آداب

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

                                                                                    الثلاثاء 11/10/ 2011

 

قصة قصيرة

"منغصات مدرسية "

كاظم فرج العقابي

أسبوع واحد كان يفصلنا عن بدء العام الدراسي الجديد ,فتملكني الفرح كأب يسره ان يزدان بيته بالعلم والمعرفه ..  لكن فرحتي كانت مشوبه بالقلق والحيره وانا أحصي احتياجات بناتي الاربع الى الملابس والاحذيه والحقائب المدرسيه والمستلزمات الدراسيه الاخرى . ولكي ألبي تلك الاحتياجات يلزمني مبلغاً من المال ليس من اليسير على موظف مثلي ان يوفره ,كما إني على يقين .

لا أحد من بين المقربين لي أصدقاءً كانوا أو أقرباءً من يوافق على تسليفي المبلغ الذي سأطلبه,وهم على حق .. كيف أسدد لهم المبلغ مستقبلا وأنا بالكاد أسد رمق عائلتي . وهكذا أمضيت وقتاً أتقلى على افكار , راحت تعبث بذهني وأعصابي .. تؤجج حيرتي وتثلم فرحتي بمقدم العام الدراسي الجديد , حتى خرجت من خلوتي مع نفسي مؤملا إياها بفحوى المثل الشعبي " من الباب للكوسر فرج "

ذات مساء زارنا أخي الاصغر , وهو يعرف جيدا بظروفي ومسؤولياتي العائليه ولم يمكث طويلا حتى غادرنا , وبينما كنت ارافقه الى الباب , دس في جيبي مبلغا من النقود , فشكرته عليه , وكان الخجل قد لفني تماما . وفي اليوم التالي زرت اختي , وبينما كنت جالسا بين اولادها , اخذت تحدثهم وتشكو همومي لهم , فأنكمشت هيئتي أمامهم , وأنا أهم بمغادرتهم , فأذا بأبنها الاكبر يضع مبلغاً من النقود في جيبي , فحاولت جاهداً أعادته اليه , فأبى وأصر إصراراً على ان أتقبله منه هدية لبناتي . وأنا أغذ السير نحو بيتي , أخرجت المبلغ من جيبي .. حسبته قطعة قطعة وحمدت ربي على كرمه ونعمته .

وما ان وصلت داري , حتى زففت البشرى لزوجتي , فرفعت يدها الى السماء شاكرة حامدة ربها على التفاتته , وفي حينها عقدنا انا وزوجتي اجتماعا سريا بعيدا عن مرأى ومسمع البنات ... تداولنا في أمورهن والاستعدادات التي يجب ان نتخذها لتهيئتهن للعام الدراسي الجديد .

وفي صبيحة اليوم التالي , قصدت زوجتي سوق الكاظميه لبيع الملابس العتيقه ( اللنكات ) ومعها المبلغ الذي جاد به علينا اخي وابن اختي , ولم تغادره إلا ومعها صرة من الملابس , وكان الحر قد صهد وجهها وزحمة السوق وضجته قد صدعت رأسها , وحال وصولها البيت , افترشت ارضية الغرفه , سابحه بعرقها , وبعد ان اخذت قسطا من الراحة , نشرت شروتها أمام بنتاتها ,وسرعان ما حدثت مشاجرات فيما بينهن .. هذه تريد هذه القطعه من الملابس والاخرى تريد تلك القطعه واخرى تريد القطعه التي انتقتها اختها ,ثم تطور الموقف سلبا فيما بينهن ,وتحول الى معركه حاميه .. تراشقن بقطع الملابس ,فتناثرت في كل ارجاء الغرفه ,فأضطررت ان اتدخل حاملا عليهن سلاحي .. غضبي وصياحي, حتى تمكنت من فض النزاع بأسرع وقت , وبعد أن هدأت النفوس وخف التوتر فيما بيننا جميعا ... أخذت أوزع عليهن حصصهن من الملابس حسب القياسات الملائمه لكل واحده منهن , كما أثنيت على زوجتي على هذه الصفقه وحسن انتقائها وملائمتها لقياسات البنات .

