آداب

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

 الخميس 11 /8/ 2005

 

 

 

اخوانيات

 

داود  أمين

كانت المرة الاولى التي احتفل فيها بعيد ميلادي , هي عام 1973 عندما بلغت الخامسة والعشرين من عمري , وقتها كنت اعيش في مدينتي الناصرية, ولا اتذكر كيف خطرت الفكرة لي , ولماذا تحمس لها صديقي الفنان التشكيلي عبد الكاظم ابراهيم ,بحيث قرر ان يكون الاحتفال في بيته ( كان وقتها يعيش في بيت اخته ام زيد ) !المهم كان علي ان اتعاون مع صديقي كاظم في اعداد مستلزمات ( الكعدة ) من شرب الى مزات و كرزات , الى طعام .

 الدعوة ضمت الاعزاء من اصدقائي  ورفاقي , وكان بينهم الشاعران عبد الله الرجب وفاضل السعيدي , بدأ ت الجلسة طبيعية , نشرب ونأكل  ونكرز و( نمزمز! ) ونتحاور , ولكن ( مع صعدة الشرب للنافوخ ) بدأت الاصوات تعلو وتتداخل وتحتد ( ولأننا عموما ديمقراطيين ونتقبل الرأي والرأي الاخر! ) فقد تحول النقاش لمعركة كلامية حادة بين عبد الله وفاضل , واذكر ان السبب في تلك المعركة هو ان الصديق العزيز احمد محمد صالح غنى في تلك ( الكعدة ) اغنية من الحانه وكلمات فاضل السعيدي عن ( تل الزعتر ) والحق انها كانت من الاغاني الجميلة جداً  كلاما ولحناً , ولكن عبد الله الرجب المشهور بسخريته ومزاحه الدائم حاول كسر الجو الذي اشاعته الاغنية بيننا بتسخيفها , فتصدى له فاضل , متهماً اياه بعدم التعاطف مع الشعب الفلسطيني ومع مأساة تل الزعتر!! ( وكانت المأساة طرية حينذاك ) واذكر اننا ضحكنا طويلا , ولا نزال نضحك ,عندما نتذكر رد عبد الله الرجب على عصبية فاضل ,اذ قال له ببرود ه المعهود ( هسه انت شخبصتنه بتل الزعتر قابل انت  فاروق قدومي !!) المهم انتهت تلك المشادة بسلام بعد ان استخدم الخصمان ( الطف الالفاظ وارقها !) ولولا وقوفنا بين الاثنين ( لقرأنا على احدهما السلام ! ) .

 بعدها بايام ,لا ادري كيف ومن أوصل امرذلك الخلاف الصداقي البسيط للحزب , مما استوجب اجراء تحقيق حزبي, وكان لابد ان يكتب الحاضرون ( وهم جميعاً شيوعيون ) ما شاهدوه وسمعوه لكي يستكمل التحقيق ويعاقب المتجاوز !! وكانت اول عبارة تكتب من كل رفيق هي ( بتاريخ ... وفي عيد ميلاد الرفيق ابو نهران حدث ...) ثم يروي الرفيق التفاصيل من وجهة نظره . وحين اكتمل التحقيق الذي لا اعرف نتائجه , اذ كان الحاضرون من هيئات حزبية مختلفة , اختلى بي الرفيق الفقيد كاظم الجباري , الذي كان عضو مكتب اللجنة المحلية في المحافظة , وقال لي معاتبا بين الجد والهزل  ( هسه ياابو نهران  ما تكلي وين لكيتها سالفة عيد الميلاد ! هسه لوما عيد ميلادك الميمون جان تعلك هالعلكه ابين الرفاق !!) .

ومن يومها قررت ان لا اتورط بمناسبة خاصة كهذه لأعممها  , كنت في السنوات التالية  اكتفي بتذكر اليوم , وربما بالحصول على هدية من زوجتي , او بمكالمة من اخ او صديق , حتى اقترب موعد ميلادي الخمسين قبل سبع سنوات , وهذه المرة كنت في كوبنهاكن وليس في الناصرية , ومناسبة كهذه امر هام في بلد كالذي نعيش فيه!  ومما زاد من اطمئناني للأحتفال بالمناسبة ,و ان معركة لن تحدث هذه المرة ,هوان بيني وبين دعوة صديقيْ العزيزين عبد الله الرجب وفاضل السعيدي نظام قمعي حديدي , لا يمكن اختراقه لأيصال دعوتي لهما  !

