الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأحد 7/8/ 2010

 

سلاماً ... المخرج السينمائي القدير محمد توفيق

فاضل ناصر كركوكلي
Akbar.fazil@yahoo.se

... إنني أحسد ُ أهل ( تلعفر ) في لهجتهم التركمانية الجميلة ، فحين أسمعـُها تحيطني هالة ٌ من الخفـّة ، أقول ُ (الخفـّة) لأنها فعلا ً تشبه ُ رفـّة جناح فراشة ...إنها لهجة ٌ تركمانية مخفـّفة بكل رتمها وإيقاعها فلا يجيد ُ سرّ هذا الايقاع في (تلعفر) إلا شعرائها الشعبيين و مطربيها وعشاقها بمصاحبة آلة ( الساز ) الموسيقية ,,

بهذه اللهجة النسيمية اللطيفة خاطبني المخرج ُ السينمائي العراقي الكبير ( محمد توفيق ) عندما التقيت ُ به في المركز الثقافي التركماني بمناسبة المهرجان السينمائي العراقي الأول الذي أقامه المركز في مدينة كوتنبورغ السويدية .... كان مساءا ً مسحورا ً و رائقا ً حين إصطحبه الفنان ( فاروق فائق عمر ) الى المركز الثقافي من محطة القطار حيث إلتقى كلّ ُ ضيوفنا معا ً بسهرة ٍ طالت حتى داعبت رموشـَنا تثاءبات ُ الليل و أنفاس ُ الفجر العليلة فتهالك بعض ُ الضيوف فوق أسرّتهم إنتظارا ً لليوم الأول الحافل من المهرجان في حين بقي البعض ُ صامدا ً لم يستلم للنوم يستمع بإنتباه الى مداخلات المخرج ( محمد توفيق ) الفكرية العميقة مستمتعا ً من خفـّة روحه ومن قفشاته المرحة إضافة ً الى العزف الجميل والغناء الرائع للفنان ( ياوز علي سعيد ) الذي أغرقنا في لجـّة ٍ من النشوة والغناء الجماعي السعيد الذي أشعرنا فعلا ً بأننا بصدد ِ إنجاز متعة اللقاء الأول التي ُأختصرت فيها المسافة ُ بين تخوم المنفى القسري وضفاف ُ الرافدين الخالد، بين رائحة التراب العراقي وعمق الابداع الحضاري ...!!

لست ُهنا بصدد الدخول الى تفاصيل المهرجان الذي تحمّل مسؤولية تنظيمه نخبة ٌ مثقفة واعية من كل القوميات العراقية الذين يعيشون في السويد بقدر ما أريد التأكيد على الوسائل الاعلامية التي قامت بتغطية المهرجان وعلى رأسها القناة الشرقية التي بثت محاور الجلسات وكلمات الضيوف و القائمين والمشرفين والمشرفات على هذا العمل ولمدة ثلاثة أيام متواصلة إضافة الى كتابات النقاد والمعنييّن بأمور السينما العراقية من أمثال ( د- حسن السوداني ) والإعلامي المتميز ( أديسون هيدو ) ، فالذي إستوقفتني بهذه المناسبة مقالة للناقد ( حميد حداد ) الذي شخـّص فيها حالة ً إستثنائية فعلا ً في الثقافة العراقية الحالية التي تقزّمت بفعل طغيان الثقافة الشوفينية والطائفية ، مؤكدا ً في مقالته بأن الجهة المسؤولة عن إقامة هذا المهرجان هي المركز الثقافي التركماني العراقي بالتعاون مع فضائية الشرقية والمؤسسة الثقافية السويدية (A.B.F) بحضور مديرها الأقليمي ( فينر لينارسون ) حيث نجد أن المدير المشرف على المهرجان تركماني بينما المدير الفني والتصميم والإعلام بالإضافة الى المنسقين والمنسقات من جميع القوميات المتآخية وإن دائرة العلاقات الثقافية في وزارة الثقافة العراقية الحالية بكل إمكانياتها الحالية عاجزة عن القيام بهذا العمل الجدير بالإحتفاء ، وإن هذا الانجاز بحد ذاته وصمة عار فوق التضاريس الباهتة لهذا الزمن المتشرذم لأن لغة الهمّ الوطني في هذا المهرجان سادت بشكل ملحوظ في كل ّ الخطاب الابداعي الذي رسمه بجدارة المخرجين الشباب والمخضرمين العراقيين الذين تركوا بصماتـَهم بعمق في مسيرة الفن السابع من أمثال المبدع ، عبد الهادي ماهود ، فاروق داوود ( الحائز فليمهُ على الجائزة الأولى في مهرجان بيروت عام 2009 والذي إستحضر فيه أعمال الروائي العراقي (غائب طعمة فرمان ) ، وبشير ماجد ، باسم قهار ، جمال أمين ، عبد الهادي السعدون ، ليث عبدالامير ، نوال السعدون ، كفاية صالح ، عمار سعد ، وعلي طالب ، وكاظم صالح ...!!

