الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الخميس 8/7/ 2010

 

وحسبك هذا الصرح الشعري
قراءة في شاعرية صدام فهد الاسدي

عباس الحساني

يحفل الشعر العربي في هذه الحقبة من تاريخ العراق بابتعاد عن الواقعية والسقوط والمداهنة الفكرية التي انتزعت اقنعتها بعد ذلك وظهرت على حقيقتهامما جعل كثيرا من الشعراء يتحسرون على ما بدر منهم وصدر عنهم في الماضي وتجيء بؤر التبرير خالية من الخجل بعيون وقحة وقلوب اشد من الصخر الاصم قسوة, ولا غرابة في هذه المسكنة لانهم جبلوا على الانصياع والسير بركاب الخوف او العوز المادي او التزلف الذاتي الذي اوردهم هذا الورد الاسن كبقع سوداء تشين تاريخ العراق.
وانت حين تطالع فكر الدكتور الاسدي تجد انك في عالم مختلف كل الاختلاف فهو يصرخ (خمسون عاما حاربوني شاعرا) فقد نقل المعادلة الى الطرف الموجب ليضعك ايها القاريء العزيز على الكلمة الجريئة والصورة الشجاعة الفريدة التي يتطلع اليها كل وطني غيور.
لقد كانت هناك علاقة جدلية بين الشاعر والجمهور كما يراها الاستاذ عبد العزيز ابراهيم (
انشاد شعر الحداثة ص51 وما بعدها) فلا شاعر بلا جمهور , وبالمقابل لا جمهور يسمع المقول ان لم تكن هناك قصيدة تنشد – والدكتور الاسدي هو العصب النابض الذي يبعث الحرارة السياسية والتوعية الملتزمة ليكشف عن متطلبات الواقع المتأرجح بين فضاءات سلبية ومظاهر ايجابية خادعة ,انه صوت النهوض الفكري الذي ما فتىء الشاعر ان يتألق في هذا التغيير ليفرز التناقضات التي يعاني منها مجتمعنا العربي والعراقي خاصة .
كما تتجلى عظمة القصيدة العربية بصرحها الشامخ ومنطوقها الرائع الذي يثير في الوجدان التجاوب النفسي الذي يحتاجه كل واع لمصير شعبه ووطنه.
وحقا ان الاسدي ما انفك يسلط آألة التصوير ليكشف صورا طالما كانت مثار الجروح الدامية ليجعل منها حقيقة سافرة لا مواربة فيها, ففي التحليل النقدي نرى العلاقات المنطقية التي يتدرج فيها من تمحيص وتوجيه رؤى في غاية الدقة والتوثيق فيما يضيفه من الوان واشكال بما تثقل تصورات القاريء لكنها صمام الامان الذي يريح الاخرين
ولقد وجدتني مشدودا الى تلك الرؤية التي ما زالت تلقي ظلالها الثورية على الواقع الذي يتلاقح بترسبات تواطأ عليها المجتمع العراقي منذ الازل ، فالطبيعة العراقية ذات تناقضات متداخلة ومتشعبة في متاهات التصدع والازدواجية وهنا ينبري الشاعر الدكتور الاسدي الى تشخيص الادواء بحذق شديد ودراية تامة ,في حين يوصلك الى الذروة بصعود سريع من خلال تتابع الصور البلاغية ,والدجلالات الرمزية المكثفة احيانا بريشة الفني المبدع , يسلط الشعاع على محاجر الغسق ليكشف تلك الخبايا التي تتكون في مظانها قبل خروجها الى العيان .
هذا ما تحتاجه من التشخيص الجريء لمختلف قضايانا الوطنية ليعطي فكرا نهضويا واقعيا .فنحن لا نختار ترفا فكريا متأثرا بالمدارس الادبية الغربية بقدر مايعاج مشاكلنا معالجة جديرة بالتقدير ويضعنا امام الطريق الصحيح.
ومحاجر الغسق المجموعة الاولى من دواوين عدة اعدها الشاعر لتكون نصبا يهتدى بها في دروب الحرية الحقيقية من حيث بناء الانسان بناء قويما قائما على الفلسفة الروحية للاسلام
ولقد شرفني ان يكون لهذا المنحى ما يفخر به الادباء الوطنيون في العراق خاصة والوطن العربي عامة انها ثورة عارمة تشعر من خلال اسقاطاتها الوضاءة صوت كل مظلوم يتطلع الى السلام
وعسى ان يجد الثوريون ضآلتهم المنشودة في هذه المجحموعة ما يعبر عن خلجاتهم الوجدانية وتطلعاتهم المستقبلية بروح ظماى الى الحقيقة.
ولا يسعني الا ان اعبر عن سروري وتطلعاتي الى مزيد من العطاء بعد ان فرض الحرمان على الشعر ومحاربته على مختلف الاصعدة, لقد حاولوا تهميشه لكنه استطاع ان يؤسس لنفسه قاعدة وطيدة ليقول كلمة الحق بصرخته المدوية المعروفة:

