آداب

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الجمعة 18/12/ 2009

 

مراسلٌ حربيّ

سعد الشلاه


تسرحُ الغيومُ بروحِهِ بعيداً في غربةِ الٍسماواتِ

عند بداياتِ انبعاثِ الضوءِ

وتطوفُ الحروفُ حول شاهدة ِ رمْسِهِ

التي يتسكَّعُ العبث ُ والضبابُ بين أسطُرِها

هي الوحيدة ُ التي وفـّرتْ لهُ الراحة َ والنومَ

ونوعاً من الابتساماتِ القمريةِ الشاحبةِ

وانعدامَ الشكِّ والقلق ...

وجعلتهُ ينسابُ بين أوردتِها الرخاميةِ الصمّاء

لم يكن شيءٌ يشبهها سوى

عطلُ النقاطُ السوداءُ في أوامر القسم الثاني

هنا يرقدُ مراسلٌ حربيّ

وبؤسُهُ المسطّرُ في دفاتر ِالتجنيد

يكتنزُهُ نورُ الحروفِ اليتيمة

ويحتضنُ قلمُهُ لحظة َ التحام ِ الشظيّةِ بجسدِهِ

قاف واحد ، الولادة ، نقطتان ، من زمان ...

قبلَ انفلاق ِغرابِ قابيل

قاف اثنين ، الوفاة ، لا تبدُّل مستمرة

أخرجَ من جيب بدلتهِ المرقّطة ِ كِسرة ً من أديم ِوطنهِ

شمّها .. هي منفاهُ العتيق

وأبحرَ في ذاكرتِه الكاكية ِعبرَ أشرعةِ الصمتِ المطرّز بدويِّ المدافع

تتلاطَمُهُ جدرانُ غرفتهِ الملطخة ُ بالصِوَر غير المؤطرة

يمُدُّ يدَهُ ، من لُجّةِ الظلامِ ، ليُمْسِكَ بواحدةٍ

تسحقُ أصابعَهُ مسرفاتُ الدباباتِ المنتشرةِ

وتضجُّ الرتبُ المزوّرة ُ بالضحكِ

يتناغمُ صوتُ خوذتِهِ اللاصقُ بإبزيمها الطينُ

وأنينُ بدلتهِ المرقّطةِ التي افتضّتْ بكارتـَها الشظايا

وصراخُ الخنادق ِالمدفونةِ تحت الصفيح

والرصاصة ُ العملاقة ُ الباحثة ُ عن شعب ٍ في رحلتهِ الأخيرة

كان يبحثُ عن بلادٍ تقعُ تحتَ أخمُصي قدميهِ

كانت رائحة ُ ترابـِها قابَ قوسين ِأو أدنى من تلابيبِ أنفِه

... ولم يجدْها بين أشلاءِ البلدان ِ المستباحةِ

يُسرعُ إلى الحمّام ِ كلّما رأى مشهدَ الحروفِ وهي

تـَهرسُ جثثَ نقاطِها وأغنية َ( إحنه مشينه للحرب )

على الفور ِيسمعُ شهيقَ المحرقةِ اللا ريبَ فيها

وفحيحَ الرعبِ المتسلِّق ِ

فيرتطمُ رأسُهُ بسورةِ الفاتحة ..

يا صاحبَ الروح ِ المُتألّهةِ

أتعرفُ متى تعودُ الفراشاتُ الى وطنِها ؟

أنا أحبُّها .. ياصاحب الروح ..

دعْني أتنفسُ عبيرَ أجنحتِها الملوّن

ودُلّني على الطريق ِالتي تُفضي إليها

هي الشفاعة ُمن عشق ٍبلا أمل ِ

دقيقة ٌ واحدة ..

دقيقة ُحدادٍ واحدة ٌ تكفي لإيصال الصلواتِ

إلى أبعد َ نقطةٍ في جغرافيا الموت ِ

قبل أن تخنقـَها قطعانُ السماواتِ السبع ِ

ولأنّ المسافة َ قصيرة ٌ جدا ً مابين ................ والقبر

سنُعيدُ ترتيبَ الصور

تبّاً لهذا الزمن ِ القميء

الفجرُ الرضيعُ يخجل ُ من : وكلّ زمان ٍ بلاء

اسقني من حزنِك جرعة ًتبعثُ الصحوَ

وتمدّدْ قربَ ساقيةِ الضيم ِ

ودَعْ النورَ يتلألأ ُ على حافّاتِ أمواج ِ صمتِك

فالفراتُ شرِبَ سيوفَ بني أميةَ َ وغصَّ بِها

وترنّحتْ رماحُ العلويين من شدّةِ الثمالةِ

ويرتعشُ حزني عندما أراكَ

وأنت تردِّدُ السعالَ الوطني

والشتيمة َ القومية َ والتجديفَ ألأممي

وتتشبّثُ بخاصرةِ الموتِ

تُحاولُ أن تحميهِ من صولةِ الظلام ِ

المعتّق ِفي العروش ِ والرؤوس ِ والأمهاتِ الثكلى

وأنت ترصدُ غلْوَنة َ العقول

تتشابهُ كلُّ القرابين وفي كلِّ العصور

ولا غرابة في ذلك .. َفقدَت الحروفُ زمامَ حركاتِهاِ

عُدْ إلى شاهدةِ رمسِكَ بادِلْها التهاني

ورتِّلْ بهدوء ...

( غريبة الروح.. غريبة الروح..غريبة الروح )
 


كانون أوّل / 2009

 


 

 

free web counter