وكان لحضور المخرج ( محمد توفيق ) نكهة ٌ خاصة في إضفاء أجواء الجدّية والمرح في إطار تناوله برصانة ٍ وعمق حياة الفنان العراقي ( محمد سعيد الصكـّار ) في فيلمه التسجيلي ( شاعر القصبة ) الذي بدت اللقطات ُ الفنية فيه مدروسة بعناية ٍ فائقة وبحرفية عالية تذكرنا بالأعمال الوثائقية العالمية فهي تشدّنا بعوالم الفنان والخطاط (الصكـّار) من أولى لقطات الفيلم في الانتقال الرهيف والمشحون بالإبداع بين حياة المشغل و اللقطات الخارجية و بين سياقات اللوحات في كيفية إنجازها ، وذلك بتواتر اللقطات و الصور وكأننا أمام قصيدة لونية أو لوحة شعرية تنبض قوانينـُها الخاصة حتى قمـّة إيقاعاتها الداخلية، فلا عجب فالأستاذ ( محمد توفيق ) له باعٌ طويل في كتابة الشعر وله فيها محاولات رائدة في ديوانين شعريين أصدرهـُما ، لذا جاء عمله السينمائي هذا و كأنه مهرجان لونيّ مقرون بمتعة صوفية مموسقة لأنه تعامل مع مادته بأدوات سينمائية قاربت مع روحية العمل الفني من جهة وبين النسوغ اللامرئية في حساسية الفنان أثناء الخلق والإبداع من جهة أخرى ، وقد منح َ لنا مساحة ً زمنية بأن نعيش في أعماق العمل الفني حتى بعد إنتهاء العرض بفترة ٍ طويلة ...!!

أما عمله السينمائي الموسوم بـ( صائد الأضواء ) فإنه كان في قمة الجرأة في الطرح وبمجازات تعبيرية أخـّاذة غاية في البساطة والعمق من خلال تناوله حياة واقعية لشخصية مأزومة عبثية تحاول أن تسبغ على نفسها معنىً ما من خلال ضياعها و قلقها ... إنه بطل سلبي بكل معاني الكلمة يسعى الى إختيار لحية تناسب ذقنه ويمكن القول والجزم بأن هذا العمل يَطرح ُ لأول مرة في السينما العراقية القصيرة موضوعة َ وحدة الرمز والمحتوى حتى نهاية الشريط ، فالشكل وعناصر الشكل عموما ً في حياتنا الاستهلاكية المعاصرة يكاد يطغى على جميع مسار عيشنا بالقولبة والتأطير ، ومن صميم هذا النزوع الشكلي ( اللحية المناسبة لنا ) – فهناك لحية ُ العالم والفيلسوف والأثري والكاتب والشاعر والمصلح الاجتماعي والنفسي والفنان والساحر والشيخ المعمم والوهابي والإرهابي ... الخ
يمكن الإستعانة بها لإكتساب الهيبة الاجتماعية أو لسرقة الاضواء أو لخداع العامة والبسطاء ، هذا هو بالضبط محتوى الفلم الذي يذكرنا بالومضات ( التشيخوفية ) والذي تعامل َ معه المخرج بمنتهى البراعة في قالب الملهاة/التراجيديا ( تراجيكوميد ) بحيث جعلنا نسخر ُ تماما ً من أنفسنا ومن عقولنا الباهتة التي (تخفي عنـّا الأبدية) بتعبير ( نيتشة ) ، و كل ُ هذه المونودراما كانت من اداء ِ الممثل ( جمال أمين ) الذي نقلت ُ له إنطباعي عن ادائه بعد العرض متسائلا ً عن كيفية ِ تقمـّصه لشخصيته الواقعية ليعكس َ لنا بإحكام هيمنته على بُنيته ِ الداخلية في نص َّ وفيلم قصير .. ؟؟
فأشار الممثل المقتدر بكلِّ تواضع الى المخرج ( محمد توفيق )
قائلا ً .... إسأله ُ .. ؟؟
فمن هو هذا المخرج التركماني الرائع ..؟؟

