| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

هذا الكتاب

                                                                                  الأربعاء 8/5/ 2013

 

"ثلاثية الأرواح الضائعة" ..
كتاب للناقد حسين سرمك عن "ثلاثية شيكاغو" للروائي محمود سعيد

عن دار ضفاف في دمشق، صدر للناقد الدكتور حسين سرمك حسن كتاب جديد عنوانه "ثلاثية الأرواح الضائعة" عن "ثلاثية شيكاغو" للروائي "محمود سعيد" . ضم ثلاث دراسات مستفيضة عن أجزاء ثلاثية شيكاغو الثلاثة: حافة التيه، إسدورا، وزيطة وسعدان. وقد خصص الناقد سرمك مقدمة كتابه للإجابة عن تساؤلين سيثوران حتما في ذهن القاريء هما: لماذا محمود سعيد؟ ولماذا "ثلاثية شيكاغو"؟ للإجابة عن السؤال الأول قال: (ليس مهما، أن يكون محمود سعيد، قد فاز بجائزة فتى العراق عام 1956عن قصّته "بندقية صيد"، وهو بعمر ثمانية عشر عاما، كما ورد في سيرته فهناك من كتبوا القصة بعمر أبكر، وليس مهما أيضا، أنه أصدر مجموعته القصصية الأولى بعد ذلك بعام واحد "بورسعيد وقصص أخرى"، والتي يقول عنها، أن نسخة واحدة منها، كانت محفوظة في المكتبة الوطنية ببغداد، ولا يعلم إن ظلت على قيد الحياة أم لا، بعد تعرّض المكتبة الوطنية – وفيها جزء عظيم من تراث العراق الثقافي الهائل – للحرق على أيدي الأميركان الخنازير الغزاة وقت احتلالهم للعراق في عام 2003 المشؤوم.. أقول: ليس مهما تلك النتاجات المبكرة، برغم أهميتها في تاريخ محمود سعيد الشخصي، لكن المهم هو مثابات التحوّل النوعية التي حققها محمود سعيد في مسيرته السردية اللاحقة، والتي مثلت إضافات نوعية للفن الروائي العراقي، وفي مقدمتها بطبيعة الحال روايته "زنقة بن بركة" (1970) التي شكلت نقلة نوعية في بناء الرواية العراقية، وأسسها الفكرية والفنية والجمالية، حتى ليكاد الناقد يقول إنه لولا صدور رواية الراحل "غائب طعمة فرمان" "خمسة اصوات" في عام 1967 ، أن رواية محمود هي التي دشّنت دخول الرواية العراقية عهدها الفني الناضج. ثم يأتي الإنجاز الفذّ في عام 2008، حيث اختار موقع (شؤون المكتبة- library thing) وهي مجموعة من المتطوّعين منبثّين في جميع أنحاء العالم يقوّمون كل ما يُكتب باللغة الإنجليزية أو ما يُترجم إليها (192) رواية كأفضل ما أنتج في مجال الرواية خلال قرن كامل. وحصلت رواية محمود سعيد "أنا الذي رأى" على أربع نجوم من خمسة، لتكون إحدى أفضل إثنتين وخمسين رواية في العالم. وهذا الأنجاز هو وسام يوضع على صدر الفن السردي العراقي. وفي عام 2009 اختارت منظمة العفو الدولية 37 كاتبا من العالم كله للكتابة عن مبادئ حقوق الإنسان. ونشر مجموعة القصص في بريطانيا، كندا، أمريكا، تركيا، اسبانيا دول أخرى وإن أحببت أرسلت أغلفة المجموعة ببضع لغات. وفي سنة 2010 كتبت عنه "مجلة النيويوركير" مع بضعة كتاب عرب.

 
http://www.newyorker.com/arts/critics/books/2010/01/18/100118crbo_books

وفي سنة 2012 اختارت مجلة عالم الأدب الأمريكية قصة مستعمرة العظايات كأفضل قصة قصيرة لهذا العام، ورشحتها لجائزة البوش كارت).

