آداب

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

السبت 31/10/ 2009

 

موعد خارج الزمن

فالح الشلاه

كانت بأنتظاره ، الدقائق تنفلق مع كل لحظة تأخير لتصبح ساعات ، انفجار للزمن في تجاويف العقل ، حيرة داخل انتظار ، وهي تجلس على احد المساطب الخشبية المتناثرة على ارض خضراء، موازية لرصيف اسمنتي ، في شارع طويل ، تمتد على جانبيه اعمدة كهربائية بمصابيح بعضها عاطلٌ ، تنظرك بأسى ضفتان تحتضران خنقاً بأكوام المزابل ، وانابيب للصرف الصحي ، في مدينة موبوءة بأحزان اليتامى والثكالى ، رائحة البارود تشمها بعطر الورد ، أزقتها ، شوارعها ، بساتينها ، فرقتها حواجز بأكاليل من اسلاك شائكه، يتوسطها نهر هرم ، منذ تاريخ عريق حيث ادرك الانسان اول رمز للحروف فمهر بها احزاننا الازلية على الواح الهة سومر وبابل ،نهر يمر مرور الغرباء ، مهجور لا تمخره زوارق ، او انوار تتراقص الوانها منعكسة من على شواطئه او يخوت عائمة ، يمر كئيبا ، منكسرا في ظلمة الطريق سائرا الى المجهول . يجاوره شارع يلبسُ ظلال سعف نخيله ، يصفر فيه السكون طيلة نهاره ،هو والنهر شقيقان ،حبيبان،عاشقان، كعشاقهما الذين يموجون فيه كسورات ماء نهره التي تحمل احياناً قناني الخمر الفارغة وهي تتمايل كمحتسيها على تكسرات مجرى مائه ، نهر غرفت من سيل مائه الايادي ، فتوضأت ، واغتسلت، وأطفأت نار ظمأها ، مالك لقدرة المخلوقات، انبثق منه كل شيء حي، الارض، والانسان ، بفحولته قاذفاً لماء الحياة ، من اجل خلودٍ في منفاه. قبل ان يسترخي الغروب ، قدمان تطويان الارض ، متجهة صوب الزهرة ، رمز الحب، والخصب حيث طاف لأجلها الاولون ، نحو جسد ممشوق ، بساقيه الغزاليتين، الدقيق الخصر ، بصدره المندفع بمستوى انفه المزروع وسط وجهه الحنطي ، مكسو ببشرة كحباتِ ارض دلمون ، موطن الخيرات، التي باركها زيوسودرا بعمره المديد ، وآتونابشتم الذي رأى الحياة حين استقرت به ليالي الطوفان السبع على جبال ارارات ، خطى خارج حدود العقل ، تتجسد لجسد بجنسانية مخبوءة تحت ذاك اللحم المكتنز بأنوثة متوقدة ، مذ قضمت تفاحة واحدة ، لذكورية آمنه ، في آطار المحضور ، خطى لغرائز ، لانتظار بعباءة سوداء،لعرف مجتمع، كانت يوماً بيرقاً عباسياً رفع للخلاص فأصبح لفائف للاجساد ، خطى مثقلة بهزيمة حرب اعتقته بساق مكلوم ، خطى لم تدرك يوما خطاها ، حين كنت مغمورا بفيض جارف الى وطني ، يؤرقني حنين ، تهزني اشواق تنهمر فوقي لسني طفولتي والشباب ، استدار رأسي صوب المقدس في مخيلتي ، فارهقني جنون الشوق حتى الى حبال ارجوحة كنا اطفالا نربطها بنخلتين ، ما أطيب هذه الشجرة ، تمنيت لو تلتف حبال ارجوحة طفولتي حول عنقي ، اضرب في الهواء ساقاي ، فيحتم اجلي ، ليتساقط علي رطبا شرقيا ، لكني اصبحت رهينة لمّا ارعبتني هوامش ذيلت باوراق ترحالي ، فكبوت بين ثكنات الموت ، تبدى من قلبي حب الوطن ، حين اتصفح العالم أرتجف هلعا ، معلنا افلاسي انسانا ، اغلق رصيد حقوقي ، اقبع في ظليّ ابكما ، منتوج المدن الشريدة ، امسك بكف الخوف اضعه على فمي ، فاشم رائحة الصمت مفتاح الفرج ، فينجدع أنفي ، خطوات في شارع صامت يغلفه سكون ، يكسره احيانا ايقاع لوقع اقدام على جانبيه او إحتدام لافكار تتسامى لما ترتفع في الاعالي اصوات نوارس مهاجرة باجنحة تنفرش وتعلو ، تلهو طائرة جيئة وذهابا كانها مخمورة يخيل للناظر بعضها سيرتطم بالاخر ، نوارس تفرش اجسادها فوق نهر يطفو رجراجا بين اردافه قرصا احمرا لشمس تمددت وسط مياهه . يا هذا الطائر خذ لي شهيقا من هذا الهواء البارد الرطب الذي تموج فيه لاعبا ، فما زالت رائحة البارود يثقل بها صدري ، لابد ان تعود يوما وقت تشاء ، من فضاءك في وسع السماء اسمعني تراتيل منزلة بالحرية ، قد جئت مثلك لا أعرف المسافات على اليابسة ، عابرا البحار ، لم امتلك اجنحة لاطير ، يحملني طائر يهدر صوته في بطن هذا الكون ولكني لم اعد حين وطأت قدماي ارضا تغمرها الاصفاد ، مازلت اربض على القفار اجردا ، في زمن يعدو حيث سحقتني سنابك خيول ثاني الفية من عمر التمدن والتحضر . واصل مسيره ، ادرك انه القادم متاخرا ، فات وقت موعده ، عند نقطة اللقاء رأى نقطة الفراق ، مسطبة خشبية فارغة ، تحت عمود كهرباء يغتسل الغروب بضوءه ، رن هاتفه المحمول ، صوت جريح : اسعدت مساء ، انتظرت طويلا ، نحن لا نصلح لبعضنا ، غلق الهاتف ، ردد هو الاخر : نعم كما لا نصلح لهذا النهر حين تأمل فيه يحمل جثة طافية لحمار ..



21/1/2008

 

free web counter