آداب

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأثنين 4/1/ 2010

 

تجلّياتٌ أخيرةٌ لمالك الحزين!

سعد الحجّي

ملاحظة خارج النص: قال لي البستانيّ، البابليّ العجوز: البلبلُ عندنا ليس كسواه! إنه صاحب مزاجٍ فريد.. فهو ينتقي أنضجَ ثمرةِ تينٍ في البستان فينقرها، ثم يذهب ليأتي بالماء ويسقيها بمنقاره.. ويلبثُ منتظراً أن يمتزجَ الماءُ بسكّرها ويختمر.. حينها يأتيها من جديد ليشربَ من رحيقها الممزوج، ويصدحُ مغرّداً ..!

(مو حزن.. لكن حزين/ مثل صندوق العرس/ ينباع خُرْدة عشقْ من تمضي السنين/
مو حزن.. لكن حزين/ مثل بلبل قعدْ متأخّر/ لقى البستان كلّه بلايا تين)......        مظفر النواب


حزيــــنْ..
حزيـــــــــــــــــنْ..
ما ضرّني أنّي حزيــــــنْ
أو أنّ آلامي تجَلّتْ
قد تبينُ ولا تبينْ..
أو أنّ أفراحي كغِربانٍ حزينــةْ
حزني تلبّدَ في شعابِ الروحِ
أسراراً دفينــةْ
طفقَتْ تهامسُ بعضَها:
أوَ ما لحتْفي أنْ يحينْ !
فلِمَ انتظاري ما تأجّلَ من سنينْ :

وطني مياهٌ قد غزتْـها النارُ
من أقطارها
لم تُبقِ ريفاً أو مدينــةْ
حتى كأنّ سماءَها عتَمَتْ دُخاناً
فاستحالتْ كلُّ أنجُمِها عيوناً
مُطفآتٍ
مثلَ ميدوزا (1)
فكلُّ الناظرينَ تصيّروا قابيلَ (2)
يلتفعُ الضغينــةْ !
ورأيتُ مجرى رافديْها
والسواقي
أُتْرِعَتْ لهباً تلظّى
من ربى آشورْ..
حيثُ يئِنُّ من ظمأٍ
بها الخابورْ (3)
حتى أسفلَ الأهوارِ
لاهثةً
تطاردُ في متاهاتٍ سراباً :
علّهُ أوتانَـبـَشْتـَمَ والسّفيــنةْ (4)
قد عادَ بالطوفانِ
وانبَجَسَتْ مياهُ الأرضِ عاتيةً تفورْ ..

أفَتعجبينْ ؟
أنّي لشكواها حزيــنْ
أو كان همسي في ليالي العشقِ
تسهيداً وبعضاً من أنيــنْ
أو أنّ أفراحي لأحزاني سجينــةْ
أوَ ما تريْنَ بأنّ ما أحببْتِ فيّ
هو الذي أحببْتُ فيكِ،
هو التياعٌ
-أنّ موطِنَنا مياهٌ قد غزَتْـها النارُ-
أيّانَ السّرورُ أو السّكِينـةْ!
هذا أوانُ الدمعِ
كلّ مواسمِ الهجرةِ نرجوها وتُنكِرُنا
ففينا يربضُ الثّورُ المجنّحُ
لستِ نورسةً يُمنّيها الرّحيلُ
ولستُ مالكَ غبطةٍ
فأنا الحزينُ
وأنتِ مالكتي الحزيــنةْ !
 

كانون الأول 2009


هوامش:
(1) ميدوزا في الأسطورة الأغريقية كانت ساحرة تحوّل كل من ينظر إليها إلى حجر.
(2) حين قال قابيل لأخيه (لأقتلنّك) .. كانت الجريمة الأولى في تاريخ البشر.
(3) الخابور نهر في أقصى شمال العراق يحدّه مع تركيا.
(4) تشير الألواح السومرية إلى أوتانَبشْتم والطوفان بسردٍ يشابه قصة النبي نوح.


 

free web counter