آداب

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأثنين 10/8/ 2009

 

حكاية من وطن

فالح الشلاه
falihalshalah2008@yahoo.com

صوته يوقظني ، يطوق أذناي ، تتمسوق الحروف بين المطرقة والسندان، نعم: سأرسمك ، شفقا ، غسقا ، صيفاً وشتاءً ، أغصانا تغفو ، ربيعا يزهو بوديانه ، سأحتفي بك نوروزاً ، خيراً ، خصباً ، المشاعر تلتهب في داخلي ،ثلوج من الخوف والخجل تذوب ، تفيض عن خارطة العقل ، الذكريات تتصفح ذاتها ، صور متعددة ، بحركاتها ، مواقعها ، أشخاصها ، الأحاسيس تتساقط وتتلاشى مع كل صورة ، مرحلة طواها النسيان ، كانهيار دولة ، الزمن تقتله عقارب ساعة ، أصبحت له حبا مزمنا لا علاج له ، أنا محصوله السنوي ، حصدني من بين الفتيات المملوءات دفئا ، وعذوبة وجمالا ، لم أفاجأ لتحيته ويداي ملطخة بألوان زيت الرسم ،أنا درسك القادم :- ارسميني كما تشائين ، سومري ، بابلي ، أكدي ، وأضيع في تيه سيناء . حين يزورني ، أقدامنا تسير حيث تسير ، تنتظم الخطى بين أروقة الكلية وأقسامها ، رغبات تولد في داخلي كشحنة كهرباء ترتجف لها أوصالي ، روعتي خضوعي لها ، تشتبك الأيدي ، آه يا ليلة الزفاف ، إلى كاهني المعبود ، كأضحية من أضاحي نشيد الأناشيد البابلية ، تنغمس الأصابع في جسدي ، فأحس بنشوة كنشوة الأصابع التي غرست في هشيم ابن عبد مناف ، يتهدم جدار القحط، خارج حدود العقل ، الشفاه على الشفاه ، احتكاك لأسنان ، ارتواء من رضابك ينهي رمضي ، وتلتف يداك إليّ ، تتجمع الرغبات بشهوة لم افهمها مسبقا ، أصوات تنبثق من الداخل كحفيف شجر ، أو لهاث عداء ، أحس عندها أن أعضاء جسدي قد تغيرت مواقعها ، لحظتها التهم الحب ، أنا مجنونة بوحشية العشق ، وجموح غرائز في لحظة آمنة . كنت تنشدني :-

فليتــك تحلو والحياة مريــــرة          وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر           وبيني وبين العالمين خراب

أنا أم الأنام ، أم كلانا خراب ، أقدامنا لا تطأ إلا ارض حرام … خراب ، دمار ، بشاعة في القتل ، تمثيل للأجساد ، حدثتني طويلا عن هذا القتل العبثي ، ولا اعلم أن صدفة غبية امتثلت لأناس برابرة ، اسكنوا في حشاشتك الموت ، قتلوك رأسا هندسيا مبدعا تحول إلى علبة عظام جامدة ، قتلوك باسم الهوية ، بطاقة انتماءك العراق ، أتذكر حين حلمت يوما أن ترزق بتوأمين ولدا اسمه فرات تأخذه من أعاليه ، تعمده بين نواعير هيت الخشبية حتى المسمار ، وتأتي به إلى العمارة فتيممه بطينها الحري من رأسه حتى قدميه ، ودجلة ابنتي ، يا عشتروت الحب تسبح بها من رافد زاراوا والزاب الصغير وصولا ببغداد ، تتوسطها صارخا :- ابنتي دجلة هذه بغداد حبيبتي ، إنها قرة العيون ، أتفهمين يا دجلتي العزيزة ، وتمضي بهما حتى شجرة آدم في القرنة حيث الفطام واللقاء ، اغتيل الحلم الجميل ومات غدرا ، الموت كأدغال الصحراء ينمو ، وقفت على قبرك ، النساء يبكين ، يرددن ما شئن ، أمتثلتك أمامي الرجل الإنسان ، العقل الهندسي ، ليت حلمك يتحقق وتحيل ثراك إلى عمارات ومساكن وحدائق ، أية دقيقة ، ساعة ، أزهقتْ بها روحك لألغيها من الزمن ، أتفكر تلك الأيادي البغيضة والعقول الهمجية التي حرمتني فرصة الارتواء منك ، ورمتني بثالث الأثافي ، اليوم لست سوى قبرا موضوع فيه جسدا فقد كل حيويته ، ستذوب أجزائك ، وتمتصك الأرض ، وستسافر روحك إلى الأعالي ، وأنا ابحث عن إنسان اسمه أنت ، هويته العراق ، لا استطيع أن اخلع روحي من جسدي كي الحق بك ، لي جسد يمتلك مكنوناته ، ما زال بي قحط إلى جسدك الأسر الملتهب ، هل تطلب مني ثانية أن أرسمك ، فانا لا أجيد رسم الأرواح ، عينين لا يكفيا للبكاء ، سأبكيك ، أتوجد للبكاء عيون تعار ، وحناجر للعويل والصراخ ، وقوارير أملأها أحزان ، واكفٌ تضرب يمينها بيسارها جزعا. أغلقت البوم الصور … نزلت دموع على خديها ، فتحت النافذة تتأمل عصافير تحط من غصن لأخر ، تزقزق ، زوجين ، زوجين ، كل منها يبحث عن غصن ينام عليه … انه الغروب .
 

free web counter