آداب

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الثلاثاء 21/9/ 2010

 

العائد الى البيت العتيد

عبد صبري ابو ربيع

حزم أمتعته متفقدا بعض الهدايا ورسالة لا زالت بين يديه يتفحصها بين الحين والحين واحيانا يقلبها كأنما يريد ان يتأكد بما ورد فيها وشبه ابتسامه تدور على شفتيه ؛وقف يتأمل تلك الوجوه التي اعتاد عليها وشاركها حياتها وطعامها وحتى مشاعرها ...ابتسم له احد الماره قائلا له  :

- كأنك على سفر ...سوف نفتقدك

أرتعشت كل اساريره وكاد يبكي ان بين هؤلاء الناس من امتلك كل احاسيسه ومد ّ له يد المساعده وفتح له ابواب بيته فهو عندما استقر به المقام في هذه الرقعة من العالم لم يكن يملك الا بعض الاوراق النقديه التي جمعها بشق الانفس فعندما اراد ان يودع اهله وبعض معارفه والذين امسكوا دموعهم خوفا عليه من الحزن وهو على سفر بعيد التفت اليهم قائلا :

- انا اعتذر منكم اجمعين ...انا لا اطيق اصوات المفخخات انهم يصنعون منا قطعا من جحيم لا يطاق.

ثم تابع كلامه وبحزن شديد ..أحقا هؤلاء يعرفون الحياة ؟ يريدون نشر العدل والمساواة والامان بين الناس (طز) انهم انفسهم يذبحون الحياة .

كان شريط الذكريات يمر امام عينيه مثل فيلم سينمائي استحوذ عليه ايام صباه كان الخوف يعتريه بين تارة واخرى وهو يقف على ذلك المربع الفواح بعطر الورود وعبق الشاطىء القريب من موقع سكناه .. ربما هم يخدعوه .. عندما يقولون برسائلهم المتكرره ... ان الحياة عادت الى مجاريها... امسك بحقيبته بقوه كأنه لا يريد ان تطير من بين يديه .

عجبا انا لست في منطقة باب الشرقي تحرك نحو الامام تقدم خطوة بعد خطوه اراد ان يمتحن ارادته كأن شيئا يجره الى اعماقه المشوشه .. ياه يا للوعة الماضي ... يقولون لماذا تفر من البيت العتيد ؟ انا لا اعرف كيف اصبح وكيف امسي ؟ كنت ارى الناس مثل وحوش كاسرة ، لماذا اختلف الناس؟ كانت كل الصور تبدو لي قاتمه وكيف انسى ذلك المنظر المرعب والاذرع والرؤوس وحتى سلال الخضروات واشياء اخرى تطير في الهواء مدجنة بالصراخ والعويل ثم رأيتهم مسرعين يكرفون الجثث ويغسلون الدماء كانوا يتساقطون مثل اوراق الخريف ، ينهزمون يختبأون كالجرذان في اي جحر يرونه وكان الخوف يمشي في الطرقات .. كيف اذن سأعيش هنا واقضي سنين عمري ؟ كنت افزع الليل بطوله من صوت دوي او صوت مروحية مع انني كنت احترق من الحر فاهرب الى سطح الدار الذي صار مسكونا بشياطين المقذوفات والصواريخ العابره القادمه من المجهول .

نظر اليه سائق الاجرة وقال له :(هل انت بخير يا سيدي ؟) كان صامتا لا يجيب كان ينظر من خلال نافذة السيارة وهي تنطلق مسرعه تخترق تلك الاشجار الباسقه والحدائق الغناء وتلك الوجوه المبتسمه وكاد يصرخ من الاعماق ليقول :

- اي بيت بيتنا ؟ لماذا لا يكون بيتنا مثل هذه البيوت ؟

استقل الطائرة وهو ينتظر الوصول الى البيت العتيد على احر من الجمر كان سواق الاجرة ينتشرون وكان البعض منهم من بيته العتيد وصاح عليه احدهم (انا هنا يا أخي انت من بيتنا العتيد ) اعتصرته الالام وتململ في مكانه كمن تملكه الخجل انه يراهم ينتشرون في بقاع الارض وكان يقول : (يا للعار).

جلس متوجسا في مكانه بتلك السيارة الفارهه وهي تتوجه نحو البيت الكبير وهو ممتلئ بمختلف المشاعر الجياشة منها والخوف الذي ينتابه من قطاع الطريق ، جلس بينهم وكانوا صامتين كالحجر عيونهم تتحرك مثل عيون (ابو بريص) ، كان متحجرا في جلسته وكانت عيونه تتلصلص الى امام والى الجانبين وكان يلعن افكاره السوداء بين الحين والحين ثم يخرج رسالته يفتش بين السطور عن الحقيقه .

- أحقا ان الامان يعم البيت العتيد؟

كان يضحك وبدون ان يدري سألته امرأة وبشزر ... هل هناك ما يضحكك ؟ كان صامتا مثل تمثال حجري وقد اكلته الحيرة ، ماذا يجيب هذه التي نطقت اخيرا سمع السائق يقول (لقد وصلنا ولله الحمد).

كانت الشوارع زاخره بالمتأففين والمنزعجين والغاضبين ، انهم لا يبتسمون انهم مثل قطع تتحرك يمينا وشمالا ، كان العرق يتصبب منه وينساب على رقبته وعينيه ، اراد ان يحتمي بالظل كانت الارصفه تختنق بالحاجيات والباعه...

- البيت العتيد لا يتبدل ولا يتغير

كان سائق الاجرة ينظر اليه من خلال المرآة :
- اراك تريد ان تقفز من السياره ؟
- رد عليه (انني اختنق ) ، وفجأة تطايرت الرؤوس والاذرع والارجل وكان نصيبه رأس طفل مشوي على الطريقه الهندوسيه ، ارتج في مكانه وانسكبت دموعه على وجنتيه وظهرت عليه كل علامات الحزن المستديمه ...اخرج الرسالة من جيبه وبدأ يمزقها بصورة جنونيه : ثم انطلق راكضا يجر خلفه كل تلك الساعات التي عاشها في الديار الغريبه ، وكان وحش الموت يتقافز على ارصفة الشوارع وفوق الاجداث.
 

free web counter