| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

هذا الكتاب

                                                                                  الأربعاء 16/1/ 2013

 

جمهورية الزعيم إبراهيم الخياط

مشتاق عبد الهادي

مثلما راح أفلاطون ينظر في إمكانية تأسيس جمهورية خاصة به، اجتهد الشاعر المبدع إبراهيم الخياط كذلك على تأسيس جمهورية من حدائق وانهار وبرتقال، سن دساتيرها في (25) قصيدة وأعلنها على شكل مجموعة شعرية ارتأى وارتأت الضرورة أن يكون عنوانها (جمهورية البرتقال) التي صدرت عن منشورات اتحاد الأدباء والكتاب في العراق ووزارة الثقافة.

في هذا الدستور الأنيق، احترام واضح لقدسية الكلمات والأمثال، التي وردت بزخرفة أضافت للأصل جمالا فوق جماله، وردت هي وبعض الجمل التي كانت بلا شك جملا من ابتكار الإبداع الشعري المترامي الإطراف الذي يتمتع به الخياط ، ولكنها تكاد أن تمسك زمام القدسية التي استمدها الخياط من قدسية روح الشعر مثل: (قاب قتلين أو أدنى / بالغصة الوثقى أتيت / وتقرأ سورة الماء المدمى / زرقاء الغمامة / ذات حرب / عن السماء الملبدة بالضيوم / لأنهم لا يلقونك في الجب، حسب، بل يهيلونها عليك وعلى آلك وصحبك / قلبي أول الكاظمين، ومسح الختام / وأنا العبد المخطط بالسياط التموينية / جمرة المنتهى).

وللخياط في بنود هذا الدستور الشعري والإبداعي اقتراح للنهايات بفعل الضجة، وهي المؤجج لما يختلج في العقل لتصل الضجة ذروتها فتكون دافعا للاستياء، وفي خضم كل ذلك يقترح الشاعر الترياق المناسب لكل هذا الضجيج (وسميت عشقي برتقالا) (قصيدة الضجة الصديقة) ص 13.

ولدى الخياط كما أسلفت مقدرة على التضمين والاقتباس القرآني الذي يسبغ على النص لونا من الطهارة ويلقي عليه وشاح القدسية الفضي (تقد قميصي ــ كل ليلة ــ من الجهات الأربع) ... إذن المرأة لديه تتمتع بالعنف اللذيذ، فلا تقد القميص من دبر فقط وإنما تقده من الجهات الأربع وتفرض عليه نظرية لا جدوى الهروب، وتعلمه إن الانتعاش يكمن في المواجهة، حتى تصل اللذة ذروتها ويعلن الشاعر عكس ما توسل به النبي : (ولا أقول: "ربّ السجن أحب إلي") (قصيدة يا امرأة الوجع الحلو) ص 17ــ19.

وكأي مبدع مرهف تؤلمه الحرب وصورها المأساوية، يناقش الخياط حالات الوطن البعيد الذي احترف الحروب والنكبات التي أجهضت صورا أكبرها التصاق الناس بالمذياع، وفي تشبيه رائع وأنيق يؤطر الشاعر كل تلك الفواجع بـ (مقام عراقي ينزف حزنا رهيبا) وهو حقا يدمي القلب والعيون، فجاء اسم المقام مطابقا لسلمه الحزين، واقصد مقام المدمي . (قصيدة مدمي الشباب) ص 33.

وفي بكائية وجدانية متفردة، يفرض الشاعر مفردات الحرب على جسد الأنثى، وأية أنثى تلبس فستان البلاد التي تناوشتها الرصاصات والشظايا بحروب غاب الحق فيها تماما، ومن البديهي أن يكون من علامات الحب، اقتراح المزيد من المقابر، وهكذا كان تساؤل الشاعر دستوريا ومشروعا، حين ختم القصيدة قائلا : (فكم "نجف" تحتاجين بلادي.. في ازدحامات الحروب) (قصيدة واحدة لا تكفي) ص 39 ــ 43.

وفي ترويض واضح لاستغلال المسميات السياسية، وفي تأكيد على إن ما يناقشه الخياط في هذه المجموعة هو فقرات دستورية، يقوم في معظم الرقعة الجغرافية للقصيدة بتسخير واستغلال مسميات الوزارات وشبه الوزارات وكذلك والوزراء وأشباه الوزراء، في هرم عبثي يثير السخرية والبكاء، على بلد لا دين له غير الديون (قصيدة سؤال بسيط جدا) ص 45.

ولا تخلو المجموعة الشعرية/الدستور الشعري من تسخير الميثولوجيا ومحاولة تعرية أبطالها ومقارنتهم بالزعماء الذين تتشابه أحلامهم مع أحلام أبطال الأساطير (قصيدة النبي الصامت) ص 97.

ولو سلطنا الضوء على القصائد التي يتصدر موضوعها الحرب في المشهد الشعري العراقي، لوجدنا منها الكثير، ولكن ما تتناوله تلك القصائد هو موضوعة الحرب بشكل عام، ولكن في (قصيدة .. وكانت معركة) ص 115، ترجم الخياط المعارك إلى كلمات وصور تناولت ذات الجندي المعد حطبا لنار لا تشبعها الغابات، إنها اختلاجات من ينتظر الموت وفي قلبه تتناحر ـ مع الرصاص والشظايا ـ عواطف وخطط قد تكون وسيطا بينه وبين الموت الوشيك.

أخيرا ... أجد بان دستور جمهورية الخياط لا يخلو من كل شيء، حتى بكائية النهر الذي يخترق الروح، فيقترحها مدينة تحلم بشاعرها .... البرتقال الذي ظل الخياط يتغزل بعجن كل صفات الجمال والألوان فيه حتى تمكن من أن يشيد مدينة من برتقال، فحق عليه وعلينا أن نجير اسمها بزعامته، فكان حقا على إبراهيم الخياط كسب لقب (رئيس جمهورية البرتقال) وألقابا أخرى، أتمنى أن تأتي تباعا مع ظهور إبداعات أخرى، لهذا الشاعر النبيل.



 

free web counter