آداب

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

                                                                                    الأحد 8/5/ 2011

 

سيرة الرئيس زرافة

عباس داخل حسن
altnoor62@gmail.com

لم تعرف له سيرة مؤثرة او ثقيلة بين أفراد حارته. يمتاز بغباء غير ضار لأنه صرف عقداً ونصف العقد ولم يصل الى المرحلة الرابعة من التعليم الابتدائي واستسلم المسكين لليأس وأقلع عن فكرة مواصلة التعليم دون نجاحات تذكر او محاولات. لم يكن انطوائياً الا انه لا يتجاذب الحديث مع أقرانه او يلعب معهم على أديم الساحة الوحيدة التي تقع بمحاذاة معسكر للجيش بني وتهرأ منذ زمن الاحتلال البريطاني وبقي كمستودعات مجهولة لخردة ليست ذات قيمة تذكرعلى مر الحكومات الوطنية حبست فيها كل فضلاتها العسكرية وأحاطته بحرس وأسلاك شائكة من جهة البر ويحاذيه من الجهة الأخرى نهر وبساتين عامرة من النخيل مطلة على الجهة الأخرى لمركز المدينة التى تعرف بالولاية رغم انها تبدو كقرية تماما، هكذا أهل الجنوب يمنون أنفسهم بالمسميات دائما لحلم او خيلاء يكبر في رؤوسهم ويصدقونه.

ان جاسم، الذي أطلق عليه اسم جاسم زرافة لطوله واستقامته وذراعيه الطوليتين يخيل للمرء انهما ستسقطان ورأس صغير يشبه رأس زرافة، له حضور في كل المناسبات، فطوله الفارع وصوته الجهوري يمنحه إلقاء الأهازيج والشعارات في الأفراح والأتراح، ولا يعاني من اختناق لانه يتنفس دون عناء وسط الجماهير او التجمعات البشرية.

هذا الزرافة، وحسب بوح أمه لنسوة الحارة في أكثر من مناسبة :
ورث جسمه من جده لأمه وغباءه من جده لأبيه
ودائما تستطرد قائلة :
انه وحيدي.. ونعمة الله فهذه ثمرة حياتي وذكرى المرحوم انتظرتها سنين وسنين.

وفي آخر الحروب استدعي زرافة لخدمة العلم، وفي أول إجازة اعتيادية جاء بمنظر يثير السخرية ببنطال قصير وحذاء عسكري يعد آخر قياس موجود في مستودعات الجيش وبيرية حمراء ترتديها قوات النخبة من العسكر، لأن العادة في جيوشنا إن الأحجام هي مقياس المهام، ويبدو ان زرافة فاز بأن يكون من قوات النخبة وخسر كثيرا من وزنه ليصبح أكثر طولا مما أثار جاره الحاج عطية ليطلق عنان مخيلته قائلا:
انك خسرت كثيرا من وزنك، اتمنى ان لا يجعلوك سارية علم في ساحة العرضات العسكري!
فأجابه جاسم زرافة بهدوئه المعهود : هذا نصيبي يا حاج عطية.

مرت الاشهر وبدأت الحرب واختفى جاسم زرافة ودارت امه على المستشفيات واستعانت بالجيران ليقرأوا لها قوائم المفقودين وتابعت نشرات الاخبار الصديقة والعدوة دون هوادة ولا أثر لجاسم زرافة، ووضعت الحرب اوزارها وعاد من عاد واختفى من اختفى وام جاسم وحيدة تنتظر مربوطة بأمل عودة وحيدها وثمرة حياتها. وبعد تقلب الاحوال وتعدد الاهوال وفي آخر المطاف وفي مساء تشريني بارد ساد حارة جاسم زرافة هرج ومرج وبدأ تجمع امام بيت ام جاسم والكل يروي ما شاهده على شاشة التلفاز ويقسم باعظم الايمان انه رأى جاسم بطوله وعرضه مع الفرق التي خلعت الحكومة وبدأ خيال اهل الحارة ينسج قصصاً وقصصاً عن الزرافة. وفي صبيحة يوم تشريني غائم ظهر جاسم زرافة بأناقة لم تساعده كثيرا مع جمع من المسلحين يقومون بحمايته وزار أمه على حين غرة وبعد عتاب وبكاء وأخذ ورد ظهر زرافة لاستقبال ابناء حارته التي ما عاد يعرف معظم وجوهها فكبرت اجيال وضاعت اجيال خلال سنوات البعاد الطويلة لكن زرافة لم يتغير ولا يستطيع الكلام او المجاملة فقال للجميع بصوته الجهوري:
ستتغير الاحوال وسأصبح رئيساً.

ضحك البعض في سره، وكذبه آخرون في سرهم. ودارت الايام وأصبح زرافة الرئيس ولم يغير طباعه وبدأ رأسه يصبح اكثر صغرا نتيجة عز المنصب وامتلاء هنيء العيش ولم يره ابناء حارته الا من خلال نشرة الاخبار، لكن لا احد يجهر بلقبه القديم واصبح الكل يذكره باطيب الالقاب ويفتخرون بأنه احد ابناء الحارة، وفي مناسبات عديدة هتفوا: يعيش الرئيس.... والله ينصرك يا.... عبارات لا تتقلب مع الرئيس الجديد، فالرؤساء يذهبون وهي باقية للابد ما بقي الليل والنهار.

وفي آخر مقابلة مع البي بي سي وعد الرئيس زرافة بان يصدر مذكراته الشخصية قريباً جدا، على أن توزع على كافة مدارس البلاد مجانا، علما ان الرئيس لا يعرف عنه الكذب اطلاقا وبشهادة الذين يغبطونه والذين يحسدونه.

 

جريدة العالم
 

 

free web counter