ثم انبرت ابنتي الصغرىمتسائله : أنذهب الى المدرسه حافيات الاقدام يا أبتي ؟ فمازحتها قائلا: أتدرين يا ابنتي ان السير على الارض بأقدام حافيه هو رحمة للأرض وصحة للأقدام !!فغرت فاها متعجبة, ثم حكيت لها حكايتي, قبل (44)عاما ... يوم وطأت عتبة المدرسة في اليوم الاول من حياتي المدرسيه بقدمين حافيين لان أبي كان لايملك ثمن حذاء لي . ضحكت ملء فمها وضحكن جميعهن . وأردفت قائله : لكن يا ابتي نحن في وقت غير وقتك ذاك . وأخذت تحاججني بأني موظف مرموق في الدوله وأحمل شهادة عالية ومن غير اللائق ان يذهبن الى مدرستهن باقدام عاريه وبملابس مهلهلة يعيبها الاخرون, كأنها تتهمني بالتقصير المتعمد بواجباتي تجاههن . فأجبتها قائلا : ليس بالايدي حيله , انه واقع الحال يا ابنتي.

ما كان امامنا الا اللجوء الى بيع جزء من حصتنا التموينيه واشترينا بثمنه الاحذيه المدرسيه ,أما بخصوص الحقائب المدرسيه ,فأقترحت على أمهن ان تعمل لهن حقائب من القماش . وما ان طرحنا الفكره حتى هزأن منها , وأضافت اختهن الكبرى : بابا أتريد ان تجعل منا اضحوكه , فزميلاتنا سيحملن حقائب مدرسيه بتصاميم رائعه لها سحابات وجيوب عديده وحاملات مزركشه وتزين حقائبهن الصور الجميله والكتابات العربيه والاجنبيه !! فأطرقت واجما والحسرة تحرق قلبي , لكن مع نفسي كنت اقول :نعم .. وقتنا غير وقتهن .. وقتذاك كنا نذهب الى المدرسة بحقائب مصنوعه من القماش , لا أحد يستعار من الاخر , كلنا نحمل نفس الحقائب . أما الان فالمدرسة فيها الميسورون جدا والفقراء جدا, لذا تراجعت عن فكرتي وقررت انا وزوجتي بعد أن عقدنا اجتماعا طارئا ان نبيع جزءاً اّخر من الحصه التموينيه عملا بالمثل الشعبي القائل :"اكل ما يعجبك والبس ما يعجب الناس ."

مع اطلالة اليوم الأول من العام الدراسي , نهضنا مبكرين فرحين وبسرعة خاطفة تناولن فطورهن وهرعن الى المدرسة , فتنفسنا الصعداء على ان هماً قد ازيح عن كاهلنا وحمدت ربي على ذلك . وعند عودتهن من المدرسة جئن الينا محملات بمطاليب آخر وعلى أثرها انقشعت تلك الفرحة التي عشناها لسويعات قليله وتلبدت قلوبنا بغمامة سوداء .. إذ طالبتهن مديرة المدرسة بدفع ثمن الدفاتر المدرسيه والنشاط المدرسي وأجور تنظيف الصفوف وتبرعات لترميم المدرسة .. وستائر للصفوف .. الخ

وأنا اقتعد الارض , صرخت بأعلى صوتي : " ارحمونا يا ناس " ولحظتها ساورتني رغبة ان أبكي ... فبكيت حسرة على تلك الايام الجميله التي عشتها طالبا في المدارس الابتدائيه والثانويه وفي الجامعه .

صباح اليوم التالي , ذهبت الى المدرسة أحمل معي بقايا الحصة التموينيه في كيس من النايلون . طرقت باب غرفة المديرة . وبعد ان عرفتها بنفسي , وضعت الكيس على منضدتها قائلا :تفضلي ست هذا كل ما املكه في بيتي ثمناً لاحتياجات المدرسة . وانا اغادر غرفتها راحت تشيعني بكلمات لا تزال ترن أجراسها في رأسي (إنه مجنون). فرددت مع نفسي : ياليتني كنت مجنونا كي لا افهم ما يدور حولي .

 

1\10\2002




 

 

 

free web counter