يقينا ً بأن سيرتـَه الذاتية ( بيوغرافيا ) جديرة بالجواب عن حياته الحافلة بالإبداع ...
- إنه خريج أكاديمية الفنون الجميلة في العراق – قسم الإخراج والتمثيل ..

- أخرج َ وكتب سيناريوهات الافلام التالية :
1 - حرب اوكتوبر 2- صانعة ُ الاجيال 3- مسيرة ُ الاستسلام 4- يوميات مقاتل 5 – أم علي 6 – الطفل واللعبة 7 – الناطور 8 – شاعر ُ القصبة 9 – تحديات ساعي البريد 10 – سجـّل أنا عربي ( وهو برنامج تلفزيوني – حوار مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش ) – 11 صائد ُ الأضواء 12 – سنوات ُ الرماد 13 – ظلال 14 – باب ُ السماء 15 – ماريا / نسرين 16 – أنا و الفصول الأربعة 17 – نورا 18 – هاملت 19 – ليل وثلج وأوتار
- كتب َ عشرات المقالات والبحوث عن السينما في العديد من الجرائد والمجلات العربية و العالمية
- شارك في العشرات من المهرجانات العربية والعالمية كمخرج و ناقد سينمائي منها :
مهرجان كان وموسكو و مونبليه وبرلين و لايبزغ وكراكوف وطاشقند وأنطالية و أوغودوجو والقاهرة و دمشق وقرطاج و الرباط ... الخ .
- ُأختير عضواً في لجان التحكيم في العديد من المهرجانات السينمائية العالمية ..
- عضو نقابة الفنانين العراقيين
- عضو جمعية المخرجين السينمائيين الدانماركيين
- عضو جمعية الصحفيين العالميين
- أصدرَ مؤخرا ً كتابا ً بعنوان ( محطات ُ الإنتظار ) يتضمن ثلاثة نصوص سينمائية
- صدرت له حديثا ً مجموعتان شعريتان بعنوان ( مرايا الوجع ) و ( القلب ُ محيطك )
- يعيش و يعمل حاليا ُ في الدانمارك ...

في ليلة الختام إصطحبت ُ الاستاذ ( محمد توفيق ) والمخرج ( فاروق داوود ) الى شقتي ، فكانت سهرةُ إختلط فيها الشعر ُ بالهموم الفنيـّة والثقافية والأدبية حتى الساعات الأولى من الفجر حيث بدأت خيوط ُ الشمس الشاحبة من نافذة الشـُرفة تتغلغل في أديم ملامح ( محمد توفيق ) الذي نظرَ الى أعماق عيني متفرسا ً وظلالُ إبتسامة وامضة ترتعش في شفتيه قائلا ً :
- أمنيتي أن أخرج فيلما ً روائيا ً عن ( تلعفر ) حيث مراتع الطفولة والأشجار والطيور والأغاني والأعراس والمآتم والبطولات والأمجاد والقلعة الشامخة والشيوخ وحكايات الجدّات والفولكلور والآساطير التركمانية الغارقة في القدم ... ولكن ...!!

فبقيت ُ أحدّقُ الى ملامحهِ الصافية تحزّني غصـّة ٌ أليمة من هذا الزمن الذي لا تليق ُ به إلا كلمة ٌ واحدة ..الـّلعنة .!!

ملاحظة / أترك ُ أمنية هذه القامة ُ الابداعية العالية للوقف التركماني وللمؤسسات الثقافية التابعة للتشكيلات والمنظمات والأحزاب التركمانية عملا ً بقول ِ –
دي كروتفل - :

( إذا يأست َ من شيء فامض ِ اليه و أنت َ يائس )

 

كوتنبورغ – السويد
 

free web counter