الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

الخميس 4/5/ 2006

 

 

 

الماغوط في قصيدته الخالدة الوشم


صباح كنجي

من بين الكثير مما كتبه الشاعر والاديب السوري المعروف محمد الماغوط في مجالات الشعر والنثر والمسرح وغيرها من فنون الأدب التي تطغي عليه لغة السخريه المشبعة بالمرارة والالم واللوعة المرافقه للأنكسارات والهزائم المريرة والشنيعة وبعناوين استفزازيه ( سأخون وطني ) كتابه النثري المرموق ، إخترت قصيدته التي تحمل عنوان الوشم لكي اسجل انطباعي عنها فمنذ ان قراتها لأول مرة وانا اعود لها اكرر قراءتها بلا ملل .

في( الوشم) يختزل الماغوط كل اوجاع الشرق وجراحاته العميقة والدفينة اراه فيها يحكي عن جراح الروح التي لا تندمل .

( حيث لاشيء
يفصل جثث الموتى عن احذية المارة
سوى الأسفلت
)

اسمعه من خلالها يتحدث عن الشروخ في النفس المعذبة والمطاردة من خلال تساؤله الذي يحمل في طياته اقصى شحنات الأدانة للقمع ورموزه من رجال السلطة.
( من اورثني هذا الهلع
هذا الدم المذعور ؟!
)
غير القمع المنفلت الذي يخلف الجثث التي تلامسها اقدام المارة ، ويولد الخوف الذي يسعى لتحطيم النفوس ،ويجعل حاملي الأفكار الحرة من غير المستسلمين للقمع ان يعيشوا وسط الظلام :
( اضحك في الظلام
ابكي في الظلام
اكتب في الظلام
)
وهو ظلام دامس وطويل يمتد مع سنوات العمر من جيل لآخر مع استمرار حالة القمع وتواتر مفرداته الدامية ، الى الحد الذي بات فيه حاملي الفكر لا يفرقون او يميزون بين .

( حتى لم اعد اميز قلمي من اصابعي )

ويسمعك صرخة الجنين المربوط لحبل المشنقه في رحم امه وانين المعذبين بالسوط.

( المأساة ليست هنا
في السوط او المكتب او صفارات الأنذار
انها هناك
في المهد.. في الرَّحم
فأنا قطعا ً
ما كنت مربوطا ً إلى رحمي بحبل سرّة
بل بحبل مشنقه
)

ومع قسوة القصيدة وانتقالاتها تسمع صوت الماغوط يناديك رغم الخوف بأن لا تستسلم ويطالبك بالمقاومة كي تعود السياط من جديد أغصانا ً مورقة ومثمرة.
( ولن انهض
حتى تجمع كل قضبان السجون وإضبارات المشبوهين
في العالم
وتوضع امامي
لألوكها كالجمل على قارعة الطريق..
حتى تفر كل هراوات الشرطة والمتظاهرين
من قبضات اصحابها
وتعود اغصانا ً مزهرة مرة أخرى
)

ومع هذا الامل تشعر بنشوة الماغوط وهو الصادق في قوله ومشاعره ، وتأكيده باليقين اللامحدود ان الغد سيكون اجمل واجمل، الماغوط كان شاعرا ً وضميرا ً مطاردا ً من لدن اجهزة مخابرات غبية لا تعرف فك الحروف وفي غفلة من الزمن تربعت على عرش الشام ونشرت فيها الخراب الذي تكثفه قصيدة الوشم في صور شعريه مؤثرة تدفع المرء لذرف الدموع مع كل مقطع فيها.

( ما ان ارى ورقة رسمية على عتبه
او قبعة من فرجة باب
حتى تصطك عظامي ودموعي ببعضها
ويفر دمي مذعورا ً في كل اتجاه
كأن مفرزة ابدية من شرطة السلالات
تطارده من شريان الى شريان
)

ولو لم يكتب الماغوط إلا هذه القصيدة لأستحق ان يكون في الصدارة مع غيره من الشعراء الذين حولوا الحرف الى رنين يدوي في كافة العصور والأزمان ، والقصيدة الى معول ومطرقة تهدم اسوار القمع وتزيل ركامه من الوجود .

سينتهي القمع وستبقى قصائد الماغوط هي الخالدة ، وفي قصيدة الوشم استطاع الماغوط ان يوشم جبين القمع ورموزه بالعار الأبدي ،وذلك سر خلودها.