كنت افكر بحفل متميز كبير , ادعو له الاعزاء من اصدقائي , لكني احجمت في اللحظات الاخيرة , واكتفيت بحفل متواضع , في شقتي الصغيرة في كوبنهاكن , حضره اعز الاعزاء من اصدقائي , وغاب عنه اعزاء اخرون .

في الحفل كانت مفاجئات الأصدقاء الاحبة سارة وجميلة , فالعزيز ستار عناد, الذي جاء من السويد ليشاركني فرحتي , خصني بكاركتير جميل يحمل ملامحي , والاصدقاء الاخرون قدموا هدايا متنوعة , مع كلمات رقيقة , كما اهدتني زوجتي لوحة تعبيرية راقصة لايمكن ان تنسى , لكن الصديق الفنان طالب غالي الذي شغل بعوده وصوته معظم ساعات الحفل , فاجئني والاخرين بقصيدة رائية رائعة , اقدمها للقراء رغم خصوصيتها , واطراءها الزائد لي .

وبعد ايام من انتهاء المناسبة وجدتني ارد على قصيدة العزيز طالب وعلى نفس البحر والقافية , بقصيدة استعرضت فيها الخمسين سنة التي انصرمت من حياتي , والغريب اني لم اجد سوى حزمة خسارات , حتى انني عندما ارسلت القصيدة لصديقي الفنان عبد الكاظم ابراهيم, الذي كان يشكو الي دوما وضعهم في ايام الحصار الاقتصادي , اتصل بي قائلا ( ولك هاي انت شصاير بيك ؟ قصيدتك خلتني استحي بعد اشكيلك !!!) وسأورد قصيدتي ايضاً ليتسنى للقراء تقدير حجم الالام التي نعيشها في الغربة , تلك التي يحسدنا بعض (البطرانين!) اننا نعيش تحت ظلالها الوارفة .

 

قصيدة  طالب  غالي

20|5|1998

أًلملمً    الشوقَ  من   قَلْبي   وأَزرَعُهُ                      ليستَوي   شَجراً    يَنمو    ويَزدَهرُ

وأَفرُشُ  الآرضَ  عُشباً  من  مَحَبَتنا                      كي  التقيكَ   رَبيعاً   والدُنى   سَمَرُ

ففي  دَمي  فَرحَةُُ  لو  شئتَ  أُشعلُها                       لترتَمي   ألقاً    يزهو       وَ يَنهَمِرُ

هي  المحبةُ نبضُ الكونِ لو  صدقت                      تعلو  سماءً   ويحبو   دونها   القَمَرُ

يا  طيب  القلبِ  لو  جاورتَ  مُقفرَةًً                      صارتْ  جناناً  وجاءَ  الطيبُ  يَعتَذرُ

وانتَ   مثلَ   نَسيمِ    زارنا   عَبِقاً                         مَرَ  النسيمُ   وظَلَ   العطرُ   يَنتَظِرُ

أُنبيكَ  شوقاً  أَبا  نهران  إنَ  هوى                        يمتدُ  في  الروح  لا  يُمحى  لَهُ  أثَرُ

ولن  تُزيلَ  الليالي  السودُ من حَنَقِ                       نَجْماً  على  ضوئه  الاحلامُ   تَنتَشِرُ

يا  طيبَ  القلبِ ما عُمرُ بدونِ هوى                     وما  هوى  دونَ  نبضِِ  لو  شَدا  وَتَرُ

طوبى  لعيدكَ    أَفراحاً     يسورهُ                       حُبُُ  من  الآهلِ  والآحبابِ  مُزدَهِرُ

خَمسونَ عاماً مَضَتْ ما بينَ غائمَةِ                      يوماً  ومشرِقَةِِ   جَذلى   بها  الصورُ

خَمسونَ  شَمعَةِ  حُبِِ  أُطفئَتْ  لَهَباً                      لكنما  ذكرَها   في   القلبِ    مختَمِرُ

يطفو مع  النبضِ  لو  اذكتهُ  بارِقَةُ                      من  الحنينِ   ولو  شَطتْ   بهِ   فِكَرُ

سِفرُ  هو  العمرُ  والآيامُ   أسطرُهُ                       فلو  خبت  أسطُرُ  شَبتْ   سناً  اُخرُ

وإن نَمَتْ أَغصنُ خُضرُُ على شَجَرِ                     فَمثلها  أَغصنُ   في  القَلبِ   تَنكَسِرُ

يا  طيبَ  القلبِ  لا  مَستكَ  نازِلَةُ                        ولا  خَطى  نحو  اعتابِ  لكَ  القدَرُ

