكتوراه :"المسرحية العراقية بين 1958-1974" .
غادر العراق عام 1974 بعد أن ترك بصماته واضحة فى المسرح العراقي وخاصة من خلال مؤلفاته المسرحية والتي أنتجتها فرقة مسرح اليوم ، وكان أحد مؤسسيها وسكرتيرها لغاية 1974 .
عمل أستاذا محاضرا في معهد اللغة والأدب العربي بجامعة وهران في الجزائر لأكثر من ثمان عشر سنة أسس في وهران معهد التمثيل في العام 1986 .
من أشهر مؤلفاته المسرحية والتي سجل معظمها للتلفزيون العراقي هي :جدار الغضب، أشجار الطاعون، البيت الجديد، الينبوع، عروس بالمزاد، الغريب، العطش.



 

 

free web counter