الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

الأربعاء 5/7/ 2006

 

 

جمالية السرد في سِفر .... أنا وعيناك والفلامنكو

 

محمد الحافظ

أن الإنسان المتحضر يحتفظ دون وعي منه بمعارف مما قبل التأريخ أدرجها بصورة غير مباشرة في الأسطورة
كوستاف يونك

الرغبة الغامضة والملحة على قراءة نص ما والعودة إليه ثانية ، هذا ما يفسر لنا التفاعل الروحي بين النوازع النفسية للقاريء نحو انسيابية الكتابة وجمالية السرد وبين الانفعالية العاطفية ومعادلتها الجريئة بالبحث عن الترابط الموضوعي في آلية المفردة والاتساق الظاهري للشكل والمكنون الباطني لجوهر النص ، فالمعرفة الذاتية في اختيار الفكرة والتنقل الحرفني المموسق في بحور اللغة والتحليق الحر بالمقطوعة نحو إبداع أدبي جعل من النص ككل لوحة فنية رائعة . نعم لقد حلقت بنا الكاتبة عشتاروت في سِفرها هذا وهي تؤطر الحداثة بأطر تأريخية ذات سياقات وأنساق معينة سواء على صعيد التعامل مع اللغة أو على صعيد الرؤية التاريخية ،وقد بلغت تجلياتها وهي تخلق سديما تفترشه حيث تغادر موقع ألذات الإنسانية وتتحرر من الصمت لتبتدع عوالمها الخاصةً بها وهي ترتل مزمورها الاندلسي في،، أنا وعيناك والفلامنكو،، فترقص غجريات الفلامنكو على تلك.... الصباحات المعطرة بشذا الليمون والقرنفل ، تستيقظ ولادة برموشها الناعسة على ضربات كعوب أحذية الراقصات وهن ينشدن أغنية لوركا الخضراء ،.. أنت جميلة لأن ليمون قرطبة يشبه تدلي شفتيك من عسل الكلام في صباح أسباني بارد.، ولتكمل رحلتها السرمدية إلى مدنها الحالمة على أمواج البحر المتوسط تؤسس أغنياتها العاشقة مزموراً آخر يفضي بنا إلى عالم لطالما افتقدناه في أدبنا الآني .
تستوقفها عيونه وهي مبحرة بأشرعةٍ ذات خصوصية يحدوها التأمل واستنطاق أشياءها المحببة إلى نفسها وبتحدٍ يمتهن الحدية العذبة فنراها تكمل سفرها بفك شفرة ( الغورنيكا ) وطلاسم أجساد نسائه وعشيقاته العاريات ، وهي ترتل مزاميرها بخيال استنبطته من واقع فتوحاتها الاندلسية في نصها هذا،ما عادت تبخل على القاريءلتشركه إحساسها بالمتعة في رحلات تكاد إن تكون استكشافية لروائع الأدب والفن الأسباني بميثولوجيا حداثوية مستمدة من خصوبة سومر وعشقها الأسطوري إلى دموزي ، وبحثها المتواصل عن سراً لخلودها ارتأت وبنظرة حكيم إن تكون الكلمة هي عشبتها . ومن قراءتنا لنصوص الكاتبة يتضح لنا قدرتها على تحريك الألفاظ وتوظيف اللغة الشعرية بالشكل الذي يسمو به الخيال ليرتفع بالفكرة إلى مراحل الرفعة والكمال تتجلى فيهما العلاقة بين الصورة الفنية والشعرية العالية ، واعية لمعارف اللغة والإطلاع على أسرارها ودلالات أفعالها  وهي تنثال على الورق لتشكل بنية شعرية إيقاعية أوسع وأعمق من إن تتحد بالمفردات . ولقدرتها على احتواء النص وجر المتلقي إلى ما تبتغيه وتنشده
ولمعرفيتها الأكاديمية في أين .....ومتى ....وكيف ......!! سيحيلنا إلى نقطة هامة وهي تفجير النص لدى الكاتبة والانطلاق خارج الواقع المادي يؤكد سحرية الأسلوب والتفرد بخاصية الكتابة ، وهذا ما آل إليه بحثها المضني على سرِّ خلودها ( عشبة جلجامش ) ، فقد تميزت عن مجايليها في الكتابة وذلك لسبراغوار الموروث والأساطير من حضارات العالم وبناء نصوص بديناميكية شفافة فنرى النص عندها يكتظ بمدلولات وأسماء لاماكن تاريخية وشخوص لهم تأثيرهم على الواقع الأدبي والفني العالمي منه والعربي .
ــ استوقفتني عيناك وأنا في رحلة من طنجة إلى برشلونة .... لاكتشاف عالم سلفادور دالي ........، سريالية عينيه ......، وعن أنا ماريا وعشيقته غالا
ـــ استوقفتني عيناك وأنا استرجع عبق الشرق في غرناطة ..قرطبة ..اشبيلية لأطل منهما على اندلسنا الضائع
ـــ استوقفتني عيناك وأنا أفتش عن سرفاتش وسانشوبانزا ..... لأعيش حلم فنتازيا دون كيشوت .
وتستمر بعد تستوقفها عيناه في البحث عن عيني كارمن لترقص معها في حانات الكيتانوس .....والى غرناطة لتكتب كلمة رثاء إلى لوركا ...وتبحث في سِفرها أيضا عن فيسنتي الكسندري في حارات اشبيلية .وتعود لتعلن عن عاطفتها بكل ما تملك من جرأة وغرور وطيش وكبرياء .
سيدي ..ارحل بعيدا أنت وعينيك ووجهك معي ، يالها من عاشقة أسطورية ..أدمنت البحث في مفازات العاطفة ومجاهل العشق .. كيف لا وهي عشتاروت آلهة الحب والجمال البابلي . فتستعيد لحن أغنية عشق على غيتار اشبيلي لخوزيه لويس بيراليس يقول فيها  :
الحب قطرة من الكريستال
الحب إن تقطع الطريق بصمت
الحب فاكهة لأثنين أنا وأنت
الحب هو الخلق
الحب كون بين اثنين
الحب إن تغفر لي وأنا أفهمك
هاهي عشتاروت تحلق بنا بعيدا ..بعيدا في ملحمة من ملاحم أوروك تتداخل فيها الرؤى والحقيقة والخيال والالق قوس قزح يرتفع بواقع من عالمه السفلي إلى عوالم ألذات العليا تلك العوالم التي تتمتع بنقاء السريرة وصفاء العاطفة ،لتعود مع عينيه إلى شواطيء جزر الكناري تحتضنه زنبقة حمراء على شعرها الفاحم ومشطا عاجيا فوق دانتيلا شالها الأسود ونقشا سورياليا على مروحتها لترقص معه بتلك العاطفة المشبوبة على أنغام السامبا والروميو لتستلقي متعبة بين أحضانه وتغفو على سحر عينيه ملتحفة عطر جسده .
وأخيرا تختتم هذا السِفر الرائع بمأثور مبدع طالما حفظناه عن ظهر قلب لبطل عربي ....، ولكن يصلنا عن طريق هذا السفر عنوان حب لا للحرب وبأسلوب كاتب متمكن من أدواته فتقول .....
؛عيناك التي قالت لي بصوتٍ عالٍ أنّى تذهبين ..بحر عيني من وراءك .. وأنا من أمامك وليس لديك إلا أحضاني وقدري .