إنا  نذرنا  الاغاني  فرحَةَ  وندى                        فَهل  تُوفي   لما  في   قَلبنا    النُذُرُ

طوبى  لأيامك  المأمولُ  مَقدَمُها                         بالبشرِ   تأتي   وبالأعيادِ    تَعتَمِرُ

 

قصيدتي

كوبنهاكن  1998

 يا تؤام  الروح

يا  تؤام  الروح  لا  ماءُ  ولا  شَجَرُ                  في  القلبِ  غَصَةُ  حُزنِِ  زادُها  الكَدَ رُ

لقد  تأملتُ  في  الخمسين  أفحَصها                   عسا ي   ألقى   بها   طيفاً     فأصطَبرُ

فَما  وجَدتُ  سوى  جُرحِ  يُجاورُهُ                    جُرحُ ,  أهذا   جزائي    أيها   القَدَ رُ ؟

قد  كانَ  عيشي  رَخياً  ناعماً تَرِفاً                     واليوم  فَوقَ  سَمائي  قد  علا  ضَجَرُ !

بالامسِ   كُنتُ   صَبياً  لاهياً  عَبِثاً                   أعلو   بأحلاميَ  الجذ لى   وأنحَدِ رُ

أطوي  الدروبَ  شَقياً  حافياً  جَذِلاً                   خُلواً  منَ  الهَمِ , لا  حُزنُ ولا كَدَ رُ

أتيهُ   بالعُشقِ ,   مَسحوراً   بفاتِنَةِ                    عَنَتْ على البا ل , أو مَرَت لها صُوَرُ

واليومْ  تَعد و  بي  الخَمسين مُسرِعَة                 ويحي!  كأني  لم   اترُك   بها  أثَرُ!

أين الصبى؟ اينَ أترابي؟ وأين هوى                 قَد  داخَ  قلبي  به , وأهتَزَ لي  وَتَرُ ؟

اينَ  التي  كُنتُ مسحوراً( بكِذ لَتِها )                تلكَ  الصغيرَةُ,  اينَ  الليلُ  والسَهَرُ ؟

أينَ  الفراتُ , وذاكَ  الشَطُ  أعشَقُهُ                 أغوصُ   فيهِ   وأطفو , أينَهُ   النَهَرُ ؟

أينَ العراقُ الذي قد فاضَ بي وطَغى               أينَ   النَخيلُ    بَهيُ   فَوقَهُ    التَمُرُ ؟

أينَ  الصباباتُ , احلامي  وأخيلتي                 أينَ  انفلاتا تُ  روحي , أينها الفِكَرُ ؟

أينَ  الدروبُ  التي  قد كُنتُ أسلُكُها                 أينَ   الازقةُ   والحاراتُ    والبَشَرُ ؟

لقدْ  تغيرَ شكلُ  الكونِ  مُذ  رَحَلَتْ                 عيناي  عنهُم , وحُلَتْ  تلكُمُ  الأصُرُ ؟

يا تؤامَ  الروح قد ايقَظتَ بي شَجَناً                  دهراً    أُداريه  ,   مَخفياً   ومُستَتِرُ ؟

لقدْ   صُد متُ  بأنذا لِ    مَنَحتَهُمُ                    قَلبي الوفي, وقد خانوا, وقد غَدَروا ؟

لولا إبتساماتُ ( غفران ) وطيبَتُها                  وَقَلبُها   الابيضُ    المعطاءُ   يزدَهِرُ

(غُفرانُ) فيضُ من الاحساسِِ أعبُدُهُ               أذوبُ  عُشقاً  بها  ما  ظَلَ  لي  عُمُرُ!

تَغلغَلَتْ  في  شراييني   وأورِدَتي                 وأمطَرتني   طيوباً    نِرجساً   عَطِرُ

لولاكِ  كانتْ  حياتي  الانَ مُوحِشَةَ                النُبْلُ  انتِ  وانتِ  الماسُ  والدُ رَ رُ !

يا تؤامَ  الروحْ  لولاكُمْ  لما إبتَسَمَتْ               لَنا  الشفا هُ , ولا  إفتَرَتْ   لنا   ثُغُرُ !

أنتُمْ  مَصدا تُ  ريحِ  الحُزنِ  بائِسَةُ                حَياتُنا  الانَ  ,  لولا   ذ لِكَ   النَفَرُ  !

هذ ي  الصداقا تُ من  عَهدِ أحنُ لهُ                ما  ماتَ  عَهدُ  بهِ  أمثالُكُمْ   بُذِ روا !