أما عن سبب اختياره ثلاثية شيكاغو من بين أعمال محمود سعيد الروائية الكثيرة فقد قال سرمك: (وفي عام 2008، وفي ما يتعلق بمشروعي النقدي عن منجزه، حقّق محمود سعيد إنجازا روائيا آخر يضاف إلى رصيده السردي من ناحية، وإلى مسيرة الفن الروائي العراقي من ناحية أخرى، وذلك عندما أصدر "ثلاثية شيكاغو"، وهو عمل ذو نفس ملحمي، يتكون من ثلاثة أجزاء. هذه الثلاثية هي التي اخترتها لتكون موضوع هذا الجزء من مشروعي عن الفن السردي لمحمود سعيد. ويقف في مقدمة الدوافع التي جعلتني "أقفز" زمنيا عقودا عدّة، لأتناول الثلاثية، في الوقت الذي بدأت فيه صلتي النقدية بمنجز محمود بدراسة عن روايته "زنقة بن بركة"، هو أن موضوعها أكثر إلحاحا في صلته بمتغيرات الحياة الراهنة مع علمي أن موضوعات الفن الحقيقي حيّة لا تموت. لقد تمسك محمود سعيد -ومنذ أعماله الأولى - بهموم ومحن الإنسان العراقي المسحوق وانتصر لها حتى وهو يرصد إنكساراته الموجعة، مؤكدا أن على الفنان أن لا يتعالى على هموم الإنسان، وأن يكون - من دون أن يغفل الإشتراطات الفنية واللغوية والجمالية طبعا - في خندق هذا الإنسان في اي زمان وفي أي مكان، وتحت أقسى الظروف. وكيف لا ينتصر لإنسان أرضه، وهو الذي كان شعار حياته -ومنذ مرحلة مبكرة في نشاطه الإبداعي- ومايزال الإنتصار للإنسان المقهور في وجه الطغيان والإذلال والإنسحاق، والذي عبّر عنه بقوله: (أنا مستعد للوقوف مع أي مظلوم حتى ينال حقه، ولو كان الظالم أخي. إنني أومن بحق كل الناس بالعيش والحياة الكريمة، مهما كانت معتقداتهم وانتماءاتهم الوطنية والقومية، ولذا فلن ترى شخصاً متعصباً محترماً في رواياتي). وقد فرض عليه هذا الإيمان الراسخ ان يبقى على شطآن المدرسة الواقعية -طبعا ليست الواقعية الفجّة ولا الكلاسيكية- التي هي واقعية حديثة بوصف دقيق. ومحمود سعيد لم يستطع أن يغمض عينيه عن الدماء التي سُفكت، والتي ستُسفك -وقت كتابة الثلاثية- في وطنه بفعل عدوانات الولايات المتحدة الأميركية الوحشية على العراق، وبينها حصار العشر سنوات الجائر الذي اجتث مليون إنسان من شعبه. لكن ثلاثية محمود سعيد الضخمة (أكثر من 680 صفحة)، تكشف بلا تردد، طبيعة المجتمع الأميركي الفردوسي الذي منّى المهاجر العراقي نفسه به طويلا، كجحيم لا يُطاق، ومصدر ضغوط جسيمة يواجهها في محاولة التكيّف مع طبيعة الحياة فيه. فبرغم توفير المستلزمات المادية و"الكرامة" إلا أن الكثير من المهاجرين العراقيين -في العيّنة التي عرضها محمود سعيد على الأقل- يواجهون ضياع "دلالات" ذواتهم، في مجتمع يقوم على اساس "فصل الدال عن المدلول" ولانهائية المعنى وصولا إلى ضياعه، ويسوّي بين الإنسان والمادة.  والثلاثية أيضا هي محاولة متفرّدة للغوص في أعماق نفسية المهاجر العراقي تحديدا، وما يعانيه من مصاعب، ويواجهه من تحولات بعضها يبدو مستحيلا لأنه يخالف الطبيعة البنيوية لشخصيته. فهي لا تتردّد في الإمساك الحازم بمواضع الإختلالات العميقة في شخصية المهاجر والتي يأتي محملا بها من وطنه الأم فتربك حياته في البلاد الجديدة. وهي -أي الثلاثية- كشف لما يجري في مجتمعات هؤلاء المهاجرين من سلوكيات وصراعات وأفعال ملتبسة ومقلقة جعلتهم أنموذجا ينطبق عليه المثل العامي عن الكائن الذي "يضيع المشيتين"، بكل ما يعنيه ذلك من ضياع وخيبة وصراعات. وعلى الرغم من أن المكان الذي اختاره محمود بنجاح هو "شيكاغو" الولاية الأميركية التي يعيش فيها منذ عقدين والتي عرف تفاصيلها كدليل مقتدر، إلا أن الثلاثية وخصوصا في جزءها الأخير هي بحث في معاناة المهاجر العربي إلى أي بلد غربي بشكل عام. فهو يدرك أن "الرحيل -أي رحيل- يعني قليلا من الموت". وهناك سمات فنّية وجمالية باهرة على المستوى اللغوي والتصويري، وعلى مستويات اللعب على أوتار الضمائر الساردة وموضوعة الزمان والمكان والإستخدام الموفق للغة العامية والمنضبط للغة الشعرية وغيرها ميّزت بناء هذا العمل بأجزائه الثلاثة.

وقد أهدى المؤلف كتابه : (إلى روح المبدع الراحل "ذنون أيوب"؛ إلى تغرّبه وعذاباته؛ وإخلاصه لمحلّيته في منجزه الإبداعي)

 


 

free web counter