لا تتوهموا انكم اسيادي انما اهل البيت هم اسيادي

فنعم الكلمة ونعم الموقف
انها رحلة عجيبة يخوض غمارها المبدأ الحق والموقف الصادق الامين ,ولم يكن هدفها المتاجرة السياسية وانما تحرير الانسان من قيد الظلم وجروح الطين التي مازلنا ننوء بثقلها واختلاطها بين المحكم والمتشابه فكان على الدكتور الفاضل ان يقول لكم:

هذا هو الاتجاه الصحيح
فهل سمعتم النداء؟.؟؟
اللهم اشهد كلمة هو قائلها

اما اسلوبه فلا يختلف فيه اثنان حيث تتحكم به تلك الضربات الايقاعية الشديدة التي تمنح القاريء تبصرا وادراكا اجتماعيا ولا يرى في النعومة الا هروبا من الواقع الذي يتحكم به ويدفعه الى البؤس والحرمان , ومن خلال هذا التصور ان ثريا النصوص تبقى متطابقة في المنظور تماما فكأنها قصيدة واحدة هي ملحمة الوطن الجريح ولا يلعب الخيال في دوره الا النقلة النوعية للصورة في حين تجد الصور المتتابعة ينغمها الانسجام الداخلي لتلك المضامين الدلالية التي اكسبت القصيدة روح الحداثة مؤكدات على ان القصيدة العمودية لها صرحها الشامخ الذي حافظ على وجوده بالرغم مما دخل على الشعر العربي من تأثيرات اجنبية و ثقافات فوضوية لكنها بقيت عند الاسدي علامة متألقة لها حضورها الدائم في ادبنا المعاصر الذي يفتقر اليها بدعوى التجديد, وانك لتسمع صرخة خلوصية متجددة حمل لواءها الاسدي قارعا تلك النزعات التي تحاول ان تتجاوز حدود الشعور العربي نفسيا واسقاط هويته القومية.
ان الدكتور الاسدي ايها القاريء العزيز له ثقافته الاكاديمية العالية المتفتحة ذات المرونة الخصبة الغزيرة التي يستدل بها على ابحاثه الادبية وتحقيقاته الدقيقة مما يجعله اهلا لامتلاك ناصية الادب العربي في العراق والوطن العربي وانت تجد في قوة الافكار وتدفقها صورة لاؤلئك الشعراء الذين حملوا لواء الوطنية كالرصافي والزهاوي وغيرهم من عمالقة الشعر في تاريخنا .

اما عنصر الايقاع فله خصوصياته عند الاسدي مما يحكم عليها انها الشاعر نفسه لا ظل غيره كما يفعل المعاصرون ولا ابالغ في هذا الاعتبار مجاملا او مداهنا وانما ادعوك الى قراءتها بتؤدة قراءة موضوعية وستجد ان هناك بركانا ينفجر في ذاتك لتصرخ بوجه الباغي لا فالمجد للوطن عندئذ يكون لك موقف اسدي واضح المعالم والاطياف انه دلالة الشعور الوطني انه صورتك وحبك العربي المشرق .

انها البداية ومن الله قصد السبيل
 

free web counter